عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-03-2022, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (232)

سُورَةُ الْكَهْفِ
صـ 257 إلى صـ 262

قوله تعالى : له غيب السماوات والأرض .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو المختص بعلم الغيب في السماوات والأرض ، وذكر هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون [ 27 \ 65 ] ، وقوله تعالى : عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال [ 13 \ 9 ] ، وقوله تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب الآية [ 3 \ 179 ] ، وقوله تعالى : ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله الآية [ 11 \ 123 ] ، وقولـه تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [ 6 \ 59 ] ، وقولـه تعالى : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [ 10 \ 61 ] ، وقولـه تعالى : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [ 34 \ 3 ] ، وقولـه [ ص: 257 ] تعالى : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وبين في مواضع أخر : أنه يطلع من شاء من خلقه على ما شاء من وحيه ، كقوله تعالى : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول الآية [ 72 \ 26 - 27 ] ، وقد أشار إلى ذلك بقوله : وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء [ 3 \ 179 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : أبصر به وأسمع .

أي : ما أبصره وما أسمعه جل وعلا ، وما ذكره في هذه الآية الكريمة من اتصافه جل وعلا بالسمع والبصر ذكره أيضا في مواضع أخر ، كقوله : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ 42 \ 11 ] ، وقولـه : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير [ 58 \ 1 ] ، وقولـه تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير [ 22 \ 75 ] ، والآيات بذلك كثيرة جدا .

قوله تعالى : ما لهم من دونه من ولي .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن أصحاب الكهف ليس لهم ولي من دونه جل وعلا ، بل هو وليهم جل وعلا ، وهذا المعنى مذكور في آيات أخر ، كقوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور [ 2 \ 257 ] ، وقولـه تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 10 \ 62 ] ، فبين أنه ولي المؤمنين ، وأن المؤمنين أولياؤه ، والولي : هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به ، فالإيمان سبب يوالي به المؤمنين ربهم بالطاعة ، ويواليهم به الثواب والنصر والإعانة .

وبين في مواضع أخر : أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، كقوله : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [ 5 \ 55 ] ، وقولـه : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الآية [ 9 \ 671 ] ، وبين في مواضع أخر : أن نبينا صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ 23 \ 6 ] .

وبين في موضع آخر أنه تعالى مولى المؤمنين دون الكافرين ، وهو قوله تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم [ 47 \ 11 ] ، وهذه الولاية المختصة بالمؤمنين هي ولاية الثواب والنصر والتوفيق والإعانة ، فلا تنافي أنه مولى [ ص: 258 ] الكافرين ولاية ملك وقهر ونفوذ ومشيئة ، كقوله : وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 10 \ 30 ] ، وقال بعض العلماء : الضمير في قوله : ما لهم من دونه من ولي راجع لأهل السماوات والأرض المفهومين من قوله تعالى : له غيب السماوات والأرض ، وقيل : الضمير في قوله : " ما لهم " راجع لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار ، ذكره القرطبي ، وعلى كل حال فقد دلت الآيات المتقدمة أن ولاية الجميع لخالقهم جل وعلا ، وأن منها ولاية ثواب وتوفيق وإعانة ، وولاية ملك وقهر ونفوذ ومشيئة ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولا يشرك في حكمه أحدا .

قرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا ابن عامر " ولا يشرك " بالياء المثناة التحتية ، وضم الكاف على الخبر ، ولا نافية والمعنى : ولا يشرك الله جل وعلا أحدا في حكمه ، بل الحكم له وحده جل وعلا لا حكم لغيره ألبتة ، فالحلال ما أحله تعالى ، والحرام ما حرمه ، والدين ما شرعه ، والقضاء ما قضاه ، وقرأه ابن عامر من السبعة ; " ولا تشرك " بضم التاء المثناة الفوقية وسكون الكاف بصيغة النهي ، أي : لا تشرك يا نبي الله ، أو لا تشرك أيها المخاطب أحدا في حكم الله جل وعلا ، بل أخلص الحكم لله من شوائب شرك غيره في الحكم ، وحكمه جل وعلا المذكور في قوله : ولا يشرك في حكمه أحدا شامل لكل ما يقضيه جل وعلا ، ويدخل في ذلك التشريع دخولا أوليا .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لا شريك له فيه على كلتا القراءتين جاء مبينا في آيات أخر ، كقوله تعالى : إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه [ 12 \ 40 ] ، وقولـه تعالى : إن الحكم إلا لله عليه توكلت الآية [ 12 \ 67 ] ، وقولـه تعالى : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ 42 \ 10 ] ، وقولـه تعالى : ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير [ 40 \ 12 ] ، وقولـه تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [ 28 \ 88 ] ، وقولـه تعالى : له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون [ 28 \ 70 ] ، وقولـه : أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون [ 5 \ 50 ] ، وقولـه تعالى : أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا [ 6 \ 114 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

[ ص: 259 ] ويفهم من هذه الآيات ، كقوله : ولا يشرك في حكمه أحدا [ 18 \ 26 ] ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله ، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر ، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [ 6 \ 121 ] ، فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة ، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى : ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [ 36 \ 60 ، 61 ] ، وقولـه تعالى عن نبيه إبراهيم : ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا [ 19 \ 44 ] ، وقولـه تعالى : إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا [ 4 \ 117 ] ، أي : ما يعبدون إلا شيطانا ، أي : وذلك باتباع تشريعه ، ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء ، في قوله تعالى : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم الآية [ 6 \ 137 ] ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ 9 \ 31 ] ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله ، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك ، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا .

ومن أصرح الأدلة في هذا : أن الله جل وعلا في " سورة النساء " بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون ، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب ; وذلك في قوله تعالى : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا [ 4 \ 60 ] .

وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور : أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم ، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته ، وأعماه عن نور الوحي مثلهم .
[ ص: 260 ] تنبيه

اعلم ، أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السماوات والأرض ، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك .

وإيضاح ذلك أن النظام قسمان : إداري ، وشرعي ، أما الإداري : الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع ، فهذا لا مانع منه ، ولا مخالف فيه من الصحابة ، فمن بعدهم ، وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط ، ومعرفة من غاب ومن حضر كما قدمنا إيضاح المقصود منه في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ، ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وسلم ، وكاشترائه - أعني عمر رضي الله عنه - دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجنا في مكة المكرمة ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجنا هو ولا أبو بكر ، فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لا بأس به ، كتنظيم شئون الموظفين ، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع ، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ، ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة .

وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض ، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف ، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث . وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم ، وأن الطلاق ظلم للمرأة ، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ، ونحو ذلك .

فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السماوات والأرض ، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [ 42 \ 21 ] ، قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ 10 \ 59 ] ، ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون [ 16 \ 116 ] ، وقد قدمنا جملة وافية من هذا النوع في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الآية [ 17 \ 9 ] .
[ ص: 261 ] قوله تعالى : واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك .

أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة : أن يتلو هذا القرآن الذي أوحاه إليه ربه . والأمر في قوله " واتل " [ 18 \ 27 ] ، شامل للتلاوة بمعنى القراءة ، والتلو : بمعنى الاتباع ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أمره تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن العظيم واتباعه جاء مبينا في آيات أخر ; كقوله تعالى في سورة " العنكبوت " : اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة الآية [ 29 \ 45 ] ، وكقوله تعالى في آخر سورة " النمل " : إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن الآية [ 27 \ 91 ، 92 ] ، ورتل القرآن ترتيلا [ 73 \ 4 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الأمر بتلاوته ، وكقوله تعالى على الأمر باتباعه : اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين [ 6 \ 106 ] ، وقولـه تعالى : فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم [ 43 \ 43 ] ، وقولـه تعالى : قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين [ 46 \ 9 ] ، وقولـه تعالى : قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [ 10 \ 15 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الأمر باتباع هذا القرآن العظيم .

وقد بين في مواضع أخر بعض النتائج التي تحصل بسبب تلاوة القرآن واتباعه ، كقوله تعالى : إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور [ 35 \ 29 ] ، وقوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون [ 2 \ 121 ] ، والعبرة في هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

قوله تعالى : لا مبدل لكلماته .

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لا مبدل لكلماته ; أي : لأن أخبارها صدق وأحكامها عدل ، فلا يقدر أحد أن يبدل صدقها كذبا ، ولا أن يبدل عدلها جورا ، وهذا الذي ذكره هنا جاء مبينا في مواضع أخر ، كقوله تعالى : وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم [ 6 \ 115 ] ، فقوله : " صدقا " يعني في الإخبار ، وقوله " عدلا " أي : في الأحكام . وكقوله : [ ص: 262 ] ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ 6 \ 34 ] .

وقد بين تعالى في مواضع أخر ، أنه هو يبدل ما شاء من الآيات مكان ما شاء منها ، كقوله تعالى : وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل الآية [ 16 \ 101 ] ، وقولـه : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [ 2 \ 106 ] ، وقوله تعالى : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي [ 18 \ 27 ] .

قوله تعالى : ولن تجد من دونه ملتحدا .

أصل الملتحد : مكان الالتحاد وهو الافتعال : من اللحد بمعنى الميل ، ومنه اللحد في القبر ; لأنه ميل في الحفر ، ومنه قوله تعالى : إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا [ 41 \ 40 ] ، وقولـه : وذروا الذين يلحدون في أسمائه الآية [ 7 \ 180 ] ، فمعنى اللحد والإلحاد في ذلك : الميل عن الحق ، والملحد المائل عن دين الحق ، وقد تقرر في فن الصرف أن الفعل إن زاد ماضيه على ثلاثة أحرف فمصدره الميمي واسم مكانه واسم زمانه كلها بصيغة اسم المفعول كما هنا ، فالملتحد بصيغة اسم المفعول ، والمراد به مكان الالتحاد ، أي : المكان الذي يميل فيه إلى ملجأ أو منجى ينجيه مما يريد الله أن يفعله به .

وهذا الذي ذكره هنا من أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يجد من دونه ملتحدا ; أي : مكانا يميل إليه ويلجأ إليه إن لم يبلغ رسالة ربه ويطعه ، جاء مبينا في مواضع أخر ; كقوله : قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته [ 72 \ 21 - 22 ] ، وقولـه : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين الآية [ 69 \ 44 - 47 ] .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]