عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 06-03-2022, 11:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,704
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 301الى صــ 315
(20)
المجلد الاول
كتاب الصيام









ولأن حرمة الحج متعددة بالنسبة إليهما فإن كل منهما يصير حراماً بإحرام يعقده لنفسه؛ فإذا جامع؛ فقد هتك إحراماً منفصلاً عن إحرام غيره, وهنا الحرمة للشهر الذي يوجب صومه, لا لنفس الصوم المجزئ, ولهذا تجب الكفارة سواء كان صائماً أو مفطراً إذا كان الإِمساك واجباً عليه, ولا تجب إلا في شهر رمضان, وحرمة الشهر واحدة يشملها؛ فإذا هتكاها؛ فإنما هتَّكا حرمة واحدة, فأشبه ما لو اشتركا في قتل صيد.
ولأن الكفارات في الحج تجب مع الانفراد والاشتراك كما تجب بالحلق واللبس؛ فإذا وقع الاشتراك؛ جاز أن يجعلا في حكم المنفردين, وهنا لا تجب إلا بالفعل المشترك.

فعلى هذا, لو استدخلت ذكر نائم أو مكنت من نفسها مجنوناَ أو مسافراَ ونحوه. . . .
وذكر ابن عقيل في موضع آخر أن الوطء إذا تردد بين اثنين لا تجب الكفارة على أحدهما, ووجبت على الآخر وحده؛ كالمسافر إذا وطئ.
ووجه الأول: أن المرأة هتكت حرمة شهر رمضان بالجماع, فوجبت الكفارة عليها كالرجل, وذلك لأنها إذا طاوعته على الجماع؛ كان كل منهما فاعلاً له ومشاركاً فيه, وإن جاز أن ينفرد أحدهما به إذا استكرهها أو استدخلت ذكره وهو نائم؛ فما وجب عليه لله من الكفارة والعقوبة وغير ذلك وجب عليها مثله.

ولهذا يجب الحدُّ عليها كوجوبه عليه, وتفطر بهذا الجماع كما يفطر هو, وتستحق العقوبة في الآخرة كما يستحقه, وتسمى باسمه, فيقال: زان وزانية,ويسمى جماعاً وحلامة ومباشرة, وصيغة الفعال والمفاعلة في الأصل إنما تكون بين شيئين يفعل كل منهما بصاحبه ما يفعل الآخر به؛ كالقتال والخصام.
ولهذا؛ لو استدخلت ذكره وهو نائم؛ وجبت الكفارة. ذكروا فيه الروايتين, ولأنها كفارة, فوجبت على كل واحد منهما؛ كالحد؛ فإن الحدود كفارات لأهلها.
وهذا لأن الكفارة ماحية من وجه وزاجرة من وجه وجابرة من وجه, والمرأة محتاجة إلى هذه المعاني حسب احتياج الرجل.
ولا يصح التفريق بأن الكفارة في المال, والحد على البدن؛ لأن من الكفارات ما هو على البدن, وهو الصيام.
وكذلك لو حلف كل منهما لا يجامع الآخر؛ كان على كل منهما كفارة [إذا] حنث كل منهما في يمينه؛ كهتك كل منهما لحرمة صومه وإحرامه.
وأما حديث الأعرابي؛ فقد أجاب أصحابنا عنه بوجوه:
أحدها: أن بيانه لحكم الأعرابي بيان لحكم مَنْ في مثل حاله؛ إذ من المعلوم أنها تشاركه في الجماع فتشاركه في حكمه, ولهذا لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء والاغتسال, وقد أمر الأعرابي بالقضاء؛ لعلمه بأن حكمها حكمه, فما حمل عليه ترك ذكر القضاء؛ حمل عليه ترك ذكر الكفارة.
ثانيها: أن هذه قضية في عين, فلعل المرأة كانت مكرهة أو نائمة؛ فإنه قد. . .
294 - روي في بعض الألفاظ: أنه قال: «هلكت وأهلكت». رواه الدارقطني.
ونسبة الإِهلاك إليه وحده, وإن كان يحتمل التسبب والدعاء إلى الفعل, لكنه ظاهر في انفراده بالإِهلاك, وسماه إهلاكاً للمرأة؛ لتفطيرها وإيجاب القضاء عليها.

