عرض مشاركة واحدة
  #89  
قديم 18-02-2022, 11:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,647
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (89)
صــ466 إلى صــ 470

ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين .

قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا) سبب نزولها أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انهزموا يوم أحد ، أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال [ ص: 466 ] النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك" فنزلت هذه الآيات ، قاله ابن عباس . قال ابن عباس ، ومجاهد: (ولا تهنوا) أي: ولا تضعفوا . وفيما نهوا عن الحزن عليه أربعة أقوال .

أحدها: أنه قتل إخوانهم من المسلمين ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنه هزيمتهم يوم أحد ، وقتلهم ، قاله مقاتل .

والثالث: أنه ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من شجه ، وكسر رباعيته ، ذكره الماوردي .

والرابع: أنه ما فات من الغنيمة ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .

قوله تعالى: (وأنتم الأعلون) قال ابن عباس: يقول: أنتم الغالبون وآخر الأمر لكم .
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين .

قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح) قال ابن عباس: أصابهم يوم أحد قرح ، فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقوا ، فنزلت هذه الآية . فأما المس ، فهو الإصابة ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع "قرح" بفتح القاف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، عن عاصم "قرح" بضم القاف . واختلفوا هل معنى القرآءتين واحد أم لا؟ فقال أبو عبيد: القرح بالفتح: الجراح ، والقتل . والقرح بالضم: ألم الجراح . وقال الزجاج: هما في اللغة بمعنى واحد ، ومعناه الجراح وألمها ، قال: ومعنى نداولها ، أي: نجعل الدولة في وقت للكفار على المؤمنين ، إذا عصى المؤمنون ، فأما إذا أطاعوا ، فهم منصورون ، قال [ ص: 467 ] ومعنى (ليعلم الله) أي: ليعلم واقعا منهم ، لأنه عالم قبل ذلك ، وإنما يجازي على ما وقع . وقال ابن عباس: معنى العلم هاهنا: الرؤية .

قوله تعالى: (ويتخذ منكم شهداء) قال أبو الضحى: نزلت في قتلى أحد ، قال ابن جريج: كان المسلمون يقولون: ربنا أرنا يوما كيوم بدر ، نلتمس فيه الشهادة ، فاتخذ منهم شهداء يوم أحد . قال ابن عباس: والظالمون هاهنا: المنافقون: وقال غيره: هم الذين انصرفوا يوم أحد مع ابن أبي المنافق .
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين .

قوله تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا) قال الزجاج: معنى الكلام: جعل الله الأيام مداولة بين الناس ، ليمحص المؤمنين ، ويمحق الكافرين . وفي التمحيص قولان .

أحدهما: أنه الابتلاء والاختبار ، وأنشدوا:


رأيت فضيلا كان شيئا ملففا فكشفه التمحيص حتى بدا ليا


وهو قول الحسن ، ومجاهد ، والسدي ، ومقاتل ، وابن قتيبة في آخرين .

والثاني: أنه التنقية ، والتخليص ، وهو قول الزجاج . وحكي عن المبرد ، قال: يقال: محص الحبل محصا: إذا ذهب منه الوبر حتى يتخلص ، ومعنى قولهم: [اللهم ] محص عنا ذنوبنا: أذهبها عنا . وذكر الزجاج عن الخليل أن التمحيص: التخليص ، يقال: محصت الشيء أمحصه محصا: إذا أخلصته فعلى القول الأول التمحيص: ابتلاء المؤمنين بما يجري عليهم ، وعلى الثاني: هو تنقيتهم من الذنوب بذلك . قال الفراء: معنى الآية: وليمحص الله بالذنوب عن الذين آمنوا . [ ص: 468 ] قوله تعالى: (ويمحق الكافرين) فيه أربعة أقوال .

أحدها: يهلكهم قاله ابن عباس . والثاني: يذهب دعوتهم ، قاله مقاتل .

والثالث: ينقصهم ويقللهم ، قاله الفراء .

والرابع: يحبط أعمالهم ، ذكره الزجاج .
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون .

