عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-02-2022, 07:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (229)

سُورَةُ الْكَهْفِ
صـ 239 إلى صـ 244

[ ص: 239 ] الأول منها هو أن يشترك الوجيهان عند الناس بلا مال ولا صنعة ، بل ليشتري كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معا ، فإذا باعا كان الربح الفاضل عن الأثمان بينهما .

وهذا النوع من شركة الوجوه هو المعروف عند المالكية بشركة الذمم ، وهو فاسد عند المالكية والشافعية ، خلافا للحنفية والحنابلة ، ووجه فساده ظاهر ، لما فيه من الغرر ، لاحتمال أن يخسر هذا ويربح هذا كالعكس ، وإلى فساد هذا النوع من الشركة أشار ابن عاصم المالكي في تحفته بقوله :


وفسخها إن وقعت على الذمم ويقسمان الربح حكم ملتزم
المعنى الثاني من معانيها أن يبيع وجيه مال خامل بزيادة ربح ، على أن يكون له بعض الربح الذي حصل في المبيع بسبب وجاهته ; لأن الخامل لو كان هو البائع لما حصل ذلك الربح ، وهذا النوع أيضا فاسد ; لأنه عوض جاه ، كما قاله غير واحد من أهل العلم .

والمعنى الثالث أن يتفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه في الذمة ويبيع الخامل ويكون الربح بينهما ، وهذا النوع أيضا فاسد عند المالكية والشافعية ، لما ذكرنا من الغرر سابقا .

وأما شركة الأبدان عند المالكية فهي جائزة بشروط ، وهي أن يكون عمل الشريكين متحدا كخياطين ، أو متلازما كأن يغزل أحدهما وينسج الآخر ; لأن النسج لا بد له من الغزل ، وأن يتساويا في العمل جودة ورداءة وبطأ وسرعة ، أو يتقاربا في ذلك ، وأن يحصل التعاون بينهما ، وإلى جواز هذا النوع من الشركة بشروطه أشار خليل في مختصره بقوله :

وجازت بالعمل إن اتحد أو تلازم وتساويا فيه ، أو تقاربا وحصل التعاون ، وإن بمكانين ، وفي جواز إخراج كل آلة واستئجاره من الآخر ، أو لا بد من ملك أو كراء - تأويلان ، كطبيبين اشتركا في الدواء ، وصائدين في البازين ، [ وهل وإن افترقا رويت عليهما وحافرين بكركاز ومعدن ، ولم يستحق وارثه بقيته وأقطعه الإمام ، وقيد بما لم يبد ، ولزمه ما يقبله صاحبه وإن تفاصلا وألغي مرض كيومين إلخ ] وبهذا تعلم أن شركة الأبدان جائزة عند المالكية في جميع أنواع العمل : من صناعات بأنواعها ، وطب واكتساب مباح ، كالاصطياد والاحتشاش والاحتطاب ، وغير ذلك بالشروط المذكورة ، وقال ابن عاصم في تحفته :


شركة بمال أو بعمل أو بهما تجوز لا لأجل
[ ص: 240 ] وبقي نوع معروف عند المالكية من أنواع الشركة يسمى في الاصطلاح بـ " شركة الجبر " وكثير من العلماء يخالفهم في هذا النوع الذي هو " شركة الجبر " .

وشركة الجبر : هي أن يشتري شخص سلعة بسوقها المعهود لها ، ليتجر بها بحضرة بعض تجار جنس تلك السلعة الذين يتجرون فيها ، ولم يتكلم أولئك التجار الحاضرون ، فإن لهم إن أرادوا الاشتراك في تلك السلعة مع ذلك المشتري أن يجبروه على ذلك ، ويكونون شركاءه في تلك السلعة شاء أو أبى .