وثالثها: أن المرأة كانت غائبة, ولم تستفه, وإنما سأله الأعرابي عن حكم نفسه فقط, فلم يجب بيان حكم المرأة, وإنما بينه في قصة العسيف؛ لأن له أن يبينه وألاّ يبيِّنه؛ فإن الزيادة على السؤال جائزة.
295 - كقوله في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
ثم الفرق بينهما: أن في قصة العسيف حضر زوج المرأة, وكان سائلاً عن حكمها؛ كما حضر أبو العسيف يسأل عن حكم ابنه.
ثم حكم الرجل في الزنى كان مخالفاً لحكم المرأة؛ فإن حدّها كان الرجم, وحدُّه الجلد, فلم يكن بيان أحدهما بياناً للآخر؛ بخلاف الجماع.
ثم الحدُّ حق الله, يجب استيفاؤه على الإِمام؛ بخلاف الكفارة؛ فإنها حق فيما بين العبد وبين ربه.
ورابعها: أن الرجل أقر بما يوجب الكفارة, والمرأة لم تقر بذلك, وقوله غير مقبول عليها.
وخامسها: أنه يمكن أنه ذكر حكمها فلم ينقل, ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم أراد ذكر حكمها فشغل عنه؛ فإنه عدم محض, والعدم المحض لا دلالة فيه.
وأما قياس هذا على الظهار؛ فلا يصح, لأنها إن كانت مظاهرة منه كما هو مظاهر منها؛ وجبت الكفارة على كل منهما, وإن لم تكن هي مظاهرةً, وقلنا: إنه لا كفارة عليها بظهارها منه؛ فلأن سبب وجوب الكفارة - وهو الظهار-مختص به, كما لو حلف لا يطأها؛ فإن كفارة اليمين تجب عليه خاصة, وكما لو كان هو وحده محرماً أو صائماً؛ فإنه لا ينبغي أن تمكنه من نفسها؛ لما فيه من إعانته على المعصية, ولأن فرجها حرام عليه في هذه الحال, ثم لو مكَّنته؛ لم تجب الكفارة إلا عليه؛ لأنها هي ليست محرمة ولا صائمة.

* فصل:
وإن كانت مستكرهة بأن يضطجعها ويطأها, ولا تقدر أن تمتنع منه, أو يقيدها ونحو ذلك؛ فسد صومها.
نص عليه في رواية مهنا في محرمة غصبها رجل نفسها فجامعها وهي كارهة؛ قال: أخاف أن يكون قد فسد حجها. فقيل له: فإن غصبها رجل نفسها وهي صائمة فجامعها؟ قال: هو كذلك.
وفي لفظ: إذا أكرهها فوطئها؛ فعليها القضاء. قلت: وعليها الكفارة؟ قال: لا. قلت: فإن كانت اشتهته؟ قال: لم أسمع على المرأة كفارة.
وهذا قول ابن أبي موسى والقاضي وأكثر أصحابنا.
وعنه: لا يفسد. ذكرها أبو الخطاب وابن عقيل.
قال في رواية ابن القاسم في الرجل يتوضأ فيسبقه الماء فيدخل حلقه: لا يضره ذلك, وكذلك الذباب يدخل حلقه, والرجل يومئ بالشيء فيدخل حلق الآخر, وكل أمر غلب عليه الصائم؛ فليس عليه قضاء ولا غيره.
فإن هذا يقتضي أنه لا يفسد الصوم بالإِكراه على الجماع؛ لقوله: «ليس عليه قضاء ولا غيره» , وغير القضاء هي الكفارة, وإنما تجب الكفارة في الجماع, فعلم أنه إذا غلب على الجماع؛ لم يكن عليه قضاء ولا غيره. وهذا اختيار ابن عقيل؛ لأن الله تعالى عفا للأمة عما استكرهوا عليه, ولأن هذه المرأة لم يصدر منها فعل ألبتة.
ولهذا لا يجب عليه حدٌّ ولا إثم ولا تعزير ولا ضمان؛ فإنه لو ألقى إنسانٌ إنساناً على آخر, فقتله؛ لم يضمنه؛ فإذا لم يجب الضمان مع وجوبه مع السهو وغيره؛ فأن لا يفسد العبادة أولى.
ولأنه لو حلق رأس محرم أو قلم ظفره بغير اختياره؛ لم يكن عليه جزاء؛ فكيف يفسد إحرامه وصيامه بذلك؟!

