
21-02-2022, 07:02 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (211)
سُورَةُ الإسراء(28)
صـ 141 إلى صـ 145
فروع تتعلق بهذه المسألة
الفرع الأول : لا يحلف النساء ولا الصبيان في القسامة ، وإنما يحلف فيها الرجال . وبهذا قال أبو حنيفة ، وأحمد ، والثوري ، والأوزاعي ، وربيعة ، والليث ، ووافقهم مالك في قسامة العمد ، وأجاز حلف النساء الوارثات في قسامة الخطإ خاصة . وأما الصبي فلا خلاف بين العلماء في أنه لا يحلف أيمان القسامة . وقال الشافعي : يحلف في القسامة كل وارث بالغ ذكرا كان أو أنثى ، عمدا كان أو خطأ .
واحتج القائلون بأنه لا يحلف إلا الرجال بأن في بعض روايات الحديث في القسامة يقسم خمسون رجلا منكم . قالوا : ويفهم منه أن غير الرجال لا يقسم .
واحتج الشافعي ومن وافقه بقوله صلى الله عليه وسلم : " تحلفون خمسين يمينا فتستحقون دم صاحبكم " ، فجعل الحالف هو المستحق للدية والقصاص ، ومعلوم أن غير الوارث لا يستحق شيئا ، فدل على أن المراد حلف من يستحق الدية .
وأجاب الشافعية عن حجة الأولين بما قاله النووي في شرح مسلم ، فإنه قال في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم : " يقسم خمسون منكم على رجل منهم " ما نصه : هذا مما يجب تأويله ; لأن اليمين إنما تكون على الوارث خاصة لا على غيره من القبيلة . وتأويله عند أصحابنا : أن معناه يؤخذ منكم خمسون يمينا ، والحالف هم الورثة ، فلا يحلف أحد من [ ص: 141 ] الأقارب غير الورثة ، يحلف كل الورثة ذكورا كانوا أو إناثا ، سواء كان القتل عمدا أو خطأ ، هذا مذهب الشافعي ، وبه قال أبو ثور وابن المنذر . ووافقنا مالك فيما إذا كان القتل خطأ ، وأما في العمد فقال : يحلف الأقارب خمسين يمينا ، ولا تحلف النساء ولا الصبيان . ووافقه ربيعة والليث ، والأوزاعي وأحمد وداود وأهل الظاهر . انتهى الغرض من كلام النووي رحمه الله .
ومعلوم أن هذا التأويل الذي أولوا به الحديث بعيد من ظاهر اللفظ ، ولا سيما على الرواية التي تصرح بتمييز الخمسين بالرجل عند أبي داود وغيره .
الفرع الثاني : قد علمت أن المبدأ بأيمان القسامة أولياء الدم على التحقيق كما تقدم إيضاحه ; فإن حلفوا استحقوا القود أو الدية على الخلاف المتقدم ، وإن نكلوا ردت الأيمان على المدعى عليهم ; فإن حلفوها برئوا عند الجمهور ، وهو الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم : " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " أي يبرءون منكم بذلك . وهذا قول مالك والشافعي ، والرواية المشهورة عن أحمد ، وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو الزناد والليث وأبو ثور ، كما نقله عنهم صاحب المغني .
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنهم إن حلفوا لزم أهل المحلة التي وجد بها القتيل أن يغرموا الدية ، وذكر نحوه أبو الخطاب رواية عن أحمد . وقد قدمنا أن عمر ألزمهم الدية بعد أن حلفوا ، ومعلوم أن المبدأ بالأيمان عند أبي حنيفة المدعى عليهم ، ولا حلف على الأولياء عنده كما تقدم .
الفرع الثالث : إن امتنع المدعون من الحلف ولم يرضوا بأيمان المدعى عليهم ، فالظاهر أن الإمام يعطي ديته من بيت المال ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك ، والله تعالى يقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] .
الفرع الرابع : إن ردت الأيمان على المدعى عليهم فقد قال بعض أهل العلم : لا يبرأ أحد منهم حتى يحلف بانفراده خمسين يمينا ، ولا توزع الأيمان عليهم بقدر عددهم .
قال مالك في الموطأ : وهذا أحسن ما سمعت في ذلك ، وهو مذهب الإمام أحمد .
وقال بعض علماء الحنابلة : تقسم الأيمان بينهم على عددهم بالسوية ; لأن المدعى عليهم متساوون . وللشافعي قولان كالمذهبين اللذين ذكرنا ، فإن امتنع المدعى عليهم من اليمين فقيل يحبسون حتى يحلفوا ، وهو قول أبي حنيفة ، ورواية عن أحمد ، وهو مذهب [ ص: 142 ] مالك أيضا ، إلا أن المالكية يقولون : إن طال حبسهم ولم يحلفوا تركوا ، وعلى كل واحد منهم جلد مائة وحبس سنة ، ولا أعلم لهذا دليلا ، وأظهر الأقوال عندي : أنهم تلزمهم الدية بنكولهم عن الأيمان ، ورواه حرب بن إسماعيل عن أحمد ، وهو اختيار أبي بكر ; لأنه حكم ثبت بالنكول فثبت في حقهم هاهنا كسائر الدعاوى ; قال في المغني : وهذا القول هو الصحيح ، والله تعالى أعلم .
