عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-02-2022, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,156
الدولة : Egypt
افتراضي نظرية الأدب القائد

نظرية الأدب القائد


د. أحمد الخاني





أصول نظرية الأدب القائد:
حسان بن ثابت والشعر:
وهذه النظرية مستقاة ابتداء من رؤية حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حينما استشرفت نفسه رضي الله عنه إلى فتح مكة، إنه رأى بنظرة مستقبلية أن تدخل خيل المسلمين فاتحة مكة من كداء، قال ابن إسحاق: وكان مما قيل من الشعر في يوم فتح مكة قول حسان بن ثابت:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء

ينازعن الأعنة مصعدات
على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء

فإما تعرضوا عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاء

وألا فاصبروا لجلاد يوم
يعز الله فيه من يشاء



قال ابن هشام في سيرته: قالها حسان قبل الفتح، والقصيدة في ديوان حسان.

وفي البخاري من حديث ابن عمر قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، رأى النساء يلطمن الخيل بالخمُر، فتبسم إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر كيف قال حسان؟ فأنشده قوله:
عدمنا خيلنا أن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء

ينازعن الأسنة مصعدات
يلطمهن بالخمر النساء



فقال: (أدخلوها من حيث قال حسان)[1].

فهذا الشعر يصنع الحدث، أو يشارك في صنعه، أو ينظر نظرة مستقبلية إلى ما يجب أن يكون، أو إلى ما يريد الشاعر أن يكون، وليس هذا الشعر مرآة للحياة بل هو موجه لها، أو هو قائد لها.

الأفق الأعلى:
وإذا كانت معطيات الأدب الإنساني يتعلق بالإنسان وبالأرض؛ فإن للأدب القائد أفقًا أعلى لا يتعلق بالمحسوس، إنه ينظر إلى الحياة التي يعيشها ويصعد بها إلى الحياة الخالدة ويوجه إليها.

جعفر بن أبي طالب والشعر:
معركة مؤتة من المعارك المعجزة في التاريخ؛ ثلاثة آلاف تصدت لمئتي ألف، قاتل زيد بن حارثة القائد الأول حتى استشهد، فتسلم الراية القائد الثاني جعفر وقال:
يا حبذا الجنة واقترابها
طيبة وباردًا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها

علي إذ لاقيتها ضرابها


كان هذا البطل في موقع الاستعلاء وهو يقود ثلاثة آلاف مسلم ضد مئتي ألف روماني، إن نظرته إلى الحياة الخالدة رفعته فوق الخوف في موطن الخوف، وجعلته هجوميًا: (علي إذ لاقيتها ضرابها).

عمر بن الخطاب والشعر:
هذه النظرة إلى الحياة، وإلى أدب هذه الحياة، أوجدت ميزانًا للنقد يختلف عن موازين المتحذلقين من النقاد، نقد للأدب وتقويم للحياة وفق هذا الميزان النقدي؛ ذلك ما رأيناه عند الفاروق عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، فقد روت لنا كتب الأدب أن عمر سمع الشاعر عبد بني الحسحاس ينشد:
عميرة ودع إن تجهزت غازيا
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا



فقال له عمر: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك،.

وسمع عمر شاعرًا ينشد:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا بالجوسق المتهدم



فقال: إي والله، إنه ليسوؤني ذلك، وعزله عن عمله.

وفي حياة عمر بن عبد العزيز رحمه الله أمثلة حافلة في هذا الباب.

تعريف الأدب القائد:
الأدب القائد: هو الأدب الذي يقود النفس الإنسانية إلى الحق والخير والحب والسلام بدافع ذاتي ينبع من نفس الشاعر أو الأديب.

لقد جاء أدب الكلاسيكية مرآة للحياة، ولم نجد في الأدب الآيديولوجي غير الإسلامي أدبًا قائدًا لخير الإنسانية، بل وجدنا في الأدب الشيوعي الهدم والحقد على الإنسان.

نعم وجدنا في مدارسنا العربية دعوة إلى حسن الصياغة والتعبير عن الحياة، وهذا شيء جيد ولكنه لايكفي، نحن نريد أدبًا يعبر عن الحياة لا كما هي، بل كما يجب أن تكون، نريد أدبًا يبني الحياة وفق رؤية الشاعر الذي يتمثل أمته ويعبر عن آمالها وطموحاتها، نريد أدبًا يفتح للنفس أبواب الأمل فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، ولقد أخذت منا بعض الآداب الآيديولوجية والعالمية من هذه المعاني ونظرت إليها من زاويتها الخاصة بها.

فلنتعرف على الشكل والمضمون في هذه النظرية.

(الشكل) في نظرية الأدب القائد:
الشعر إلهام يسبق التفكير إنه ومضة كقدح الزناد تنبثق منه إيحاءات الموضوع في دفقة شعورية يأتي بعدها الفكر المنظم لهذا التدفق الشعوري.

والقصيدة بناء متكامل ووحدة شعورية كجسم الكائن الحي، القصيدة شكل ومضمون كما للكائن الحي جسم وروح يتوزعان الأهمية بشكل متكافئ؛ الإبداع في المضمون، والإبداع في الشكل.

نظرية الأدب القائد لا تفرق في الشكل بين ألفاظ شعرية وألفاظ غير شعرية، الألفاظ كلها تدخل في هالة الشعر الفنية، والسياق هو الذي يعطيها صفتها الشعرية بشفافيتها وإيحاءاتها ونسق تركيبها ووضعها بالنسبة لما قبلها وبعدها..

ولا يستعمل الخطأ الشائع أو المفضول، مثال ذلك شاعر معاصر يستعمل لفظة يثرب وهذا لا يليق والمسمى الأفضل لفظ (طيبة) وقد جمعت لفظ (واد) على (وديان) ولئن صحت هذه فلفظة أودية وردت في القرآن الكريم.

هذا فيما يتعلق بالوحدة اللغوية في الشعر.

أما النسق أو السياق، فإن هذه النظرية ترى أن يكون السياق انسيابيًّا وأحيانًا تفجريًّا؛ حتى يبتعد الشاعر عن الترهل، وهذا ما يعطي الإيقاع وقعًا مميزًا مؤثرًا بالإحساس.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]