عرض مشاركة واحدة
  #89  
قديم 12-03-2022, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (89)

من صــ 385 الى صـ
ـ 392

بفعل المأمور به كما ذكر معها البر وكما في قول نوح: {أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} وذلك لأن هذه التقوى مستلزمة لفعل المأمور به. ونقول
ثالثا: إن أكثر بني آدم قد يفعل بعض المأمور به ولا يترك المنهي عنه إلا الصديقون كما قال سهل؛ لأن المأمور به له مقتضى في النفس وأما ترك المنهي عنه إلى خلاف الهوى ومجاهدة النفس فهو أصعب وأشق فقل أهله ولا يمكن أحدا أن يفعله إلا مع فعل المأمور به لا تتصور تقوى وهي فعل ترك وقط؛ فإن من ترك الشرك واتباع الهوى المضل واتباع الشهوات المحرمات فلا بد أن يفعل من المأمور به أمورا كثيرة تصده عن ذلك فتقواهم تحفظ لهم حسناتهم التي أمروا بها وتمنعهم من السيئات التي تضرهم بخلاف من فعل ما أمر به وما نهي عنه مثلا؛ فإن وجود المنهي عنه يفسد عليه من المأمور به ما يفسد فلا يسلم له؛ ولهذا كانت العاقبة للتقوى كما قال تعالى: {والعاقبة للتقوى} {والعاقبة للمتقين} {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}.
وذلك لأن المتقين بمنزلة من أكل الطعام النافع واتقى الأطعمة المؤذية فصح جسمه وكانت عاقبته سليمة. وغير المتقي بمنزلة من خلط من الأطعمة؛ فإنه وإن اغتذى بها لكن تلك التخاليط قد تورثه أمراضا إما مؤذية؛ وإما مهلكة. ومع هذا فلا يقول عاقل إن حاجته وانتفاعه بترك المضر من الأغذية أكثر من حاجته وانتفاعه بالأغذية النافعة بل حاجته وانتفاعه بالأغذية التي تناولها أعظم من انتفاعه بما تركه منها بحيث لو لم يتناول غذاء قط لهلك قطعا وأما إذا تناول النافع والضار فقد يرجى له السلامة؛ وقد يخاف عليه العطب وإذا تناول النافع دون الضار حصلت له الصحة والسلامة. فالأول نظير من ترك المأمور به
والثاني نظير من فعل المأمور به والمنهي عنه وهو المخلط الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا. والثالث نظير المتقي الذي فعل ما أمر به واجتنب ما نهي عنه فعظم أمر التقوى لتضمنها السلامة مع الكرامة لا لأجل السلامة فقط؛ فإنه ليس في الآخرة دار إلا الجنة أو النار فمن سلم من النار دخل الجنة ومن لم ينعم عذب فليس في الآدميين من يسلم من العذاب والنعيم جميعا. فتدبر هذا فكل خصلة قد أمر الله بها أو أثنى عليها ففيها فعل المأمور به ولا بد: تضمنا أو استلزاما وحمدها لنيل الخير عن الشر والثواب عن العقاب.
(فصل: في اليتيم وتعظيم أمره)
وقال - قدس الله روحه -:
فصل:

" اليتيم " في الآدميين من فقد أباه؛ لأن أباه هو الذي يهذبه؛ ويرزقه؛ وينصره: بموجب الطبع المخلوق؛ ولهذا كان تابعا في الدين لوالده؛ وكان نفقته عليه وحضانته عليه والإنفاق هو الرزق. و " الحضانة " هي النصر لأنها الإيواء ودفع الأذى. فإذا عدم أبوه طمعت النفوس فيه؛ لأن الإنسان ظلوم جهول والمظلوم عاجز ضعيف فتقوى جهة الفساد من جهة قوة المقتضى ومن جهة ضعف المانع ويتولد عنه فسادان: ضرر اليتيم؛ الذي لا دافع عنه ولا يحسن إليه وفجور الآدمي الذي لا وازع له. فلهذا أعظم الله أمر اليتامى في كتابه في آيات كثيرة مثل قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين} وقوله: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} - إلى قوله - {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين} وقوله: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين}

وقوله: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} وقوله: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا} {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} - إلى قوله - {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا} وقوله:

{وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} وقوله: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} - إلى قوله - {وبذي القربى واليتامى والمساكين} وقوله: {قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن} - إلى قوله - {وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما} وقوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} وقوله: في الأنعام: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} وقوله:
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين} وقوله: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا} وقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} وقوله: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} وقوله: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين} وقوله: {فذلك الذي يدع اليتيم} {ولا يحض على طعام المسكين}.

