عرض مشاركة واحدة
  #164  
قديم 26-02-2022, 02:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الجنائز)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (159)

صـــــ(1) إلى صــ(29)

[خلع ثيابه وستره]
قال المصنف: [وخلع ثيابه وستره بثوب].وبعد أن يغمض عينيه، ويشد لحييه، ويلين مفاصله يقوم بستره بثوب، ثم ينزع عنه الثياب؛ لأن الثياب إذا بقيت سخن الجسم، وحينئذ ينتن ويتفسخ، ولذلك تخفف الثياب التي عليه، فإذا أمكن نزع الثياب عنه نزعت ولا شيء في ذلك.ثم يسجى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي سجي ببرد حبرة، وهذه سنة، وفي هذا إكرام للميت،
فإن بقاءه مكشوفا أمام الناس منظر غير حسن، وربما يكون أكمل وأستر وأولى له أن يغطى ويسجى، فإذا احتيج لكشف وجهه لتقبيل ونحو ذلك فلا حرج، فهذا أكمل في هيبته ورعاية حرمته.وقد فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأخذ العلماء من هذا دليلا على سنية التسجية، وأنه لا يبقى مكشوفا أمام الناس، ويوضع في مكان أرفق بجسمه وأبعد أن ينتن هذا الجسد ويتضرر بذلك النتن.
[وضع حديدة على بطنه]
قال رحمه الله:
[ووضع حديدة على بطنه].لأن عادة الموتى أنه إذا ترك أحدهم ربما انتفخ، وهذا الانتفاخ يعيق في الغسل، وكذلك ربما يكون أسرع في نتنه، وتضرر من يحمله ويصلي عليه بوجود رائحة كريهة خاصة إذا انتفخ فماذا يفعل؟ يوضع شيء على بطنه، والمحفوظ عن أنس رضي الله عنه في الأثر أنه كان يأمر بوضع الحديدة، ومن هنا نجد بعض الفقهاء ينصون على أنه توضع الحديدة كمرآة ونحوها على بطنه، ولكن ذلك ليس بمقيد بالحديث، فلو وضع أي شيء يكون ثقيلا نوعا ما على بطنه فلا بأس.
وضعه على سرير الغسل متوجها منحدرا نحو رجليهقال رحمه الله: [ووضعه على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه].فيوضع على سرير؛ وذلك أنه إذا وضع على الأرض أسرعت إليه الهوام، وخاصة في الزمن القديم، فإن الضرر أكثر، وإن كان في عصرنا -والحمد لله- قد يكون آمنا، ولكن لا يزال الجسم إذا وضع على حالة معينة يتضرر،
ولذلك قال تعالى عن أهل الكهف:
{ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} [الكهف:18] هذا التقليب لأنهم لو بقوا على حالة واحدة لتآكل الجنب، ولكن الله سبحانه وتعالى قلبهم حتى لا يحدث التآكل في الجنب، وإن كان سبحانه وتعالى قادرا على أن يجعلهم على حالة واحدة لا تآكل معها، ولكن هذا من باب الإشارة إلى الأسباب؛
ولذلك قالوا:
يوضع على سرير، فلا يلي الأرض؛ لأنه ربما يحمي الجسد، ثم إذا سخن الجسد وليس ثم روح فيه تسارعت الأعضاء والأطراف والجلد إلى التلف؛ لأن الجسد يبقى بروحه، فإذا نزعت منه الروح ضعف عن مقاومة الأذية، والهوام ونحوها من الجراثيم التي تصيب الإنسان.وكل هذا ليس بواجب وإنما هو من باب الكمالات، ولا يشترط التعيين في مثل هذه الأمور، إنما المراد الرفق، فلو كان على الأرض حديد -مثلا- يوضع عليه ويؤمن منها الضرر فلا حرج،
ولو كانت الأرض طبيعية، فإذا وضع عليها أسرع إليه الهوام رفعناه عنها على بساط أو على مركبة أو نحو ذلك ولا حرج، فلا يشترط السرير بعينه، وإن كان صلى الله عليه وسلم سجي عليه، لكن كل ذلك من باب الأسباب، فليس بأمر إلزامي ولا واجب، خاصة إذا كان غسله قريبا فالأمر فيه واسع والحمد لله.ثم يرفعه فيجعل صدره مرتفعا قليلا إذا وضع على السرير ليسهل خروج ما في بطنه، ولذلك يجعله على هذه الحالة حتى يكون أدعى لخروج الفضلات الباقية، فيسهل غسله بعد ذلك ونقاؤه، فلا يتعب من يقوم بتغسيل الميت.