فعلى هذا: إن أكرهت بالضرب أو الحبس أو الوعيد, حتى اضطجعت أو مكَّنت؛ ففيه وجهان كالوجهين فيما إذا أكره حتى أكل بيده.
ووجه الأول: أنه جماع يوجب الغسل, فأفسد الصوم والحج؛ كجماع المطاوِعَة, ولأنها عبادة تبطل بجماع المختارة فبطلت بجماع المستكرهة كالطهارة؛ إلا أن الأسباب الموجبة للوضوء لا تفريق بين عمدها وسهوها؛ بخلاف الأسباب المفسدة للإِحرام, ولأن الجماع يشبه الإِتلاف. . . . فعلى هذا لا كفارة عليها.
نص عليه في الصائمة في رواية مهنا, وفي المحرمة المستكرهة في رواية ابن إبراهيم ويعقوب بن بختان وحنبل.
وفرق بينها وبين المطاوعة.
وسواء قلنا: تجب الكفارة على الناسي والجاهل والرجل والمكره أو لا تجب في المشهور عند أصحابنا.
قال القاضي في «المجرد»: لا كفارة عليها روايةً واحدةً؛ لأن المكره لا فعل له, ولهذا لو أكره على قتل الصيد وإتلاف مال الغير؛ لم يكن عليه ضمان, وإنْ وجب الضمان على الناسي.
وذكر القاضي في خلافه فيها روايتين:
إحداهما: كذلك.

والثانية: عليها الكفارة كالناسي والجاهل.
وقد نص أحمد في رواية الأثرم: إذا أكرهها في الحج؛ على كل واحد منهما هدي.
ولا ترجع به عليه على هذه الرواية كالناسي.
وقال ابن أبي موسى: قيل: عنه كفارة ترجع بها عليه؛ لأنه حق لزمها بسببه, فكان استقراره عليه؛ كما لو أكره رجلاً على إتلاف المال أو غرَّه في نكاح أو بيع أو غيرها أو حلق رأس المحرم بغير اختياره؛ فإن ضمانه عليه.
والإِكراه الذي لا ريب فيه أن يقهرها على نفسها, وسواء كان إكراه غلبة مثل إنْ قهرها على نفسها, أو كان إكراه تمكين مثل إنْ ضربها حتى مكَّنت من نفسها؛ فالحكم سواء. هذا قول القاضي وأبي الخطاب.
فعليها الكفارة هنا؛ لأن لها فعلاً صحيحاً وقصداً واختياراً, وإن كانت معذورةً فيه؛ فإن العذر لا يمنع وجوب الكفارة؛ كالنسيان والجهل.
لأنه لو دفعه على إنسان فقتله؛ لم يكن على المدفوع دية ولا كفارة, ولو أكرهه حتى قتله؛ لوجب عليه دية القود, وكان هذا الفعل محرماً بالإِجماع. وعلى الوجهين متى قدرت على الدفع عن نفسها, فلم تفعل؛ فهي كالمطاوعة.
وإن مانعته في أول الفعل, ثم استلانت في أثنائه؛ فهي كالمطاوعة؛ لأن استدامة الوطء كابتدائه في إيجاب الكفارة؛ بدليل مَنْ طلع عليه الفجر وهو مجامع. هكذا ذكره ابن عقيل.
فأما إن وطئها وهي نائمة, ولم تستيقظ إلا بعد مفارقته للفعل:
فقال ابن أبي موسى: ليس عليها قضاء ولا كفارة, وعليه القضاء والكفارة قولاَ واحداً؛ لأنها لم تشعر بالجماع, ولم تجد طعمه, ولم تذق عسيلته.
قال: وقال بعض أصحابنا: عليها القضاء وجهاً واحداً؛ يعني: كالمستكرهة؛ فإنه لم يذكر فيها خلافاً, وعليها الكفارة في أحد الوجهين, ترجع بها عليه.
هذا قول القاضي وأصحابه, لا فرق عندهم بين النائمة والمستكرهة.
قال القاضي: قياس المذهب أنها تفطر؛ كما لو أكرهها على الوطء أنها تفطر؛ بخلاف ما لو أكره على الأكل, أو أكل وهو نائم؛ فإنه لا يفطر؛ كالناسي إذا أكل وأولى؛ لأن أكثر ما فيه أنها جومعت بغير اختيارها, فأشبه المقهورة, ولأنه جماع يوجب الغسل, فأفسد الصوم كسائر أنواع الجماع.
قال ابن أبي موسى: ولو ألزمناه كفارتين عنه وعنها؛ كان وجهاً.
فعلى هذا يطالب هو بالتكفير؛ كما قلنا فيمن حلق [رأس] محرم وهو نائم.
وعلى الوجه الذي نقول فيه: ترجع عليه بالكفارة, تطالب هي بها, وترجع عليه.
وإن لم تمكنه؛ فهي كالمستكرهة؛ لأنها تشعر بالجماع.
قال ابن أبي موسى: عليها القضاء والكفارة, ترجع بالكفارة عليه؛ فإنه على الرواية التي توجب الكفارة على المستكرهة.
وأما الموطوءة بعذر غير الاستكراه؛ مثل الناسية والجاهلة والممكنة تظنه ليلاً فبان نهاراً ونحو ذلك:
فذكر أبو الخطاب أنه يفسد صومها, ولا يلزمها الكفارة مع العذر, والعذر الإِكراه والنسيان, وسوّى بين الأعذار, وألحق المكرهة بالناسية, وجعل في الرجل المعذور روايتين.
وخرَّج بعض أصحابنا وجهاً: أنه لا يفسد صومها أيضاً.
لأن ما لا يوجب الكفارة لا يفسد الصوم مع النسيان؛ كالأكل.
وأما المنصوص عن أحمد, والذي ذكره عامة الأصحاب: الفرق إنما هو بين المطاوعة والمستكرهة فقط, وأن المطاوعة إذا نسيت أو جهلت؛ فإنها كالرجل سواء.

