عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24-02-2022, 07:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (73)

من صــ 257 الى صـ
ـ 264

وإلا فلو قيل: إن المسيح - عليه السلام - أوجب على المظلوم العفو عن الظالم؛ بمعنى أنه يستحق الوعيد والذم والعقاب إن
لم يعف عنه لزم من هذا أن يكون كل من انتصف من الظالم، ظالما مستحقا للذم والعقاب، وهذا ظلم ثان للمظلوم الذي انتصف؛ فإن الظالم ظلمه أولا فلما انتصف منه ظلم ظلما ثانيا، فهو ظلم العادل انتصف من ظالمه.
وما أحسن كلام الله حيث يقول:.
{فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون - والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون - والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون - والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون - وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين - ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل - إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم - ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى: 36 - 43].
وقال:
{ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور} [الحج: 60].
فهذا من أحسن الكلام وأعدله وأفضله حيث شرع العدل فقال:
{وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40].

ثم ندب إلى الفضل، فقال:
{فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} [الشورى: 40].
ولما ندب إلى العفو، ذكر أنه لا لوم على المنتصف، لئلا يظن أن العفو فرض فقال:
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى: 41].
ثم بين أن السبيل إنما يكون على الظالمين فقال:
{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} [الشورى: 42].
ثم لما رفع عنهم السبيل ندبهم مع ذلك إلى الصبر والعفو فقال:.
{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى: 43].
فهذا أحسن شرع وأحكمه يرغب في الصبر والغفر والعفو والإصلاح بغاية الترغيب، ويذكر ما فيه من الفضائل والمحاسن وحميد
العاقبة، ويرفع عن المنتصف ممن ظلمه الملام والعذل، ويبين أنه لا حرج عليه ولا سبيل إذا انتصر بعدما ظلم.
فهل يمكن أن تأتي شريعة بأن تجعل على المنتصف سبيلا مع عدله وهي لا تجعل على الظالم سبيلا مع ظلمه؟.
فعلم أن ما أمر به المسيح من العفو لم يكن لأن تاركه مستحق للذم والعقاب، بل لأنه محروم مما يحصل للعافي المحسن من الأجر والثواب، وهذا حق لا يناقض شرع التوراة، فعلم أن شرع الإنجيل لم يناقض شرع التوراة؛ إذ كان فرعا عليها ومكملا لها، وحينئذ فزعمهم أن شرع الإنجيل شرعه الله دون شرع التوراة كلام من هو من أجهل الناس وأضلهم ولهذا كان فرعا على قولهم بالاتحاد، وأن المسيح هو الله.
فذاك الضلال مما أوجب هذا القول المحال.
[فصل: بطلان استدلالهم بما يدعونه أنه من كلام الأنبياء السابقين]
فصل

وجميع ما احتجوا به من التوراة والإنجيل وغيرهما من كلام الأنبياء - عليهم السلام - إنما يكون الحجة فيه علمية برهانية، إذا أقاموا الدليل على نبوة من احتجوا بكلامه، بأن بينوا إمكان النبوة ثم بينوا وقوعها في الشخص المعين بالطرق التي يستدل بها على نبوة النبي.
وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك، بل احتجوا بذلك بناء على أنها مقدمة مسلمة يسلمها المسلمون لهم. وهذا لا ينفعهم لوجوه:
أحدها: أن فيمن ذكروه من لم يثبت عند المسلمين أنه نبي كميخا وعاموص.
الثاني: أن من ثبت عند المسلمين نبوته كموسى وعيسى وداود وسليمان لم يثبت عندهم أنهم قالوا جميع ما ذكروه من الكلام وأن ترجمته بالعربية هو ما ذكروه، وأن مرادهم به ما فسروه.
الثالث: أن جمهور المسلمين لا يعلمون نبوة أحد من الأنبياء قبل محمد إلا بإخبار محمد - صلى الله عليه وسلم - بنبوتهم فلا يمكنهم التصديق بنبوة أحد من هؤلاء إلا بعد التصديق بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا طلب هؤلاء من المسلمين أن يسلموا نبوة هؤلاء، دون نبوة محمد لم يمكن المسلمين أن يسلموا ذلك لهم، ولا يشرع ذلك للمسلمين لا عقلا ولا نقلا، وحينئذ إذا لم يقيموا الأدلة على نبوة أولئك؛ لم يكونوا قد ذكروا لا حجة برهانية ولا حجة جدلية.
الرابع: أن المسلمين لم يصدقوا بنبوة موسى وعيسى، إلا مع إخبارهما بنبوة محمد، فإن سلموا أنهما أخبرا بنبوة محمد ثبتت نبوته ونبوتهما، وإن جحدوا ذلك جحد المسلمون نبوة من يدعون أنه موسى.
وعيسى اللذين لم يخبرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
الخامس: أن المسلمين وكل عاقل، يمنع - بعد النظر التام - أن يقر بنبوة موسى وعيسى دون محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذ كانت نبوته أكمل، وطرق معرفتها أتم وأكثر وما من دليل يستدل به على نبوة غيره إلا وهو على نبوته أدل، فإن جحد نبوته يستلزم جحد نبوة غيره بطريق الأولى. ولكن من قال ذلك هو متناقض كما يتناقض سائر أهل الباطل؛ ولهذا قال - تعالى - في الكفار:
{إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك} [الذاريات: 8].

(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (113)

ذكر محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس،
رضي الله عنهما أنه قال لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء، وكفر بعيسى والإنجيل جميعا، فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود: ما أنتم على شيء، وجحد نبوة موسى، وكفر بالتوراة، فأنزل الله ذلك في قولهما {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب} [البقرة: 113].
قال: كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر: أي تكفر اليهود بعيسى، وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلام، وفي الإنجيل بإجابة عيسى بتصديق موسى، وبما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يدي صاحبه.قال قتادة {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} [البقرة: 113] قال: بلى قد كان أوائل النصارى على شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا.
{وقالت النصارى ليست اليهود على شيء} [البقرة: 113] قال: بلى قد كانت أوائل اليهود على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا.
فاليهود كذبوا بدين النصارى، وقالوا ليسوا على شيء، والنصارى كذبوا بجميع ما تميز به اليهود عنهم، حتى في شرائع التوراة التي لم ينسخها المسيح، بل أمرهم بالعمل بها، وكذبوا بكثير من الذين تميزوا به عنهم، حتى كذبوا بما جاء به عيسى عليه السلام من الحق.
لكن النصارى - وإن بالغوا في تكفير اليهود ومعاداتهم على الحد الواجب عما ابتدعوه من الغلو والضلال - فلا ريب أن اليهود لما كذبوا المسيح صاروا كفارا، كما قال تعالى للمسيح: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا} [آل عمران: 55].

وقال تعالى: {قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} [الصف: 14].







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]