عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 01-03-2022, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القول البديع في علم البديع

القول البديع في علم البديع (5/8)
للعلامة الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (1033هـ)


د. محمد بن علي الصامل





باب الجمْع والتفريق


وهو إدْخال شيْئَين في معنًى ثُمَّ يفرق جهتي الإدخال، نحو: الشمس والقمر كوكبان: هذا نَهاري وهذا ليلي، ونحو:
فَوَجْهُكِ كَالنَّارِ فِي ضَوْئِهَا وَقَلْبِي كَالنَّارِ فِي حَرِّهَا[89]
الجمع كوْن قلبِه ووجه الحبيب كالنار، والتَّفريق أنَّ للوجْه الإشْراق، وللقَلْب الحريق.


باب الجمْع والتقسيم


وهو جمع متعدِّد تحت حكم ثمَّ تقْسيمه، أو تقسيم متعدِّد ثم جمعه، نحو:
الرَّوْضُ يَجْمَعُ مَعْنًى فِي الحَبِيبِ فَقُلْ إِنْ رُمْتَ يَوْمًا بِتَقْسِيمٍ تُعَارِضُهُ
الغُصْنُ قَامَتُهُ، وَالوَرْدُ وَجْنَتُهُ وَالطَّلْعُ مَبْسِمُهُ، وَالآسُ عَارِضُهُ[90]

ونحو:
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ إِنَّ الخَلائِقَ فاعْلَمْ شَرُّهَا البِدَعُ[91]

قسَّم في الأوَّل صفة الممْدوحين، وجَمعها في الثَّاني تحت كوْنِها [14أ/14ب] سجيَّة.


باب الجمع والتفريق والتقسيم


وهو أن تجمع ثم تفرِّق ثم تقسِّم، نحو: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[92] الآية، جمع الأنفُس في {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ}، ثم فرَّق بأنَّ بعضها شقي وبعضها سعيد، ثم قسَّم بأنَّ أضاف إلى الأشْقِياء ما لهم وللسُّعداء ما لَهم، ونحو:
لِذَاتِي جَامِعٌ تَفْرِيقَ شَمْلٍ بِتَقْسِيمِ الهَوَى مِنْ بَحْرِ حُبِّي
سُهَادًا أَوْ عَذَابًا أَوْ هُمُومًا لِعَيْنِي أَوْ لِرُوحِي أَوْ لِقَلْبِي[93]

جَمع ما تحصَّل من الشَّقيِّ في الهجر، ثم فرَّق بأنَّ الحاصل سهاد وعذابٌ وهُموم، ثم قسَّم السُّهاد للعين، والعذاب للرُّوح، والهموم للقلب.


باب صحَّة الأقسام


وهو عبارة عنِ استيفاء المتكلِّم أقْسام المعنى، نحو: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}[94]؛ إذ ليس في رؤْية البرق إلاَّ الخوْف من الصَّواعق والطمع في الأمطار، ونحو: {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[95]، {دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}[96]، ونحو: {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}[97]؛ لأنه تعالى إمَّا أن يفرد بهبة الإناث أو الذكور أو بهما أو لا يهبه شيئًا، وفيها التَّرقِّي[98] من الأدْنى إلى الأعْلى، وأخَّر العقيم؛ لأنَّ إفْضالَه تعالى على عبادِه أهمُّ من حرمانه، وتقديم الأهمِّ أوْلى، ونحو: ((ليس لك من مالِك إلاَّ ما أكَلْت فأفنيْت، أو لبِسْتَ فأبْلَيت، أو تصدَّقتَ فأبْقَيت))[99]، وقول عليٍّ[100]: "أنْعِم على مَن شئت تكن أميرَه، واستغْنِ عمَّن شِئْتَ تكُن نظيرَه، واحتَجْ إلى مَن شِئْتَ تَكُنْ أسيرَه"[101]، استوْعَب أقسام الدَّرجات العُليا والسُّفْلى والوسطى.

