عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 24-02-2022, 07:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (72)

من صــ 249 الى صـ
ـ 256

فالمجوس والمشركون من العرب، والسودان والترك وأصناف الخزر والصقالبة، إذا اتبعوه كان خيرا لهم مما هم عليه وسائر أصناف الكفار معترفون بأن أتباعه خير من غيرهم. ومن ليس من أهل الكتاب - عامتهم - معترفون بأن دين المسلمين خير من دين اليهود والنصارى. وحينئذ فيقال: من جاء بهذا الدين الذي يفضله جميع أهل الأرض على غيره يمتنع أن يكون من أكفر الناس وأحقهم بغضب الله وعقابه.
وكل من قال: إنه رسول الله؛ فإن كان صادقا كان من خير أهل الأرض وأحقهم برضوان الله وثوابه، وإن كان كاذبا كان من شر أهل الأرض وأحقهم بغضب الله وعقابه. ومن حصل منه هذا الخير والعلم والهدى وما فيه صلاح الدنيا والآخرة أعظم مما حصل من جميع الخلق يمتنع أن يكون من أكفر الناس المستحقين لغضب الله وعقابه، فوجب أن يكون من خير أهل الأرض، بل هو خير أهل الأرض وأحقهم برضوان الله وثوابه.
الوجه العاشر: إن الله - سبحانه وتعالى - كانت سنته قبل إنزال
التوراة، إذا كذب نبي من الأنبياء ينتقم الله من أعدائه بعذاب من عنده، كما أهلك قوم نوح بالغرق، وقوم هود بالريح الصرصر، وقوم صالح بالصيحة، وقوم شعيب بالظلة، وقوم لوط بالحاصب، وقوم فرعون بالغرق قال تعالى:{ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} [القصص: 43].

فلما أنزل التوراة، أمر أهل الكتاب بالجهاد، فمنهم من نكل ومنهم من أطاع.
وصار المقصود بالرسالة لا يحصل إلا بالعلم والقدرة كما قال تعالى:
{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا} [الفتح: 28].
فقول هؤلاء: " إن التوراة جاءت بالعدل، والإنجيل بالفضل فلا حاجة إلى غيرهما، لو قدر أنه حق. إنما يستقيم إذا كان الكتابان لم يبدلا، بل كانا متبعين علما وعملا، وكان أهلهما مع ذلك منصورين مؤيدين على من خالفهم، فكيف وكل منهما قد بدل كثير مما فيه، وأهلهما غير منصورين على سائر الكفار، بل الكفار ظاهرون عليهم في أكثر الأرض؛ كأرض اليمن والحجاز وسائر جزيرة العرب وأرض العراق وخراسان والمغرب وأرض الهند والسند والترك، وكان بأيدي أهل الكتاب الشام ومصر وغير ذلك، ومع هذا فكانت الفرس قد غلبتهم على ذلك،، ثم إن الله أظهر النصارى عليهم، فكان ظهورهم توطئة وتمهيدا لإظهار دين الإسلام.
فإن الفرس المجوس لما غلبوا الروم ساء ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين به، وفرح بذلك مشركو العرب وكانوا أكثر من المؤمنين؛ لأن أهل الكتاب أقرب إلى المؤمنين من المجوس، والمجوس أقرب إلى المشركين منهم إلى أهل الكتاب، ووعد الله المؤمنين أن تغلب الروم بعد ذلك، وأنه يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
فأضاف النصرة إلى اسم الله، ولم يقل بنصر الله إياهم. وذلك أنه حين ظهرت الروم على فارس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد ظهروا على المشركين واليهود.
وأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك يدعو ملوك النصارى بالشام ومصر إلى الإيمان به، فعرفوه وعرفوا أنه النبي المبشر به، وكان ذلك أول ظهور دينه، ثم أرسل طائفة من أصحابه إلى غيرهم، ثم خرج بالمسلمين بنفسه معهم عام تبوك إلى الشام، ثم فتح هذه البلاد أصحابه، فكان تأييد دين الله وظهوره وإذلال المشركين والمجوس وغيرهم من الكفار على يديه ويدي أمته، لا على يد اليهود والنصارى.
فلو قدر أن شرع أولئك كامل لا تبديل فيه، لكان مغلوبا مقهورا، وكان الله قد أرسل من يؤيد دينه ويظهره، فكيف وهو مبدل؟ ولو لم يبدل فدين أحمد أكمل وأفضل منه، فذاك مفضول مبدل، وهذا فاضل لم يبدل، وذلك مغلوب مقهور، وهذا مؤيد منصور. وببعض هذا تحصل الفائدة في إرساله.
فكان من أجل الفوائد إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف يقال: إنه لا فائدة في إرساله.
الوجه الحادي عشر: قولهم: " لما كان الباري عدلا جوادا أوجب أن يظهر عدله وجوده " فيقال لهم: جود الجواد غير إلزام الناس بترك حقوقهم، فإن الجواد هو الذي يحسن إلى الناس ليس هو الذي يلزم الناس بترك حقوقهم، وهؤلاء يزعمون أن شريعة الإنجيل ألزمت الناس بترك حقوقهم، وأنه لا ينصف مظلوم من ظالمه، ولهذا ليس عندهم حكم عدل يحكمون به بين الناس، بل الحكم عندهم حكمان: حكم الكنيسة، وليس فيه إنصاف المظلوم من الظالم. والثاني: حكم الملوك، وليس هو شرعا منزلا، بل هو بحسب آراء الملوك.
ولهذا تجدهم يردون الناس إلى حكم شرع الإسلام في الدماء والأموال ونحو ذلك، حتى في بعض بلادهم يكون الملك والعسكر كلهم نصارى، وفيهم طائفة قليلة مسلمون لهم حاكم،
فيردون الناس في الدماء والأموال إلى حكم شرع المسلمين، وذلك أن الدماء والأموال وإن كان يستحب للمظلوم أن يعفو فيها عن ظالمه، فالحاكم الذي يحكم بين الناس، متى حكم على المظلوم بترك حقه كان حاكما بالظلم لا بالعدل.
ولو أمرنا كل ولي مقتول أن لا يقتص من القاتل، وكل صاحب دين أن لا يطالب غريمه، بل يدعه على اختياره، وكل مشتوم ومضروب أن لا ينتصف من ظالمه، لم يكن للظالمين زاجر يزجرهم، وظلم الأقوياء الضعفاء، وفسدت الأرض. قال تعالى:
{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [البقرة: 251].
فلا بد من شرع يتضمن الحكم بالعدل ولا بد - مع ذلك - من ندب الناس إلى العفو والأخذ بالفضل.
وهذه شريعة الإسلام كما تقدم ما ذكرنا من الآيات مثل قوله:
{والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له} [المائدة: 45].
وقوله:
{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم} [البقرة: 280].:.
وقوله:
{وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40].
وقوله:{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل: 126].
وقوله:
{الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 134].
وقوله:
{ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} [النساء: 92] ..

