عرض مشاركة واحدة
  #104  
قديم 13-02-2022, 07:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,962
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثالث
الحلقة (104)
صـ192 إلى صـ 206




وردت حديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء لقوله تعالى : لا تدركه الأبصار [ الأنعام : 103 ] [ ص: 192 ] وإن كان عند غيرها غير مردود لاستناده إلى أصل آخر لا يناقض الآية ، وهو ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة بأدلة قرآنية ، وسنية تبلغ القطع ولا فرق في صحة الرؤية بين الدنيا والآخرة .

وردت هي وابن عباس خبر أبي هريرة في غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء استنادا إلى أصل مقطوع به ، وهو رفع الحرج ، وما لا طاقة به عن الدين ، فلذلك قالا : فكيف يصنع بالمهراس ؟ [ ص: 193 ] [ ص: 194 ] وردت أيضا خبر ابن عمر في الشؤم ، وقالت : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن أقوال الجاهلية; لمعارضته الأصل القطعي أن الأمر كله لله ، وأن شيئا من الأشياء لا يفعل شيئا ولا طيرة ولا عدوى .

ولقد اختلفوا على عمر بن الخطاب حين خرج إلى الشام فأخبر أن الوباء قد وقع بها ، فاستشار المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه إلا مهاجرة الفتح فإنهم اتفقوا على رجوعه ، فقال أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ؟ فهذا استناد في رأي اجتهادي إلى أصل قطعي ، قال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم ، نفر من قدر الله إلى قدر الله . فهذا استناد إلى أصل قطعي أيضا ، وهو أن الأسباب من قدر الله ، ثم مثل ذلك برعي العدوة المجدبة والعدوة المخصبة ، وأن الجميع بقدر الله ، ثم أخبر بحديث الوباء الحاوي لاعتبار الأصلين .

[ ص: 195 ] وفي الشريعة من هذا كثير جدا ، وفي اعتبار السلف له نقل كثير ولقد اعتمده مالك بن أنس في مواضع كثيرة لصحته في الاعتبار .

ألا ترى إلى قوله في حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا : جاء الحديث ولا [ ص: 196 ] أدري ما حقيقته ؟ وكان يضعفه ، ويقول : يؤكل صيده ، فكيف يكره لعابه ؟ وإلى هذا المعنى أيضا يرجع قوله في حديث خيار المجلس حيث قال [ ص: 197 ] بعد ذكره : وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه . إشارة إلى أن المجلس مجهول المدة ولو شرط أحد الخيار مدة مجهولة لبطل إجماعا ، فكيف يثبت بالشرع حكم لا يجوز شرطا بالشرع ؟ فقد رجع إلى أصل إجماعي .

وأيضا فإن قاعدة الغرر والجهالة قطعية ، وهى تعارض هذا الحديث الظني .

فإن قيل : فقد أثبت مالك خيار المجلس في التمليك .

قيل : الطلاق [ ص: 198 ] يعلق على الغرر ، ويثبت في المجهول ، فلا منافاة بينهما بخلاف البيع .

ومن ذلك أن مالكا أهمل اعتبار حديث : من مات ، وعليه صيام صام عنه وليه ، وقوله : أرأيت لو كان على أبيك دين الحديث ؛ لمنافاته للأصل القرآني الكلي نحو قوله : ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 38 ، 39 ] كما اعتبرته عائشة في حديث ابن عمر .

وأنكر مالك حديث إكفاء القدور التي طبخت من الإبل والغنم قبل القسم تعويلا على أصل رفع الحرج الذي يعبر عنه بالمصالح المرسلة فأجاز [ ص: 199 ] أكل الطعام قبل القسم لمن احتاج ، قاله ابن العربي .

ونهى عن صيام ست من شوال مع ثبوت الحديث فيه تعويلا على أصل سد الذرائع .

ولم يعتبر في الرضاع خمسا ولا عشرا; للأصل القرآني في قوله : [ ص: 200 ] وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة [ النساء : 23 ] وفي مذهبه من هذا كثير ، وهو أيضا رأي أبي حنيفة ، فإنه قدم خبر القهقهة في الصلاة على القياس; إذ لا إجماع في المسألة ورد خبر القرعة; لأنه يخالف الأصول; لأن الأصول قطعية ، وخبر الواحد [ ص: 201 ] ظني والعتق حل في هؤلاء العبيد ، والإجماع منعقد على أن العتق بعد ما نزل في المحل لا يمكن رده فلذلك رده كذا قالوا ، وقال ابن العربي : إذا جاء خبر الواحد معارضا لقاعدة من قواعد الشرع; هل يجوز العمل به أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : لا يجوز العمل به ، وقال الشافعي : يجوز ، وتردد مالك في المسألة .

قال : ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إن عضدته قاعدة أخرى قال به ، وإن كان وحده تركه ، ثم ذكر مسألة مالك في ولوغ الكلب قال : لأن هذا الحديث عارض أصلين عظيمين :

أحدهما : قول الله تعالى : فكلوا مما أمسكن عليكم [ المائدة : 4 ] والثاني : أن علة الطهارة هي الحياة ، وهي قائمة في الكلب ، وحديث العرايا إن صدمته قاعدة الربا عضدته قاعدة المعروف .

[ ص: 202 ] وكذلك لم يأخذ أبو حنيفة بحديث منع بيع الرطب بالتمر لتلك العلة أيضا .

[ ص: 203 ] قال ابن عبد البر : كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيرا من أخبار الآحاد العدول .

قال : لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث ، ومعاني القرآن فما شذ من ذلك رده ، وسماه شاذا .

[ ص: 204 ] وقد رد أهل العراق مقتضى حديث المصراة ، وهو قول مالك لما رآه مخالفا للأصول ، فإنه قد خالف أصل الخراج بالضمان ولأن متلف [ ص: 205 ] الشيء إنما يغرم مثله أو قيمته ، وأما غرم جنس آخر من الطعام ، أو العروض ، فلا .

وقد قال مالك فيه : إنه ليس بالموطأ ولا الثابت ، وقال به في القول الآخر شهادة بأن له أصلا متفقا عليه يصح رده إليه بحيث لا يضاد هذه الأصول الأخر ، وإذا ثبت هذا كله ظهر وجه المسألة إن شاء الله .

[ ص: 206 ] وأما الرابع ، وهو الظني الذي لا يشهد له أصل قطعي ولا يعارض أصلا قطعيا فهو في محل النظر ، وبابه باب المناسب الغريب ، فقد يقال : لا يقبل لأنه إثبات شرع على غير ما عهد في مثله والاستقراء يدل على أنه غير موجود ، وهذان يوهنان التمسك به على الإطلاق; لأنه في محل الريبة ، فلا يبقى مع ذلك ظن ثبوته ولأنه من حيث لم يشهد له أصل قطعي معارض لأصول الشرع; إذ كان عدم الموافقة مخالفة وكل ما خالف أصلا قطعيا مردود فهذا مردود ، ولقائل أن يوجه الإعمال بأن العمل بالظن على الجملة ثابت في تفاصيل الشريعة ، وهذا فرد من أفراده ، وهو وإن لم يكن موافقا لأصل ، فلا مخالفة فيه أيضا ، فإن عضد الرد عدم الموافقة عضد القبول عدم المخالفة فيتعارضان ، ويسلم أصل العمل بالظن ، وقد وجد منه في الحديث قوله : - عليه الصلاة [ ص: 207 ] والسلام - : القاتل لا يرث ، وقد أعمل العلماء المناسب الغريب في أبواب القياس ، وإن كان قليلا في بابه فذلك غير ضائر إذا دل الدليل على صحته .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]