عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24-02-2022, 07:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (75)

من صــ 273 الى صـ
ـ 280

السادس: أنه قال لموسى: {إني لا يخاف لدي المرسلون - إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم} [سورة النمل: 10 - 11.
السابع: أنه قال: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا - ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} الآية [سورة الأحزاب: 72 - 73].
فقد أخبرنا الله عن جنس الإنسان أنه ظلوم جهول، واستثنى من العذاب من تاب. ونصوص الكتاب صريحة في أن كل بني آدم لا بد أن يتوب. وهذه المسألة متعلقة بمسألة العصمة: هل الأنبياء معصومون من الذنوب أم لا فيحتاجون إلى توبة؟ والكلام فيها مبسوط قد تقدم.
(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير (126)
سئل شيخ الإسلام مفتي الأنام أوحد عصره فريد دهره: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية - رحمه الله ورضي عنه -:
عن الرجل: إذا قطع الطريق وسرق أو أكل الحرام ونحو ذلك هل هو رزقه الذي ضمنه الله تعالى له أم لا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:
الحمد لله، ليس هذا هو الرزق الذي أباحه الله له ولا يحب ذلك ولا يرضاه. ولا أمره أن ينفق منه. كقوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} وكقوله تعالى: {وأنفقوا من ما رزقناكم} ونحو ذلك لم يدخل فيه الحرام بل من أنفق من الحرام فإن الله تعالى يذمه ويستحق بذلك العقاب في الدنيا والآخرة بحسب دينه. وقد قال الله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وهذا أكل المال بالباطل.
ولكن هذا الرزق الذي سبق به علم الله وقدره كما في الحديث الصحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد} فكما أن الله كتب ما يعمله من خير وشر وهو يثيبه على الخير ويعاقبه على الشر فكذلك كتب ما يرزقه من حلال وحرام مع أنه يعاقبه على الرزق الحرام. ولهذا كل ما في الوجود واقع بمشيئة الله وقدره كما تقع سائر الأعمال لكن لا عذر لأحد بالقدر بل القدر يؤمن به وليس لأحد أن يحتج على الله بالقدر بل لله الحجة البالغة ومن احتج بالقدر على ركوب المعاصي فحجته داحضة ومن اعتذر به فعذره غير مقبول كالذين قالوا: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} والذين قالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم} كما قال تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين} {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين}.

وأما الرزق الذي ضمنه الله لعباده فهو قد ضمن لمن يتقيه أن يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وأما من ليس من المتقين فضمن له ما يناسبه بأن يمنحه ما يعيش به في الدنيا ثم يعاقبه في الآخرة كما قال عن الخليل: {وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} - قال الله -: {ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}.

والله إنما أباح الرزق لمن يستعين به على طاعته لم يبحه لمن يستعين به على معصيته؛ بل هؤلاء وإن أكلوا ما ضمنه لهم من الرزق فإنه يعاقبهم كما قال: {ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير} وقال تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم} فإنما أباح الأنعام لمن يحرم عليه الصيد في الإحرام.
وقال تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} فكما أن كل حيوان يأكل ما قدر له من الرزق فإنه يعاقب على أخذ ما لم يبح له سواء كان محرم الجنس أو كان مستعينا به على معصية الله ولهذا كانت أموال الكفار غير مغصوبة بل مباحة للمؤمنين وتسمى فيئا إذا عادت إلى المؤمنين؛ لأن الأموال إنما يستحقها من يطيع الله لا من يعصيه بها فالمؤمنون يأخذونها بحكم الاستحقاق والكفار يعتدون في إنفاقها كما أنهم يعتدون في أعمالهم فإذا عادت إلى المؤمنين فقد فاءت إليهم كما يفيء المال إلى مستحقه.
(قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون (133)
[فصل: رد استدلال النصارى بما ورد في التوراة من كلام الله لموسى وما يفيده ذلك من تعدد ألوهيته سبحانه]