وقد صرح القاضي بالفرق بين الناسية والمستكرهة.
وهذا أصح؛ لأنه لا فرق بين عذر المرأة وعذر الرجل في غير الاستكراه, وإنما فرق بينهما في الاستكراه؛ لأن المرأة لا فعل لها هنالك, ولأن الرجل يمتنع إكراهه على الجماع. . . .
وإذا وطئ أمته مطاوعة, [وأوجبنا] الكفارة؛ كفَّرت بالصوم.
وإن استكرهها؛ فقال ابن أبي موسى: الكفارتان عليه.
وهذا إذا قلنا: لا كفارة على المستكرهة؛ فيحتمل أن تكون كذلك؛ لأنها إنما سقطت عنها تخفيفاً, وهنا تجب ابتداءً على السيد, وليس أهلاً للتخفيف عنه.
وإن قلنا: تجب عليها, ولا يحلها عنها على الرواية التي ذكرها القاضي. . . .
والموطوءة في الدبر كالموطوءة في القبل في لزوم الكفارة, ذكره القاضي.
وعلى قياسه المفعول به لواطاً؛ لأنهما يشتركان في الإِفطار بذلك, ووجوب الحدّ به؛ فكذلك في لزوم الكفارة له.
ويتوجه: أن لا كفارة بهذا, لأنه لا شهوة لها فيه.
فأما المستمتع بها من مباشرة أو وطء دون الفرج إذا أنزلت الماء؛ فإنها. . . .
* فصل:
إذا جامع ونزع قبل الفجر, ثم أمنى بذلك بعد طلوع الفجر؛ فصومه صحيح.
لأن أكثر ما فيه خروج المني بغير اختياره, وخروج المني بغير اختياره لا يفطره؛ كالاحتلام.
وإن شك هل نزع قبل الفجر أو بعده. . . .

وإن طلع عليه الفجر وهو مولج, وعلم به, واستدام الجماع؛ فهو مفطر, وعليه الكفارة.
قال ابن أبي موسى: إن تحرك لغير انتزاعه؛ فعليه مع القضاء الكفارة قولاً واحداً؛ لأن استدامة الجماع بمنزلة ابتدائه.
ولهذا؛ لو حلف لا يجامعها, وهو مجامعها, فاستدام الجماع؛ حنث.
وأما إذا طلقها ثلاثاً وهو مولج, فاستدام ذلك؛ هل يجب عليه الحد والمهر؟. . . .
ولو أحرم وهو مجامع, فاستدام الجماع؛ فسد إحرامه.
ولأن صومه يفسد بهذه الاستدامة بالإِجماع, ولولا أنَّ استدامة الجماع جماع؛ لم يفسد به الصوم.
وإذا كان جماعاً, وقد وجد في نهار رمضان؛ وجبت به الكفارة كغيره.
فإن قيل: لكن هذا الجماع لم يبطل به صوماً, وإنما منع صحة الصوم, والكفارة إنما تجب لإِفساد الصوم.
قيل: لا فرق عندنا بين جماع الصائم وجماع المفطر في نهار رمضان, بل كل جماع وُجد ممن يجب عليه الإِمساك؛ ففيه الكفارة.
وأيضاً؛ فإنه لا فرق فيما يبطل العبادات بين المقارن والطارئ, ولهذا استويا في وجوب القضاء, ولأن منع صحته في هتك الحرمة بمنزلة إبطاله بعد انعقاده وأشد؛ لأنه هناك أفسد بعض الصوم, وهنا أبطل جميعه.

