عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 04-03-2022, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,430
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القول البديع في علم البديع

القول البديع في علم البديع (7/8)
للعلامة الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (1033هـ)


باب القول بالموجِب


ويسمَّى[1] الاستدراك؛ وهو تخصيص الصِّفة بعد أن كان ظاهرها العموم، وبكسر الجيم؛ لأنَّ المرادَ به الصِّفة الموجِبة للحكم، فهو اسم فاعل، ويحتمل فتح الجيم إنْ أُريد به الحُكم الذي أوجبته الصِّفة، وهو من محسِّنات الكلام، كقوله:
وَإِخْوَانٍ تَخِذْتُهُمُ دُرُوعًا فَكَانُوهَا وَلَكِنْ لِلأَعَادِي
وَخِلْتُهُمُ سِهَامًا صَائِبَاتٍ فَكَانُوهَا وَلَكِنْ فِي فُؤَادِي
وَقَالُوا قَدْ صَفَتْ مِنَّا قُلُوبٌ وَقَدْ صَدَقُوا وَلَكِنْ مِنْ وِدَادِي[2]
وكقوله في مَن أودعت عنده وديعة، فادَّعى ضياعها:
إِنْ قَالَ قَدْ ضَاعَتْ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا ضَاعَتْ ولَكِنْ مِنْكَ يَعْنِي لَوْ تَعِي
أَوْ قَالَ قَدْ وَقَعَتْ فَيَصْدُقُ أَنَّها وَقَعَتْ وَلَكِنْ مِنْهُ أَحْسَنَ مَوْقِعِ[3]
والقَسَم والدُّعاء من المحسِّنات للكلام، كقول ابن المعتز:
لا وَالَّذِي سَلَّ مِنْ جَفْنَيْهِ سَيْفَ رَدًى قُدَّتْ لَهُ مِنْ غَدَائِرٍ حَمَائِلُهُ
مَا صَارَمَتْ مُقْلَتِي دَمْعًا وَلا وَصَلَتْ غُمْضًا وَلا سَالَمَتْ قَلْبِي بَلابِلُهُ[4]
وكقوله:
جَنَى وَتَجَنَّى وَالفُؤَادُ يُطِيعُهُ فَلا ذَاقَ مَنْ يَجْنِي عَلَيَّ كَمَا يَجْنِي
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي كَعَيْنِي وَمَسْمَعِي فَلا نَظَرَتْ عَيْنِي وَلا سَمِعَتْ أُذْنِي[5]


باب تجاهل العارف



ويسمَّى[6] الإعنات، وهو أن يسأل المتكلِّم عن شيءٍ يعرِفُه سؤالَ مَن لا يعرفه تَجاهُلاً منه؛ للمبالغة في مدْح، أو ذم، أو تعظيم، أو تحقير، أو تدله، كقوله:

غَزَانِي بِلَحْظَيْهِ وَلِينِ قَوَامِه وَأَسْكَرَنِي مِنْ مَرْشَفَيْهِ رَحِيقُهُ[26ب/27أ]
فَحِرْتُ فَلا أَدْرِي أَرُمْحٌ قَوَامُهُ أَمِ السَّيْفُ عَيْنَاهُ أَمِ الخَمْرُ رِيقُهُ[7]؟!
وقوله:
وَإِنِّي لَسْتُ أَدْرِي مِنْ غَرَامِي أَإِنْسَانٌ عَذُولِي أَمْ حِمَارُ[8]؟!!
وقوله:
بَدَا فَرَاعَ فَؤَادِي حُسْنُ صُورَتِهِ فَقُلْتُ هَلْ مَلِكٌ ذَا الشَّخْصُ أَمْ مَلَكُ[9]؟!
وقوله:
وَمَا أَدْرِي وَلَسْتُ إِخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ[10]؟!
وقوله:
بِاللَّهِ يَا ظَبَيَاتِ القَاعِ قُلْنَ لَنَا لَيْلايَ مِنْكُنَّ أَمْ لَيْلَى مِنَ البَشَرِ[11]؟!