وشركتهم هذه معه جبرا عليه هي " شركة الجبر " المذكورة ، فإن كان اشتراها ليقتنيها لا ليتجر بها ، أو اشتراها ليسافر بها إلى محل آخر ولو للتجارة بها فيه - فلا جبر لهم عليه ، وأشار خليل في مختصره إلى " شركة الجبر " بقوله : وأجبر عليها إن اشترى شيئا بسوقه لا لكفر أو قنية ، وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره ، وهل في الزقاق لا كبيته قولان ، وأما شركة المضاربة فهي القراض ، وهو أن يدفع شخص إلى آخر مالا ليتجر به على جزء من ربحه يتفقان عليه ، وهذا النوع جائز بالإجماع إذا استوفى الشروط كما سيأتي إن شاء الله دليله .

وأما أنواع الشركة في مذهب الشافعي رحمه الله فهي أربعة : ثلاثة منها باطلة في مذهبه ، والرابع صحيح .

وأما الثلاثة الباطلة فالأول منها " شركة الأبدان " كشركة الحمالين ، وسائر المحترفين : كالخياطين ، والنجارين ، والدلالين ، ونحو ذلك ، ليكون بينهما كسبهما متساويا أو متفاوتا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها .

فاتفاق الصنعة كشركة خياطين ، واختلافها كشركة خياط ونجار ونحو ذلك ، كل ذلك باطل في مذهب الشافعي ، ولا تصح عنده الشركة إلا بالمال فقط لا بالعمل .

ووجه بطلان شركة الأبدان عند الشافعية هو أنها شركة لا مال فيها ، وأن فيها غررا ; لأن كل واحد منهما لا يدري أيكتسب صاحبه شيئا أم لا ، ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده ، كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة على أن يكون النسل والدر بينهما ، وقياما على الاحتطاب والاصطياد ، هكذا توجيه الشافعية للمنع في هذا النوع من الشركة .

وقد علمت فيما مر شروط جواز هذا النوع عند المالكية ، إذ بتوفر الشروط المذكورة [ ص: 241 ] ينتفي الغرر .

والثاني من الأنواع الباطلة عند الشافعية هو شركة المفاوضة ، وهي عندهم أن يشتركا على أن يكون بينهما جميع كسبهما بأموالهما وأبدانهما ، وعليهما جميع ما يعرض لكل واحد منهما من غرم ، سواء كان بغصب أو إتلاف أو بيع فاسد أو غير ذلك ، ولا شك أن هذا النوع مشتمل على أنواع من الغرر فبطلانه واضح ، وهو ممنوع عند المالكية ، ولا يجيزون هذا ولا يعنونه بـ " شركة المفاوضة " كما قدمنا .

وقد قال الشافعي رحمه الله في هذا النوع : إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة ، فلا باطل أعرفه في الدنيا . يشير إلى كثرة الغرر والجهالات فيها ، لاحتمال أن يكسب كل واحد منهما كسبا دون الآخر ، وأن تلزم كل واحد منهما غرامات دون الآخر ، فالغرر ظاهر في هذا النوع جدا .

والثالث من الأنواع الباطلة عند الشافعية : هو " شركة الوجوه " وهي عندهم أن يشتري الوجيهان ليبتاع كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معا ، فإذا باعا كان الفاضل من الأثمان بينهما ، وهذا النوع هو المعروف عند المالكية بـ " شركة الذمم " ، ووجه فساده ظاهر ، لما فيه من الغرر ; لأن كلا منهما يشتري في ذمته ويجعل كل منهما للآخر نصيبا من ربح ما اشترى في ذمته ، مقابل نصيب من ربح ما اشترى الآخر في ذمته ، والغرر في مثل هذا ظاهر جدا ، وبقية أنواع " شركة الوجوه " ذكرناه في الكلام عليها في مذهب مالك ، وكلها ممنوعة في مذهب مالك ومذهب الشافعي ، ولذا اكتفينا بما قدمنا عن الكلام على بقية أنواعها في مذهب الشافعي .

أما النوع الرابع من أنواع الشركة الذي هو صحيح عند الشافعية فهو " شركة العنان " وهي : أن يشتركا في مال لهما ليتجرا فيه ، ويشترط فيها عندهم صيغة تدل على الإذن في التصرف في مال الشركة ، فلو اقتصرا على لفظ " اشتركنا " لم يكف على الأصح عندهم .