وإن استدام الجماع بعد طلوع الفجر, ولم يعلم, ونزع قبل أن يعلم؛ وجب عليه القضاء والكفارة في إحدى الروايتين. نقلها عبد الله.
وفي الأخرى: عليه القضاء بلا كفارة. وقد تقدم ذلك.
فإن قلنا: لا كفارة عليه فنزع حين علم؛ ففي الكفارة روايتان, ويقال: وجهان؛ كما سيأتي.
وإن طلع عليه الفجر, وهو مخالط أصل ذكره, فنزع حين طلع, وأمكن ذلك برعايته للفجر, أو بإخبار مخبر حين طلوعه, أو بأنه حين تبين له
طلوعه؛نزع:
قال ابن أبي موسى: لم يتحرك بغير انتزاعه, ولم يتيقن أنه استدام الجماع بعد طلوعه.
ففي هذه المواضع لم يوجد منه استدامة الجماع بعد طلوع الفجر وبعد استيقانه طلوع الفجر, وإنما وجد النزع.
فقال ابن أبي موسى: عليه القضاء قولاً واحداً, وفي الكفارة عنه خلاف.

وخرَّجها القاضي على وجهين بناء على الروايتين في النزع: هل هو وطء أم لا؟ وفيه روايتان.
نص عليهما فيمن قال لامرأته: إن وطأتك؛ فأنت عليَّ كظهر أمي, ومثله: إن وطأتك؛ فأنت طالق ثلاثاً: هل يجوز له وطأها؟ على روايتين؛ لأن النزع يقع بعد انعقاد الظهار والطلاق.
ولو حلف وهو مجامع: لا وطئتك, فنزع في الحال؛ لم يحنث؛ لأنه إنما يحلف على ترك ما يقدر عليه, ولأن مفهوم يمينه لا استدمت الجماع. . .
إحداهما: هو جماع فعليه القضاء والكفارة.
قاله ابن حامد والقاضي وأصحابه مثل الشريف وأبي جعفر وابن عقيل في «الفصول» , وقد قال أحمد في رواية حنبل: إذا كان واطئاً, فطلع الفجر؛ نزع وعليه القضاء والكفارة.
لأن النزع جماع؛ بدليل أنه يلتذ بالإِيلاج والانتزاع.
نعم؛ هو معذور في هذا الجماع؛ فإنه لا يقدر على ترك الجماع إلا بالنزع, فيكون بمنزلة من استدام الجماع بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم.
والثاني: لا قضاء عليه ولا كفارة.
وهو اختيار أبي حفص العكبري وابن عقيل في «خلافه».
وهذا ينبني على أصلين:

أحدهما: أن النزع ليس بجماع, بل هو ترك كخلع القميص والخروج من الدار.
والثاني: أنه وإن كان جماعاً, لكنه مغلوب عليه؛ فلا تجب عليه الكفارة على إحدى الروايتين, وكما لو أوجب الله عليه في هذه الحال أن يترك الجماع؛ فإن تركه إنما يجب بطلوع الفجر.
وعلى هذا: لو أولج في جزء من الليل, وهو يتيقن أن الفجر يطلع عليه وهو مولج, ونزع عقب طلوعه, وتصور ذلك؛ وجبت عليه الكفارة على مقتضى كلام ابن عقيل, وهو بمنزلة المقهورة على الوطء, وتلك لا تجب عليها الكفارة في ظاهر المذهب؛ لأنه تعمد أن يفعل النزع في نهار رمضان.
وعلى المأخذ الأول: لا كفارة عليه؛ كالمتعمد أن ينزع في فرج المطلقة والمظاهر منها.
وعلى الرواية التي ذكرها ابن أبي موسى: يجب القضاء دون الكفارة؛ لأن النزع جماع هو فيه معذور, فيجب القضاء دون الكفارة؛ كالرواية فيمن جامع يظنه ليلاً, فتبين أنه نهاراً.
فعلى هذه الرواية: إن تعمد الإِيلاج في وقت يتيقن أن الفجر يطلع عليه فيه؛ لزمته الكفارة.
* فصل:
ولو احتلم الصائم في النهار في المنام؛ لم يفطر.
وإن أصبح جنباً من احتلام أو جماع؛ فصومه صحيح, لكن عليه أن يغتسل ويصلي؛ فإن لم يفعل؛ فعليه إثم ترك الصلاة, وصومه صحيح, وكذلك المرأة إذا طهرت قبل الفجر.

