عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 14-02-2022, 04:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,135
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(9)
الحلقة (25)
صــ 269إلى صــ 274

وأجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق ، وأن هذه الصفة صفتهم . [ ص: 269 ]

ذكر من قال ذلك من أهل التأويل بأسمائهم :

312 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) ، يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم .

وقد سمي في حديث ابن عباس هذا أسماؤهم عن أبي بن كعب ، غير أني تركت تسميتهم كراهة إطالة الكتاب بذكرهم .

313 - حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) ، حتى بلغ : ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) قال : هذه في المنافقين .

314 - حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هذه الآية إلى ثلاث عشرة ، في نعت المنافقين .

315 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

316 حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 270 ]

317 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن إسماعيل السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) هم المنافقون .

318 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) إلى ( فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم ) ، قال : هؤلاء أهل النفاق .

319 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) قال : هذا المنافق ، يخالف قوله فعله ، وسره علانيته ومدخله مخرجه ، ومشهده مغيبه .

وتأويل ذلك : أن الله جل ثناؤه لما جمع لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أمره في دار هجرته ، واستقر بها قراره ، وأظهر الله بها كلمته ، وفشا في دور أهلها الإسلام ، وقهر بها المسلمون من فيها من أهل الشرك من عبدة الأوثان ، وذل بها من فيها من أهل الكتاب - أظهر أحبار يهودها لرسول الله صلى الله عليه وسلم الضغائن ، وأبدوا له العداوة والشنآن ، حسدا وبغيا ، إلا نفرا منهم هداهم الله للإسلام فأسلموا ، كما قال جل ثناؤه : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) سورة البقرة : 109 ، وطابقهم سرا على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه [ ص: 271 ] وبغيهم الغوائل ، قوم - من أراهط الأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه - وكانوا قد عسوا في شركهم وجاهليتهم قد سموا لنا بأسمائهم ، كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائهم وأنسابهم ، وظاهروهم على ذلك في خفاء غير جهار ، حذار القتل على أنفسهم ، والسباء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وركونا إلى اليهود لما هم عليه من الشرك وسوء البصيرة بالإسلام . فكانوا إذا لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به من أصحابه قالوا لهم - حذارا على أنفسهم - : إنا مؤمنون بالله وبرسوله وبالبعث ، وأعطوهم بألسنتهم كلمة الحق ، ليدرءوا عن أنفسهم حكم الله فيمن اعتقد ما هم عليه مقيمون من الشرك ، لو أظهروا بألسنتهم ما هم معتقدوه من شركهم . وإذا لقوا إخوانهم من اليهود وأهل الشرك والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، فخلوا بهم قالوا : ( إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) . فإياهم عنى جل ذكره بقوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) ، يعني بقوله تعالى خبرا عنهم : آمنا بالله - : وصدقنا بالله .

وقد دللنا على أن معنى الإيمان : التصديق ، فيما مضى قبل من كتابنا هذا .

وقوله : ( وباليوم الآخر ) ، يعني : بالبعث يوم القيامة ، وإنما سمي يوم القيامة " اليوم الآخر " ، لأنه آخر يوم ، لا يوم بعده سواه .

فإن قال قائل : وكيف لا يكون بعده يوم ، ولا انقطاع للآخرة ولا فناء ، ولا زوال ؟ [ ص: 272 ]

قيل : إن اليوم عند العرب إنما سمي يوما بليلته التي قبله ، فإذا لم يتقدم النهار ليل لم يسم يوما . فيوم القيامة يوم لا ليل بعده ، سوى الليلة التي قامت في صبيحتها القيامة ، فذلك اليوم هو آخر الأيام . ولذلك سماه الله جل ثناؤه "اليوم الآخر " ، ونعته بالعقيم . ووصفه بأنه يوم عقيم ، لأنه لا ليل بعده .

وأما تأويل قوله : " وما هم بمؤمنين " ، ونفيه عنهم جل ذكره اسم الإيمان ، وقد أخبر عنهم أنهم قد قالوا بألسنتهم : آمنا بالله وباليوم الآخر - فإن ذلك من الله جل وعز تكذيب لهم فيما أخبروا عن اعتقادهم من الإيمان والإقرار بالبعث ، وإعلام منه نبيه صلى الله عليه وسلم أن الذي يبدونه له بأفواههم خلاف ما في ضمائر قلوبهم ، وضد ما في عزائم نفوسهم .