وقف أعرابيٌّ على حلْقة الحسن البصري[102] فقال: رحِم الله مَن تصدَّق من فَضْل، أو واسى من كفاف، أو آثر من قوت، فقال الحسن: ما ترك الأعْرابي منكم أحدًا إلاَّ عَمَّه[103] بالمسألة، ونحو:

وَهَبْهَا كَشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَنَازِحٍ بِهِ الدَّارُ أَوْ مَنْ غَيَّبَتْهُ المَقَابِرُ[104][14ب/115أ]
ونحو:
وَأَعَلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِي[105]
ونحو:
ولَيْسَ بِذِي رُمْحٍ فَيَطْعَنَنِي بِهِ وَلَيْسَ بِذِي سَيْفٍ، وَلَيْسَ بِنَبَّالِ[106]
ونحو:
شَغَلَ الدَّهْرُ عَنْ لِقَاءِ حَبِيبٍ لَيْتَ شِعْرِي مَتَى؟ وَكَيْفَ؟ وَأَيْنَا؟[107]
استوعب أقسام الظُّروف الزَّمانيَّة، والمكانيَّة، وكيف التي يُسْأَل بها عن الأحْوال، وفيما قبله آلات القتال، وفيما قبله أقْسام الزَّمان، وفيما قبْلَه أقْسام الشَّيْء؛ لأنَّه إمَّا أن يكون، أو كان ثمَّ عدِم إمَّا بالبُعْد أو الفَناء.


باب التفسير


وهو أن يأتي المتكلِّم في أوَّل كلامِه بمعنًى لا يستقلُّ الفهم بمعناه دون أن يفسّر، نحو: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}[108]، فصحَّة التَّقْسيم انْدَرَجت في صحَّة التَّفسير، ونحو:
لِمُخْتَلِفِي الحَاجَاتِ جَمْعٌ بِبَابِهِ فَهَذَا لَهُ فَنٌّ، وَهَذَا لَهُ فَنُّ
فَلِلخَامِلِ العَلْيَا، وَلِلمُعْدَمِ الغِنَى وَلِلمُذْنِبِ العُتْبَى، وَلِلخَائِفِ الأَمْنُ[109]

ونحو:
وَجَلا الوَدَاعُ مِنَ الحَبِيبِ مَحَاسِنًا حُسْنُ العَزَاءِ - وَقَدْ جُلِينَ - قَبِيحُ
فَيَدٌ مُسَلِّمَةٌ، وَطَرْفٌ شَاخِصٌ وَحَشًى يَذُوبُ، وَمَدْمَعٌ مَسْفُوحُ[110]

ففي الأوَّل بيان أنَّ الوداع جلا مَحاسنَ الحبيب، وفي الثَّاني شرْح حال المحبِّ حينئذٍ، ونحو:
شَيْئَانِ حَدِّثْ بِالقَسَاوَةِ عَنْهُمَا قَلْبُ الَّذِي يَهْوَاهُ قَلْبِيَ وَالحَجَرْ
وَثَلاثَةٌ بِالجُودِ حَدِّثْ عَنْهُمُ البَحْرُ، وَالمَلِكُ المُعَظَّمُ، وَالمَطَرْ
لَكِنَّ وَاسِطَةَ الثَّلاثَةِ خَيْرُهَا وَكَذَاكَ خَيْرُ العِقْدِ وَاسِطَةُ الدُّرَرْ[111]



باب الإيضاح


وهو أن يذكر المتكلِّم كلامًا في ظاهِرِه لبس ثمَّ يوضِّحُه في بقيَّة كلامِه، كقوله:
يُذَكِّرُنِيكَ الخَيْرُ وَالشَّرُّ كُلُّهُ وَقِيلُ الخَنَا، وَالعِلْمُ وَالحِلْمُ، وَالجَهْلُ[112]
فلوِ اقتصر على هذا التَّرتيب لأشكل المراد على السَّامع؛ لجمعِه [15أ/15ب] بين ألْفاظ المدْح والهجاء، فلمَّا قال بعده:
فَأَلْقَاكَ عَن مَكْرُوهِهَا مُتَنَزِّهًا وَأَلْقَاكَ فِي مَحْبُوبِهَا وَلَكَ الفَضْلُ
أوْضح المعنى المراد ورفَع اللبس، وكقوله:

وَمُقَرْطَقٌ يُغْنِي النَّدِيمَ بِوَجْهِهِ عَنْ كَأْسِهِ المَلأَى وَعَنْ إِبْرِيقِهِ
فِعْلُ المُدَامِ، وَلَوْنُهَا، وَمَذَاقُهَا فِي مُقْلَتَيْهِ، وَوَجْنَتَيْهِ، وَرِيقِهِ[113]

فلوِ اقتصر على البيت الأوَّل لأشْكل الأمر على السَّامِع، من جهة أنَّ الوجه وإن كان حسنًا لا يغني النَّديم عن الخمر، فأوْضح اللَّبس في البيت الثاني، والفرق بين الإيضاح والتَّفسير أنَّ التَّفسير تفصيلُ الإجمال والإيضاح رفْع الإشكال.


باب الإشارة


وهو أن يُشير المتكلم إلى معانٍ كثيرة بألفاظٍ قليلة، فإنَّ المشير بيده يُشير دفعة واحدة إلى أشْياء لو عبَّر عنْها بلفظ لاحتاج إلى ألفاظ كثيرة، نحو: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[114]، ونحو:
وَلأَشْكُرَنَّ غَرِيبَ نِعْمَتِهِ حَتَّى أَمُوتَ وَفَضْلُهُ الفَضْلُ
أَنْتَ الشُّجَاعُ إِذَا هُمُ نَزَلُوا عِنْدَ المَضِيقِ وَفِعْلُكَ الفِعْلُ[115]

وقوله في صفة فرس:
عَلَى هَيْكَلٍ يُعْطِيكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ أَفَانِينَ جَرْيٍ غَيْرِ كَزٍّ وَلا وَانِ[116]
أشار بقوله أفانين إلى جَميع صنوف عدْو الخَيْل المحمود، بدليل غير كزٍّ ولا وانٍ.


باب الإرْداف والتَّتبيع


وهو أن يريد المتكلم معنًى فلا يعبِّر عنْه بلفظِه الموْضوع له، بل بلفْظٍ هو ردْفه وتابعه إلى قريب من لفظِه، قُرْبَ الرَّديف من المرْدف، نحو: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ}[117]، فإنَّ حقيقتَه جلست على هذا المكان، فعدل عن لفْظ الحقيقة؛ لما في الاستِواء من الإشعار بجلوس متمكِّن لا زيْغ فيه ولا مَيل، ونحو: حديث ((زوْجِي رفيع العماد، عظيم الرَّماد، قريب البيت من النَّاد))[118]، أرادَتْ بذلك مدْح زوجِها بتمام الخلْق، والتَّقدُّم على قومِه ونِهاية الكرم؛ لأنَّ قوْلَها رفيع العماد يدلُّ على تمام الخلْق؛ إذْ بناء [15ب/16أ] البيوت على مقادير أجْسام الدَّاخلين لها غالبًا، ويدلُّ على عظم قدْرِ صاحبِه، حيث له قدرة على رفْعِه وعلى كرمه؛ لأنَّ الضيوف تعمد البيوت المرتفِعة، وكذلك عظيم الرَّماد يدلُّ على عظم القدْر، وكثرة الكرم والثَّروة، وكذلك قُرْب البَيْتِ من النادي وهو مجمع رِجال الحي للحديث؛ لأنَّ صاحبه إلى الضَّيف أسْبق، ولو عبرت عن هذه المعاني بألْفاظِها لاحتاجتْ لألْفاظٍ كثيرة ولا تفي بهذا المراد.