نص على ذلك كله, وأنكر على من خالفه, وذلك لقوله سبحانه: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. . .} الآية [البقرة: 187] , فأباح المباشرة, وهي الجماع إلى أن يبين الفجر, ومعلوم أن من جامع إلى ذلك الوقت؛ فإنه يصبح جنباً.
296 - وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يصبح جنباً من غير احتلام, ثم يصوم في رمضان». رواه الجماعة إلا النسائي.
297 - وعن عائشة: أن رجلاً قال: يا رسول الله! تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم». فقال: لست مثلنا يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: «والله؛ إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي». رواه مسلم وغيره.
مسألة:
ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر؛ فليس عليه غيره, وإن فرط؛ أطعم مع القضاء لكل يوم مسكيناً.
في هذا الكلام فصلان:
أحدهما: أنه يجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان, وهو مؤقت بين الرمضانين, يقضي متى شاء, إلى أن يدخل شهر رمضان, وسواء كان قد أفطر لعذر أو لغير عذر فيما ذكره أصحابنا.
298 - لما روي عن عائشة؛ قالت: «كان يكون عليَّ الصوم من رمضان, فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان, وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه الجماعة.

وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان فكانت تقضيه في شعبان.
قال أبو عبد الله: يقضي رمضان كيف شاء, إن شاء متوالياً, وإن شاء متفرقاً, كيف تيسر, ليس هو محدود, إنما هو دين.
ويستحب أن يقضي رمضان متتابعاً, إن كان فاته متتابعاً, وإن فاته متفرقاً. . . .
وإن قضاه مفرقاً؛ جاز ولم يكره.
وعنه: هما سواء؛ لقوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] , ولم يقيدها بالتتابع, فيجب أن تحمل على الإِطلاق؛ كالمطلقة في قوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 195].
299 - قال أحمد: قال ابن عباس في قضاء شهر رمضان: «صم كيف شئت, قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}».
ولأنه يريد اليسر بعباده, وقد يكون التفريق أيسر.
300 - قال مجاهد في الرجل يكون عليه صيام من رمضان أيفرق صيامه أو يصله؟ فقال: «إن الله أراد بعباده اليسر؛ فلينظر أيسر ذلك عليه, إن شاء وصله, وإن شاء فرقه».
ولأنه اعتبر إكمال العدة فقط, وإكمال العدة يحصل بالتقطيع والصلة.
301 - فإن قيل: فقد روى مالك, عن حميد بن قيس؛ قال: «كنت أطوف مع مجاهد, فجاءه إنسان يسأله عن صيام من أفطر في رمضان: أيتابع؟ فقلت: لا. فضرب مجاهد في صدري, ثم قال: إنها في قراءة أبي بن كعب متتابعات».
والقراءة الشاذة تجري مجرى الخبر الواحد.
302 - كقراءة عبد الله (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).
قيل: هذا الحرف منسوخ تلاوته وحكمه.
303 - بدليل ما روي عن عائشة؛ قالت: «نزلت (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ متتابعاتٍ) , فسقطت متتابعات». رواه عبد الرزاق والدارقطني, وقال: إسناد صحيح.
وأن مجاهداً قد صح عنه من غير وجه: أنه يجيز التفريق ويخبر بذلك عن جميع أهل مكة, وهو راوي هذا الحرف, فعلم أنه منسوخ.

عن عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: «إن شاء فرق وإن شاء تابع». رواه الدارقطني, وقال: لم يسنده غير سفيان بن بشر.
305 - وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
306 - وعن محمد بن المنكدر؛ قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن تقطيع قضاء رمضان؟ فقال: «ذاك إليك, أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر». رواه الدارقطني, وقال: إسناد حسن؛ إلا أنه مرسل.
307 - وعن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقطيع صيام شهر رمضان؟ فقال: «أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضي الدرهم والدرهمين حتى يقضي, هل كان ذلك قضاء دينه (أو: قاضيه)؟». قالوا: نعم. رواه الدارقطني.
ولأنه إجماع الصحابة.
308 - فروى الدارقطني عن أبي عبيدة بن الجراح أنه سئل عن قضاء رمضان متفرقاً؟ فقال: «أحص وصم كيف شئت».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]