وفي هذه الآية دلالة واضحة على بطول ما زعمته الجهمية : من أن الإيمان هو التصديق بالقول ، دون سائر المعاني غيره . وقد أخبر الله جل ثناؤه عن الذين ذكرهم في كتابه من أهل النفاق ، أنهم قالوا بألسنتهم : " آمنا بالله وباليوم الآخر " ، ثم نفى عنهم أن يكونوا مؤمنين ، إذ كان اعتقادهم غير مصدق قيلهم ذلك .

وقوله " وما هم بمؤمنين " ، يعني بمصدقين " فيما يزعمون أنهم به مصدقون .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( يخادعون الله والذين آمنوا )

قال أبو جعفر : وخداع المنافق ربه والمؤمنين ، إظهاره [ ص: 273 ] بلسانه من القول والتصديق ، خلاف الذي في قلبه من الشك والتكذيب ، ليدرأ عن نفسه ، بما أظهر بلسانه ، حكم الله عز وجل - اللازم من كان بمثل حاله من التكذيب ، لو لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار - من القتل والسباء . فذلك خداعه ربه وأهل الإيمان بالله .

فإن قال قائل : وكيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا ، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية ؟

قيل : لا تمتنع العرب من أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي هو في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف ، فنجا بذلك مما خافه - مخادعا لمن تخلص منه بالذي أظهر له من التقية . فكذلك المنافق ، سمي مخادعا لله وللمؤمنين ، بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية ، مما تخلص به من القتل والسباء والعذاب العاجل ، وهو لغير ما أظهر مستبطن . وذلك من فعله - وإن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدنيا - فهو لنفسه بذلك من فعله خادع ، لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها ، أنه يعطيها أمنيتها ، ويسقيها كأس سرورها ، وهو موردها به حياض عطبها ، ومجرعها به كأس عذابها ، ومزيرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به . فذلك خديعته نفسه ، ظنا منه - مع إساءته إليها في أمر معادها - أنه إليها محسن ، كما قال جل ثناؤه : " وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " ، إعلاما منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم ربهم بكفرهم وشكهم وتكذيبهم - غير شاعرين ولا دارين ، ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون .

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك ، كان ابن زيد يقول .

320 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت عبد الرحمن بن زيد عن قول الله جل ذكره : ( يخادعون الله والذين آمنوا ) إلى [ ص: 274 ] آخر الآية ، قال : هؤلاء المنافقون ، يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا ، أنهم مؤمنون بما أظهروا .

وهذه الآية من أوضح الدليل على تكذيب الله جل ثناؤه الزاعمين : أن الله لا يعذب من عباده إلا من كفر به عنادا ، بعد علمه بوحدانيته ، وبعد تقرر صحة ما عاند ربه تبارك وتعالى عليه من توحيده ، والإقرار بكتبه ورسله - عنده . لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بما وصفهم به من النفاق ، وخداعهم إياه والمؤمنين - أنهم لا يشعرون أنهم مبطلون فيما هم عليه من الباطل مقيمون ، وأنهم بخداعهم - الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل الإيمان به - مخدوعون . ثم أخبر تعالى ذكره أن لهم عذابا أليما بتكذيبهم بما كانوا يكذبون من نبوة نبيه ، واعتقاد الكفر به ، وبما كانوا يكذبون في زعمهم أنهم مؤمنون ، وهم على الكفر مصرون .

فإن قال لنا قائل : قد علمت أن "المفاعلة " لا تكون إلا من فاعلين ، كقولك : ضاربت أخاك ، وجالست أباك - إذا كان كل واحد مجالس صاحبه ومضاربه . فأما إذا كان الفعل من أحدهما ، فإنما يقال : ضربت أخاك ، وجلست إلى أبيك ، فمن خادع المنافق فجاز أن يقال فيه : خادع الله والمؤمنين ؟

قيل : قد قال بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب : إن ذلك حرف جاء بهذه الصورة أعني "يخادع " بصورة "يفاعل " ، وهو بمعنى "يفعل " ، في حروف أمثالها شاذة من منطق العرب ، نظير قولهم : قاتلك الله ، بمعنى قتلك الله .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]