عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-02-2022, 05:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي التشبيهات الظاهرة في الشعر

التشبيهات الظاهرة في الشعر


د. إبراهيم عوض




فنون الأدبفي لغة العرب (9)




والذي جعلني ألمس هذا الموضوع - موضوع التشبيهات الظاهرية - هو الخوف من أن يظُن بعض من رأوا زراية الأستاذ "العقاد" على "شوقي" في الكتاب الذي أصدره هو والمرحوم "المازني" مبتدأَ العشرينيات من القرن الفائت، بعنوان "الديوان في الأدب والنقد"، وقوله تعقيبًا على بعض صور "شوقي" التي رآها سطحيةً لا تتعمق الأشياء والموجودات، ولا تستبطنها: "اعلم، أيها الشاعر العظيم، أن الشاعر من يشعر بجواهر الأشياء لا من يعدِّدها ويحصي أشكالها وألوانها، وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء: ماذا يشبه؟ وإنما مزيَّته أن يقول: ما هو؟ ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به" - أن ذلك الحُكْمَ يصدق على تشبيهات ابن المعتز التي أوردتها هنا، وبخاصة حين يجدون أن العقاد قبل قليل من كلامه هذا قد حقَّر من شأن أحد تلك التشبيهات المعتزِّيَّة، فأحببت أن أوضِّح أني لا أتفق مع كل ما قاله - رحمه الله - رغم إكباري له وتقديري إياه تقديرًا لا أقدِّر مثلَه أحدًا من الكتَّاب سواه؛ ذلك أن الحياة ليست كلها تعمقًا واستبطانًا لجواهر الأشياء، وهي نفسها ليست جواهر فحسب، بل جسومًا أيضًا وأشكالاً وألوانًا، وهذه الجسوم والأشكال والألوان كثيرًا ما تبهرنا وتمتعنا وتحوِّل حياتنا إلى بهجة بهيجة.



والآن فلننظر إلى لون آخر من الصور ينفُذُ إلى جواهر الأشياء، ويستبطن حقائقها، وشواهده في الشعر العربي لا حصر لها، وإن كان من الكتَّاب من يزعم أن الصور الحسية هي وحدها التي كان يعرفها الشعر العربي القديم، ومن هؤلاء د. عز الدين إسماعيل، الذي ادعى أن كلاًّ من الشاعر والناقد العربي القديم "كان ينزع نزعةً حسية في فهم الجمال وفي تصويره، فكان الجمال عنده فيما ترضى عنه الحواس: كلُّ حاسة وما يوافقها، هذه النزعة الحسية كانت حَرِيَّةً أن تفرضَ نفسها على الصورة الشعرية، فإذا نحن قرأنا بيت ابن المعتز المشهور:



وانظر إليه كزورقٍ من فضة

قد أثقلتْه حمولةٌ من عنبرِ







تمثَّلت لنا الخاصة الحسية في الصورة..."، وهو كلام متعجِّل وغير دقيق، فما أكثرَ ما نجد في شعر ابن المعتز نفسه من صور داخلية لا علاقة لها بالحس، فما بالك بسواه؟ كما أنه من غير المنهجي أن نأتي إلى مثال واحد من شعر شاعر واحد فنأخذَه ونستخلص منه حُكمًا على شعرٍ كشعر العرب في عمقه وامتداده وتنوُّعِه وثرائه، إن هذا - وايم الحق - لمجحف جدًّا، وعلى كل حال فسوف أترك القارئ مع الشواهد التالية مع شعر ابن المعتز وعنترة بن شداد، وعمرو بن كلثوم "في تهديده لملك الحِيرة"، والفرزدق "في تضييفه للذئب"، وأبي تمام "في فتح عمورية"، والبحتري وابن الرومي والمتنبي "في وصفه وطأة الحمى عليه" والبهاء زهير على التوال



أما في الليالي أن تعودَ ونلتقي

بلى في الليالي سهلُها وحزونُها




إذا كان يحلو فيكُمُ كذِبُ المُنى

إذا ما ذكرناكم، فكيف يقينُها؟








ولقد مررتُ بدارِ عبلة بعدما

لعِب الربيع برَبْعها المتوسمِ




جادت عليه كلُّ بِكْرٍ حُرَّة

فترَكْنَ كلَّ قَرارةٍ كالدِّرهمِ




سَحًّا وتَسكابًا، فكل عَشيَّة

يجري عليها الماءُ لم يتصرَّمِ




وخلا الذباب بها، فليس ببارحٍ

غَرِدًا كفعل الشاربِ المترنمِ




هَزِجًا يحكُّ ذراعَه بذراعه

قدْحَ المُكبِّ على الزنادِ الأجذم




تُمسي وتصبحُ فوق ظهر حشيَّةٍ

وأبيتُ فوق سَراةِ أدهمَ مُلْجمِ




وحشيَّتي سَرجٌ على عَبْلِ الشَّوى

نَهْدٍ مَراكلُهُ، نبيلُ المحزِمِ








إذا ما المَلْكُ سام الناسَ خسفًا

أبَيْنا أن نُقرَّ الذلَّ فينا

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]