باب المذهب الكلامي



وهو أن يأتي البليغ على صِحَّة دعواه، وإبطال دعوى خصمِه بحجَّةٍ قاطعة، على طريقة أهل الكلام، كقوله:

بِرُوحِيَ خَوْدٌ يُخْجِلُ الغُصْنَ قَدُّهَا كَظَبْي المُصَلَّى لَفْتَةً وَنِفَارَا
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَبْهَى مِنَ الشَّمْسِ بَهْجَةً لَمَا صَيَّرَتْ جُنْحَ الظَّلامِ نَهَارَا[12]
أي: لكنَّها صيَّرتْ الظلام نهارًا، فينتج أنَّها أبهى من الشمس.

وقول ابن المعتز:

كَيْفَ لا يَخْضَرُّ عَارِضُهُ وَمِيَاهُ الحُسْنِ تَسْقِيهِ[13]؟!
أي: لكن مياه الحُسن تسقيه، فكيف لا يخضر، وفي التنزيل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]؛ أي: لكنَّهما لم تفسدَا، فليس فيهما آلهة إلاَّ الله.

وقال الفرزدق[14]:

لِكُلِّّ امْرِئٍ نَفْسَانِ نَفْسٌ كَرِيمَةٌ وَنَفْسٌ يُعَاصِيهَا الفَتَى وَيُطِيعُهَا
وَنَفْسُكَ مِنْ نَفْسَيْكَ تَشْفَعُ للِنَّدَى إِذَا قَلَّ مِنْ أَحْرَارِهِنَّ شَفِيعُهَا[15]
أي: إذا أَمَرتْك الأمَّارة بترك النَّدى، شفعت إليها المطمئنَّة في النَّدى فقبلت، فأنت أكرم النَّاس.



باب التجريد



وهو أن يَنزع من أمرٍ ذي صفة آخرَ مثلَه فيها؛ مبالغةً في كمالها فيه، نحو: لي من فلان صديق حميم؛ أي: بلغ من الصداقة حدًّا صحَّ معه أن يستخلص منه آخرَ مثله فيها، وكقولهم: لئن سألتَ فلانًا لتسألنَّ به البحر، بالغَ في اتِّصافه بالسَّماحة، حتَّى انتزع منه بحرًا في السماحة، وقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ} [فصلت: 28]؛ أي: في جهنَّم، وهي دار الخلد، ومنه مخاطبة الإنسان نفسه، كقوله:

لا خَيْلَ عِنْدَكَ تُهْدِيهَا وَلا مَالُ[16]
وقوله:
أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ[17]



باب الاستخدام



هو أن يُراد بلفظ له معنيان أحدُهما [27أ/27ب] ثم بضميره المعنى الآخر، أو يُراد بأحد ضميريه أحدهما، ثم بالآخَرِ الآخرُ، كقوله:

إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا[18]
وقول البحتري:
فَسَقَى الغَضَى وَالسَّاكِنِيهِ وَإِنْ هُمُ شَبُّوهُ بَيْنَ جَوانِحِي وَضُلُوعِي[19]
فالغضى يحتمل الموضع، والشَّجر، والسُّقيا صالحة لهما، وضمير الساكنيه للموضع، وضمير شبوه للشجر.

والفرق بينه وبين التورية أنَّ التوريةَ استعمالُ أحد المعنيين من اللَّفظة، وإهمال الآخر، والاستخدام استعمالها معًا.

ومنه أن يُؤتى بلفظ له معنيان متوسطًا بين لفظين، يستخدم لكـلٍّ منهما معنـاه، كقـوله - تعالى -: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ} [الرعد: 38، 39]، فكتاب يُراد به الوقت، ويُراد به المكتوب، وقد توسَّط بين أجل ويمحو، فباعتبار الأجل يراد به الوقت، وباعتبار يمحو يُراد به المكتوب.