قوله تعالى: (ولقد كنتم تمنون الموت) قال ابن عباس: لما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، بما فعل بشهداء يوم بدر من الكرامة ، رغبوا في ذلك ، فتمنوا قتالا يستشهدون فيه ، فيلحقون بإخوانهم ، فأراهم الله يوم أحد ، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم ، فنزل فيهم (ولقد كنتم تمنون الموت) يعني القتال (من قبل أن تلقوه) أي: من قبل أن تنظروا إليه يوم أحد (فقد رأيتموه) يومئذ ، قال الفراء ، وابن قتيبة: أي: رأيتم أسبابه ، وهي السيف ونحوه من السلاح . وفي معنى (وأنتم تنظرون) ثلاثة أقوال .

أحدها: تنظرون إلى السيوف ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنه ذكر للتوكيد ، قاله الأخفش . وقال الزجاج: معناه: فقد رأيتموه ، وأنتم بصراء ، كما تقول: رأيت كذا وكذا ، وليس في عينك علة ، أي: رأيته رؤية حقيقة .

[ ص: 469 ] . والثالث: أن معناه وأنتم تنظرون ما تمنيتم . وفي الآية إضمار [أي: فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ] فلم انهزمتم؟!
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين .

قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول) قال ابن عباس: صاح الشيطان يوم أحد: قتل محمد . فقال قوم لئن كان قتل لنعطينهم بأيدينا إنهم لعشائرنا وإخواننا ، ولو كان محمد حيا لم نهزم ، فترخصوا في الفرار فنزلت هذه الآية . وقال الضحاك: قال قوم من المنافقين: قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول ، فنزلت هذه الآية . وقال قتادة: قال أناس: لو كان نبيا ما قتل ، وقال ناس من عليه أصحاب رسول الله: قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى تلحقوا به ، فنزلت هذه الآية . ومعنى الآية: أنه يموت كما ماتت قبله الرسل ، أفإن مات على فراشه ، أو قتل كمن قتل قبله من الأنبياء ، أتنقلبون على أعقابكم؟! أي: ترجعون إلى ما كنتم عليه من الكفر؟! وهذا على سبيل المثل ، يقال: لكل من رجع عما كان عليه: قد انقلب على عقبيه ، وأصله: رجعة القهقرى ، والعقب: مؤخر القدم .

قوله تعالى: (فلن يضر الله شيئا) أي: لن ينقص الله شيئا برجوعه ، وإنما يضر نفسه . (وسيجزي) أي: يثيب الشاكرين ، وفيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم الثابتون على دينهم ، قاله علي رضي الله عنه ، وقال: كان أبو بكر أمير الشاكرين .

والثاني: أنهم الشاكرون على التوفيق والهداية . والثالث: على الدين .
[ ص: 470 ] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين .

قوله تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) في الإذن قولان .

أحدهما: أنه الأمر ، قاله ابن عباس . والثاني: الإذن نفسه ، قاله مقاتل .

قال الزجاج: ومعنى الآية: وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله .

قوله تعالى: (كتابا مؤجلا) توكيد ، والمعنى: كتب الله ذلك كتابا مؤجلا ، أي: كتابا ذا أجل . والأجل: الوقت المعلوم ، ومثله في التوكيد كتاب الله عليكم [ النساء: 24 ] لأنه لما قال: حرمت عليكم أمهاتكم [ النساء: 22 ] دل على أنه مفروض ، فأكد بقوله: كتاب الله عليكم [ النساء: 24 ] وكذلك قوله تعالى: صنع الله [ النمل: 88 ] لأنه لما قال: وترى الجبال تحسبها جامدة [ النمل: 88 ] دل على أنه خلق الله فأكد بقوله: صنع الله .

قوله تعالى: ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها أي: من قصد بعمله الدنيا ، أعطي منها قليلا كان أو كثيرا ، ومن قصد الآخرة بعمله ، أعطي منها . وقال مقاتل: عنى بالآية من ثبت يوم أحد ، ومن طلب الغنيمة .

فصل

وأكثر العلماء على أن هذا الكلام محكم ، وذهبت طائفة إلى نسخه بقوله تعالى: عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [ الإسراء: 18 ] والصحيح أنه محكم ، لأنه لا يؤتى أحد شيئا إلا بقدرة الله ومشيئته .

ومعنى قوله تعالى: (نؤته منها) أي: ما نشاء ، وما قدرنا له ، ولم يقل: ما يشاء هو .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]