ويشترط في الشريكين أهلية التوكيل والتوكل ، وهذا الشرط مجمع عليه ، وتصح " شركة العنان " عند الشافعية في المثليات مطلقا دون المقومات وقيل : تختص بالنقد المضروب .

ويشترط عندهم فيها خلط المالين ، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، والحيلة عندهم في الشركة في العروض هي أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر [ ص: 241 ] ويأذن له في التصرف ، ولا يشترط عندهم تساوي المالين ، والربح والخسران على قدر المالين ، سواء تساويا في العمل أو تفاوتا ، وإن شرطا خلاف ذلك فسد العقد ، ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله .

عقد الشركة المذكورة يسلط كل واحد منهما على التصرف في مال الشركة بلا ضرر ، فلا يبيع بنسيئة ، ولا بغبن فاحش ، ولا يبضعه بغير إذن شريكه ، ولكل منهما فسخها متى شاء .

وأما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله فهو أن الشركة تنقسم إلى ضربين :

شركة ملك ، وشركة عقد .

فشركة الملك واضحة ، كأن يملكا شيئا بإرث أو هبة ونحو ذلك كما تقدم ، وشركة العقد عندهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

شركة بالمال ، وشركة بالأعمال ، وشركة بالوجوه ، وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة عندهم ينقسم قسمين : مفاوضة ، وعنان ، فالمجموع ستة أقسام .

أما شركة المفاوضة عندهم فهي جائزة إن توفرت شروطها ، وهي عندهم الشركة التي تتضمن وكالة كل من الشريكين للآخر ، وكفالة كل منهما الآخر ، ولابد فيها من مساواة الشريكين في المال والدين والتصرف .

فبتضمنها الوكالة يصح تصرف كل منهما في نصيب الآخر .

وبتضمنها الكفالة يطلب كل منهما بما لزم الآخر .

وبمساواتهما في المال يمتنع أن يستبد أحدهما بشيء تصح الشركة فيه دون الآخر ، ولذا لو ورث بعد العقد شيئا تصح الشركة فيه كالنقد بطلت المفاوضة ، ورجعت الشركة شركة عنان .

وبتضمنها المساواة في الدين تمتنع بين مسلم وكافر .

وبتضمنها المساواة في التصرف تمتنع بين بالغ وصبي ، وبين حر وعبد ، وكل ما اشتراه واحد من شريكي المفاوضة فهو بينهما ، إلا طعام أهله وكسوتهم ، وكل دين لزم أحدهما بتجارة وغصب وكفالة لزم الآخر .

[ ص: 243 ] ولا تصح عندهم شركة مفاوضة أو عنان بغير النقدين والتبر والفلوس النافقة ، والحيلة في الشركة في العروض عندهم هي ما قدمناه عن الشافعية ، فهم متفقون في ذلك .

وأما شركة العنان فهي جائزة عند الحنفية ، وقد قدمنا الإجماع على جوازها على كل المعاني التي تراد بها عند العلماء .

وشركة العنان عند الحنفية هي الشركة التي تتضمن الوكالة وحدها ، ولم تتضمن الكفالة ، وهي : أن يشتركا في نوع بز أو طعام أو في عموم التجارة . ولم يذكر الكفالة .

ويعلم من هذا أن كل ما اشتراه أحدهما كان بينهما ، ولا يلزم أحدهما ما لزم الآخر من الغرامات ، وتصح عندهم شركة العنان المذكورة مع التساوي في المال دون الربح وعكسه ، إذا كانت زيادة الربح لأكثرهما عملا ; لأن زيادة الربح في مقابلة زيادة العمل وفاقا للحنابلة ، وعند غيرهم لا بد أن يكون الربح بحسب المال ، ولو اشترى أحد الشريكين " شركة العنان " بثمن فليس لمن باعه مطالبة شريكه الآخر ; لأنها لا تتضمن الكفالة بل يطالب الشريك الذي اشترى منه فقط ، ولكن الشريك يرجع على شريكه بحصته ، ولا يشترط في هذه الشركة عندهم خلط المالين ، فلو اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر كان المشترى بينهما ، ويرجع على شريكه بحصته منه .

