عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 23-02-2022, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 204 الى صـ 208
الحلقة (37)

وقال القرطبي: (سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال: جبريل. قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال، ذاك عدونا. لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك، فأنزل اللَّه الآية)، اهـ.

وقال السعدي: (قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان بك أن وليك جبريل - عليه السلام - ولو كان غيره من ملائكة اللَّه لآمنوا بك وصدقوا: إنّ هذا الزعم منكم تناقض وتهافت وتكبر على اللَّه)، اهـ.

وقد ذكر المفسرون سبباً آخر لنزولها، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: (نزل عمر الروحاء ثم ذكر صدر حديثه حتى قال: كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسِهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة، فذكر الحديث بطوله حتى بلغ قوله: قالوا: إنّ لنا عدواً من الملائكة، وسلماً من الملائكة، وإنه قُرن به عدونا من الملائكة قال: قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل ... فذكر الحديث حتى قال: ثم قمت فاتبعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو خارج من خَرْفَة لبني فلان فقال لي: يا ابن الخطاب ألا أُقرئك آيات نزلن عليَّ فقرأ: (قُل مَن كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) حتى قرأ الآيات، قال: قلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أُريد أن أخبرك فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر) اهـ.
وبما تقدم تبين أنه لم يصح حديث مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخمسة المذكورة جميعاً، لكن بعضها صحت مفرقة، ولبعضها شواهد.
فمن ذلك قولهم: أخبرنا عن علامة النبي.
قالت عائشة - رضي الله عنها -: قلت: يا رسول اللَّه، أتنام قبل أن توتر؟ قال: (يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي).
أما قولهم: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تُذكر؟
فقد روى ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت قائماً عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد .. فذكر الحديث وفيه قال: جئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال: (ينفعك إن حدثتك؟) قال: أسمع بأُذنيَّ. قال: جئت أسألك عن الولد؟ قال: (ماء الرجل أبيض وماءُ المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة، أَذْكَرَا بإذن اللَّه، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل، آنثا بإذن الله)، قال اليهودي: لقد صدقتَ وإنك لنبي.
وأمّا قولهم: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟
فقد ثبت أنه صحيح وقفه على ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كما تقدم.
وسبب ذلك أن أعرابياً قال لابن عبَّاسٍ: إني قلت لامرأتي: هي على حرام، قال: فإنها ليست عليك بحرام. قال: وأين قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ)؟ قال: هل تدري ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: لا، قال: إن إسرائيل أخذته الأنساء فأضنته فجعل لِلَّهِ عليه: إن الله عافاه: أن لا يأكل عرقاً أبداً فلذلك تسلُّ اليهود العروق ولا يأكلونها.
أما قولهم: أخبرنا ما هذا الرعد؟
فهذا مما انفرد به بكير بن شهاب ولم يتابع عليه، وهو ممن لا يحتمل تفرده، فقصة الرعد لا تصح.
أما قولهم: فأخبرنا من صاحبك؟ قال: (جبريل - عليه السلام -).
فهذه الجملة من الحديث هي الأصل في سبب النزول وعليها يدور سياق القرآن وكلام المفسرين، وقد روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في أرض يخترف فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة، وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه؟ قال: (أخبرني بهن جبريل آنفاً) قال: جبريل؟ قال: نعم. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ).
وإذا ضممنا الآية للحديث تبين لنا الحقائق التالية:
1 - أن جبريل عدو اليهود من الملائكة.
2 - أن المراد بالكافرين في قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) هم اليهود.
3 - أن الآية ردٌّ على اليهود في كراهتهم لجبريل - عليه السلام - لكن يبقى النظر هل هذا الرد فوري فيكون قولُ عبد الله بن سلام سببَ نزولها أو ليس فوريًا؟ الحافظ ابن حجر - رحمه الله - مال إلى الثاني، وقال: ظاهر السياق أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي قرأ الآية رداً لقول اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حيئنذٍ وهذا هو المعتمد، وإنما تلا عليه الآية مذكرًا إياه سبب نزولها.
وبناءً على هذا قوى الحديث في سؤال اليهود للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأشياء السابقة فقال: (وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً).
وعندي - والله أعلم - أن سبب نزولها هو قول عبد الله بن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة وإنما اخترت هذا لأمور:
أ - ما حكاه الطبري من إجماع أهل العلم بالتأويل جميعاً على أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود.
ب - أنّ المتأمل في قوله: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) يرى أنها جواب سريع نافع عن حدث واقع. وإنما لم تصدر بقوله: (يسألونك) لأن عبد اللَّه بن سلام لم يسأله بل أخبره بعداوة اليهود لجبريل بخلاف الأسئلة القرآنية التي صدرت بالسؤال والجواب جميعاً.
جـ - أنّ قول الراوي: فقرأ هذه الآية لا يمنع السببية؛ لأنه لن يقرأها إلا بعد أن تنزل فيكون اقتصار الراوي على القراءة لأنها متضمنة للنزول، وإن لم يُرِدْ نفيَ السببية. ويمكن أن يُقال أيضاً إن هذا من تصرّف الرواة في ألفاظ الحديث، وهو كثير معروف.
د - أنّ الآية لو كانت نزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل حديثه مع عبد الله لما خفي ذلك على عبد الله بن سلام لأنه حبر من أحبارهم، وسيد من ساداتهم، ولم يحتج عبد الله أيضاً إلى إخبار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعداوة اليهود لجبريل لأنه سيكون علم قبل ذلك.
هـ - قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لما سمع عبد اللَّه بقدوم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهذا يدل على أن عبد اللَّه بن سلام بادره قبل غيره من اليهود حرصاً منه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على اتباع الحق.
وإذا كان الأمر كذلك فمتى وقعت الأسئلة الخمسة من يهود لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
و أنّ ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ممن تأخرت هجرته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة؛ لأنه كان صغيراً يتبع أباه، وأبوه لم يهاجر إلا قبل الفتح بقليل. قال ابن حجر: (ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح) اهـ، يعني العباس بن عبد المطلب.
وإذا كان الأمر كذلك فابن عبَّاسٍ لم يشهد القصة، بل سمعها من غيره، فلعل من أخبره سمعها متفرقة فجمعها له في سياق واحد، واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ليس سبب نزولها؛ لما تقدم من الأسباب آنفة الذكر، وإنما سبب نزولها حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قصة عبد اللَّه بن سلام، لصحة سندها، وموافقتها للفظ الآية، واتفاق المفسرين على معناها، والله أعلم.
* * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]