قالوا: نذكر خامسا، وفي السفر الثاني من التوراة: وكلم الله موسى من العليقة قائلا: (أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب)، ولم يقل أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، بل كرر اسم الإله ثلاث دفوع قائلا: أنا إله وإله؛ لتحقق مسألة الثلاث أقانيم في لاهوته.
والجواب: أن الاحتجاج بهذا على الأقانيم الثلاثة من أفسد الأشياء، وذلك يظهر من وجوه:
أحدها: أنه لو أريد بلفظ الإله أقنوم الوجود، وبلفظ الإله مرة ثانية أقنوم الكلمة، وبالثالث أقنوم الحياة، لكان الأقنوم الواحد إله إبراهيم، والأقنوم الثاني إله إسحاق، والأقنوم الثالث إله يعقوب، فيكون كل من الأقانيم الثلاثة إله أحد الأنبياء الثلاثة، والأقنومين ليسا بإلهين له.
وهذا كفر عندهم، وعند جميع أهل الملل، وأيضا فيلزم من ذلك أن يكون الآلهة ثلاثة، وهم يقولون: إله واحد، ثم هم إذا قالوا: كل من الأقانيم إله واحد، فيجعلون الجميع إله كل نبي، فإذا احتجوا بهذا النص على قولهم لزم أن يكون إله كل نبي، ليس هو إله النبي الآخر، مع كون الآلهة ثلاثة.
الوجه الثاني: أنه يقال: إن الله رب العالمين، ورب السماوات ورب الأرض ورب العرش ورب كل شيء، أفيلزم أن يكون رب السماوات ليس هو رب الأرض، رب كل شيء.
وكذلك يقال: إله موسى وإله محمد، مع قولنا: إله إبراهيم وإسحاق، ويعقوب، (أفتكون الآلهة خمسة، وقد قال يعقوب لبنيه: (ما تعبدون من بعدي)، قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق.
أفتراه أثبت إلهين: أحدهما إلهه، والآخر إله الثلاثة؟!
الوجه الثالث: أن العطف يكون تارة لتغاير الذوات، وتارة لتغاير الصفات كقوله تعالى:
{سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] (1) {الذي خلق فسوى} [الأعلى: 2] (2) {والذي قدر فهدى} [الأعلى: 3] (3) {والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 4] (4) {فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: 5].
والذي خلق هو الذي قدر وأخرج، وكذلك قوله:
{إلهك وإله آبائك} [البقرة: 133].
وهو هو سبحانه، وقال إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه لقومه:
{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون} [الشعراء: 75] (75) {أنتم وآباؤكم الأقدمون} [الشعراء: 76] (76) {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [الشعراء: 77] (77) {الذي خلقني فهو يهدين} [الشعراء: 78] (78) {والذي هو يطعمني ويسقين} [الشعراء: 79] (79) {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] (80) {والذي يميتني ثم يحيين} [الشعراء: 81] (81) {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [الشعراء: 82]
والذي خلقه هو الذي يطعمه ويسقيه، وهو الذي يميته ثم يحييه.
فقوله في التوراة: إله إبراهيم وإله إسحاق، وإله يعقوب، هو من هذا الباب، ولا يختص هذا بثلاثة، بل يقال في الاثنين والأربعة والخمسة بحسب ما يقصد المتكلم ذكره من الصفات، وفي هذا من الفائدة ما ليس في قوله: إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فإنه لو قيل ذلك لم يفد إلا أنه معبود الثلاثة، لا يدل على أنهم عبدوه مستقلين، كل منهم عبده عبادة اختص بها، لم تكن هي نفس عبادة الأول.

وأيضا فإنه إذا قيل: إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب دل على عبادة كل منهم باللزوم، وإذا قال: وإله، دل على أنه معبود كل من الثلاثة، فأعاده باسم الإله الذي يدل على العبادة دلالة باللفظ المتضمن لها، وفي ذلك من ظهور المعنى للسامع وتفرعه بصورة له من غير فكر - ما ليس في دلالة الملزوم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]