
17-02-2022, 06:20 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (209)
سُورَةُ الإسراء(26)
صـ 131 إلى صـ 135
ومن أدلتهم ما ثبت في رواية متفق عليها في حديث سهل المذكور : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأولياء المقتول : " تحلفون خمسين يمينا وتستحقون قاتلكم . أو : صاحبكم . . " الحديث ، قالوا : فعلى أن الرواية " قاتلكم " فهي صريح في القود بالقسامة . وعلى أنها " صاحبكم " فهي محتملة لذلك احتمالا قويا . وأجيب من جهة المخالف بأن هذه الرواية لا يصح الاحتجاج بها للشك في اللفظ الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو فرضنا أن لفظ الحديث في نفس الأمر " صاحبكم " لاحتمل أن يكون المراد به المقتول ، وأن المعنى : تستحقون ديته . والاحتمال المساوي يبطل الاستدلال كما هو معروف في الأصول ; لأن مساواة الاحتمالين يصير بها اللفظ مجملا ، والمجمل يجب التوقف عنه حتى يرد دليل مبين للمراد منه .
ومن أدلتهم ما جاء في رواية عند الإمام أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا ثم نسلمه " .
ومن أدلتهم ما جاء في رواية عند مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم " قالوا : معنى " دم صاحبكم " قتل القاتل .
وأجيب من جهة المخالف باحتمال أن المراد " بدم صاحبكم " الدية ، وهو احتمال قوي أيضا ; لأن العرب تطلق الدم على الدية ، ومنه قوله :
أكلت دما إن لم أرعك بضرة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
ومن أدلتهم ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا محمود بن خالد وكثير بن عبيد ، قالا : حدثنا الوليد ( ح ) ، وحدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ، أخبرنا الوليد ، عن أبي عمرو ، عن عمرو بن شعيب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاة على شط لية البحرة ، قال : القاتل والمقتول منهم ، وهذا لفظ محمود : ببحرة ، أقامه محمود وحده على شط لية اهـ . وانقطاع سند هذا الحديث واضح في قوله : " عن عمرو بن شعيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كما ترى . وقد ساق البيهقي في السنن الكبرى حديث أبي داود هذا ، وقال : هذا منقطع ، ثم قال : وروى أبو داود أيضا في المراسيل عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد ، عن قتادة ، وعامر الأحول عن أبي المغيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقاد بالقسامة الطائف " ، وهو أيضا منقطع . وروى البيهقي في سننه عن أبي الزناد قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أن رجلا من الأنصار قتل وهو سكران [ ص: 132 ] رجلا ضربه بشويق ، ولم يكن على ذلك بينة قاطعة إلا لطخ أو شبيه ذلك ، وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن فقهاء الناس ما لا يحصى ، وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا ، فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا ، وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة ، ويرونها للذي يأتي به من اللطخ أو الشبهة أقوى مما يأتي به خصمه ، ورأوا ذلك في الصهيبي حين قتله الحاطبيون وفي غيره . ورواه ابن وهب عن أبي الزناد وزاد فيه : أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص : إن كان ما ذكرنا له حقا أن يحلفنا على القاتل ثم يسلمه إلينا .
وقال البيهقي في سننه أيضا : أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا بحر بن نصر ، ثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد : أن هشام بن عروة أخبره : أن رجلا من آل حاطب بن أبي بلتعة كانت بينه وبين رجل من آل صهيب منازعة . . . فذكر الحديث في قتله ، قال : فركب يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب إلى عبد الملك بن مروان في ذلك ، فقضى بالقسامة على ستة نفر من آل حاطب ، فثنى عليهم الأيمان ، فطلب آل حاطب أن يحلفوا على اثنين ويقتلوهما ، فأبى عبد الملك إلا أن يحلفوا على واحد فيقتلوه ، فحلفوا على الصهيبي فقتلوه . قال هشام : فلم ينكر ذلك عروة ، ورأى أن قد أصيب فيه الحق ، وروينا فيه عن الزهري وربيعة .
