
23-02-2022, 02:34 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة :
|
|
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد

المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 209 الى صـ 213
الحلقة (38)
2 - قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
1 - أخرج الترمذي وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرٍ في ليلة مظلمة فلم ندرِ أين القبلة فصلى كل رجل منا على حيالها فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزل: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
ولفظ ابن ماجه: فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة فصلينا وأعلَمْنا ... لحديث.
2 - أخرج مسلم وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ذكر هذين الحديثين جمهور المفسرين، كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
فأما حديث عامر بن ربيعة الذي تضمن التصريح بالسببية فقد تبين أنه ضعيف لا يحتج به.
أما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقوله في الحديث: وفيه نزلت: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) فلا يخلو من احتمالين:
الأول: أن يريد أن الآية نزلت على سبب فأين ذلك السبب أو الحدث أو الواقعة؟ فلم يذكر المفسرون شيئاً من هذا، وهذا خلاف المعهود في أسباب النزول، كما أني لا أظن أن هذا مراده.
الثاني: أن يريد الاستدلال بالآية على جواز التنفل في السفر على الراحلة، ويكون قوله: وفيه نزلت، أي دلت الآية على ذلك الحكم فهو استدلال صحيح عند من يوافقه، (أعني استدلاله بالآية).
ولهذا قال ابن العربي: (لا يخفى أن عموم الآية يقتضي بمطلقه جواز التوجه إلى جهتي المشرق والمغرب بكل حال، لكن الله خص من ذلك جواز التوجه إلى جهة بيت المقدس في وقتٍ، وإلى جهة الكعبة في حال الاختيار في الفرض والحضر فيها أيضاً وبقيت على النافلة في السفر).
وعندي - والله أعلم - أنه لا بد لمن أراد التحقيق والتدقيق في معرفة تفسير الآية أو الوقوف على سبب نزولها أن يتأمل السياق القرآني الذي وردت فيه الآية؛ لأن الآيات في الأعم الأغلب، لا بد أن يكون لها ارتباط بما قبلها، وعلاقة بما بعدها، أما انتزاع الآية وحدها كأنها ثمرة فلا شك أنه يوقع المفسر في الخطأ والزلل.
وهذا السياق الذي معنا ليس بعيدًا من هذا، فالآية التي قبلها هي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ... ) الآية.
تتحدث عن المشركين الذين أخرجوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصدوه عن البيت حين قصده عام الحديبية كما هو الراجح من قولي المفسرين.
(ثم جاءت هذه الآية: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) تسلية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه الذين أُخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلاهم).
وقال أبو حيان: (والذي يظهر أن انتظام هذه الآية بما قبلها هو أنه لما ذكر منع المساجد من ذكر اللَّه، والسعي في تخريبها نبَّه على أن ذلك لا يمنع من أداء الصلوات ولا من ذكر الله، إذ المشرق والمغرب لِلَّهِ تعالى، فأيُّ جهة أديتم العبادة فيها فهي لِلَّهِ يثيب على ذلك ولا يختص مكان التأدية في المسجد).
وقال الطاهر بن عاشور: (لما جاء بوعيدهم ووعد المؤمنين عطف على ذلك تسلية المؤمنين على خروجهم من مكة، ونكاية المشركين بفسخ ابتهاجهم بخروج المؤمنين منها وانفرادهم هم بمزية جوار الكعبة فبيَّن أن الأرض كلها لله تعالى وأنها ما تفاضلت جهاتها إلا بكونها مظنة للتقرب إليه تعالى، وتذكر نعمه وآياته العظيمة، فإذا كانت وجهة الإنسان نحو مرضاة الله تعالى فأينما تولى فقد صادف رضى اللَّه تعالى، وإذا كانت وجهته الكفر والغرور والظلم فما يغني عنه العياذ بالأماكن المقدسة. بل هو فيها دخيل لا يلبث أن يقلع منها) اهـ.
وهذا القول هو الصحيح، وهو أن الآية لا تتحدث عن استقبال القبلة بقدر حديثها عن توجه قلب العبد إلى ربه ومولاه، وأن الأماكن ظروف فقط لذلك التوجه، فإذا حيل بين العبد وبين ذلك التوجه في مكان فإن الأمر كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56).
فإن قيل: ما الدليل إذن على جواز التنفل على الراحلة في السفر؟
فالجواب أن يقال: إن الدليل مجرد فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثابت في الصحيح، وهذا من أبلغ الحجج وليس بالضرورة أن يدل على الحكم آية من القرآن.
* النتيجة:
أنه لا يوجد سبب نزول صحيح صريح نزلت لأجله الآية، فالصريح المذكور غير صحيح، والصحيح غير صريح، بل راويه لم يُردْ بذكره السببية أصلاً والسياق القرآني لا يدل على ذلك كما بيّنت.
* * *
3 - قال الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد والدارمي والترمذي والنَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول اللَّه، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وآية الحجاب، قلت: يا رسول اللَّه، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البرُّ والفاجر.
فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت هذه الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية، وقد أورده جمهور المفسرين وجعلوه سبباً لنزولها، منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير، وغيرهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|