
21-02-2022, 07:07 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (220)
سُورَةُ الإسراء(37)
صـ 186 إلى صـ 190
والدليل على أن المانع في هذه الآية عادي : أنه تعالى صرح بمانع آخر غير هذا " في سورة الكهف " وهو قوله : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا [ 18 \ 55 ] ، فهذا المانع المذكور " في الكهف " مانع حقيقي ; لأن من أراد الله به سنة الأولين من الإهلاك ، أو أن يأتيه [ ص: 186 ] العذاب قبلا فإرادته به ذلك مانعة من خلاف المراد ; لاستحالة أن يقع خلاف مراده جل وعلا ، بخلاف المانع " في آية بني إسرائيل " هذه ، فهو مانع عادي يصح تخلفه ، وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " .
قوله تعالى : قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا .
بين جل وعلا في هذه الآية : أن الرسول يلزم أن يكون من جنس المرسل إليهم ، فلو كان مرسلا رسولا إلى الملائكة لنزل عليهم ملكا مثلهم ، أي وإذا أرسل إلى البشر أرسل لهم بشرا مثلهم .
وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون [ 6 \ 8 - 9 ] ، وقوله : وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم [ 21 \ 7 ] ، وقوله : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق [ 25 \ 20 ] كما تقدم إيضاحه .
قوله تعالى : أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم .
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من خلق السموات والأرض مع عظمهما قادر على بعث الإنسان بلا شك ; لأن من خلق الأعظم الأكبر فهو على خلق الأصغر قادر بلا شك .
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس الآية [ 40 \ 57 ] ، أي ومن قدر على خلق الأكبر فهو قادر على خلق الأصغر ، وقوله : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى [ 36 \ 81 ] ، وقوله : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى [ 46 \ 33 ] ، وقوله : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم [ 79 \ 27 - 33 ] .
قوله تعالى : قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا .
بين تعالى في هذه الآية : أن بني آدم لو كانوا يملكون خزائن رحمته - أي خزائن الأرزاق والنعم - لبخلوا بالرزق على غيرهم ، ولأمسكوا عن الإعطاء ، خوفا من الإنفاق لشدة بخلهم .
[ ص: 187 ] وبين أن الإنسان قتور ، أي بخيل مضيق ; من قولهم : قتر على عياله ، أي ضيق عليهم .
وبين هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله تعالى : أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا [ 4 \ 53 ] ، وقوله : إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الآية [ 70 \ 19 - 22 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والمقرر في علم العربية أن " لو " لا تدخل إلا على الأفعال ، فيقدر لها في الآية فعل محذوف ، والضمير المرفوع بعد " لو " أصله فاعل الفعل المحذوف ، فلما حذف الفعل فصل الضمير . والأصل قل لو تملكون ، فحذف الفعل فبقيت الواو فجعلت ضميرا منفصلا ، هو : أنتم . هكذا قاله غير واحد ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات
الآية . قال بعض أهل العلم : هذه الآيات التسع ، هي : العصا ، واليد ، والسنون ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات .
وقد بين جل وعلا هذه الآيات في مواضع أخر ; كقوله : فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين [ 7 \ 107 - 108 ] ، وقوله : ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات الآية [ 7 \ 130 ] ، وقوله : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم [ 26 \ 63 ] وقوله : فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات [ 7 \ 133 ] إلى غير ذلك من الآيات المبينة لما ذكرنا ، وجعل بعضهم الجبل بدل " السنين " وعليه فقد بين ذلك قوله تعالى : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة [ 7 \ 117 ] ، ونحوها من الآيات .
قوله تعالى : قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر
الآية ، بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن فرعون عالم بأن الآيات المذكورة ما أنزلها إلا رب السموات والأرض بصائر ، أي حججا واضحة ، وذلك يدل على أن قول فرعون فمن ربكما ياموسى [ 20 \ 49 ] ، وقوله : قال فرعون وما رب العالمين [ 26 \ 23 ] كل ذلك منه تجاهل عارف .
[ ص: 188 ] وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى مبينا سبب جحوده لما علمه " في سورة النمل " بقوله : وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا الآية [ 27 \ 12 - 14 ] .
قوله تعالى : وبالحق أنزلناه وبالحق نزل .
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه أنزل هذا القرآن بالحق : أي متلبسا به متضمنا له ; فكل ما فيه حق فأخباره صدق ، وأحكامه عدل ; كما قال تعالى : وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا [ 6 \ 115 ] وكيف لا وقد أنزله جل وعلا بعلمه ، كما قال تعالى : لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه الآية [ 4 \ 166 ] . وقوله : وبالحق نزل [ 17 \ 105 ] يدل على أنه لم يقع فيه تغيير ولا تبديل في طريق إنزاله .
