
23-02-2022, 02:00 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة :
|
|
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد

المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 188 الى صـ 192
الحلقة (34)
المبحث السادس
الترجيح بدلالة الوقائع التاريخية
لتاريخ النزول القرآني قَرُبَ أم بَعُدَ دوره الحيوي في الترجيح بين الروايات الواردة في أسباب النزول وقبل أن أذكر الأمثلة الدالة على هذا الدور أود إيضاح أن الأمر هنا لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يسبق النزولُ السببَ، كأن تنزل الآية في مكة، ثم يقع السبب في المدينة، أو تنزل الآية في أوائل الهجرة، ثم تقع قضية السبب في أواخرها فهذه الحال لا صلة لها بهذا المبحث، إذ ليست من أسباب النزول؛ لأن النزول لا يتقدم السبب، ويكون هذا من نزول القرآن ابتداء. وإنما ذكرتها هنا لكمال التقسيم.
الثانية: أن يسبقَ السببُ النزولَ وهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يقع السبب قبل الهجرة، وتنزل الآية بعدها، أو يقع السبب في أوائل الهجرة، وتنزل الآية في أواخرها، فهذا من حيث السبْق لا يمنع السببية، لكن يعكر عليه فارق الزمن بين السبب والنزول لأنه طويل، ولا يعهد أن يتباعد السؤال عن الجواب، والقضية عن نزول حكمها، كما إني لم أجد في بحثي مثالاً صحيحًا صالحًا لهذا.
الثاني: أن يقع السبب والنزول معًا قبل الهجرة أو بعدها في زمن متقارب وهذا هو الكثير الغالب، لكن قد يتأخر النزول عن السبب لأمر تقتضيه حكمة الحكيم العليم، كما وقع في قضية كعب بن مالك، وصاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حين تخلفوا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فقد نزلت توبة اللَّه عليهم بعد خمسين ليلة من اعتذارهم، وقريب من هذا قصة الإفك حيث تأخر النزول شهرًا لا يُوحى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأنه شيء ثم أنزل الله تعالى الآيات، ومع هذا فإن تأخير النزول في هاتين القضيتين لم يمنع السببية.
وهذا هو الضابط الزمني الدقيق عند العلماء في أسباب النزول كما وجدته في أقوالهم وتقريراتهم.
وحينئذٍ يرد السؤال الآتي: كيف وقع الخطأ الزمني في تحديد أسباب النزول؟
فيقال: من المعلوم قطعاً أن أسباب النزول مرتبطة بنزول الآيات مكيها، ومدنيها ولا أعلم أحداً قام بتحقيق نزول آيات القرآن آية آية ومواقعها وتاريخ نزولها على نحو مؤكد.
وقد قال ابن العربي عن الآيات: (ولم يحقق العلماء تعيين النازل بمكة من المدينة في الجملة). اهـ.
فإذا كان المكي والمدني لم يحقق في الجملة فما ارتبط به من أسباب النزول لا بد أن يقع فيه خطأ أيضاً.
ولهذا بعض المفسرين يرى الآية مكية، والسبب حدث في مكة، وعليه فلا مانع من القول بأنه سبب نزولها.
وآخر يرى القصة حدثت في مكة، والآية في المدينة فلا يراها سببًا لنزول الآية.
وثالث يقول: إن الآية نزلت مرتين ويذكر لكل مرة حديثاً روي أنه سبب نزولها وهكذا.
وهذا الاختلاف ناشئ من سببين:
الأول: ما ذكره ابن العربي من عدم تحقيق المكي من المدني في الجملة.
الثاني: الخطأ في الممارسة والتطبيق من قِبل بعض المفسرين.
وسأذكر من أقوال العلماء ما يبين أثر التاريخ في تقرير الأسباب:
أولاً: مسروق بن الأجدع الوادعي ففي قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أبى أن يكون الشاهد عبد الله بن سلام فقال: (واللَّه ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا في المدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها قومه). اهـ موضع الشاهد.
ئانياً: سعيد بن جبير ففي قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43).
(قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) أهو عبد اللَّه بن سلام؟ فقال: وكيف يكون عبد الله بن سلام، وهذه السورة مكية). اهـ.
ثالثاً: عامر الشعبي. (قال ابن عون: ذكروا عند الشعبي قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل: عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف يكون ابن سلام وهذه السورة مكية). اهـ.
رابعاً: البغوي ففي قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أنكر أن يكون سبب نزولها ما أخرجه أحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: تشاورت قريش ليلةً بمكة فقال بعضهم: إذا أَصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك .. الحديث.
قال البغوي: (واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا، وإذ قالوا اللهم؛ لأن هذه السورة مدنية، وهذا القول والمكر إنما كانا بمكة، ولكن اللَّه ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى: (إِلَّا تنَصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرُه آللَّهُ). اهـ.
خامساً: ابن عطية الأندلسي ففي قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) أنكر أن تكون قد نزلت في بني سلمة لما أرادوا الانتقال إلى قرب المسجد فقال: (وهذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم، وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهم: دياركم تكتب آثاركم، وكره رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تعروا المدينة وعلى هذا فالآية مدنية، وليس الأمر كذلك وإنما نزلت الآية في مكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة، ووافقها قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال من قال: إنها نزلت في بني سلمة). اهـ.
سادساً: شيخ الإسلام ابن تيمية. فقد أنكر على الرافضي دعواه أن سورة (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: (إن السورة مكية باتفاق العلماء، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر وولد له الحسن في السنة الثالثة من الهجرة، والحسين في السنة الرابعة من الهجرة بعد نزول (هَلْ أَتَى) بسنين كثيرة، فقول القائل: إنها نزلت فيهم، من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن، وعلم بأحوال هؤلاء السادة الأخيار). اهـ.
سابعاً: ابن كثير فقد جاء في نزول قوله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ما أخرجه ابن ماجه عن خباب قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناسٍ من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقَّروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العربُ فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك فنزل جبريل فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ... ) الآية. قال ابن كثير: (وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس، وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر). اهـ.
ثامناً: ابن حجر العسقلاني ففي نزول قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: سلوه عن الروح فذكر الحديث وفيه ... فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح ثم قام ساعة ينظر فعرفت أنه يُوحى إليه فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ثم قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
قال ابن حجر: (وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي ... ثم ساق حديث ابن عبَّاسٍ ... إلى أن قال: ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك، وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح). اهـ.
تاسعاً: الشنقيطي ففي قوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126).
قال: (نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أُحد، فقال المسلمون: لئن أظفرنا اللَّه بهم لنمثلن بهم فنزلت الآية الكريمة فصبروا لقوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) مع أن سورة النحل مكية إلا هذه الآيات الثلاث من آخرها). اهـ.
عاشراً: ابن عاشور ففي قوله تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|