عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-03-2022, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 266 الى صـ 270
الحلقة (52)

قال الزمخشري : ونظير ذلك قولك : لا تصل إلا وأنت خاشع ، فلا تنهاه عن الصلاة ، ولكن عن ترك الخشوع في حال صلاته ، والنكتة في إدخال حرف النهي عما ليس بمنهي عنه ، هو إظهار أن موتهم لا على حال الثبات على الإسلام ، موت لا خير فيه ، وأنه ليس بموت السعداء ، وأن من حق هذا الموت أن لا يحل فيهم . كما تقول في الأمر : مت وأنت شهيد ، فليس مرادك الأمر بالموت ، ولكن بالكون على صفة الشهداء إذا مات . وإنما أمرته بالموت اعتدادا منك بميتته ، وإظهارا لفضلها على غيرها ، وإنها حقيقة بأن يحث عليها . هذا . وقد قرر سبحانه بهذه الآيات بطلان ما عليه المتعنتون من اليهودية والنصرانية ، وبرأ خليله والأنبياء من ذلك . ولما حكى عنإبراهيم عليه السلام أنه بالغ في وصية بنيه بالدين والإسلام ، ذكر عقيبه أن يعقوب وصى بنيه بمثل ذلك تأكيدا للحجة على اليهود والنصارى ومبالغة في البيان بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :

[133 ] أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون

أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت أي ما كنتم حاضرين حينئذ ، فـ "أم" منقطعة مقدرة بـ "بل" ، والهمزة ، وفي الهمزة الإنكار المفيد للتقريع والتوبيخ . والشهداء جمع شهيد أو شاهد بمعنى الحاضر ، وحضور الموت حضور مقدماته "إذ قال" أي يعقوب [ ص: 267 ] "لبنيه" وهم : رأوبين ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، ويساكر ، وزبولون ، ويوسف ، وبنيامين ، ودان ، ونفتالي ، وجاد ، وأشير ، وهم الأسباط الآتي ذكرهم "ما تعبدون من بعدي" أي أي شيء تعبدونه بعد موتي ، وأراد بسؤاله تقريرهم على التوحيد والإسلام ، وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما : قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عطف بيان لآبائك ، وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه . لأن العم أب والخالة أم ، لانخراطهما في سلك واحد ، وهو الأخوة ، لا تفاوت بينهما ، ومنه حديث الترمذي عن علي كرم الله وجهه ، رفعه « عم الرجل صنو أبيه » أي لا تفاوت بينهما ، كما لا تفاوت بين صنوي النخلة . وفي الصحيحين عن البراء ، رفعه : « الخالة بمنزلة الأم » ؛ وروى ابن سعد عن محمد بن علي مرسلا : « الخالة والدة » .

[ ص: 268 ] "إلها واحدا" بدل من إله آبائك ، كقوله تعالى : بالناصية ناصية كاذبة خاطئة أو على الاختصاص ، أي نريد بإله آبائك إلها واحدا ، وفي ذلك تحقيق للبراءة من الشرك ، للتصريح بالتوحيد . ثم أخبروا بعد توحيدهم بإخلاصهم في عبادتهم ، بقولهم "ونحن له" أي وحده لا لأب ولا غيره "مسلمون" أي مطيعون خاضعون ، كما قال تعالى : وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوعت شرائعهم ، واختلفت مناهجهم ، كما قال تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون والآيات في هذا كثيرة ، والأحاديث . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : « نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد » وقد اشتمل نبأ وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام لبنيهما على دقائق مرغبة في الدين . منها أنه تعالى لم يقل : « وأمر إبراهيم بنيه » بل قال "وصاهم" . ولفظ الوصية أوكد من الأمر ، لأن الوصية عند الخوف من الموت ، وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتم ، فدل على الاهتمام بالوصي به ، والتمسك به .

ومنها تخصيص بنيهما بذلك ، وذلك لأن شفقة الرجل على أبنائه أكثر من شفقته على غيرهم ، فلما خصاهم بذلك في آخر عمرهما علمنا أن اهتمامهما [ ص: 269 ] بذلك كان أشد من اهتمامهما بغيره .

ومنها أنهما ، عليهما السلام ، ما مزجا بهذه الوصية وصية أخرى ، وهذا يدل على شدة الاهتمام أيضا . إلى دقائق أخرى أشار إليها الفخر ، عليه الرحمة .
القول في تأويل قوله تعالى :

[134 ] تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون

"تلك" إشارة إلى إبراهيم ويعقوب وبنيهما الموحدين "أمة" أي : جيل وجماعة "قد خلت" أي : سلفت ومضت "لها ما كسبت" في إسلامها من الاعتقادات والأعمال والأخلاق "ولكم ما كسبتم" أي مما أنتم عليه من الهوى خاص بكم ، لا يسألون هم عن أعمالكم "ولا تسألون عما كانوا يعملون" والمعنى أن أحدا لا ينفعه كسب غيره متقدما كان أو متأخرا . فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا ، فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما اكتسبتم . فما اقتص عليكم أخبارهم ، وما كانوا عليه من الإسلام والدعوة إليه ، إلا لتفعلوا ما فعلوه ، فتنتفعوا . وإن أبيتم ، لم تنتفعوا بأعمالهم .

قال الرازي : الآية دالة على بطلان التقليد ، لأن قوله "لها ما كسبت" يدل على أن كسب كل أحد يختص به ، ولا ينتفع به غيره ، ولو كان التقليد جائزا ، لكان كسب المتبوع نافعا للتابع ، فكأنه قال : إني ما ذكرت حكاية أحوالهم طلبا منكم أن تقلدوهم ، ولكن لتنبهوا على ما يلزمكم ، فتستدلوا وتعلموا أن ما كانوا عليه من الملة هو الحق . انتهى .

ومعلوم أن اتباع الأنبياء عليهم السلام ، والإيمان بهم ، لا يسمى تقليدا ، لخروجه عن حده المقرر في كتب الأصول .

ثم أخبر تعالى أنهم اعتاضوا عن الاهتداء بالأصفياء من أسلافهم ، بأن صاروا دعاة إلى الكفر ، مع بيان بطلان ما هم عليه من كل وجه بقوله :
[ ص: 270 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[135 ] وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

"وقالوا" أي الفريقان من أهل الكتاب "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل" نتبع "ملة إبراهيم" ونستن بسنته لا نحول عنها كما تحولتم "حنيفا" أي مستقيما أو مائلا عن الباطل إلى الحق ، لأن الحنف، محركة، يطلق على الاستقامة ، ومنه قيل للمائل الرجل أحنف ، تفاؤلا بالاستقامة كما قالوا للديغ : سليم . وللمهلكة : مفازة . ويطلق على ميل في صدر القدم ، واعوجاج في الرجل ، فالحنيف المستقيم على إسلامه لله تعالى ، المائل عن الشرك إلى دين الله سبحانه .

ولما أثبت إسلامه بالحنيفية نفى عنه غيره بقوله "وما كان من المشركين" وفيه تعريض بأهل الكتاب ، وإيذان ببطلان دعواهم اتباعه عليه السلام ، مع إشراكهم بقولهم : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، وقد أفادت هذه الآية الكريمة أن ما عليه الفريقان محض ضلال وارتكاب بطلان ، وأن الدين المرضي عند الله الإسلام ، وهو دعوة الخلق إلى توحيده تعالى ، وعبادته وحده ، لا شريك له .

ولما خالف المشركون هذا الأصل العظيم بعث الله نبيه محمدا خاتم النبيين لدعوة الناس جميعا إلى هذا الأصل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]