ومن أنواع البديع
[20]



نفي الشيء بإيجابه:
وهو أن ينفي ما هو من سبب الشيء، كوصفه والمقصود في الحقيقة نفي ذلك الشيء، نحو: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، نفى الإلحاف والمقصود نفي المسألة ألبتة، قيل: وعليه إجماع المفسِّرين[21].

ونحو: {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] نفى طاعة الشَّفيع، والمقصود نفي الشفيع أصلاً، وكقولك لمن تريد أن تسلبه الخير: ما أقل خيرَك، فظاهره يدلُّ على إثبات خير قليل، والمراد نفي الخير: كثيره وقليله.

والسلب والإيجاب: وهو أن يثبت الشيء من جهة، ويُنْفَى من جهة أخرى نحو: {فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، ونحو:

وَالعَاذِلُونَ بِإِيجَابِ المَلامِ غَلَوْا وَمَا غَلَوْا قِيمَةً مِنْ سَلْبِ ذَوْقِهِمُ[22]
أثبت غلوَّهم إلى تجاوزهم الحدَّ من جهة اللوم، ونفاه من جهة قيمتهم وقَدرِهم.

والترشيح: وهو لفظ يذكر لتهيئةِ نوع من البديع: استعارة، أو تورية، و طباقًا أو غير ذلك، كقوله:

وُكَلَّمَا نَسَجُوا حَوْكًا بِوَشْيِهِمُ عَنِّي لَهُمْ رَشَّحُوهُ بِاخْتِرَاعِهِمُ[23]
فالترشيح هنا في التورية والاستعارة، فالوشْي تورية؛ لأنَّ له معنيين أحدهما الثوب المنمَّق المخطَّط، والثاني الكلام الذي [27ب/28أ] ينقلُه الواشي، وذِكْر النَّسج والحوك الذي هو من لوازم الأوَّل ترشيح له، والنَّسج والحوك استعارةٌ من حقيقته إلى الكلام المنمَّق.



الخاتمة



قد أحببتُ أن أذكر هنا نصيحةً نافعة، وزبدةً لامعة، وإن كنتُ[24] في ذلك كمَن يصف الدَّواء ولا يستعمله، ويأمر بالمعروف ولا يستَمْثِله، غير أنِّي أنهج الطَّريق، وأحضُّ على التوفيق:
ينبغي لك أيُّها الناظم والناثر أن لا تُكرِه الخاطرَ على وزن مخصوص، ورويٍّ مقصود، وتوخَّ الكلام الجزل دون الرَّذْل[25]، والسَّهْل دون الصَّعب، والعَذْب دون المستكرَه، والمستحسن دون المستهجَن، واجعل الألفاظَ جزلةً فصيحة، وعربيَّةً سمحة فسيحة، تحكي سلاستها رقَّة الماء، وصفوة الهواء، ولا تعمل نظمًا ولا نثْرًا عندَ الملل والضَّجَر؛ فإنَّ الخواطِرَ ينابيعُ إذا رُفق بها جمعت، وإذا عنِّف عليها نزحتْ، واكتب كلَّ معنًى يسنح، وقيِّدْ كلَّ فائدة تعرض؛ فإنَّ نتائج الأفكار تعرض كلمحِ البرق ولمحة الطَّرْف، والترنُّم بالشعر ربما يُعين عليه.

وعن الفرزدق أنَّه قال: لقد يمر عليَّ الزمن وإنَّ قلْع ضرس من أضراسي لأهونُ عليَّ من أن أقول بيتًا واحدًا من الشِّعر[26]، وإيَّاك وتعقيدَ المعاني وتقعيرَ الألفاظ، واعمل في أحبِّ الأغراض إليك، وفيما وافق طبعَك؛ فالنفوس تُعطي على الرَّغبة ما لا تُعطي على الرَّهبة، وأشعر القصيدة أوَّلاً، ونقِّحْها ثانيًا، وكرِّر التَّنقيح، وعاود التَّهذيب، فقد كان الحطيئة[27] يعمل القصيدةَ في شهرين ويُنقِّحها في شهرين اقتداءً بزهير[28]، فإنَّه كان راويتَه، وقد كان زهير يعمل القصيدةَ في شهر واحد، وينقِّحها في حَوْل كامل، حتَّى قيل لشعره: المنقَّح الحَولي.