ويذكر عن ابن أبي مليكة عن عمر بن عبد العزيز وابن الزبير : أنهما أقادا بالقسامة .
ويذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه رجع عن ذلك ، وقال : إن وجد أصحابه بينة ، وإلا فلا تظلم الناس ، فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة . انتهى كلام البيهقي رحمه الله .
هذه هي أدلة من أوجب القود بالقسامة .
وأما حجج من قال : لا يجب بها إلا الدية فمنها ما ثبت في بعض روايات حديث سهل المذكور عند مسلم وغيره :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إما أن يدوا صاحبكم ، وإما أن يؤذنوا بحرب " .
قال النووي في شرح مسلم : معناه إن ثبت القتل عليهم بقسامتكم ، فإما أن يدوا صاحبكم - أي : يدفعوا إليكم ديته - وإما أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا ، فينتقض عهدهم ، ويصيرون حربا لنا .
وفيه دليل لمن يقول : الواجب بالقسامة الدية دون القصاص . اهـ كلام النووي ، [ ص: 133 ] رحمه الله .
ومنها ما ثبت في بعض روايات الحديث المذكور في صحيح البخاري وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم " ، قالوا : هذه الرواية الثابتة في صحيح البخاري صريحة في أن المستحق بأيمان القسامة إنما هو الدية لا القصاص .
ومن أدلتهم أيضا ما ذكره الحافظ ( في فتح الباري ) ، قال : وتمسك من قال : لا يجب فيها إلا الدية بما أخرجه الثوري في جامعه ، وابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور بسند صحيح إلى الشعبي ، قال : وجد قتيل بين حيين من العرب ، فقال عمر : قيسوا ما بينهما فأيهما وجدتموه إليه أقرب فأحلفوهم خمسين يمينا ، وأغرموهم الدية . وأخرجه الشافعي عن سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن الشعبي : أن عمر كتب في قتيل وجد بين خيران ووداعة أن يقاس ما بين القريتين ; فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منها خمسون رجلا حتى يوافوه في مكة ، فأدخلهم الحجر فأحلفهم ، ثم قضى عليهم الدية ، فقال : " حقنت بأيمانكم دماءكم ، ولا يطل دم رجل مسلم " .
قال الشافعي : إنما أخذه الشعبي عن الحارث الأعور ، والحارث غير مقبول . انتهى . وله شاهد مرفوع من حديث أبي سعيد عند أحمد : أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم " أن يقاس إلى أيهما أقرب فألقى ديته على الأقرب " ، ولكن سنده ضعيف .
وقال عبد الرزاق في مصنفه : قلت لعبد الله بن عمر العمري : أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة ؟ قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا . قلت : فعمر ؟ قال : لا . قلت : فلم تجترئون عليها ؟ فسكت .
وأخرج البيهقي من طريق القاسم بن عبد الرحمن : أن عمر قال في القسامة : توجب العقل ولا تسقط الدم . انتهى كلام ابن حجر رحمه الله .
فهذه هي أدلة من قال : إن القسامة توجب الدية ولا توجب القصاص .
وأما حجة من قال : إن القسامة لا يلزم بها حكم ، فهي أن الذين يحلفون أيمان القسامة إنما يحلفون على شيء لم يحضروه ، ولم يعلموا أحق هو أم باطل ، وحلف الإنسان على شيء لم يره دليل على أنه كاذب .
قال البخاري في صحيحه : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان ، حدثنا أبو رجاء من آل أبي قلابة ، حدثني أبو [ ص: 134 ] قلابة : أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ، ثم أذن لهم فدخلوا ، فقال : ما تقولون في القسامة ؟ قالوا : نقول القسامة القود بها حق ، وقد أقادت بها الخلفاء . قال لي : ما تقول يا أبا قلابة ؟ ونصبني للناس . فقلت : يا أمير المؤمنين ، عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب ، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى لم يروه ، أكنت ترجمه ؟ قال : لا . قلت : أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق ، أكنت تقطعه ولم يروه ؟ قال : لا . قلت : فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في إحدى ثلاث خصال : رجل قتل بجريرة نفسه فقتل ، أو رجل زنى بعد إحصان ، أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام . . . إلى آخر حديثه .
