عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-02-2022, 08:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (80)

من صــ 313 الى صـ
ـ 320


والقول الثاني: قول من يقول: إن الله عوض الناس بالتكليف بالعبادات ليثيبهم على ذلك بعد الموت؛ فإن الإنعام بالثواب لا يحسن بدون التكليف؛ لما فيه من الإجلال، والتعظيم الذي لا يستحقه إلا مكلف، كما يقول ذلك القدرية من المسلمين وغيرهم وهؤلاء قد يجعلون الواجبات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية، وقد يقولون: إن الغاية المقصودة التي بها يحصل الثواب هو العمل، والعلم ذريعة إليه، حتى يقولوا مثل ذلك في معرفة الله تعالى، يقولون: إنما وجبت لأنها لطف في أداء الواجبات العقلية العملية.
، والقول الثالث: قول من يقول: بل الله أمر بذلك لا لحكمة مطلوبة ولا بسبب، بل لمحض المشيئة، وهذا قول الجبرية المقابلين للقدرية كالجهم، والأشعري، وخلق كثير من المتكلمين والفقهاء، والصوفية، وغيرهم.
القول الرابع: قول سلف الأمة وأئمتها، وهو أن نفس معرفة الله تعالى ومحبته مقصودة لذاتها، وأن الله سبحانه محبوب مستحق للعبادة لذاته لا إله إلا هو، ولا يجوز أن يكون غيره محبوبا معبودا لذاته، وأنه سبحانه يحب عباده الذين يحبونه، ويرضى عنهم، ويفرح بتوبة التائب، ويبغض الكافرين ويمقتهم، ويغضب عليهم ويذمهم، وأن في ذلك من الحكم البالغة، وكذلك من الأسباب ما يطول وصفه في هذا الخطاب كما قد بسط في موضعه؛ إذ المقصود هنا التنبيه على أن المسلمين في هذا أكمل من غيرهم في العلوم النافعة والأعمال الصالحة. وإذا عرف مذاهب الناس في مقاصد العبادات فهم أيضا مختلفون في صفاتها، فمن الناس من يظن أن كل ما كان أشق على النفس وأشد إماتة لشهوتها فهو أفضل، وهذا مذهب كثير من المشركين الهند، وغيرهم، وكثير من أهل الكتاب اليهود، والنصارى، وكثير من مبتدعة المسلمين.
والثاني: قول من يقول: إن أفضلها ما كان أدعى إلى تحصيل الواجبات العقلية
. والثالث: قول من يقول: فضل بعضها على بعض لا علة له، بل يرجع إلى محض المشيئة.
والرابع وهو الصواب: أن أفضلها ما كان لله أطوع، وللعبد أنفع. فما كان صاحبه أكثر انتفاعا به، وكان صاحبه أطوع لله به من غيره فهو أفضل، كما جاء في الحديث: «خير العمل أنفعه» وعلى كل قول فعبادات المسلمين أكمل من عبادات غيرهم، أما عن الأول فأولئك يقولون: كلما كانت الأعمال أشق على النفس فهي أفضل.

ثم هؤلاء قد يفضلون الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة، ونحو ذلك، كما يفعل ذلك من يفعله من المشركين الهند، وغيرهم، ومن النصارى، ومبتدعة هذه الأمة، ولكن يقال لهم: الجهاد أعظم مشقة من هذا كله، فإنه بذل النفس، وتعريضها للموت، ففيه غاية الزهد المتضمن لترك الدنيا كلها، وفيه جهاد النفس في الباطن، وجهاد العدو في الظاهر، ومعلوم أن المسلمين أعظم جهادا من اليهود، والنصارى. فإن اليهود خالفوا موسى في الجهاد، وعصوه، والنصارى لا يجاهدون على دين، وأما على قول من يجعل العبادات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية، فلا ريب أن عبادات المسلمين - كصلاتهم وصيامهم وحجهم - أدعى إلى العدل الذي هو جماع الواجبات العقلية، من عبادات غيرهم التي ابتدعوها، فإنها متضمنة للظلم المنافي للعدل.
وأما على قول نفاة التعليل، ورد ذلك إلى مشيئة الله: فيكون الأمر في ذلك راجعا إلى محض مشيئة الله، وتعبده للخلق، وحينئذ فمن تكون عباداته تابعة لأمر الله الذي جاء به الرسل يكون متعبدا بما أمر الله به بخلاف من تكون عباداته قد ابتدعها أكابرهم من غير أن يأتيهم بها رسول الله من عند الله. وأما على القول الرابع: فإن علم أن الله أمر به يتضمن طاعة الله.
وهذا إنما يكون في عبادات أمر الله بها، وهي عبادات المسلمين دون من ابتدع كثيرا من عباداتهم أكابرهم. وأما انتفاع العباد بها، فهذا يعرف بثمراتها ونتائجها وفوائدها، ومن ذلك آثارها في صلاح القلوب. فليتدبر الإنسان عقول المسلمين وأخلاقهم، وعدلهم، يظهر له الفرق بينهم وبين غيرهم. ثم صفات عباداتهم فيها من الكمال، والاعتدال، كالطهارة، والاصطفاف، والركوع، والسجود، واستقبال بيت إبراهيم، الذي هو إمام الخلائق، والإمساك فيها عن الكلام، وما فيها من الخشوع، وتلاوة القرآن، واستماعه الذي يظهر الفرق بينه وبين غيره من الكتب لكل متدبر منصف، إلى أمثال ذلك من الأمور التي يظهر بها فضل عبادات المسلمين على عبادات غيرهم.
وأما حكم المسلمين في الحدود والحقوق فلا يخفى على عاقل فضله. حتى إن النصارى في طائفة من بلادهم ينصبون لهم من يقضي بينهم بشرع المسلمين إذا لم يكن لهم شرع يحكم به الناس.
وليس في الإنجيل حكم عام، بل عامته، وإنما فيه الأمر بالزهد، ومكارم الأخلاق، وهو مما يأمر به المسلمون أيضا. وقد ذكرنا في كون المسلمين معتدلين متوسطين بين اليهود والنصارى في التوحيد، والنبوات، والحلال، والحرام وغير ذلك، مما يبين أنهم أفضل من الأمتين، مع أن دلائل هذا كثيرة جدا، وإنما المقصود التنبيه على ذلك، وحينئذ ففضل الأمة يستلزم فضل متبوعها.

(وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ... (143)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
لما حولت [القبلة] ارتد عن الإيمان لأجل ذلك طائفة وكانت محنة امتحن الله بها الناس. قال تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله}
قال: أي إذا حولت؛ والمعنى أن الكعبة هي القبلة التي كان في علمنا أن نجعلها قبلتكم؛ فإن الكعبة ومسجدها وحرمها أفضل بكثير من بيت المقدس وهي البيت العتيق وقبلة إبراهيم وغيره من الأنبياء ولم يأمر الله قط أحدا أن يصلي إلى بيت المقدس لا موسى ولا عيسى ولا غيرهما؛ فلم نكن لنجعلها لك قبلة دائمة ولكن جعلناها أولا قبلة لنمتحن بتحويلك عنها الناس فيتبين من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه فكان في شرعها هذه الحكمة.

(كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)
[فصل: قياس النصارى كتبهم على القرآن قياس باطل]

فحينئذ فقولهم: إنا نعجب من هؤلاء القوم على علمهم وذكائهم ومعرفتهم كيف يحتجون علينا بمثل هذا القول؟
وذلك أنا أيضا إذا قلنا واحتججنا عليهم بمثل هذا القول إن الكتاب الذي بأيديهم يومنا هذا قد غيروه وبدلوه وكتبوا فيه ما أرادوا واشتهوا هل كانوا يجوزون كلامنا؟
قال الحاكي عنهم: فقلت لهم هذا ما لا يجوز ولا يمكن لأحد أن يقوله ولا يمكن تغييره ولا تبديل حرف واحد منه.
فقالوا سبحان الله العظيم! إذا كان الكتاب الذي لهم، الذي هو باللسان الواحد لا يمكن تبديله، ولا تغيير حرف واحد منه فكيف يمكن تغيير كتبنا التي هي مكتوبة باثنين وسبعين لسانا وفي كل لسان منها كذا وكذا ألف نسخة وجاز عليها إلى مجيء محمد أكثر من ستمائة سنة، وصارت في أيدي الناس يقرءونها باختلاف ألسنتهم على تشاسع بلدانهم.
فمن الذي تكلم باثنين وسبعين لسانا؟ ومن هو الذي حكم على الدنيا جميعها ملوكها وقساوستها وغالبها حتى حكم على جميعها في أقطار الأرض وجمعها في أربع زوايا العالم حتى يغيرها؟
وإن كان غير بعضها، وترك بعضها فهذا لا يمكن أن يكون لأن كلها قول واحد ولفظ واحد في جميع الألسن، فهذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله أبدا والجواب أن يقال:

أولا: هذا الكلام منهم يدل على غاية جهلهم بما يقوله المسلمون في كتبهم، وتبين أنهم - لفرط جهلهم - يظنون أن المسلمين يقولون مقالة لا يخفى فسادها على من له أدنى عقل ومعرفة والمسلمون لا يشك أحد من الأمم أنهم أعظم الأمم عقولا وأفهاما وأتمهم معرفة وبيانا وأحسن قصدا وديانة وتحريا للصدق والعدل، وأنهم لم يحصل في النوع الإنساني أمة أكمل منهم ولا ناموس أكمل من الناموس الذي جاء به نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وحذاق الفلاسفة معترفون لهم بذلك وأنه لم يقرع العالم ناموس أكمل من هذا الناموس.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]