عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-02-2022, 08:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (79)

من صــ 305 الى صـ
ـ 312

فما ذكره المتفلسفة من الحكمة العملية ليس فيها من الأعمال ما تسعد به النفوس، وتنجو من العذاب، كما أن ما ذكروه من الحكمة النظرية ليس فيها الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فليس عندهم من العلم ما تهتدي به النفوس، ولا من الأخلاق ما هو دين حق، ولهذا لم يكونوا داخلين في أهل السعادة في الآخرة المذكورين في قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 62]

وهذه الفضائل الأربع التي ذكرها المتفلسفة لا بد منها في كمال النفس، وصلاحها، وتزكيتها. والمتفلسفة لم يحدوا ما يحتاج إليه بحد يبين مقدار ما تحصل به النجاة والسعادة. ولكن الأنبياء بينوا ذلك، وقد قال سبحانه: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33]

فهذه الأنواع الأربعة هي التي حرمها تحريما مطلقا، لم يبح منها شيئا لأحد من الخلق، ولا في حال من الأحوال، بخلاف الدم، والميتة، ولحم الخنزير، وغير ذلك، فإنه يحرم في حال، ويباح في حال.
وأما الأربعة فهي محرمة مطلقا. فالفواحش متعلقة بالشهوة. والبغي بغير الحق يتعلق بالغضب، والشرك بالله فساد أصل العدل فإن الشرك ظلم عظيم، والقول على الله بلا علم فساد في العلم، فقد حرم سبحانه هذه الأربعة، وهي فساد الشهوة، والغضب، وفساد العدل، والعلم. وقوله: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} [الأعراف: 33] يتضمن تحريم أصل الظلم في حق الله، وذلك يستلزم إيجاب العدل في حق الله تعالى وهو عبادته وحده لا شريك له، فإن النفس لها القوتان: العلمية، والعملية، وعمل الإنسان عمل اختياري، والعمل الاختياري إنما يكون بإرادة العبد. وكل إنسان له إرادة، وعمل بإرادته فإن الإنسان حساس يتحرك بالإرادة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدق الأسماء الحارث، وهمام» والإرادة لا بد لها من مراد، وكل مراد فإما أن يراد لنفسه، وإما أن يراد لغيره، والمراد لغيره لا بد أن ينتهي إلى مراد لنفسه.
فالقوة العملية تستلزم أن يكون للإنسان مراد، وذلك المراد لنفسه هو علة فاعلة للعلة الفاعلة، ولهذا قيل: العامة تقول:قيمة كل امرئ ما يحسنه. والعارفون يقولون: قيمة كل امرئ ما يطلب. وفي بعض الكتب المتقدمة: إني لا أنظر إلى كلام الحكيم، وإنما أنظر إلى همته. وهؤلاء المتفلسفة لم يذكروا هذا في كمال النفس، وإنما جعلوا كمالها العملي في تعديل الشهوة والغضب بالعفة، والحلم، وهذا غايته ترك الإسراف في الشهوة والغضب، والشهوة: هي جلب ما ينفع البدن ويبقي النوع، والغضب: دفع ما يضر البدن.

ولم يتعرضوا لمراد الروح الذي يحبه لذاته. مع أنهم إنما تكلموا فيما يعود إلى البدن، وجعلوا ذلك إصلاحا للبدن الذي هو آلة للنفس، وجعلوا كمال النفس في مجرد العلم. وقد بسطنا غلطهم في هذا الأصل من وجوه في غير هذا الموضع، وبينا أن النفس لها كمال في العمل والإرادة، كما أن لها كمالا في العلم، وأن العلم المجرد ليس كمالا لها ولا صلاحا، ولو كان كمالا لم يكن ما عندهم من العلم ما هو كمال النفس، وبينا غلط الجهمية الذين قالوا: الإيمان هو مجرد العلم، وأن الصواب قول السلف والأئمة: إن الإيمان قول وعمل.

