
21-02-2022, 06:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,215
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (223)
سُورَةُ الْكَهْفِ
صـ 203 إلى صـ 208
وقوله في هذه الآية الكريمة : أسفا مفعول من أجله ، أي مهلك نفسك من أجل الأسف . ويجوز إعرابه حالا ; أي في حال كونك آسفا عليهم . على حد قوله في الخلاصة :
ومصدر منكر حالا يقع بكثرة كبغتة زيد طلع
[ ص: 203 ] قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا .
قال الزمخشري في معنى هذه الآية الكريمة : " ما عليها " يعني ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها .
وقال بعض العلماء : كل ما على الأرض زينة لها من غير تخصيص ، وعلى هذا القول فوجه كل الحيات وغيرها مما يؤذي زينة للأرض ; لأنه يدل على وجود خالقه ، واتصافه بصفات الكمال والجلال ، ووجود ما يحصل به هذا العلم في شيء زينة له .
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان المذكورة فيه أن يذكر لفظ عام ثم يصرح في بعض المواضع بدخول بعض أفراد ذلك العام فيه ، كقوله تعالى : ذلك ومن يعظم شعائر الله [ 22 \ 32 ] الآية ، مع تصريحه بأن البدن داخلة في هذا العموم بقوله : والبدن جعلناها لكم من شعائر الله الآية [ 18 \ 36 ] .
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها [ 18 \ 7 ] قد صرح في مواضع أخر ببعض الأفراد الداخلة فيه ، كقوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا الآية [ 18 \ 46 ] ، وقوله : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة الآية [ 16 \ 8 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية الكريمة : صعيدا جرزا [ 18 \ 8 ] ، أي أرضا بيضاء لا نبات بها ، وقد قدمنا معنى " الصعيد " بشواهده العربية في سورة " المائدة " .
والجرز : الأرض التي لا نبات بها كما قال تعالى : أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون [ 32 \ 27 ] ومنه قول ذي الرمة :
طوى النحز والأجراز ما في غروضها وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
لأن مراده " بالأجراز " الفيافي التي لا نبات فيها ، والأجراز : جمع جرزة ، والجرزة : جمع جرز ، فهو جمع الجمع للجرز ، كما قاله الجوهري في صحاحه .
قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة : وإنا لجاعلون ما عليها [ 18 \ 8 ] من هذه الزينة صعيدا جرزا ، أي مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة ، في إزالة بهجته وإماطة حسنه ، وإبطال ما به كان زينة من إماتة الحيوان ، وتجفيف [ ص: 204 ] النبات والأشجار . اهـ .
وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبينا في مواضع أخر ، كقوله : إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون [ 10 \ 24 ] ، وكقوله تعالى : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا [ 18 \ 7 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية الكريمة : لنبلوهم أيهم أحسن عملا [ 18 \ 45 ] أي لنختبرهم على ألسنة رسلنا .
وهذه الحكمة التي ذكرها هنا لجعل ما على الأرض زينة لها ( وهي الابتلاء في إحسان العمل ) بين في مواضع أخر أنها هي الحكمة في خلق الموت والحياة والسموات والأرض ، قال تعالى : تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور [ 67 \ 1 - 2 ] ، وقال تعالى : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ 11 \ 7 ] .
وقد بين صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " كما تقدم .
وهذا الذي أوضحنا من أنه جل وعلا جعل ما على الأرض زينة لها ليبتلي خلقه ، ثم يهلك ما عليها ويجعله صعيدا جرزا - فيه أكبر واعظ للناس ، وأعظم زاجر عن اتباع الهوى ، وإيثار الفاني على الباقي ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " .
قوله تعالى : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا .
أم [ 18 \ 9 ] ، في هذه الآية الكريمة هي المنقطعة عن التحقيق ، ومعناها عند الجمهور " بل والهمزة " وعند بعض العلماء بمعنى " بل " فقط ، فعلى القول الأول فالمعنى : بل [ ص: 205 ] أحسبت ، وعلى الثاني فالمعنى : بل حسبت ، فهي على القول الأول جامعة بين الإضراب والإنكار ، وعلى الثاني فهي للإضراب الانتقالي فقط .