الفرع الخامس : اختلف العلماء في أقل العدد الذي يصح أن يحلف أيمان القسامة ; فذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا يصح أن يحلف أيمان القسامة في العمد أقل من رجلين من العصبة ، فلو كان للمقتول ابن واحد مثلا استعان برجل آخر من عصبة المقتول ولو غير وارث يحلف معه أيمانها ، وأظهر الأقوال دليلا هو صحة استعانة الوارث بالعصبة غير الوارثين في أيمان القسامة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة : " يحلف خمسون منكم . " الحديث . وهما ابنا عم المقتول ، ولا يرثان فيه لوجود أخيه ، وقد قال لهم " يحلف خمسون منكم " ، وهو يعلم أنه لم يكن لعبد الله بن سهل المقتول عشرون رجلا وارثون ، لأنه لا يرثه إلا أخوه ومن هو في درجته أو أقرب منه نسبا .
وأجاب المخالفون بأن الخطاب للمجموع مرادا به بعضهم ، وهو الوارثون منهم دون غيرهم ولا يخفى بعده ; فإن كانوا خمسين حلف كل واحد منهم يمينا ، وإن كانوا أقل من ذلك وزعت عليهم بحسب استحقاقهم في الميراث ، فإن نكل بعضهم رد نصيبه على الباقين إن كان الناكل معينا لا وارثا ، فإن كان وارثا يصح عفوه عن الدم ، سقط القود بنكوله ، وردت الأيمان على المدعى عليهم على نحو ما قدمنا . هذا مذهب مالك رحمه الله .
وأما القسامة في الخطأ عند مالك رحمه الله فيحلف أيمانها الوارثون على قدر أنصبائهم ، فإن لم يوجد إلا واحد ولو امرأة حلف الخمسين يمينا كلها واستحق نصيبه من الدية .
وأما الشافعي رحمه الله فقال : لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خاصة خمسين يمينا سواء قلوا أم كثروا ، فإن كان الورثة خمسين حلف كل واحد منهم يمينا ، وإن كانوا أقل أو نكل بعضهم ردت الأيمان على الباقين ، فإن لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق حتى لو كان من يرث بالفرض والتعصيب أو بالنسب والولاء حلف واستحق .
وقد قدمنا أن الصحيح في مذهب الشافعي رحمه الله : أن القسامة إنما تستحق بها [ ص: 143 ] الدية لا القصاص .
وأما الإمام أحمد فعنه في هذه المسألة روايتان :
الأولى : أنه يحلف خمسون رجلا من العصبة خمسين يمينا ، كل رجل يحلف يمينا واحدة ، فإن وجدت الخمسون من ورثة المقتول فذلك ، وإلا كملت الخمسون من العصبة الذين لا يرثون ، الأقرب منهم فالأقرب حتى تتم الخمسون ، وهذا قول لمالك أيضا ، وهذا هو ظاهر بعض روايات حديث سهل الثابتة في الصحيح .
والرواية الأخرى عن الإمام أحمد أنه لا يحلف أيمان القسامة إلا الورثة خاصة ، وتوزع عليهم على قدر ميراث كل واحد منهم ، فإن لم يكن إلا واحد حلف الخمسين واستحق ، إلا أن النساء لا يحلفن أيمان القسامة عند أحمد ، فالمراد بالورثة عنده الذكور خاصة . وهذه الرواية هي ظاهر كلام الخرقي ، واختيار أبي حامد .
وأما الإمام أبو حنيفة رحمه الله فقد قدمنا أن أيمان القسامة عنده لا يحلفها إلا خمسون رجلا من أهل المحلة التي وجد بها القتيل ، فيقسمون أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا .
تنبيه
قد علمت كلام العلماء فيمن يحلف أيمان القسامة ، فإذا وزعت على عدد أقل من الخمسين ووقع فيها انكسار ، فإن تساووا جبر الكسر عليهم ، كما لو خلف المقتول ثلاثة بنين ; فإن على كل واحد منهم ثلث الخمسين يمينا ، وهو ست عشرة وثلثان ، فيتمم الكسر على كل واحد منهم ، فيحلف كل واحد منهم سبع عشرة يمينا .
فإن قيل : يلزم على ذلك خلاف الشرع في زيادة الأيمان على خمسين يمينا ; لأنها تصير بذلك إحدى وخمسين يمينا .