أصله قول القلب، وعمل القلب المتضمن علم القلب وإرادته. وإذا كان لا بد للنفس من مراد محبوب لذاته لا تصلح إلا به، ولا تكمل إلا به، وذلك هو إلهها، فليس لها إله يكون به صلاحا إلا الله، ولهذا قال الله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22]، وليس ذلك للإنسان فقط بل للملائكة والجن فإنهم كلهم أحياء عقلاء ناطقون، لهم علم وعمل اختياري، ولا صلاح لهم إلا بمرادهم المحبوب لذاته، وهو معبودهم، ولا يجوز أن يكون معبودا محبوبا لنفسه إلا الله، فلو كان في السماوات والأرض إله إلا الله لفسدتا. فلهذا كان دين جميع الرسل عبادة الله وحده لا شريك له.
وهؤلاء المتفلسفة لا يعرفون ذلك، فليس عندهم من صلاح النفس وكمالها في العلم والعمل ما تنجو به من الشقاء، فضلا عما تسعد به، ومما يبين ذلك أن أرسطو معلمهم الأول هو وأتباعه إنما أثبتوا العلة الأولى بالحركة الفلكية، فقالوا: الحركة الدورية حركة اختيارية نفسانية، فقوامه بحركته الاختيارية، وفساده بعدمها، وقوام حركته بما يتحرك لأجله، فإن الفاعل بالاختيار إنما قوامه بعلته الغائية التي يتحرك لأجلها، وغايته التي يتحرك لأجلها، هو العلة الأولى فإنه يتحرك للتشبه بها.

فجعلوا قوام العالم كله بالعلة الأولى من حيث هو متشبه به؛ لأن المتحرك باختياره لا بد له من مراد. ومعلوم أن الحركة الإرادية تطلب مرادا محبوبا لنفسها، وتستلزم ذلك أعظم من استلزامها مشبها به، فإن كل متحرك بإرادة لا بد له من مراد محبوب لنفسه، فإن الإرادة لا بد لها من مراد، والمراد يكون إما مرادا لنفسه، وإما لغيره،

والمراد لغيره إنما يراد لذلك الغير بدلا أن يكون ذلك الغير مرادا لنفسه، أو منتهى إلى مراد لنفسه، وإلا لزم التسلسل في العلل الغائبة، وذلك باطل كبطلان التسلسل في العلل الفاعلية بصريح العقل، واتفاق العقلاء، وبسط هذا له موضع آخر. وإذا كان الفاعل باختيار يستلزم مرادا لنفسه محبوبا، فلا بد أن يكون لما يتحرك في السماوات بإرادته سواء كان هؤلاء الملائكة، أو ما يسمونه هم نفسا من محبوب مراد لذاته، يكون هو الإله المعبود المراد بتلك الحركات، وكذلك نفس الإنسان حركتها بالإرادة من لوازم ذاتها، فلا بد لها من محبوب مراد لذاته، وهو الإله،
وهذا المحبوب المراد لذاته هو الله تعالى، ويمتنع أن يكون غيره، كما قد بسط هذا في موضع آخر، وبين أنه يمتنع أن يكون موجودا بغيره، بل هو واجب الوجود بنفسه، فيمتنع أن يكون مرادا لغيره بل مراد لنفسه. وكما يمتنع أن يكون للعالم ربان قادران، يمتنع أن يكون للعالم إلهان معبودان، فإن كون أحدهما قادرا يناقض كون الآخر قادرا؛ لامتناع اجتماع القادرين على مقدور واحد، وامتناع كون أحدهما قادرا على الفعل حين يكون الآخر قادرا عليه، وامتناع ارتفاع قدرة أحدهما بقدرة الآخر مع التكافؤ.
كذلك يمتنع أن يكون إلهان معبودان محبوبان لذاتهما؛ لأن كون أحدهما هو المعبود لذاته يناقضه أن يكون غيره معبودا لذاته، فإن ذلك يستلزم أن يكون بعض المحبة والعمل لهذا، وبعض ذلك لهذا، وذلك يناقض كون الحب والعمل كله لهذا، فإن الشركة نقص في الحب، فلا تكون حركة المتحرك بإرادته له، فلا يكون أحدهما معبودا معمولا له إلا إذا لم يكن الآخر كذلك،

فإن العمل لهذا يناقض أن يكون له شريك فضلا عن أن يكون لغيره. وكل من أحب شيئين فإنما يحبهما لثالث غيرهما، وإلا فيمتنع أن يكون كل منهما محبوبا لذاته؛ إذ المحبوب لذاته هو الذي تريده النفس وتطلبه، وتطمئن إليه، بحيث لا يبقى لها مراد غيره، وهذا يناقض أن يكون له شريك.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]