وعن البحتري[29] أنَّه قال: "كنتُ في حداثتي أروم الشِّعر، وكنتُ أرْجِع فيه إلى طبعٍ سليم، ولَم أكن وقفتُ على [28أ/28ب] تسهيل مأخذه، فقصدتُ أبا تمَّام[30]، فقال لي: يا أبا عُبادة، تخيَّرِ الأوقات وأنت قليل الهموم، صِفر من الغموم، واخترْ وقت السَّحَر؛ فإنَّ النفس قد تكون أخذتْ حظَّها من الرَّاحة، وقسْطها من النوم، وخفَّ عنها ثقلُ الغذاء، وصَفَا من أكثر الأبخرة والأدخنة جسمُ الهواء، ورقَّت النَّسائم، وتغنَّت الحمائم.

وتغنَّ بالشِّعر واجتهد في إيضاح معانيه، فإن أردتَ النسيب، فاجعل اللَّفظ رقيقًا والمعنى رشيقًا، وأكثِر فيه من بيان الصَّبابة، وتوجُّع الكآبة، وقلق الأشواق، ولوعة الفراق، والتعلُّل باستنشاق النسائم، وغناء الحمائم، والبروق اللامعة، والنجوم الطَّالعة، والتبرُّم بالعذَّال والعواذِل، والوقوف على الطَّلل الماحل.

وإذا أخذتَ في مدح سيِّد ذي أياد، فأشْهِرْ مناقبَه، وأظهر مناسبه، وأَبِنْ معالمَه، وشرِّف مقاومه، وأرْهِفْ من عزائمه، ورغِّب في مكارمه، وتقاصَّ المعاني، واحذرِ المجهول منها، وإيَّاك أن يشين شعرك بالعبارة الرزيَّة، والألفاظ الوحشيَّة، وناسبْ بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام، وكن كأنَّك خيَّاطٌ تقدِّر الثياب على مقادير الأجسام، وإذا عارضكَ الضجر فأرحْ نفسك، ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب، واجعل شهوتك لقول الشِّعر الذَّريعة إلى حُسن نظمِه؛ فإن الشهوة نِعْمَ المعين" انتهى[31].

واعلم أنَّ من النَّاس مَن شِعرُه في البديهة أبدعُ منه في الروِيَّة، ومنهم بالعكس، ومنهم مَن إذا خاطب أبْدع، وإذا كاتبَ قصَّر، ومنهم بضدِّ ذلك، وقد يبرز الشَّاعر في معنى من معاني مقاصد الشِّعر دون غيره،؛ ولهذا قيل: أشعر النَّاس: امرؤ القيس إذا ركب، وزهيرٌ إذا رَغِب، والنابغة إذا رَهِب، وعنترة[32] إذا كَلِب[33] والأعشى[34] إذا طَرِب[35]، واحذر[36] إذا كاتبتَ من الإسراف في الشُّكر؛ فإنَّه يوجِب للكلام ثقلاً، ولا تطلِ الدُّعاء؛ فإنَّه يورث مللاً، ولا تجعل كلامك مبنيًّا على السَّجع كله، فتظهر عليه الكُلفة [28ب/29أ]، وربَّما استدْعى إلى ارتِكاب المعنى السَّاقط، واللَّفظ النازل، بلِ اصرفْ كلَّ النظر إلى تجويد الألفاظ وصِحَّة المعاني، واجتهد في تقويم المباني.