فالجواب : أن نقص الأيمان عن خمسين لا يجوز ، وتحميل بعض الورثة زيادة على الآخرين لا يجوز ، فعلم استواؤهم في جبر الكسر ، فإذا كانت اليمين المنكسرة لم يستو في قدر كسرها الحالفون ، كأن كان على أحدهم نصفها ، وعلى آخر ثلثها ، وعلى آخر سدسها ، حلفها من عليه نصفها تغليبا للأكثر ، ولا تجبر على صاحب الثلث والسدس . وهذا هو مذهب مالك وجماعة من أهل العلم ، وقال غيرهم : تجبر على الجميع . والله تعالى أعلم .
[ ص: 144 ] وقال بعض أهل العلم : يحلف كل واحد من المدعين خمسين يمينا ، سواء تساووا في الميراث أو اختلفوا فيه . واحتج من قال بهذا بأن الواحد منهم لو انفرد لحلف الخمسين يمينا كلها . قال : وما يحلفه منفردا يحلفه مع غيره كاليمين الواحدة في سائر الدعاوى .
قال مقيده عفا الله عنه : وهذا القول بعيد فيما يظهر ; لأن الأحاديث الواردة في القسامة تصرح بأن عدد أيمانها خمسون فقط ، وهذا القول قد تصير به مئات كما ترى ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع السادس : لا يقتل بالقسامة عند من يوجب القود بها إلا واحد ، وهذا قول أكثر القائلين بالقود بها ، منهم مالك وأحمد والزهري ، وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم .
وهذا القول هو الصواب ، وتدل عليه الرواية الصحيحة التي قدمناها عند مسلم وغيره :
" يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته . " الحديث . فقوله صلى الله عليه وسلم في معرض بيان حكم الواقعة : " يقسم خمسون منكم على رجل منهم " يدل على أنهم ليس لهم أن يقسموا على غير واحد . وقيل : يستحق بالقسامة قتل الجماعة ; لأنها بينة موجبة للقود ، فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة ، وممن قال بهذا أبو ثور ، قاله ابن قدامة في المغني .
وهل تسمع الدعوى في القسامة على غير معين أو لا ؟ وهل تسمع على أكثر من واحد أو لا ؟ فقال بعض أهل العلم : تسمع على غير معين ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله مستدلا بقصة الأنصاري المقتول بخيبر ; لأن أولياءه ادعوا على يهود خيبر . وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن الدعوى فيها لا تسمع إلا على معين ، قالوا : ولا دليل في قصة اليهود والأنصاري ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها : " يقسم خمسون منكم على رجل منهم " فبين أن المدعى عليه لا بد أن يعين .
وقال بعض من اشترط كونها على معين : لا بد أن تكون على واحد ، وهو قول أحمد ومالك .
وقال بعض من يشترط كونها على معين : يجوز الحلف على جماعة معينين ، وقد قدمنا اختلافهم : هل يجوز قتل الجماعة أو لا يقتل إلا واحد ، وهو ظاهر الحديث ، وهو الحق إن شاء الله .
وقال أشهب صاحب مالك : لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدا للقتل ، [ ص: 145 ] ويسجن الباقون عاما ، ويضربون مائة .
قال ابن حجر في الفتح : وهو قول لم يسبق إليه ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع السابع : اعلم أن أيمان القسامة تحلف على البت ، ودعوى القتل أيضا على البت ، فإن قيل : كيف يحلف الغائب على أمر لم يحضره ، وكيف يأذن الشارع في هذه اليمين التي هي من الأيمان على غير معلوم ؟
فالجواب : أن غلبة الظن تكفي في مثل هذا ، فإن غلب على ظنه غلبة قوية أنه قتله حلف على ذلك ، وإن لم يغلب على ظنه غلبة قوية فلا يجوز له الإقدام على الحلف .
الفرع الثامن : إن مات مستحق الأيمان قبل أن يحلفها انتقل إلى وارثه ما كان عليه من الأيمان ، وكانت بينهم على حسب مواريثهم ، ويجبر الكسر فيها عليهم كما يجبر في حق ورثة القتيل على نحو ما تقدم ; لأن من مات عن حق انتقل إلى وارثه .
ولنكتف بما ذكرنا من أحكام القسامة خوف الإطالة المملة ، ولأن أحكامها كثيرة متشعبة جدا ، وقد بسط العلماء عليها الكلام في كتب الفروع .
غريبة تتعلق بهذه الآية الكريمة
وهي أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما استنبط من هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها أيام النزاع بين علي رضي الله عنه وبين معاوية رضي الله عنه - أن السلطنة والملك سيكونان لمعاوية ، لأنه من أولياء عثمان رضي الله عنه وهو مقتول ظلما ، والله تعالى يقول : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية [ 17 \ 33 ] ، وكان الأمر كما قال ابن عباس .
وهذا الاستنباط عنه ذكره ابن كثير في تفسيره هذه الآية الكريمة ، وساق الحديث في ذلك بسنده عند الطبراني في معجمه ، وهو استنباط غريب عجيب ، ولنكتف بما ذكرنا من الأحكام المتعلقة بهذه الآية الكريمة خوف الإطالة المملة ، والعلم عند الله تعالى .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|