وتبطل هذه الشركة عندهم بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء ، وتفسد عندهم باشتراط دراهم مسماة من الربح لأحدهما ، ويجوز عندهم لكل من شريكي المفاوضة والعنان أن يبضع ويستأجر ، ويودع ويضارب ويوكل ، ويد كل منهما في مال الشركة يد أمانة ، كالوديعة والعارية .

وأما شركة الأعمال ففيها تفصيل عند الحنفية ، فإن كان العمل من الصناعات ونحوها جازت عندهم شركة الأعمال ، ولا يشترطون اتحاد العمل أو تلازمه خلافا للمالكية كما تقدم فيجوز عند الحنفية : أن يشترك خياطان مثلا ، أو خياط وصباغ على أن يتقبلا الأعمال ، ويكون الكسب بينهما ، وكل عمل يتقبله أحدهما يلزمهما . وإذا عمل أحدهما دون الآخر فما حصل من عمله فهو بينهما ، وإنما استحق فيه الذي لم يعمل لأنه ضمنه بتقبل صاحبه له ، فاستحق نصيبه منه بالضمان .

وهذا النوع الذي أجازه الحنفية لا يخفى أنه لا يخلو من غرر في الجملة عند اختلاف صنعة الشريكين ، لاحتمال أن يحصل أحدهما أكثر مما حصله الآخر ، فالشروط التي أجاز بها المالكية " شركة الأعمال " أحوط وأبعد من الغرر كما ترى .

[ ص: 244 ] وأما إن كانت الأعمال من جنس اكتساب المباحات فلا تصح فيها الشركة عند الحنفية ، كالاحتطاب والاحتشاش ، والاصطياد واجتناء الثمار من الجبال والبراري ، خلافا للمالكية والحنابلة .

ووجه منعه عند الحنفية أن من اكتسب مباحا كحطب أو حشيش أو صيد ملكه ملكا مستقلا ، فلا وجه لكون جزء منه لشريك آخر ; لأنه لا يصح التوكيل فيه ، ومن أجازه قال : إن كل واحد منهما جعل للآخر نصيبا من ذلك المباح الذي يكتسبه في مقابل النصيب الذي يكتسبه الآخر ، والمالكية القائلون بجواز هذا يشترطون اتحاد العمل أو تقاربه ، فلا غرر في ذلك ، ولا موجب للمنع ، وفي اشتراط ذلك عند الحنابلة خلاف كما سيأتي إن شاء الله .

وأما " شركة الوجوه " التي قدمنا أنها هي المعروفة عند المالكية " بشركة الذمم " وقدمنا منعها عند المالكية والشافعية فهي جائزة عند الحنفية ، سواء كانت مفاوضة أو عنانا ، وقد علمت مما تقدم أن المفاوضة عندهم تتضمن الوكالة والكفالة .

وأن العنان تتضمن الوكالة فقط ، وإن اشترط الشريكان في " شركة الوجوه " مناصفة المشتري أو مثالثته فالربح كذلك عندهم وبطل عندهم شرط الفضل ; لأن الربح عندهم لا يستحق إلا بالعمل ، كالمضارب ، أو بالمال كرب المال ، أو بالضمان كالأستاذ الذي يتقبل العمل من الناس ويلقيه على التلميذ بأقل مما أخذ ، فيطيب له الفضل بالضمان ، هكذا يقولونه ، ولا يخفى ما في " شركة الوجوه " من الغرر .

واعلم أن الربح في الشركة الفاسدة على حسب المال إن كانت شركة مال ، وعلى حسب العمل إن كانت شركة عمل ، وهذا واضح ، وتبطل الشركة بموت أحدهما .

وأما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام أحمد رحمه الله فهي أيضا قسمان : شركة أملاك ، وشركة عقود .

وشركة العقود عند الحنابلة خمسة أنواع : شركة العنان ، والأبدان ، والوجوه ، والمضاربة ، والمفاوضة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]