فإن جاء الكلام مسْجوعًا عفوًا من غير قصْد، وتشابهت مقاطعه من غير [كسب][37] فهو غاية المراد، وإن عزَّ ذلك فاترُكْه، فقد كان المتقدِّمون لا يحتفلون بالسجع جملة، ولا يقصدونه بتة إلاَّ ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتَّفق من غير قصد، وإنَّما كانت كلماتُهم متوازنة، وألفاظُهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعبارتُهم رائقة، وفصولُهم متقابلة، وجمل كلامهم متماثلة، وتلك طريقة أمير المؤمنين علي، ومَن اقتفى أثرَه كابن المقفَّع[38]، وسهل بن هارون[39]، وإبراهيم بن العباس[40] والحسن بن سهل[41]، وعمرو بن مسعدة[42]، وأبي عثمان الجاحظ[43].

ولا تجعلْ كلَّ الكلام شريفًا عاليًا، ولا وضيعًا نازلاً، بل فصِّله تفصيل العقود؛ فإنْ العقد إذا كان كله نفيسًا لا يظهر حسن فرائده[44].

واعلم أنَّ الألفاظ أشباح، والمعاني أرواح لا تقوم إلاَّ بقيامها، ولا تنتظم إلاَّ بنظامها، والمعنى الأصيل في اللَّفظ الثقيل بمنزلة الرُّوح الكريمة في النَّفْس اللئيمة تَمَلُّها الأبصار، وتنقبض عنها الأفكار، فإذا قويت الألفاظ فقوِّ المعاني، فإذا أضعفتها فأضعِفْها، واقصدِ القوافي السَّهلة المستحسنة دونَ المستصعبة المستهْجَنة، والأوزان الحلوة المستعملة دون المهجورة الكزَّة، واجعل كلامَك كلَّه كالتوقيعات، وعليك بالمقطَّعات؛ فإنَّها في القلوب أحلى وأكمل، وفي المجالس أشرق وأجْول، ولم تزلِ الأجلاَّء المتقدِّمون يَحمَدون ذلك ويذمُّون ما سواه، قال أحمد بن يوسف الكاتب[45]:
دخلت[46] يومًا على المأمون وفي يده كتاب، وهو يعاود قراءتَه تارةً بعد أخرى، فتفكَّرْت في ذلك فالتفتَ إليَّ وقال: يا أحمد، أراك مفكِّرًا، إنَّه لا مكروه في الكتاب، ولكنِّي قرأت فيه كلامًا وجدتُه نظير ما سمعت الرَّشيد - رحِمه الله - يقوله في البلاغة [29أ/29ب].

فإنِّي سمعته يقول: البلاغة التباعُد من الإطالة، والتقرُّب من البغية، والدلالة بالقليل من اللَّفظ على الكثير من المعنى، وما كنت أتوهَّم أنَّ أحدًا يقدِر على ذلك، حتَّى قرأتُ هذا الكتاب، ورمى به إليَّ وقال: هذا كتاب عمرو بن مسعدة[47] إليْنا، قال: فقرأتُه فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين، ومَن قِبَلي من قُوَّاده، وسائر أجناده، في الانقِياد والطَّاعة على أحسنِ ما يكون عليْه طاعةُ جند تأخَّرت أرزاقُهم، وانقياد كافَّةٍ تراخت أُعطياتُهم، فاختلَّت لذلك أحوالُهم، والْتاثَتْ معه أمورهم، فلمَّا قرأتُه قال لي: يا أحمد، إنَّ استحساني لهذا الكلام بعثني على أن أمرْتُ للجُند قِبَله بعطياتهم لسبعة أشهر، وأنا على مجازاة الكاتب بما يستحقُّه محلُّه من صناعته[48].

وفي هذا القدر كفاية لِمَن تدبَّره، والله أعلم[49].