باب التكميل


وهو أن يأتي المتكلِّم بمعنًى ثمَّ يرى الاقتِصار على ذلك المعنى غيرَ كامل، فيكمله بمعنًى آخَر، كمَن مدح شخصًا بالشَّجاعة، ورأى الاقتِصار عليْها غير كامل، فيكمل مدْحَه بالكرم، ومنه قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ}[119]، فإنَّه لو اقْتَصر على وصف الذِّلَّة لإخوانِهم المؤمنين والانقياد لأمورِهم كان غير كامل؛ لاحتِمال توهُّم أنَّ ذُلَّهم عن عجز، فكمَّل مدْحَهم بوصْف العزَّة والغلبة على الكافرين، وقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[120]، ونحو:
حَلِيمٌ إِذَا مَا الحِلْمُ زَيَّنَ أَهْلَهُ مَعَ الحِلْمِ فِي عَيْنِ العَدُوِّ مَهِيبُ[121]
فهو تكْميل؛ لأنَّ مَن لم يعرف منْه إلاَّ الحِلْم ربَّما طمع فيه عدوُّه، ونحو:
لَوْ أَنَّ عَزَّةَ خَاصَمَتْ شَمْسَ الضُّحَى فِي الحُسْنِ عِنْدَ مُوَفَّقٍ لَقَضَى لَهَا[122]
فلو قال عند مُحَكَّم لتمَّ المعنى، لكن الموفَّق أكمل وأحسن؛ إذْ ليْس كلُّ محكَّم موفَّقًا؛ فإنَّه قد يجور.

ونحو:

لَوْ قِيلَ لِلمَجْدِ حُدْ عَنْهُمْ وَخَلِّهِمُ بِمَا احْتَكَمْتَ منَ الدُّنْيَا لمَا حَادَا[123]
فقوله: "بما احْتَكَمْت من الدنيا" تكميل.

والفَرْق بين التَّكميل والتَّتْميم أنَّ التَّتميم يرِدُ على المعْنى النَّاقص فيتمُّه، والتَّكميل يرد على المعنى التام فيكمله.



باب الاحتراس


وهو أن يأتي المتكلِّم بمعنًى يتوجَّه عليه اعتراض، فيفطن له فيأْتي بما يخلِّصه، وهذا هو الفرْق بينه وبين التكميل، نحو: {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[124]؛ فإنَّه لمَّا أخبر بِهلاك من هلك [16أ/16ب] أعْقَبه بالدُّعاء عليْهِم ووصفِهِم بالظُّلم؛ ليعمَّ أنَّ جميعهم كان مستحقًّا للعذاب احتِراسًا من ضعيف يتوهَّم أنَّ الهلاك لعمومِه ربَّما شمل مَن لا يستحق، ونحو: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ}[125]، لم يقُل من الجانب الأيمن كما قال لموسى؛ لأنَّه هو الَّذي نودي فيه أدبًا مع محمَّد أن ينفِيَ عنه كونه بالجانب الأيمن، ونحو:
حَلِيمٌ إِذَا مَا الحِلْمُ زَيَّنَ أَهْلَهُ[126]
فلولا زيادة ما بعد حليم لكان المدْح معترضًا؛ إذْ بعض الحلم قد يكون عن عجْزٍ وليس بحلم حقيقة، والحِلْم إنَّما هو الصفح عن قدرة كما قيل:

وَحِلْمُ ذِي العَجْزِ ذُلٌّ أَنْتَ عَارِفُهُ وَالحِلْمُ عَنْ قُدْرَةٍ ضَرْبٌ مِنَ الكَرَمِ[127]


باب النكتة


وهي تَخصيص شيءٍ بالذِّكْر دون أشياء كلّها تسدُّ مسدَّه، ولولا النُّكْتة في التَّخصيص لكان تخصيصه معيبًا، كقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}[128]، خصَّها بالذِّكْر دون غيرها من النجوم - وهو ربُّ كلِّ شيء - لأنَّ رجلاً دعا خلقًا إلى عبادتِها، فنزل: وهو ربُّ الشعرى التي ادُّعِيَت فيها الربوبية دون سائر النُّجوم، وقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[129]، خصَّ يفقهون دون يعلمون، لما في الفِقْه من الزِّيادة على العلم.

