عرض مشاركة واحدة
  #45  
قديم 08-03-2022, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 244 الى صـ 248
الحلقة (45)

10 - قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري ومسلم عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤُوا، لم يدخلوا من قِبَل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قِبَل بابه، فكأنه عُيّرَ بذلك، فنزلت: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا).
وفي رواية للبخاري والنَّسَائِي عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل اللَّه: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء فى سبب نزول هذه الآية وقد أورده جمهور المفسرين وجعلوه سببًا لنزولها منهم: الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور.
قال البغوي: (قال أهل التفسير: كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة، لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه) اهـ.
فإن قيل: ما سبب فعلهم هذا؟
فالجواب: (أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم كانوا إذا أحرموا يكرهون أن يحولَ بينهم وبين السماء سقف إلى أن ينقضيَ إحرامهم، ويصلوا إلى منازلهم، فإذا دخلوا منازلهم دخلوها من ظهورها. قاله الزهري. ويعتقدون أن ذلك من البِرِّ والقُرب) اهـ.
وقال القرطبي: (كان الأنصار إذا حجوا وعادوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم، فإنهم كانوا إذا أهلُّوا بالحج أو العمرة يلتزمون شرعاً ألا يحول بينهم وبين السماء حائل فإذا خرج الرجل منهم بعد ذلك، أي من بعد إحرامه من بيته، فرجع لحاجة لا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء فكان يتسنم ظهر بيته على الجدران ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته فكانوا يرون هذا من النسك والبر، كما كانوا يعتقدون أشياء نسكاً فرد عليهم فيها وبيّن الرب تعالى أن البر في امتثال أمره) اهـ.
* تنبيه:
ما صلة قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) بقوله: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا)؟
قال القرطبي: (اتصل هذا بذكر مواقيت الحج لاتفاق وقوع القضيتين في وقت السؤال عن الأهلة وعن دخول البيوت من ظهورها، فنزلت الآية فيهما جميعاً).
* النتيجة:
أن الآية نزلت بسبب ما كان الأنصار يفعلونه عند إحرامهم بحج أو عمرة حيث كانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها بل من ظهورها ظناً منهم أن هذا من البر والنسك فبين اللَّه أن هذا ليس من البر وأن البر في تقواه - عَزَّ وَجَلَّ - لصحة سند الحديث وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ القرآن، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.

11 - قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج الترمذي وأبو داود والنَّسَائِي عن أسلم أبي عمران التُّجِيبي، قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلُهُم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يُلقي بيديه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس إنكم لتُأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أُنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعزّ اللَّه الإسلام وكَثُر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أموالنا قد ضاعت، وإن اللَّه قد أعز الإسلام وكَثُر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل الله على نبيِّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يردُّ علينا ما قلنا: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصًا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
2 - وأخرج البخاري عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال: نزلت في النفقة.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون مع ذلك جملة من الأقوال وجعلوها أسبابًا لنزول الآية ومنها مع ما تقدم:
1 - أن الأنصار كان احتبس عليهم بعض الرزق، وكانوا قد أنفقوا نفقات، قال: فساء ظنهم وأمسكوا قال: فأنزل اللَّه: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال: وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم وهو مروي عن الشعبي ومجاهد وعكرمة.
2 - وقال آخرون: كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغير نفقة فإما أن يقطع بهم وإما أن يكونوا عالة على غيرهم فأمرهم اللَّه أن يستنفقوا مما رزقهم اللَّه ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش أو من المشي. وهذا مروي عن زيد بن أسلم.
3 - وقال آخرون: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ويلقي بيده إلى التهلكة ويقول: لا توبة لي، وهو المروي عن البراء بن عازب وعبيدة السلماني.
ما تقدم هو خلاصة ما قيل في سبب نزول هذه الآية. وبعد النظر والتأمل يتبين الآتي في قولهم: إن الأنصار احتبس عليهم الرزق فساء ظنهم وأمسكوا، وهو عندي - واللَّه أعلم - معلول بالآتي:
أ - أن القائل به من التابعين الذين لم يشهدوا التنزيل فقولهم فيه مرسل والمرسل من قسم الضعيف.
ب - قولهم: إن الأنصار احتبس عليهم الرزق، معلوم أن الرزق لو احتبس لم يحتبس عن الأنصار وحدهم إذ كان المهاجرون مخالطين لهم في ذلك الوقت فلماذا يختص الأنصار بانحباس الرزق ثم لو احتبس الرزق عليهم فأمسكوا لحاجتهم وأهليهم لم يكونوا ملومين لأن حفظ نفوسهم وأهليهم من أوجب الواجبات.
جـ - قولهم: فساء ظنهم وأمسكوا. هذا واللَّه لا يليق بمن هو دون الأنصار بمراحل فكيف يليق بهم ويوصفون به وهم من نَصَرَ الدين وذاد عن رسول رب العالمين وبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم وأهليهم رخيصة لإعلاء كلمة اللَّه، ومن كان في ريب في ذلك فليقرأ ثناء المولى عليهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، أفيصح هذا القول مع هذا الثناء الرباني فتأمل وأنت الحكم؟
وأما ما ذكر من أنها نزلت في قوم يغزون بغير نفقة فهو مرسل كالأول وقد قال الحافظ ابن حجر معقبًا عليه بعد ذكره: (فيلزم على قوله اختلاف المأمورين فالذين قيل لهم: (أنفقوا وأحسنوا) أصحاب الأموال، والذين قيل لهم: (ولا تلقوا) الغزاة بغير نفقة ولا يخفى ما فيه) اهـ.
وأما قولهم: إن الآية نزلت في الرجل يذنب الذنب فيستسلم ويقول: لا يغفر لي. فالظاهر - واللَّه أعلم - أن قائل هذا القول لم يرد به السببية وإِنَّمَا أراد أن الآية بعمومها تتناول من هذا حاله، وأنه ممن يلقي بنفسه إلى التهلكة بفعله هذا.
ولعل مما يؤيد هذا الفهم من السياق خلوه من ذكر الذنوب والقنوط من رحمة اللَّه ولو كانت مرادةً أصلاً هنا لبينها اللَّه بأوضح من هذا كما قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) وإنما الآية آمرةٌ بالإنفاق في أولها وبالإحسان في آخرها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]