ثَبَت المصادر والمراجع


- أ-


• ابن دقيق العيد، حياته وديوانه، لعلي صافي حسن، القاهرة، دار المعارف بمصر، د.ت.
• أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، للدكتور شكري فيصل، دمشق، مكتبة دار الملاح، د.ت.
• الإرشاد الكافي على متن الكافي في علمي العروض والقوافي، للسيد محمد الدمنهوري، مصر: مطبعة مصطفى البابي وأولاده، 1344هـ.
• أخبار ابن مسعدة الصولي، للدكتور عبدالرحمن بن عثمان الهليل، انظر، مجلة عالم الكتب مج22 (رجب - شوال 1421هـ).
• أخبار ضرورة الشعر للمبرد، مخطوط، انظر، مجلة عالم الكتب مج16 ع5.
• أسرار البلاغة، لعبدالقاهر الجرجاني، تحقيق محمود محمد شاكر، ط1، جدة: دار المدني، 1412هـ.
• الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، ط1، مطبعة السعادة، 1328هـ.
• أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات، لمرعي بن يوسف المقدسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ط1، مؤسسة الرسالة، 1406هـ/1986م.
• الإقناع في العروض وتخريج القوافي، للصاحب بن عباد، تحقيق الشيخ/ محمد حسن آل ياسين، ط1، بغداد: منشورات المكتبة العلمية مطبعة المعارف 1960م.
• إيضاح المكنون في الذيل على كشْف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر 1402هـ.

- ب -


• بدائع التفسير (الجامع لتفسير ابن القيم)، جمعه يسري السيد محمد، ط1، دار ابن الجوزي، 1414هـ.
• البديع في نقْد الشعر، لأسامة بن منقذ، تحقيق عبد.آ. علي مهنا، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1407هـ.
• بديع القرآن، لابن أبي الإصبع المصري، تحقيق الدكتور حنفي محمد شرف، ط2، مصر، دار نهضة.
• بغية الوعاة، للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار الفكر، 1399هـ.
• البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية، للدكتور محمد محمد أبو موسى، ط2، القاهرة، مكتبة وهبة، 1408هـ.
• البيات والتبيين، الجاحظ، تحقيق عبدالسلام هارون، مكتبة الخانجي، د.ت.

- ت -


• تحقيق باب الاستدراك من خزانة الأدب لابن حجة الحموي، إعداد: حاتم بن راشد العتيبي، بحث مخطوط بإشراف: د/ محمد بن علي الصامل.
• تحقيق البرهان في شأن الدخان الذي يشربه النَّاس الآن، لمرعي الحنبلي، تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط1، الرياض، دار السلف، 1415هـ.
• تفسير أبي السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، لأبي السعود العمادي، تحقيق عبدالقادر أحمد عطا، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة.
• تفسير البيضاوي، (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، للقاضي البيضاوي، تحقيق الشيخ عبدالقادر عرفات حسونة، دار الفكر، 1416هـ.
• تفسير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، لابن جرير الطبري، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1412هـ.
• تهذيب اللغة، للأزهري، تحقيق يعقوب عبدالنبي، مراجعة محمد علي النجار، القاهرة، الدار العربية للتأليف والترجمة، مطابع سجل العرب.

- ج -


• الجامع الصحيح، للبخاري، ط1، الطبعة السلفية، 1400هـ.
• جامع العبارات في تحقيق الاستعارات، لأحمد مصطفى الطرودي، تحقيق محمد رمضان الجربي، ط1، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، 1395هـ.
• جمهرة خطب العرب، تأليف أحمد زكي صفوت، بيروت، لبنان، المكتبة العلمية، د.ت.

- ح -


• حدائق السحر في دقائق الشعر، لرشيد الدين الوطواط، نقله إلى العربية إبراهيم الشواربي، ط1، القاهرة، 1364هـ.
• الحماسة، لأبي تمام، تحقيق عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1401هـ.

