عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 24-02-2022, 07:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (76)

من صــ 281 الى صـ
ـ 288

[فصل: رد ما جاء في التوراة من قوله نقدسك ونعظمك ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان نبيك أشعيا]
وأما قولهم: (نقدسك، ونعظمك، ونثلث لك تقديسا مثلثا، كالمكتوب على لسان نبيك أشعيا).
وقولهم: قدوس، قدوس، قدوس، رب القوات، ورب السماوات والأرض)، فيقال: هذا الكلام صريح في أن المثلث هو نفس التقديس لا نفس الإله المقدس.
وكذلك قولهم: (قدوس، قدوس، قدوس). قدسوه ثلاث مرات، فإنه قال: (نقدسك، ونثلث لك تقديسا مثلثا). فنصب التثليث على المصدر الذي ينصب بفعل التقديس، فقال: نقدسك تقديسا مثلثا.
(فنصب التقديس على المصدر)، كما تقول: سبحتك تسبيحا مثلثا، أي سبحتك ثلاث مرات، وقال: نثلث لك أي نثلث تقديسا لك، لم يقل: أنت ثلاثة، بل جعلوا أنفسهم هم الذين يقدسون التقديس المثلث، وهم يثلثون له، وهذا صريح في أنهم يسبحونه ثلاث مرات، ولا يسبحون ثلاثة آلهة، ولا ثلاثة أقانيم.
وهذا كما في السنن عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «(إذا قال العبد في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثا، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا قال في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، فقد تم سجوده وذلك أدناه»)، والتسبيح هو تقديس الرب، وأدناه أن يقدسه ثلاث مرات، فمعناه: قدسوه ثلاث مرات، لا تقتصروا على مرة واحدة.
ولهذا يقولون مجاوبين: قدوس، قدوس، قدوس، فيقدسونه ثلاث مرات، فعلم أن المراد تثليث التقديس حيث ما دل عليه لفظه، وما يفعلونه ممتثلين لهذا الأمر، وما يفعل في نظير ذلك من تثليث تقديسه، وأن يقدس ثلاث مرات لا أن يكون المقدس ثلاث أقانيم، فإن هذا أمر لم ينطق نبي من الأنبياء به لا لفظا ولا معنى، بل جميع الأنبياء عليهم السلام أثبتوا إلها واحدا له الأسماء الحسنى.
وأسماؤه متعددة تدل على صفاته المتعددة، ولا يختص ذلك بثلاثة أسماء، ولا بثلاث صفات، (وليست الصفات أقنوما هو ذات وصفة، بل ليس إلا ذات واحدة لها صفات) متعددة، فالتعدد في الصفات لا في الذات التي يسمونها الجوهر، ولا في الذات والصفة التي يسمونها الأقنوم.
(قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139)
[فصل: الإسلام هو دين الأنبياء جميعا]

وقولهم: إنه لم يقل: كونوا له مسلمين، ولكن ونحن، أي عنه وعن العرب التابعين له، ولما أتى به وجاء في كتابه.
فيقال لهم: هذا ونظائره كلام من لم يفهم القرآن، بل ولا يفهم كلام سائر الناس، فإنه إذا عرف من صاحب كتاب يقول إنه منزل من الله، أو يقول إنه صنفه هو أنه يدعو قوما بالأقوال الصريحة الكثيرة، والأعمال البينة الظاهرة، كان سكوته عن دعائهم في بعض الألفاظ لا ينافي دعاءهم له.
لكن إن كان حكيما في كلامه كان للسكوت عن دعائهم في بعض المواضع حكمة تناسب ذلك، وهذا كقوله - تعالى -:
{قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} [البقرة: 139].
أفتراه لما أمر أمته أن يقولوا {ونحن له مخلصون} [البقرة: 139] لم يكن أهل الكتاب مأمورين بالإخلاص لله، وقد ذكر أمر أهل الكتاب بالإخلاص في غير موضع كقوله - تعالى -: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [البينة: 4] (4) {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5].
وكذلك دعاهم إلى الإسلام وتوعدهم على التولي عنه في مثل:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران: 18] (18) {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} [آل عمران: 19] (19) {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} [آل عمران: 20]، وقال - تعالى -:
{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [البقرة: 130] (130) {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة: 131] (131) {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 132] (132) {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} [البقرة: 133].
فقد بين - سبحانه - أنه لا يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه أي سفه نفسا، أي كانت نفسه سفيهة جاهلة، هذا أصح القولين في ذلك، وهو مذهب الكوفيين من النحاة، يجوزون أن يكون المنصوب على التمييز معرفة، كما يكون نكرة، ثم أخبر عنه أنه:
{إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة: 131].
وذكر أن إبراهيم وصى بها بنيه، ويعقوب وصى بها بنيه أيضا، كلاهما قال لبنيه:
{يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 132].
ثم ذكر أن يعقوب عند موته:
{إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} [البقرة: 133].
فهؤلاء إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب كلهم على الإسلام وهم يأمرون بالإسلام ثم قال بعد ذلك:
{وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} [البقرة: 135].
ثم قال: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة: 136].
ثم قال:
{فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} [البقرة: 137].
فقد أخبر أنهم إن تولوا عن الإيمان بمثل ما آمنتم به المتضمن قولكم: ونحن له مسلمون فإنما هم في شقاق، أي: مشاقون لله ورسوله كما قال - تعالى -:
{هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار} [الحشر: 2].
إلى قوله:
{ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب} [الحشر: 4].
وقوله - تعالى -: {ونحن له مسلمون} [البقرة: 133] في العنكبوت فهو مثل قوله: {ونحن له مسلمون} [البقرة: 133] في البقرة مع دعائهم إلى الإسلام، وكذلك في سورة آل عمران في قوله:
{قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران: 64].

فقد دعاهم أولا إلى الإسلام، وهو عبادة الله وحده، لا شريك له، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، كما قال - تعالى -:
{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]