إخوتي يتحسن حالهم، وأنا يسوء حالي
أ. يمنى زكريا
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا في ابتلاءٍ شديدٍ، وأُريد منكم أولًا الدعاء والنصيحة.
ثانيًا: أنا فتاة من أسرة متوسطة الحال، لديَّ إخوة ذكور وإناث، ولديَّ صديقاتٌ، كنتُ مثل أي فتاة يسمح الأهلُ بزيارتهنَّ لي، ولا يسمحون لي بزيارة واحدة منهنَّ، بخلاف أخي الذي يذهب إلى أي مكان، وفي الوقت الذي يريد!
كنتُ أتخيَّل نفسي ولدًا، وأقول في نفسي: لو كنتُ شابًّا كنتُ خرجتُ مثل أخي، في أي وقت، وفي أي مكان.
لفت انتباهي صديق أخي، فتى وسيم، ومن أسرة ميسورة الحال، بدأت النظرات بيننا، وأخذ باله مني في فرح أحد الأقارب، وكنتُ فَرِحةً أنه يأخذ باله مني وينظر إليَّ، ومنذ هذه الليلة وبدأتْ حياتي تأخذ منحى آخر!
كنتُ أنتظره في (البلكونة) وهو ينادي على أخي لأراه، ومن عادتنا أننا لا نخرج مع الشباب، فكانتْ أمي تردد دائمًا: الشابُّ الذي يخرج مع فتاة لا يتزوَّجها! حتى تعمَّقتْ هذه الكلمةُ في داخلي.
وجدتُ اهتمامًا من هذا الشابِّ، وعزمتُ على ألا أخرجَ معه، رغم اهتمامي به قبل اهتمامه بي!
كنتُ أحلم باليوم الذي يأتي فيه ليتقدَّم إليَّ، وكنتُ أنتظره، حتى رأيته في يومٍ واقفًا مع أحد الجيران يسأله: ألم تقلْ: إنك ستخرج مع هذه الفتاة؟ فرد الشابُّ: صرفتُ نظري عن هذا الموضوع! فعلمتُ أن نظراته لي واهتمامه بي لم يكن إلا رهانًا عليَّ!
بكيتُ كثيرًا، وكرهتُه جدًّا، وتحولتْ حياتي إلى الأسوأ، وجلستُ سنوات في تغيُّر شديدٍ؛ لأنه أول شابٍّ أحببتُه.
تقدَّم لي شابٌّ جار لي أكبره بسنوات، فلم أوافقْ، ورحَّبتْ أمي بالموضوع، ثم اعتذرتْ لما صمَّمتُ على أنه غير مناسبٍ، شعرتُ بالإهانة وقتها، وشعرتُ وقتها بالكره نحو أمي!
إخوتي منهم المتزوج، والمخطوبة، والتي أنجبتْ، وأنا كما أنا لم أتقدمْ، كان ما زال هناك أملٌ أن يأتي الشابُّ الذي أحببتُه ويتقدَّم لي، حتى تزوَّج هو الآخر!
ما زلتُ أدعو الله أن ييسرَ أموري، وأكون مثل إخوتي، أو يأخذني عنده حتى لا أرى نظرة شفقة من أحدٍ عليَّ.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة.
نُرَحِّب بك أختي الحبيبة في شبكة الألوكة، وندعو الله - جل وعلا - أن يرزقك راحةَ البال، ويُبعد عنك كل مكروه.
أختي الغالية، أشعر بمدى الحزن الذي تُعانين منه، ولكني على يقينٍ بأنك تعلمين أنَّ - سبحانه وتعالى - مُقَسِّم الأرزاق لم يظلمْ أحدًا، فلا يأخذ أي أحد في هذه الدنيا إلا ما كتبه الله له وقدَّره.
أطلب منك - أختي الكريمة - أن تُعيدي تقييمك لنفسك، وأن تُغيِّري نظرتك للحياة؛ فأنت خُلِقْتِ لعبادة الله وعمارة الأرض، حالك حال الرجل، مُكَلَّفة ومحاسَبة مثله، وأمامك مهامٌّ كثيرة تقومين بها، وتسعين لتحقيق ما يُسعدك وتصلين بها إلى درجةٍ مِن الرضا عن نفسك، والشعور بقيمتك، فسكونُ النفس وطمأنينتها مِن أهمِّ علامات الرضا بالقدر، وعلاج مشكلتك الكبرى تكمُن في صحة اعتقاداتك ورضاك عن قدر الله فيك.
أعيدي النظر في عباداتك وعلاقتك بربك، وحاولي تقويتها لتزدادي ثقةً بنفسك وبقدراتك، اهتمي بعلاقاتك الاجتماعية مع صديقات العمل ومع جاراتك الصالحات، ارسمي لنفسك هدفًا، وحاولي تحقيقه، وقتها ستشعرين بسعادة كبيرةٍ، وأن الحياة أكبر بكثير مِنْ حَصْرها في زوايا محدودة لم نتمكنْ مِن دخولها بعدُ كالزواج مثلًا، وسيزداد احترامك لنفسك، أكْثِري من الصيام، وقراءة القرآن، وممارسة الرياضة، وألحي في الدعاء بأن ييسرَ الله لك أمرك، ويُعينك على فِعل ما يحب ويرضى.
ومن الوسائل التي تساعد على تحصيل الزواج الصالح:
- الدعاء واللجوء إلى الله بإلحاح؛ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، فلا أحد يعلم مرارة ما تعانين منه إلا الله، ولا أحد يعلم رغبتك في العفاف والحرص على البُعد عن الحرام إلا هو - سبحانه وتعالى - المُطَّلِع عليك.
- الالتحاق بحلقات الدروس الدينية والقرآن، فالمجتمع الصالحُ يُعينك على أن تكوني في ذاكرة الأخوات الصالحات.
- ابتعدي عن كلِّ ما يفتح أبواب الشرِّ، وتوقَّفي عن تتبُّع أخبار هذا الشخص، فإن كان مِن نصيبك فسيُقدِّره الله لك، مِن غير حول منك، فقط أحْسِنِي الظن بالله.
- احْرِصي على بر والديك، وخاصة أمك، وكوني قريبةً منها، وأحسني صُحبتها، واطلبي منها الدعاء لك بالخير.
واعلمي - أيتها الأخت الحبيبة - أنك قويَّة بإيمانك، نسأل الله أن ييسرَ أمرك، ويُنير بصيرتك لما فيه الصلاح والفلاح، وكلي ثقة بأنه - جل وعلا – مُدخر لك خيرًا كبيرًا، فأبْشِري وتفاءَلي.