- خ -


• خزانة الأدب، للبغدادي، تحقيق عبدالسلام هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي.
• خزانة الأدب، لابن حجة الحموي، شرح عصام شعيّو، ط1، بيروت: دار ومكتبة الهلال، 1987م.
• الخصائص، لابن جني: تحقيق محمد علي النجار، بيروت، دار الكتاب العربي، د.ت.
• دليل الطالب لنيل المطالب، لمرعي الحنبلي، تحقيق عبدالله عمر البارودي ط1 ، بيروت: مؤسسة الكتاب الثقافية، 1405هـ.
• ديوان أبي تمام، بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، مصر، دار المعارف، 1965م.
• ديوان أبي الفتح البستي، تحقيق درية الخطيب، ولطفي الصقال، دمشق، مجمع اللغة العربية، 1410هـ.
• ديوان ابن حيوس، تحقيق خليل مردم بك، دمشق، المجمع العلمي العربي، المطبعة الهاشمية، د.ت.
• ديوان ابن سناء الملك، تحقيق الدكتور/ محمد عبدالحق، بيروت، دار الجيل. د.ت.
• ديوان ابن شرف القيرواني، تحقيق الدكتور/ حسن ذكري حسن، مكتبة الكليَّات الأزهرية، د.ت.
• ديوان ابن نباتة المصري، نشر محمد القلقيلي، دار إحياء التراث العربي. د.ت.
• ديوان ابن هانئ الأندلسي، بيروت، دار صادر، 1384هـ.
• ديوان ابن الوردي، تحقيق الدكتور/ أحمد فوزي الهيب ط1 ، الكويت، دار القلم، 1407هـ.
• ديوان إسحاق الموصلي، جمع وتحقيق: ماجد أحمد العزي - بغداد، مطبعة الإيمان، 1970م.
• ديوان البحتري، تحقيق حسن كامل الصيرفي، ط2، مصر، دار المعارف.
• ديوان بشار بن برد، لمحمد الطاهر بن عاشور، علق عليه محمد رفعت فتح الله، ومحمد شوقي أمين، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1369هـ.
• ديوان جرير، بشرح محمد بن حبيب، تحقيق الدكتور/ نعمان محمد أمين طه، مصر، دار المعارف، د.ت.
• ديوان حسان بن ثابت، تحقيق د/ وليد عرفات، بيروت، دار صادر، 1974م.
• ديوان الخنساء، شرحه ثعلب، وحققه د/ أنور أبو سويلم، ط1، الأردن، دار عمار، 1409هـ.
• ديوان دعبل بن علي الخزاعي، تحقيق د/ محمد يوسف نجم، بيروت، دار الثقافة، 1962م.
• ديوان الصاحب بن عباد، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، ساعد المجمع العلمي العراقي على نشره، ط1، بغداد، مكتبة النهضة، 1384هـ.
• ديوان طرفة بن العبد البكري، مع شرح الأعلم الشنتمري 1901م.
• ديوان العرجي، رواية أبي الفتح ابن جني، تحقيق خضر الطائي، ورشيد العبيدي، ط1، بغداد، الشركة الإسلامية للطباعة والنشر، 1375هـ.
• ديوان عمر بن أبي ربيعة، تحقيق د/ فايز محمد، ط1، بيروت، 1412هـ.
• ديوان الفرزدق، بيروت، دار صادر، 1386هـ.
• ديوان كُثيِّر عزَّة، جمع وتحقيق، د. إحسان عباس، بيروت، دار الثقافة، 1391هـ.
• ديوان كشاجم، دراسة وشرح وتحقيق الدكتور النبوي عبدالواحد شعلان، ط1، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1417هـ.
• ديوان ليلى الأخيلية، جمع وتحقيق: خليل إبراهيم العطية، ط2، بغداد، 1397هـ.
• ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق وشرح الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الشركة التونسية للنشر، 1976م.
• ديوان المعاني، لأبي هلال العسكري، مكتبة القدسي، 1352هـ.

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]