[الإسراع بتجهيزه]
قال رحمه الله: [وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة].بعد هذه الأمور -إذا هيأ الإنسان الميت، وقام بحقه بعد قبض روحه بالأمور التي ذكرناها- ينبغي عليه أن يسرع بتجهيزه، وذلك بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه؛
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أسرعوا بالجنازة)، فأمر عليه الصلاة والسلام بالإسراع، ونص أهل العلم رحمة الله عليهم على وجوب ذلك، بمعنى: أن الأصل أن الإنسان يجب عليه أن يبادر بالميت، والسبب في هذا أن بقاء الميت مظنة أن يتغير وأن يتضرر جسمه، وأن يتضرر جسده؛
ولذلك قالوا:
ينبغي أن يبادر ويحسم إليه في التغسيل والتكفين والقيام بحقه.
ومن هنا:
لا يجوز حبسه وتأخيره إلا لضرورة وحاجة، فإن وجدت الضرورة والحاجة -كما في الحالات الاستثنائية- كأن يكون به أمر يحتاج إلى كشفه كما في الجرائم ونحوها، أو يحتاج إلى أن يؤخر حتى تعرف ملابسات الجريمة والاعتداء عليه، فلا حرج أن يؤخر، ويكون تأخيره بقدر الحاجة والضرورة.كذلك أيضا لو خشي أنه لو دفن يتضرر من أقربائه، فيؤخر من أجل دفع المفسدة ولا حرج، أما أن يؤخر من أجل أن يحضر الأقرباء بدون وجود ضرورة ولا حاجة فلا؛ لأن حق الميت مقدم على حقهم، وحينئذ ينبغي أن يبادر بدفنه، ولأن حضورهم لا يزيد في الأمر ولا ينقص منه شيئا، فقد نفذ القضاء ومضى قدر الله عز وجل، ولا يستطيعون أن يردوا من قدر الله عز وجل ما كان.
وعلى هذا:
لا مصلحة في تأخير الميت، وفيه حديث -وقد تكلم في سنده- (لا يحل لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله) وهذا يعتبره العلماء ويقولون: متنه صحيح، والأصل أن أهل الميت ممنوعون من تأخير جنازة الإنسان بدون حق وضرورة، والتوسع في مثل هذه الأمور لا يخلو الإنسان فيه من تبعة ومسئولية أمام الله عز وجل.فتأخير الموتى بدون حاجة يبقي لأهلهم الإثم والمسئولية أمام الله عز وجل؛ لما فيه من الإضرار بالميت، وعلى هذا لا يؤخر، بل ينبغي أن يسرع في تجهيزه؛ فتبحث عن من يقوم بتغسيله، فتسرع بإحضار المغسل، وتحضر ما يحتاج إليه لكفنه،
وكذلك أيضا:
تسرع بالقيام ببعض الأمور التي تتصل به من حقوقه قبل دفنه؛ من إخبار خاصة قرابته وإعلامهم حتى يشهدوه ويدعوا له بالمغفرة، وحينئذ إذا قام الإنسان بهذا على الوجه المطلوب فقد أحسن إلى الميت وأحسن إلى قرابته، وذلك مطلوب ومرغوب.
وأما قوله: [غير فجأة]: فالذي يموت فجأة لا يؤمن أن يكون حيا، كما في حالة السكتات، فيموت في الظاهر ولكنه في الحقيقة لا يزال به حياة، فالاستعجال بتغسيله وتكفينه ودفنه ربما أفضى إلى قتله وهو حي، وعلى هذا إذا مات فجأة -بمعنى: أصابته سكتة، والعياذ بالله، أو جاءه شيء طارئ من فجعة ونحوها ظن معها موته- فلا يبادر بتغسيله وتكفينه، بل ينتظر، والمرد في هذا إلى أهل الخبرة كالأطباء ونحوهم، خاصة في هذه الأزمنة التي تيسر فيها معرفة الموت بالعلامات الدقيقة.