وكقول الخنساء:

يُذَكِّرُنِي طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْرًا وَأَذْكُرُهُ لِكُلِّ غُرُوبِ شَمْسِ[130]
خصَّت هذَيْن الوقْتين مع أنَّها تذكره دائمًا؛ لما فيهما من التَّنبيه على الشَّجاعة والكرَم؛ لأنَّ طُلُوع الشمس وقت الغارة على العدو، والغروب وقْت إطْعام الطَّعام للضيفان.


باب المواربة


وهي أن يأتيَ المتكلِّمُ بكلام يتضمَّن الإنكار، فيستحضر بحِذْقِه وجهًا يتخلص به من تصحيفٍ أو تَحريف أو زيادةٍ أو نقصٍ، من وَرَبَ العرق إذا فسد، فكأنَّ المتكلِّم أفسد بتأْوِيله ظاهر كلامه نحو:
وَإِنْ أُصَرِّحْ أُجَامِلْ فِي مُوَارَبَةٍ لأَنَّهُمْ مِنْ ذوي الأَقْدَارِ وَالحَشَمِ[131]
فالأقدار بالمهْملة للمقام الرفيع، وبالمعجمة للنجس.

وكقول بعض الخوارج:

فَإِنْ يَكُ مِنْكُمْ كَانَ مَرْوَانُ وَابْنُهُ وعَمْرٌو وَمِنْكُمْ هَاشِمٌ وَحَبِيبُ[16ب/17أ]
فَمِنَّا حُصَيْنٌ وَالبُطَيْنُ وَقُعْنُبٌ وَمِنَّا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ شَبِيبُ[132]

فلمَّا بلغ هشام بن عبدالملك[133] وظفِر به قال له: أنت القائل: ومنَّا أميرُ المؤمنين شبيب؟ فقال لَم أقُل كذا، وإنَّما قلتُ: أميرَ وفتح الرَّاء، فتخلَّص بفتح الرَّاء بعد ضمِّها، وهو ظاهر.


باب التعليق


وهو أن يأتِي المتكلِّم بمعنًى، ثمَّ يعلِّق به معنًى آخر يقتضي زيادة مدْح، كمادح إنسانٍ بِالكرم، [فيعلق][134] بالكرم شيئًا يدلُّ على الشَّجاعة، كقوْلِ بعضِهِم في بعض القُضاة حيث يردُّ شهادة مَن شهِد برؤْيَة هلال الفِطْر:
أَتُرَى القَاضِيَ أَعْمَى أَمْ تُرَاهُ يَتَعَامَى
سَرَقَ العِيدَ كَأَنَّ الْ عِيدَ أَمْوَالُ اليَتَامَى[135]

فعلق خيانة القاضي في أموالِ اليتامى بِما قدَّمه من خيانتِه في أمر العيد، ونحو:
تَخَيَّلَ أَنَّ القِرْنَ وَافَاهُ سَائِلاً فَقَابَلَهُ طَلْقَ الأَسِرَّةِ ذَا بِشْرِ
وَنَادَى فِرَنْدَ السَّيْفِ دُونَكَ نَحْرَهُ فَأَحْسَنُ مَا تُهْدَى اللآلِي إِلَى النَّحْرِ[136]

علق ذكر الكرَم بِذِكْر الشَّجاعة، حيثُ وصف المَمْدوح بطلاقتِه وتَهلُّلِه استِبْشارًا بالقرن، لمَّا تَخيَّله سائلاً، وإهدائِه فِرَند السَّيف، وهو جوهرة إلى نَحره، لمَّا تَخيَّل الفرند لآلئ.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]