(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (178)
قال أبو العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى -:

في قوله تعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية وفيها قولان:
أحدهما: أن القصاص هو القود وهو أخذ الدية بدل القتل كما جاء عن ابن عباس أنه كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فجعل الله في هذه الأمة الدية فقال: {فمن عفي له من أخيه شيء} والعفو هو أن يقبل الدية في العمد {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} مما كان على بني إسرائيل والمراد على هذا القول أن يقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى. قال قتادة: إن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وكان الحي إذا كان فيهم عدد وعدة فقتل عبدهم عبد قوم آخرين قالوا: لن يقتل به إلا حر تعززا على غيرهم وإن قتلت امرأة منهم امرأة من آخرين قالوا لن يقتل بها إلا رجلا فنزلت هذه الآية وهذا قول أكثر الفقهاء وقد ذكر ذلك الشافعي وغيره.
ويحتج بها طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد على أن الحر لا يقتل بالعبد لقوله: {والعبد بالعبد} فينقض ذلك عليه بالمرأة فإنه قال: {والأنثى بالأنثى} وطائفة من المفسرين لم يذكروا إلا هذا القول.
" القول الثاني " أن القصاص في القتلى يكون بين الطائفتين المقتتلتين قتال عصبية وجاهلية فيقتل من هؤلاء ومن هؤلاء أحرار وعبيد ونساء فأمر الله تعالى بالعدل بين الطائفتين بأن يقاص دية حر بدية حر ودية امرأة بدية امرأة وعبد بعبد فإن فضل لإحدى الطائفتين شيء بعد المقاصة فلتتبع الأخرى بمعروف ولتؤد الأخرى إليها بإحسان وهذا قول الشعبي وغيره وقد ذكره محمد بن جرير الطبري وغيره وعلى هذا القول فإنه إذا جعل ظاهر الآية لزمته إشكالات؛ لكن المعنى الثاني هو مدلول الآية ومقتضاه ولا إشكال عليه؛ بخلاف القول الأول يستفاد من دلالة الآية كما سننبه عليه إن شاء الله تعالى وما ذكرناه يظهر من وجوه.
أحدها أنه قال: {كتب عليكم القصاص في القتلى} و " القصاص " مصدر قاصه يقاصه مقاصة وقصاصا ومنه مقاصة الدينين أحدهما بالآخر والقصاص في القتلى إنما يكون إذا كان الجميع قتلى كما ذكر الشعبي فيقاص هؤلاء القتلى بهؤلاء القتلى أما إذا قتل رجل رجلا فالمقتول ميت فهنا المقتول لا مقاصة فيه ولكن القصاص أن يمكن من قتل القاتل لا غيره وفي اعتبار المكافآت فيه قولان للفقهاء قيل: تعتبر المكافآت فلا يقتل مسلم بذمي ولا حر بعبد وهو قول الأكثرين مالك والشافعي وأحمد وقيل لا تعتبر المكافآت كقول أبي حنيفة والمكافآت لا تسمى قصاصا.
وأيضا فإنه قال: {كتب عليكم القصاص} وإن أريد بالقصاص المكافآت فتلك لم تكتب وإن أريد به استيفاء القود فذلك مباح للولي إن شاء اقتص وإن شاء لم يقتص فلم يكتب عليه الاقتصاص وقد أورد هذا السؤال بعضهم وقال: هو مكتوب على القاتل أن يمكن من نفسه فيقال له: هو تعالى قال:
{كتب عليكم القصاص في القتلى} وليس هذا خطابا للقاتل وحده بل هو خطاب لأولياء المقتول بدليل قوله تعالى {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} ثم لا يقال للقاتل: كتب عليك القصاص في المقتول فإن المقتول لا قصاص فيه.
و " أيضا " فنفس انقياد القاتل للولي ليس هو قصاصا؛ بل الولي له أن يقتص وله أن لا يقتص وإنما سمي هذا قودا لأن الولي يقوده وهو بمنزلة تسليم السلعة إلى المشتري ثم قال تعالى: {الحر بالحر} فكيف يقال مثل هذا قصده القاتل؛ بل هذا خطاب للأمة بالمقاصة والمعادلة في القتل.
{والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: كتاب الله القصاص لما كسرت الربيع سن جارية وامتنعوا من أخذ الأرش فقال أنس بن النضر: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية الربيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم بالأرش فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} كقوله تعالى:

{والجروح قصاص} يعني " كتاب الله " أن يؤخذ العضو بنظيره فهذا قصاص لأنه مساواة ولهذا كانت المكافآت في الأعضاء والجروح معتبرة باتفاق العلماء وإن قيل القصاص هو أن يقتل قاتله لا غيره فهو خلاف الاعتداء قيل: نعم وهذا قصاص في الأحياء لا في القتلى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]