فلا يبادر أهل الميت بدفن الميت إذا كان موته فجأة، وقد وقع حتى في زمن السلف رحمة الله عليهم قصص عجيبة في المبادرة بدفن من مات فجأة، حتى إن بعض من يقوم بنبش القبور وحفرها ربما يجد الميت جالسا في بعض الأحيان، وذلك إذا أصابته سكتة، ثم دفن، ثم بعد أن يفيق يجلس في مكانه ولا يجد أحدا فيموت جالسا في نفس القبر، وهذا أمر جد خطير! خاصة إذا حصل فيه التساهل والتسيب فإنه لا يؤمن معه من التبعة والمسئولية.
[حكم الحياة على التنفس بالأجهزة بعد موت الدماغ]وهنا مسألة، وهي: مسألة موت الدماغ،
فإنها حيرت الأطباء: هل إذا مات دماغ الإنسان يعتبر ميتا أو ليس بميت؟ وهي التي يسمونها (الموت السريري) وقد عمت بها البلوى خاصة في هذا الزمان، وصورة المسألة أن جذع الدماغ يموت، ويقرر الأطباء أن جذع الدماغ قد مات، فلا يتحرك الإنسان ولا يستجيب لأي حركة، حتى ولو غرز بالإبرة أو أوذي فإنه لا يتضرر ولا يحدث أي استجابة في جسمه،
غاية ما في الأمر:
أن قلبه ينبض، وأن نفسه ظاهر، يتنفس تنفس الحي بواسطة الأجهزة، حتى لو أن هذه الأجهزة سحبت عنه يموت من ساعته.فq هل هذه النوعية من المرضى تعتبر ميتة، وينبني عليها ما ينبني على الحكم بموت الإنسان، من شرعية سحب الأجهزة والحكم بكونه ميتا حتى يورث، ونحو ذلك من التبعات الفقهية المترتبة على الحكم بموت الإنسان، أم أنه ليس بميت؟
في الحقيقة هذه المسألة أولا: تحتاج إلى بحث من جهة إثبات موت الدماغ، فالأطباء أنفسهم لم يتفقوا على صيغة معينة وشروط معينة تبين أو تحدد بالدقة الموت الحقيقي للدماغ، وهناك قرابة ثلاث مدارس للأطباء في حقيقة إثبات موت الدماغ، والمشكلة ليست هنا، المشكلة أن معرفة موت الدماغ، والتأكد أنه قد مات لا يمكن التوصل إليه في أقوى المدارس الطبية إلا بواسطة أجهزة دقيقة لا تتيسر في غالب الأمكنة.
ولذلك:
فالاستعجال بالحكم، بكون هذا موتا يحتاج إلى نظر، والأصل الشرعي يقتضي أن من به حركة يحكم بحياته؛ لأن الحركة دالة على الروح، والجسم كانت فيه الروح التي هي الحقيقة، وأثرها التي هي الحركة.
وعلى هذا فإننا نقول:
(الأصل بقاء ما كان على مكان)، ولم أجد دليلا شرعيا صحيحا يدل على أن موت الدماغ يدل على موت الإنسان، بل وقعت حوادث تخالف هذا، حتى إن من الأمور التي حدثت بسبب هذه المسألة أنهم اختلفوا في امرأة، هل هي ميتة أو ليست ميتة في منطقة من مناطق الخارج، فحكم الأطباء بموتها، وأصر آخرون على أن موت الدماغ لا يجيز لهم سحب الأجهزة، واختلفت الكنائس في الخارج في الحكم بموت هذه الفتاة، حتى بقيت عشر سنوات تحت الأجهزة ثم أفاقت بعد عشر سنوات! وهذا أمر يؤكد أن الاستعجال في مثل هذه القضايا يحتاج إلى نظر؛ ولذلك فالأصل أنه حي، والأصل أنه لا يجوز الإقدام على سحب الجهاز عنه إلا بمبرر شرعي، فيبقى على هذه الحالة،
فالذي تطمئن إليه النفس أنه حي.وهناك مسألة فقهية قديمة يمكن أن نخرج عليها هذه المسألة، وهذه المسألة تعرف عند العلماء بالقاعدة التي نبه عليها الإمام النقري في القواعد، وكذلك غيره كـ الزركشي في المنثور،
وهي القاعدة التي تقول: (الحياة المستعارة، هل هي كالعدم أو لا؟).تكلم العلماء على هذه المسألة، في مسألة ما إذا ما هجم الذئب على شاة أو غنمة فبقر بطنها، فإنه إذا بقر بطنها الغالب أنها ميتة، فلو أنك أدركتها قبل أن تموت وهي تتحرك -ترفس بقدميها- وأسباب موتها قد وجدت، فذكيتها في هذه الحالة،
فإن قلنا:
الحياة المستعارة -يعني: التي هي في الأخير- حقيقية فذكاتك مؤثرة والشاة يجوز أكلها، وإن قلنا: إنها حياة كالعدم؛ حينئذ ذكاتك في هذا الوضع لا تأثير لها.