ومراد أبي قلابة واضح ، وهو أنه كيف يقتل بأيمان قوم يحلفون على شيء لم يروه ولم يحضروه .
هذا هو حاصل كلام أهل العلم في القود بالقسامة ، وهذه حججهم .
قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال عندي دليلا - القود بالقسامة ; لأن الرواية الصحيحة التي قدمنا فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنهم إن حلفوا أيمان القسامة دفع القاتل برمته إليهم " ، وهذا معناه القتل بالقسامة كما لا يخفى . ولم يثبت ما يعارض هذا . والقسامة أصل وردت به السنة ، فلا يصح قياسه على غيره من رجم أو قطع ، كما ذهب إليه أبو قلابة في كلامه المار آنفا ; لأن القسامة أصل من أصول الشرع مستقل بنفسه ، شرع لحياة الناس وردع المعتدين ، ولم تمكن فيه أولياء المقتول من أيمان القسامة إلا مع حصول لوث يغلب على الظن به صدقهم في ذلك .
تنبيه
اعلم أن رواية سعيد بن عبيد ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة التي فيها : أن النبي صلى الله عليه وسلم " لما سأل أولياء المقتول هل لهم بينة " وأخبروه بأنهم ليس لهم بينة ، قال : " يحلفون " يعني اليهود المدعى عليهم ، وليس فيها ذكر حلف أولياء المقتول أصلا - لا دليل فيها لمن نفى القود بالقسامة ; لأن سعيد بن عبيد وهم فيها ، فأسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين ، لكونه لم يذكر في روايته رد اليمين . ورواه يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض الأيمان أولا على أولياء المقتول ، فلما أبوا عرض عليهم رد الأيمان على المدعى عليهم . فاشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة [ ص: 135 ] من ثقة حافظ فوجب قبولها . وقد ذكر البخاري رحمه الله رواية سعيد بن عبيد ( في باب القسامة ) وذكر رواية يحيى بن سعيد ( في باب الموادعة والمصالحة مع المشركين ) وفيها : " تحلفون وتستحقون قاتلكم " أو صاحبكم . . . الحديث . والخطاب في قوله " تحلفون وتستحقون " لأولياء المقتول .
وجزم بما ذكرنا من تقديم رواية يحيى بن سعيد المذكورة على رواية سعيد بن عبيد - ابن حجر في الفتح وغير واحد ، لأنها زيادة من ثقة حافظ لم يعارضها غيرها فيجب قبولها ; كما هو مقرر في علم الحديث وعلم الأصول .
وقال القرطبي في تفسيره في الكلام على قوله تعالى : فقلنا اضربوه ببعضها الآية [ 2 \ 73 ] ، وقد أسند حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالمدعين - يحيى بن سعيد ، وابن عيينة ، وحماد بن زيد ، وعبد الوهاب الثقفي ، وعيسى بن حماد ، وبشر بن المفضل ، فهؤلاء سبعة . وإن كان أرسله مالك ، فقد وصله جماعة الحفاظ ، وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد .
وقال مالك رحمه الله ( في الموطأ ) بعد أن ساق رواية يحيى بن سعيد المذكورة : الأمر المجتمع عليه عندنا ، والذي سمعته ممن أرضى في القسامة ، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث : أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون . اهـ محل الغرض منه .
واعلم أن العلماء أجمعوا على أن القسامة يشترط لها لوث ، ولكنهم اختلفوا في تعيين اللوث الذي تحلف معه أيمان القسامة ، فذهب مالك رحمه الله إلى أنه أحد أمرين :
الأول : أن يقول المقتول : دمي عند فلان . وهل يكفي شاهد واحد على قوله ذلك ، أو لا بد من اثنين ؟ خلاف عندهم .
والثاني : أن تشهد بذلك بينة لا يثبت بها القتل كاثنين غير عدلين .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|