
15-03-2022, 02:12 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 326 الى صـ 330
الحلقة (64)
ثم بين تعالى ما للصابرين عنده بقوله : وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة مكروه ، اسم فاعل من أصابته شدة : لحقته . أي كهذه البلايا "قالوا إنا لله" أي ملكا وخلقا، فلا ينبغي أن نخاف غيره ، لأنه غالب على الكل ، أو نبالي بالجوع ; لأن رزق العبد على سيده ، فإن منع وقتا ، فلا بد أن يعود إليه . وأموالنا وأنفسنا وثمراتنا ملك له ، فله أن يتصرف فيها بما يشاء "وإنا إليه راجعون" في الدار الآخرة . فيحصل لنا عنده ما فوته علينا . لأنه لا يضيع أجر المحسنين . فالمصاب يهون عليه خطبه ، إذا تسلى بقوله هذا ، وتصور ما خلق له ، وأنه راجع إلى ربه ، وتذكر نعم الله عليه ، ورأى أن ما أبقى عليه أضعاف ما استرده منه . قال الراغب : وليس يريد بالقول اللفظ فقط ، فإن التلفظ بذلك مع الجزع القبيح وتسخط القضاء ليس يغني شيئا ، وإنما يريد تصور ما خلق الإنسان لأجله والقصد له ، والاستهانة بما يعرض في طريق الوصول إليه ، فأمر تعالى ببشارة من اكتسب العلوم الحقيقية وتصورها ، وقصد هذا المقصد ووطن نفسه عليه .
(ثم قال) إن قيل : ولم قلت : إن الأمر بالصبر يقتضي العلم ؟ قيل : الصبر في الحقيقة إنما يكون لمن عرف فضيلة مطلوبه .
[ ص: 327 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[157 ] أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
"أولئك" إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت "عليهم صلوات من ربهم"
قال الراغب : الصلاة ، وإن كانت في الأصل الدعاء ، فهي من الله البركة على وجه ، والمغفرة على وجه . وقال الرازي : الصلاة من الله هي الثناء والمدح والتعظيم . قال الراغب : وإنما قال "صلوات" على الجمع ، تنبيها على كثرتها منه وأنها حاصلة في الدنيا توفيقا وإرشادا ، وفي الآخرة ثوابا ومغفرة "ورحمة" عظيمة في الدنيا عوض مصيبتهم "وأولئك هم المهتدون" أي إلى الوفاء بحق الربوبية والعبودية ، فلا بد أن يوفي الله عليهم صلواته ورحمته .
(تنبيه) ورد في ثواب الاسترجاع وهو قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، عند المصائب ، وفي أجر الصابرين ، أحاديث كثيرة . منها ما في صحيح مسلم عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيرا منها ، إلا أجره الله في مصيبته ، وأخلف له خيرا منها » . قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت : من خير من أبي سلمة: صاحب رسول الله ؟ ثم عزم الله لي فقلتها . قالت : فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى الإمام أحمد عن الحسين بن علي عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها ، وإن طال عهدها ، فيحدث لذلك استرجاعا ، إلا جدد الله له عند ذلك ، فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب بها » .
[ ص: 328 ] وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي سنان قال : دفنت ابنا لي ، وإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة (يعني الخولاني) فأخرجني وقال : ألا أبشرك ؟ قال قلت : بلى . قال : حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله تعالى : يا ملك الموت ، قبضت ولد عبدي ، قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده ؟ قال : نعم . قال : فما قال ؟ قال : حمدك واسترجع . قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد » . ورواه الترمذي وقال : حسن غريب .
وروى البخاري : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيرا يصب منه » .
وروى الشيخان عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه » .
ورويا أيضا عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من مسلم يصيبه أذى من مرض [ ص: 329 ] فما سواه إلا حط الله به عنه من سيئاته ، كما تحط الشجرة ورقها » .
والأحاديث في ذلك متوافرة معروفة في كتب السنة .
وللإمام عز الدين محمد بن عبد السلام ، رحمه الله تعالى ، كلام على فوائد المحن والرزايا يحسن إيراده هنا . قال عليه الرحمة : للمصائب والبلايا والمحن والرزايا فوائد تختلف باختلاف رتب الناس :
أحدها : معرفة عز الربوبية وقهرها .
والثاني : معرفة ذلة العبودية وكسرها ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده ، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره وقضائه وتقديره لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه .
والثالثة : الإخلاص لله تعالى ; إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه ، ولا معتمد في كشفها إلا عليه : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين
[ ص: 330 ] الرابعة : الإنابة إلى الله تعالى والإقبال عليه : وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه
الخامسة : التضرع والدعاء : وإذا مس الإنسان الضر دعانا وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|