فإذا: كأنهم يفصلون على مسألة الحركة، فالذين يقولون: إنها حية،
والذكاة مؤثرة يقولون:
لا زالت الروح حية، فوقعت التذكية على حي، وكل تذكية لحي موجبة لحله إذا كان مما يحل أكله.وبناء على ذلك عندنا أصل من العلماء يعتبر الحياة المستعارة، وإن كان بعض أهل العلم خرج هذه المسألة على مسألة إنفاذ المقاصد، كأنهم يقولون: إن الذئب إذا قتل الشاة بالبقر، فقد أنفذت مقاتلها، بمعنى: أنها استنفذت بالهلاك بهذه الوسيلة، فيخرجها عن المسألة التي معنا، لكنها تصلح للاستشهاد.
والذي يعنينا:
أن الميت الذي مات دماغه لا يزال محكوما بحياته، خاصة وأننا لو فتحنا هذا الباب تحت الأجهزة، وعلى هذا لا يتيسر معرفة موت الدماغ إلا بصعوبة وفي أماكن خاصة، وربما يفتح هذا الباب الإقدام -حتى عند بعض المتساهلين من الأطباء -على سحب الأجهزة- ممن لا يصل إلى درجة القطع بموت دماغه، وهذا أمر ينبغي أن يحتاط فيه لأرواح الناس كما هو الأصل الشرعي.
لكن هناك مسألة: لو فرضنا أن رجلا كبير السن في آخر عمره وضع الجهاز عليه، أو رجل شاب في شبابه لكنه أصيب بحادث أو نحو ذلك، والغالب أنه يهلك، وقد مات دماغه في كلام الأطباء، وجاءت حالة ثانية لإنسان ترجى حياته أكثر، وليس عندنا إلا جهاز واحد، فهل يشرع سحب الجهاز عن هذا الذي قد غلب على الظن هلاكه لكي نبقي هذه الروح أو لا يشرع؟a نعم، يشرع أن يسحب منه في هذه الحالة،
فهذه هي الحالة التي تعتبر مستثناة في سحب الأجهزة:
أنه إذا وجدت حالات أحوج يجوز حينئذ سحبها،
وهذا مقرر على الأصل الشرعي في ازدحام الحقوق:
أنه إذا ازدحم حق يمكن تداركه مع حق لا يمكن تداركه أو مع مصلحة لا يمكن تداركها، قدمت المصلحة والحق الذي يمكن تداركه.هذا بالنسبة لمسألة من مات فجأة، وموت الفجأة بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه رحمة من الله بالمؤمن، ونقمة عاجلة من الله بالكافر، وموت الفجأة استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه؛ لأن موت الفجأة يحول بين الإنسان وبين خير كثير، يحول بينه وبين الوصية في أمور ربما تكون من فضائل الأعمال،
يحول بينه وبين تنبيه أهله وذويه على أمور قد يكونون محتاجين إليها، خاصة أن الأب إذا أوصى في آخر حياته كان لوصيته في قلوب أبنائه وبناته وقعا كبيرا، فلذلك كان موت الفجأة يحول بين الإنسان وبين خير كثير، ومن هنا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه.لكنه أخبر في الحديث الآخر أن موت الفجأة رحمة بالمؤمن؛ لأن الإنسان إذا مات ربما تألم وتأوه في مرضه وإن كان تأوهه وتألمه يرفعه درجة،
حتى ورد في الحديث أن الله يشدد على العبد: (إذا أحب الله عبدا من عباده غفر له ذنوبه، فإذا بقيت له ذنوب خفف عنه بالبلاء قبل الموت) فشدد عليه في سكرات الموت، وشدد عليه في مرض الموت، حتى يوافي الله عز وجل بلا ذنب ولا خطيئة.فموت الفجأة رحمة من جهة كونه يحول بين الإنسان وبين الألم والضرر الذي في ظاهره عناء وعذاب به،
وأيا كان:
إذا مات الإنسان يجب مراعاة هذه الأمور؛ لكن لو قرر الأطباء أنه ميت فعلا فحينئذ يحكم عليه بالموت.
