
23-02-2022, 02:06 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة :
|
|
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد

المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 193 الى صـ 197
الحلقة (35)
وقد ذكر بعض المفسرين أنها نزلت بسبب عامر بن الطفيل، لكن أبى ذلك ابن عاشور فقال: (ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة، وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول، ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها، ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية). اهـ.
وسأذكر عددًا من الأمثلة التي قمت ببحثها خلال دراستي وأعملت فيها هذا الضابط:
1 - قال اللَّه تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والدارمي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف) يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: (اللهم العن فلانًا وفلانًا) لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).
ولفظ مسلم عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (اللهم العن لحيان ورعلاً، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)
فهذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأن الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أُحد، وأحد إنما كانت في السنة الثالثة، والدعاء على هؤلاء القبائل كان بعد قتلهم القراء في بئر معونة وذلك في صفر من السنة الرابعة، فكيف يتقدم النزول على السبب؟.
2 - أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالت: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماء، فذكرت الحديث وفيه .. فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذي، فنام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أصبح على غير ماءٍ فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فقال أُسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
والسؤال هنا: أيُّ آيتي التيمم نزلت في هذه القصة أهي التي في النساء أم التي في المائدة؟.
والجواب: أنها التي في النساء لأمور:
أ - أن آية النساء تقدمت في النزول على آية المائدة لأنها في سياق النهي عن قربان الصلاة حال السكر وفي هذه المرحلة لم تحرم الخمر بعد، بخلاف آية المائدة فإن الخمر حرمت فيها بعد أُحد كما قال جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: صبَّح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم جميعاً شهداء وذلك قبل تحريمها.
ب - أن صدر سورة المائدة قد تأخر نزوله ويدل على هذا أمران:
الأول: قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) أنها نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفة يوم جمعة. ومعلوم أن وقوفه بعرفة كان في السنة العاشرة.
الثاني: ما ثبت في الصحيح عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صنع مثل هذا.
قال إبراهيم: فكان يعجبهم لأن جريراً كان من آخر من أسلم.
ولفظ مسلم: لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.
وجه الدلالة من هذا الحديث على تأخر نزول المائدة: أنه إذا كان يقع الاشتباه إلى هذا الحد بين إسلام جرير ونزول المائدة مع أنه من آخر من أسلم فهذا يدل على تأخر نزول آية الوضوء كثيرًا.
3 - قال اللَّه تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).
فهذا الحديث وإن كان صحيحًا ليس سببًا لنزول الآية لأن سورة الأنفال نزلت في بدر كما قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وقال ابن إسحاق: (أُنزلت في أمر بدرٍ سورة الأنفال بأسرها). اهـ.
وهذا الدعاء المذكور إنما كان في مكة بدليل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وهو إنما كان فيهم لما كان في مكة قبل الهجرة، فكيف يكون الدعاء قبل الهجرة سببًا لنزول الآيات بعدها؟.
4 - قال اللَّه تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76).
أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: جاء أبو سفيان إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76).
وهذا الحديث ليس سببًا للنزول لأن سبب القحط الذي أصابهم هو دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم بقوله: (اللهم اشدد وطاتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وهذا الدعاء إنما كان في المدينة، وسورة المؤمنون مكية بالاتفاق، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تنزل الآية في شأن القحط في مكة مع أن سبب القحط وهو الدعاء كان بالمدينة.
5 - قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24).
أخرج البخاري وأحمد عن المسور بن مخرمة ومروان في قصة الحديبية قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق فذكرا الحديث ... إلى أن قالا: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم، إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فواللَّه ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناشده باللَّه والرحم لما أرسل: فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فأنزل اللَّه تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) - حتى بلغ - (حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ).
فهذه القصة ليست سبب نزول الآية لأن الآية نزلت في الحديبية كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وهذه القصة بعد رجوع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة فقد جاء في الحديث: (ثم رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فذكر الحديث وفيه: فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه قد واللَّه - أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده، فخرج حتى أتى سِيف البحر ... الحديث وفيه: فواللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها).
* * *
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القسم الثاني
دراسة أسباب النزول
دراسةً تفسيريةً وحديثية

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|