
21-02-2022, 07:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (215)
سُورَةُ الإسراء(32)
صـ 161 إلى صـ 165
وبين في مواضع أخر سبب الحيلولة بين القلوب وبين الانتفاع به ، وأنه هو كفرهم ، [ ص: 161 ] فجازاهم الله على كفرهم بطمس البصائر وإزاغة القلوب والطبع والختم والأكنة المانعة من وصول الخير إليها ، كقوله تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم الآية [ 61 \ 5 ] ، وقوله : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، وقوله : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة [ 6 \ 110 ] ، وقوله : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا الآية [ 2 \ 102 ] ، وقوله : وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون [ 9 \ 125 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
تنبيه
في هذه الآية الكريمة الرد الواضح على القدرية في قولهم : إن الشر لا يقع بمشيئة الله ، بل بمشيئة العبد ; سبحان الله وتعالى علوا كبيرا عن أن يقع في ملكه شيء ليس بمشيئته ؟ ولو شاء الله ما أشركوا [ 6 \ 107 ] ، ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها الآية [ 32 \ 13 ] ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى [ 6 \ 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا .
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ربه وحده في القرآن بأن قال : " لا إله إلا الله " ولى الكافرون على أدبارهم نفورا ، بغضا منهم لكلمة التوحيد ، ومحبة للإشراك به جل وعلا .
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ، مبينا أن نفورهم من ذكره وحده جل وعلا سبب خلودهم في النار ، كقوله : وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [ 39 \ 45 ] ، وقوله : ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير [ 40 \ 12 ] ، وقوله : إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون [ 37 \ 35 ، 36 ] ، وقوله : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الآية [ 42 \ 13 ] ، وقوله : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا [ 22 \ 72 ] ، وقوله : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [ 41 \ 72 ] .
[ ص: 162 ] وقوله في هذه الآية : نفورا [ 17 \ 46 ] جمع نافر ; فهو حال . أي ولوا على أدبارهم في حال كونهم نافرين من ذكر الله وحده من دون إشراك ، والفاعل يجمع على فعول كساجد وسجود ، وراكع وركوع .
وقال بعض العلماء : " نفورا " مصدر ، وعليه فهو ما ناب عن المطلق من قوله : ولوا ; لأن التولية عن ذكره وحده بمعنى النفور منه .
قوله تعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا
; بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن المعبودين من دون الله الذين زعم الكفار أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ، ويشفعون لهم عنده لا يملكون كشف الضر عن عابديهم ; أي إزالة المكروه عنهم ، ولا تحويلا ، أي تحويله من إنسان إلى آخر ، أو تحويل المرض إلى الصحة ، والفقر إلى الغنى ، والقحط إلى الجدب ، ونحو ذلك . ثم بين فيها أيضا أن المعبودين الذين عبدهم الكفار من دون الله يتقربون إلى الله بطاعته ، ويبتغون الوسيلة إليه ، أي الطريق إلى رضاه ونيل ما عنده من الثواب بطاعته فكان الواجب عليكم أن تكونوا مثلهم .
قال ابن مسعود : نزلت هذه الآية في قوم من العرب من خزاعة - أو غيرهم - كانوا يعبدون رجالا من الجن ، فأسلم الجنيون وبقي الكفار يعبدونهم فأنزل الله : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة الآية [ 17 \ 57 ] ، وعن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في الذين كانوا يعبدون عزيرا والمسيح وأمه ، وعنه أيضا ، وعن ابن مسعود ، وابن زيد ، والحسن : أنها نزلت في عبدة الملائكة . وعن ابن عباس : أنها نزلت في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه .
وهذا المعنى الذي بينه جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من أن كل معبود من دون الله لا ينفع عابده ، وأن كل معبود من دونه مفتقر إليه ومحتاج له جل وعلا ، بينه أيضا في مواضع أخر ، كقوله " في سبأ " : قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له [ 34 \ 22 - 23 ] ، وقوله " في الزمر " : أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون [ ص: 163 ] [ 39 \ 38 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، وقد قدمنا " في سورة المائدة " أن المراد بالوسيلة في هذه الآية الكريمة " وفي آية المائدة " : هو التقرب إلى الله بالعمل الصالح ; ومنه قول لبيد :
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي لب إلى الله واسل
وقد قدمنا " في المائدة " أن التحقيق أن قول عنترة :
إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
من هذا المعنى ، كما قدمنا أنها تجمع على وسائل ، كقوله :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل
وأصح الأعاريب في قوله : أيهم أقرب [ 17 \ 57 ] ، أنه بدل من واو الفاعل في قوله : يبتغون ، وقد أوضحنا هذا " في سورة المائدة " بما أغنى عن إعادته هنا ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا .
قال بعض أهل العلم : في هذه الآية الكريمة حذف الصفة ، أي : وإن من قرية ظالمة إلا نحن مهلكوها . وهذا النعت المحذوف دلت عليه آيات من كتاب الله تعالى ; كقوله : وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [ 28 \ 59 ] ، وقوله : ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون [ 6 \ 131 ] ، أي بل لا بد أن تنذرهم الرسل فيكفروا بهم وبربهم ، وقوله : وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون [ 11 \ 117 ] ، وقوله : وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا [ 65 \ 8 ، 9 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وغاية ما في هذا القول حذف النعت مع وجود أدلة تدل عليه ، ونظيره في القرآن قوله تعالى : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا [ 18 \ 79 ] ، أي كل سفينة صالحة ; بدليل أن خرق الخضر للسفينة التي ركب فيها هو وموسى يريد به سلامتها من أخذ الملك لها ; لأنه لا يأخذ المعيبة التي فيها الخرق وإنما يأخذ الصحيحة ، ومن حذف النعت قوله تعالى : قالوا الآن جئت بالحق [ 2 \ 71 ] ; أي بالحق الواضح الذي لا لبس معه في صفات البقرة المطلوبة ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر ، وهو المرقش الأكبر :
[ ص: 164 ] ورب أسيلة الخدين بكر مهفهفة لها فرع وجيد
أي فرع فاحم وجيد طويل .
وقول عبيد بن الأبرص :
من قوله قول ومن فعله فعل ومن نائله نائل
أي قوله قول فصل ، وفعله فعل جميل ، ونائله نائل جزيل ، وإلى هذا أشار في الخلاصة بقوله :
وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل
وقال بعض أهل العلم : الآية عامة ، فالقرية الصالحة إهلاكها بالموت ، والقرية الطالحة إهلاكها بالعذاب ، ولا شك أن كل نفس ذائقة الموت ، والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، والمسطور : المكتوب . ومنه قول جرير :
من شاء بايعته مالي وخلعته ما تكمل التيم في ديوانها سطرا
وما يرويه مقاتل عن كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية : من أن مكة تخربها الحبشة ، وتهلك المدينة بالجوع ، والبصرة بالغرق ، والكوفة بالترك ، والجبال بالصواعق والرواجف ، وأما خراسان فهلاكها ضروب ، ثم ذكر بلدا بلدا - لا يكاد يعول عليه ; لأنه لا أساس له من الصحة ، وكذلك ما يروى عن وهب بن منبه : أن الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، وأرمينية آمنة حتى تخرب مصر ، ومصر آمنة حتى تخرب الكوفة ، ولا تكون الملحمة الكبرى حتى تخرب الكوفة ، فإذا كانت الملحمة الكبرى فتحت قسطنطينة على يد رجل من بني هاشم ، وخراب الأندلس من قبل الزنج ، وخراب إفريقية من قبل الأندلس ، وخراب مصر من انقطاع النيل واختلاف الجيوش فيها ، وخراب العراق من الجوع ، وخراب الكوفة من قبل عدو يحصرهم ويمنعهم الشراب من الفرات ، وخراب البصرة من قبيل الغرق ، وخراب الأبلة من عدو يحصرهم برا وبحرا ، وخراب الري من الديلم ، وخراب خراسان من قبل التبت ، وخراب التبت من قبل الصين ، وخراب الهند واليمن من قبل الجراد والسلطان ، وخراب مكة من الحبشة ، وخراب المدينة من الجوع . اهـ .
كل ذلك لا يعول عليه ; لأنه من قبيل الإسرائيليات .
قوله تعالى : وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها
الآية ، بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه آتى ثمود الناقة في حال كونها آية مبصرة ، أي بينة تجعلهم يبصرون الحق واضحا لا لبس فيه فظلموا بها ، ولم يبين ظلمهم بها هاهنا ، ولكنه أوضحه في مواضع أخر ، [ ص: 165 ] كقوله : فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم الآية [ 7 \ 77 ] ، وقوله : فكذبوه فعقروها الآية [ 91 \ 14 ] ، وقوله : فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر [ 54 \ 29 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس
الآية [ 17 \ 60 ] ، بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أحاط بالناس ; أي فهم في قبضته يفعل فيهم كيف يشاء فيسلط نبيه عليهم ويحفظه منهم .
قال بعض أهل العلم : ومن الآيات التي فصلت بعض التفصيل في هذه الإحاطة ، قوله تعالى : سيهزم الجمع ويولون الدبر [ 54 \ 45 ] ، وقوله : قل للذين كفروا ستغلبون الآية [ 3 \ 12 ] ، وقوله : والله يعصمك من الناس [ 5 \ 67 ] ، وفي هذا أن هذه الآية مكية ، وبعض الآيات المذكورة مدني . أما آية القمر وهي قوله : سيهزم الجمع [ 54 \ 45 ] ، الآتية فلا إشكال في البيان بها لأنها مكية .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|