[إنفاذ الوصية]قال المصنف رحمه الله: [وإنفاذ وصيته].
أنفذ الشيء:
إذا أتمه وقام به، وإنفاذ الأمر: المضي به، فقد يوصي الإنسان بحقوق عليه لله عز وجل وحقوق لعباده، فيعمل بهذه الوصية، وهناك وصايا معجلة لا تحتمل التأخير،
كأن يقول مثلا: إذا أنا مت فيتولى تغسيلي فلان من أهل العلم أو من أهل الصلاح والخير، فيأمر بأن يغسله، وهذا شيء درج عليه السلف رحمة الله عليهم، وقد أوصى أبو بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكذلك أوصى أنس بن مالك رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين الإمام الجليل من أئمة التابعين، فتكون هذه وصية فتنفذ.
وتقرأ وصيته قبل أن يغسل؛ لأنه ربما تكون هناك أمور ينبه عليها في تجهيزه، كأن يوصي أولاده بالصبر واحتساب الأجر، فتقرأ وصيته وينفذ ما يمكن تنفيذه عاجلا خاصة الحقوق التي ينبغي المبادرة إلى قضائها كالديون ونحوها، ولو أمكن أن تقضى ديونه قبل الصلاة عليه فهذا أولى، بل واجب إذا أمكن ذلك؛ لأنه لا يجوز تأخير ديونه، وهذا أمر يتساهل فيه كثير من الناس إلا من رحم الله، فيؤخرون ديون الأموات، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين ولم يترك وفاء؛
لعظم أمر الدين.ولذلك لو توفي وعنده سيولة نقد وعليه دين، وتعلم أنه مكتوب لفلان ألف وللآخر ألف فينبغي أن تقوم بأخذ الألفين قبل أن تغسله أو تكفنه إذا أمكن، وتعطيها لأصحابها، إنفاذا لوصيته، وهذا من أبلغ البر وأفضله؛ حتى يوافي الله عز وجل سالما من حقوق عباده.كذلك أيضا وصاياه بالأقربين، من الإحسان المبادرة بها ولو بعد وفاته مباشرة، وإنفاذ وصيته بالحقوق التي لله عليه كالحج عنه والعمرة عنه، والصدقة عنه، إذا أوصى بها، فهذا كله ينفذ.
[الإسراع في قضاء دينه]
قال رحمه الله:
[ويجب الإسراع في قضاء دينه].ومن هنا يأثم الورثة بتأخير سداد الديون، فإذا مات الوالد أو القريب وقد ترك مالا أو ترك بيتا وعليه دين فيجب على الورثة أن يبيعوا البيت لسداد دينه، وهم يستأجرون أو يقومون بما يكون حفظا لهم من الاستئجار أو الانتقال إلى مكان آخر، أما أن يبقى الدين معلقا بذمته وقد ترك المال والوفاء فهذا من ظلم الأموات، وإذا كان بالوالدين فالأمر أشد؛
وقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أن نفس المؤمن معلقة بدينه) قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا كان عليه دين فإنه يمنع عن النعيم حتى يؤدى دينه،
ولذلك قال: (نفس المؤمن مرهونة بدينه) وفي رواية (معلقة بدينه) بمعنى: أنها معلقة عن النعيم حتى يقضى دينه.ويؤكد هذا حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيح، فإنه لما جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (هل ترك دينا؟ قالوا: دينارين.فقال: هل ترك وفاء.قالوا: لا.قال: صلوا على صاحبكم.
فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله! فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو قتادة: فلم يزل يلقني ويقول: هل أديت عنه؟ فأقول: لا بعد.حتى لقيني يوما، فقال: هل أديت عنه؟ قلت: نعم.
قال: الآن بردت جلدته) فهذا يدل على عظم أمر الدين، فينبغي المبادرة بقضاء الديون وسدادها، خاصة ديون الوالدين فالأمر في حقهم آكد.والله تعالى أعلم.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]