لأن الرسول المؤتمن على إنزاله قوي لا يغلب عليه حتى يغير فيه ، أمين لا يغير ولا يبدل ، كما أشار إلى هذا بقوله : نزل به الروح الأمين على قلبك الآية [ 26 \ 193 ، 194 ] ، وقوله : إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين الآية [ 81 \ 19 - 21 ] ، وقوله في هذه الآية : لقول رسول ، أي لتبليغه عن ربه ، بدلالة لفظ الرسول ؛ لأنه يدل على أنه مرسل به .
قوله تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث .
قرأ هذا الحرف عامة القراء " فرقناه " بالتخفيف ، أي بيناه وأوضحناه ، وفصلناه وفرقنا به بين الحق والباطل ، وقرأ بعض الصحابة فرقناه بالتشديد ، أي أنزلناه مفرقا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة . ومن إطلاق فرق بمعنى بين وفصل قوله تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم . الآية [ 44 \ 4 ]
وقد بين جل وعلا أنه بين هذا القرآن لنبيه ليقرأه على الناس على مكث ، أي مهل وتؤدة وتثبت ، وذلك يدل على أن القرآن لا ينبغي أن يقرأ إلا كذلك ، وقد أمر تعالى بما يدل على ذلك في قوله : ورتل القرآن ترتيلا [ 73 \ 4 ] ، ويدل لذلك أيضا قوله : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا [ 25 \ 32 ] ، وقوله تعالى : وقرآنا [ 17 \ 106 ] منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده ، على حد قوله في الخلاصة :
[ ص: 189 ] فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما موافق لما قد أظهرا
قوله تعالى : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى .
أمر الله جل وعلا عباده في هذه الآية الكريمة : أن يدعوه بما شاءوا من أسمائه ، إن شاءوا قالوا : يا ألله ، وإن شاءوا قالوا : يا رحمن ، إلى غير ذلك من أسمائه جل وعلا .
وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون [ 7 \ 180 ] ، وقوله : هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم [ 59 \ 22 ، 23 ] .
وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع : أنهم تجاهلوا اسم الرحمن في قوله : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن الآية [ 25 \ 60 ] ، وبين لهم بعض أفعال الرحمن جل وعلا في قوله : الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان [ 55 \ 1 - 4 ] ، ولذا قال بعض العلماء : إن قوله : الرحمن علم القرآن جواب لقولهم : قالوا وما الرحمن الآية [ 25 \ 60 ] ، وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح " في سورة الفرقان " .
قوله تعالى : وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا .
أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ( لأن أمر القدوة أمر لأتباعه كما قدمنا ) أن يقولوا : " الحمد لله " أي : كل ثناء جميل لائق بكماله وجلاله ، ثابت له ، مبينا أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء ، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا .
فبين تنزهه عن الولد والصاحبة في مواضع كثيرة ; كقوله : قل هو الله أحد [ 112 \ 1 ] إلى آخر السورة ، وقوله : وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا [ 72 \ 3 ] ، وقوله : بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم [ 6 \ 101 ] ، وقوله : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ ص: 190 ] الآية [ 19 \ 88 - 92 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وبين في مواضع أخر : أنه لا شريك له في ملكه ، أي ولا في عبادته ; كقوله : وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير [ 34 \ 22 ] ، وقوله : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 16 ] ، وقوله : تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير [ 67 \ 1 ] ، وقوله : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء الآية [ 3 \ 26 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
ومعنى قوله في هذه الآية : ولم يكن له ولي من الذل [ 17 \ 111 ] ، يعني أنه لا يذل فيحتاج إلى ولي يعز به ; لأنه هو العزيز القهار ، الذي كل شيء تحت قهره وقدرته ، كما بينه في مواضع كثيرة كقوله : والله غالب على أمره الآية [ 12 \ 21 ] ، وقوله : أن الله عزيز حكيم [ 2 \ 209 ] والعزيز : الغالب ، وقوله : وهو القاهر فوق عباده [ 6 \ 18 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقوله وكبره تكبيرا [ 17 \ 111 ] أي عظمه تعظيما شديدا ، ويظهر تعظيم الله في شدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه ، والمسارعة إلى كل ما يرضيه ، كقوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم [ 2 \ 185 ] ونحوها من الآيات ، والعلم عند الله تعالى .
وروى ابن جرير في تفسيره هذه الآية الكريمة عن قتادة ، أنه قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصغير والكبير من أهله هذه الآية : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية [ 17 \ 111 ] ، وقال ابن كثير : قلت : وقد جاء في حديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الآية آية العز ، وفي بعض الآثار : إنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة . والله أعلم . ثم ذكر حديثا عن أبي يعلى من حديث أبي هريرة مقتضاه : أن قراءة هذه الآية تذهب السقم والضر ، ثم قال : إسناده ضعيف ، وفي متنه نكارة . والله تعالى أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا آخر الجزء الثالث من هذا الكتاب المبارك ، ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى ، وأوله سورة الكهف ، وبالله التوفيق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|