وقوله:
{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى: 43].
وقال أنس: " "ما رفع للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر فيه القصاص، إلا أمر فيه بالعفو" " فكان يأمر بالعفو، ولا يلزم الناس به؛ ولهذا لما عتقت (بريرة)، وكان لها أن تفسخ النكاح، وطلب زوجها أن لا تفارقه، شفع إليها أن لا تفارقه، فقالت: أتأمرني؟ قال: لا إنما أنا شافع فلم يوجب عليها قبول شفاعته - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثاني عشر: قولهم: " ولما كان الكمال الذي هو الفضل
لا يمكن أن يضعه إلا أكمل الكمال " فيقال لهم: العدل والفضل لا يشرعه إلا الله، فشريعة التوراة لم يشرعها إلا الله، وشريعة الإنجيل لم يشرعها إلا الله - عز وجل -.
يبين ذلك أن الله كلم موسى من الشجرة تكليما، وهم غاية ما قرروا به إلهية المسيح أن زعموا أن الله كلم الناس من ناسوت المسيح، كما كلم موسى من الشجرة، ومعلوم عند كل عاقل، لو كان هذا حقا، أن تكليمه لموسى من الشجرة أعظم تكليم كلمه الله لعباده فكيف يقال: إن شريعة العدل لم يشرعها الله عز وجل؟.
ثم يقال لهم: بل شريعة العدل أحق بأن تضاف إلى الله من شريعة الفضل، فإن الأمر بالإحسان والعفو يحسنه كل أحد، وأما معرفة العدل والحكم بين الناس به، فلا يقدر عليه إلا آحاد الناس؛ ولهذا يوجد الذي يصلح بين الناس بالإحسان خلق كثير، وأما الذي يحسن أن يفصل بينهم بالعدل فناس قليل، فكيف يقال: إن الذي يأمر بشرع الفضل هو الله، دون الذي يأمر بشرع العدل؟.
والله - تعالى - أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ ليقوم الناس بالقسط كما قال تعالى:
{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} [الحديد: 25].
وأمر المسيح - عليه السلام - للمظلوم بالعفو عن الظالم: ليس فيه ما يدل على أنه من الواجب الذي من تركه استحق الذم والعقاب، بل هو من المرغب فيه الذي من فعله استحق المدح والثواب. وموسى - عليه السلام - أوجب العدل الذي من تركه استحق الذم والعقاب. وحينئذ فلا منافاة بين إيجاب العدل، وبين استحباب الفضل.
لكن إيجاب العدل يقترن به الترهيب والتخويف في تركه، واستحباب الفضل يقترن به الترغيب والتشويق إلى فعله، فذاك فيه رهبة مع ما فيه من الرغبة. وهذا فيه رغبة بلا رهبة؛ ولهذا قال المسيح - عليه السلام -:.
{وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد - إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 117 - 118].
ولهذا قيل: إن المسيح - عليه السلام - بعث لتكميل التوراة، فإن النوافل تكون بعد الفرائض كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"يقول الله - تعالى -: " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]