وأظهر الأقوال في معنى الآية الكريمة : أن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : إن قصة أصحاب الكهف وإن استعظمها الناس وعجبوا منها ، فليست شيئا عجبا بالنسبة إلى قدرتنا وعظيم صنعنا ، فإن خلقنا للسموات والأرض ، وجعلنا ما على الأرض زينة لها ، وجعلنا إياها بعد ذلك صعيدا جرزا ، أعظم وأعجب مما فعلنا بأصحاب الكهف ، ومن كوننا أنمناهم هذا الزمن الطويل ، ثم بعثناهم ، ويدل لهذا الذي ذكرنا آيات كثيرة :
منها أنه قال : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها - إلى قوله - صعيدا جرزا [ 18 \ 7 - 8 ] ، ثم أتبع ذلك بقوله : أم حسبت أن أصحاب الكهف الآية [ 18 \ 9 ] ، فدل ذلك على أن المراد أن قصتهم لا عجب فيها بالنسبة إلى ما خلقنا مما هو أعظم منها .
ومنها أنه يكثر في القرآن العظيم تنبيه الناس على أن خلق السموات والأرض أعظم من خلق الناس ، ومن خلق الأعظم فهو قادر على الأصغر بلا شك ، كقوله تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس الآية [ 40 \ 57 ] ، وكقوله : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها - إلى قوله - متاعا لكم ولأنعامكم [ 79 \ 27 - 33 ] كما قدمناه مستوفى في سورة " البقرة والنحل " .
ومن خلق هذه المخلوقات العظام : كالسماء والأرض وما فيهما فلا عجب في إقامته أهل الكهف هذه المدة الطويلة ، ثم بعثه إياهم ، كما هو واضح .
والكهف : النقب المتسع في الجبل ، فإن لم يك واسعا فهو غار . وقيل : كل غار في جبل : كهف . وما يروى عن أنس من أن الكهف نفس الجبل ، غريب غير معروف في اللغة .
واختلف العلماء في المراد بـ الرقيم في هذه الآية على أقوال كثيرة ، قيل : الرقيم اسم كلبهم ، وهو اعتقاد أمية بن أبي الصلت حيث يقول :
وليس بها إلا الرقيم مجاورا وصيدهم والقوم في الكهف همد
وعن الضحاك أن الرقيم : بلدة بالروم ، وقيل : اسم الجبل الذي فيه الكهف ، وقيل : اسم للوادي الذي فيه الكهف ، والأقوال فيه كثيرة . وعن ابن عباس أنه قال : لا [ ص: 206 ] أدري ما الرقيم أكتاب أم بنيان ؟ .
وأظهر الأقوال عندي بحسب اللغة العربية وبعض آيات القرآن ، أن الرقيم معناه : المرقوم ، فهو " فعيل " بمعنى " مفعول " من : رقمت الكتاب : إذا كتبته ، ومنه قوله تعالى : كتاب مرقوم الآية [ 83 \ 9 ، و 83 \ 20 ] . سواء قلنا : إن الرقيم كتاب كان عندهم فيه شرعهم الذي تمسكوا به ، أو لوح من ذهب كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم وقصتهم وسبب خروجهم ، أو صخرة نقشت فيها أسماؤهم ، والعلم عند الله تعالى .
والظاهر أن أصحاب الكهف والرقيم : طائفة واحدة أضيفت إلى شيئين أحدهما معطوف على الآخر ، خلافا لمن قال : إن أصحاب الكهف طائفة ، وأصحاب الرقيم طائفة أخرى ، وأن الله قص على نبيه في هذه السورة الكريمة قصة أصحاب الكهف ولم يذكر له شيئا عن أصحاب الرقيم ، وخلافا لمن زعم أن أصحاب الكهف هم الثلاثة الذين سقطت عليهم صخرة فسدت عليهم باب الكهف الذي هم فيه ، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة ، وهم البار بوالديه ، والعفيف ، والمستأجر ، وقصتهم مشهورة ثابتة في الصحيح ، إلا أن تفسير الآية بأنهم هم المراد ، بعيد كما ترى .
واعلم أن قصة أصحاب الكهف وأسماءهم ، وفي أي محل من الأرض كانوا ، كل ذلك لم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء زائد على ما في القرآن ، وللمفسرين في ذلك أخبار كثيرة إسرائيلية أعرضنا عن ذكرها لعدم الثقة بها .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : عجبا صفة لمحذوف ، أي شيئا عجبا . أو آية عجبا .
وقوله : من آياتنا في موضع الحال ، وقد تقرر في فن النحو أن نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا ، وأصل المعنى : كانوا عجبا كائنا من آياتنا ، فلما قدم النعت صار حالا .
قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفة أصحاب الكهف أنهم فتية ، وأنهم أووا إلى الكهف ، وأنهم دعوا ربهم هذا الدعاء العظيم الشامل لكل خير ، وهو قوله عنهم : ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا [ 18 \ 10 ] .
وبين في غير هذا الموضع أشياء أخرى من صفاتهم وأقوالهم ; كقوله : [ ص: 207 ] إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى - إلى قوله - ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا [ 18 \ 13 - 16 ] و إذ في قوله هنا : إذ أوى الفتية [ 18 \ 10 ] منصوبة بـ اذكر مقدرا ، وقيل : بقوله : عجبا ، ومعنى قوله : إذ أوى الفتية إلى الكهف [ 18 \ 10 ] ، أي جعلوا الكهف مأوى لهم ومكان اعتصام .
ومعنى قوله : آتنا من لدنك رحمة ، أي أعطنا رحمة من عندك ، والرحمة هنا تشمل الرزق والهدى والحفظ مما هربوا خائفين منه من أذى قومهم ، والمغفرة .
والفتية : جمع فتى جمع تكسير ، وهو من جموع القلة ، ويدل لفظ الفتية على قلتهم ، وأنهم شباب لا شيب ، خلافا لما زعمه ابن السراج من : أن الفتية اسم جمع لا جمع تكسير ، وإلى كون مثل الفتية جمع تكسير من جموع القلة ، أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله :
أفعلة أفعل ثم فعله كذاك أفعال جموع قلة
والتهيئة : التقريب والتيسير ، أي يسر لنا وقرب لنا من أمرنا رشدا ، والرشد : الاهتداء والديمومة عليه . و من في قوله : من أمرنا فيها وجهان : أحدهما أنها هنا للتجريد ، وعليه فالمعنى : اجعل لنا أمرنا رشدا كله ، كما تقول : لقيت من زيد أسدا . ومن عمرو بحرا .
والثاني أنها للتبعيض ، وعليه فالمعنى : واجعل لنا بعض أمرنا ; أي وهو البعض الذي نحن فيه من مفارقة الكفار ، رشدا ، حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .
قوله تعالى : فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ضرب على آذان أصحاب الكهف سنين عددا ، ولم يبين قدر هذا العدد هنا ، ولكنه بينه في موضع آخر وهو قوله : ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا [ 18 \ 25 ] .
وضربه جل وعلا على آذانهم في هذه الآية كناية عن كونه أنامهم ، ومفعول " ضربنا " محذوف ، أي ضربنا على آذانهم حجابا مانعا من السماع فلا يسمعون شيئا يوقظهم ، والمعنى : أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات .
وقوله : سنين عددا على حذف مضاف ; أي ذات عدد ، أو مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي سنين معدودة ، وقد ذكرنا الآية المبينة لقدر عددها بالسنة القمرية [ ص: 208 ] والشمسية ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : وازدادوا تسعا [ 18 \ 25 ] .
وقال أبو حيان في البحر في قوله : فضربنا على آذانهم [ 18 \ 11 ] عبر بالضرب ليدل على قوة المباشرة واللصوق واللزوم ، ومنه : وضربت عليهم الذلة [ 2 \ 61 ] ، وضرب الجزية وضرب البعث ، وقال الفرزدق :
ضرب عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
وقال الأسود بن يعفر :
ومن الحوادث لا أبا لك أنني
ضربت علي الأرض بالأسداد
وقال آخر :
إن المروءة والسماحة والندى
في قبة ضربت على ابن الحشرج
وذكر الجارحة التي هي الآذان ( إذ هي يكون منها السمع ) لأنه لا يستحكم نوم إلا مع تعطل السمع ، وفي الحديث : " ذلك رجل بال الشيطان في أذنه " ; أي استثقل نومه جدا حتى لا يقوم بالليل . اهـ كلام أبي حيان .
قوله تعالى : ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من حكم بعثه لأصحاب الكهف بعد هذه النومة الطويلة أن يبين للناس أي الحزبين المختلفين في مدة لبثهم أحصى لذلك وأضبط له ، ولم يبين هنا شيئا عن الحزبين المذكورين .
وأكثر المفسرين على أن أحد الحزبين هم أصحاب الكهف ، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية ، وقيل : هما حزبان من أهل المدينة المذكورة ، كان منهم مؤمنون وكافرون ، وقيل : هما حزبان من المؤمنين في زمن أصحاب الكهف . اختلفوا في مدة لبثهم ، قاله الفراء : وعن ابن عباس : الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب ، وأصحاب الكهف حزب ، إلى غير ذلك من الأقوال .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|