عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-02-2022, 09:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف في تراث الآل والأصحاب

الوقف في تراث الآل والأصحاب (6)

أوقـــــاف صحابـــــــة رســـــــــول اللـــــه - صلى الله عليه وسلم


عيسى القدومي

هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في تلك الأوقاف، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.

ثبت في أحاديث صحيحة، وآثار كثيرة أن الصحابة -رضوان الله عليهم رجالاً وإناثاً- قد أوقفوا الأراضي الثمينة، والأموال النفيسة ذات الدخول العظيمة، وهذا عرض لبعض هذه الروايات والأخبار، والقصد من ذلك ذكر نماذج لهذه الأوقاف، وليس الاستقصاء والحصر.

أولا: أوقاف الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم

وقف الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه

قال الخصَّاف: «رُوي أنّ أبا بكر الصدّيق - رضي الله عنه - حبس رِباعًا كانت بمكّة وتركها، فلا يُعلم أنّها وُرثت عنه، ولكن يسكنها من حضر من ولده وولد ولده ونسله بمكة، ولم يتوارثوها»، وروى البيهقي -بسنده- عن عبد الله بن الزبير الحُمَيْدي: «وتصدّق أبو بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - بداره بمكة على ولدِه، فهي إلى اليوم...»، وقولُ الحميدي: «فهي إلى اليوم» يدلّ على شهرةِ هذا الوقف، ومن المعلومِ أنّ قلّة ما وقَفَه أبو بكر - رضي الله عنه - يمكن أن يُعلّل بما عُلّل به كثيرٌ ممّا تركَه من الأعمالِ الخاصّة والعامّة في السنتين ونيّف اللّتين قضاهما في الخلافة، لقصر المدّة، وكثرة المشكلات، وعُمْق المخاطر التي جابهها على قصر المدّة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، فوقف أبي بكرٍ -رضي الله عنه- كان على ذرّيّته؛ لأنّ قولَه: «يسكنها من حضر من ولده وولد ولده ونسله بمكة، ولم يتوارثوها»، يعني أنّهم اشتركوا في منفعتها وهي السُّكنى عند الحاجةِ، ولم يتوارثوها ملكًا مخصوصاً لأحدهم.

وقف الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه

بعد ما مَلَكَ عمر - رضي الله عنه- أرضًا في خيبر، وكانت من أنفس وأجود ما حاز - رضي الله عنه-، استشار النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في صفة الصدقة بها، فأشار عليه النبي -صلى الله عليه وسلم -: «‏إنْ شئت حبست أصلها وتصدقت بها»؛ ففعل، جاء في «الصحيحين» عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: أصاب عمر بخيبر أرضًا، فأتى النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أصبت أرضًا لم أصب مالًا قطّ أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها»، فتصدّق عمر أنّه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء، والقربى والرّقاب وفي سبيل اللّه والضّيف وابن السّبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متموّل فيه.

أصل لمشروعيّة الوقف

وقد اشتهرت صدقةُ عمر بعد ذلك، وصارت أصلاً لمشروعيّة الوقف في أصله، ولكثيرٍ من أحكامه، روى البيهقي بسنده إلى الُحمَيْدِي: «وتصدَّقَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - برَبْعِهِ عند المَرْوَةِ وبالثَّنِيَّةِ على ولده، فهي إلى اليوم»، وقال الإمام النووي: «والعمل على هذا (فعل عمر) عند عامّة أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من المتقدمين، لم يختلفوا في إجازة وقف الأرض وغيرها من المنقولات، وللمهاجرين والأنصار أوقاف بالمدينة وغيرها، ولم ينقل عن أحدٍ منهم أنه أنكره، ولا عن واقف أنه رجع عما فعله لحاجة أو غيرها».

أول وثيقة وقفية في الإسلام

وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أول وثيقة وقفية في الإسلام، وقد استند كل من كتب كتاباً وقفه من الصحابة -رضي الله عنهم- على ما جاء في كتاب عمر - رضي الله عنه -، وهذا نصها: «بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمرُ أميرُ المؤمنين إنْ حدَثَ به حدَثٌ، أنّ ثَمْغًا وصِرْمَةَ بنِ الأكوع، والعبدَ الذي فيه، والمائة سهم التي بخيبر ورقيقَه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمّد - صلى الله عليه وسلم - بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثمّ يليه ذو الرّأي من أهلها، ألا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السّائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وَلِيَه إنْ أكل أو آكَلَ، أو اشترى رقيقا منه».

والجهة التي وقف عليها عمر - رضي الله عنه - قد نصّ عليها بوضوح، في السائل والمحروم وذوي القربى، وابن السبيل، وفي الفقراء والرّقاب والضّيف وفي سبيل الله، فهو وقفٌ خيريٌّ على مصالح عدّة تتسم بالعموم وشدّة الحاجة.

وقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه

وقف أمير المؤمنين عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - من أبقى الوقوف، التي يراها الزائرُ للمدينةِ المنوّرة عياناً إلى يوم النّاس هذا، وقصّة وقْفه لـ «بئر رُومة» مشهورٌ، في يومٍ كان النّاس إليها أحوجَ ما يكونون، فسبق - رضي الله عنه - إلى الفضل، بما وفّقه الله إليه وفضّله به من قوّة الإيمان، والاقتدارِ الماليّ، وعندما حُصِرَ عثمانُ - رضي الله عنه - في بيتِه من الخوارجِ، ورأى أنّ الأمّة قد نبتت فيها نابتةٌ جاحدةٌ لا تعرفُ الفضلَ لأهلِه ولا تُدْرك قيمةَ السابقين الأوّلين، ورمَتْ عثمانَ - رضي الله عنه - بالعظائمِ المكذوبةِ عليه، رأى - رضي الله عنه - أنْ يذكّرهم ببعضِ مقاماتِه مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان ممّا ذكرَه حادثةُ وقْفِه لبئر رومة، استجابةً لترغيبِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحريضِه.

عن ثمامة بن حَزْن القشيري، قال: «شهدتُ الدّار حين أشرف عليهم عثمان، فقال: ائْتوني بصاحبَيْكم اللّذَيْن أَلَّبَاكم عَلَيَّ. قال: فجيء بهما، فكأنّهما جملان-أو كأنّهما حماران-، قال: فأشرف عليهم عثمان، فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس بها ماء يُستَعْذَبُ غير بئر رُوْمَةَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يشتري بِئْرَ رُوْمَةَ فيجعل دلوه مع دِلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟». فاشتريتُها من صُلْبِ مالي، فأنتم اليومَ تمنعوني أنْ أشربَ منها حتى أشرب من ماء البحر؟ قالوا: اللهمّ نعم. فقال: أنشدكم بالله والإسلام، هل تعلمون أنّ المسجد ضاقَ بأهله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟». فاشتريتُها من صُلْبِ مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلّي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهمّ نعم. قال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أنّي جهَّزْتُ جيش العُسْرَةِ من مالي؟ قالوا: اللهمّ نعم. ثمّ قال: أنشدكم بالله والإسلام، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على ثَبِيْرِ مكة، ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرّك الجبل حتى تساقَطَتْ حجارته بالحضيض، قال: فركَضَه برِجْلِه وقال: «اسكُنْ ثَبِيْر! فإنّما عليك نبيٌّ وصِدِّيقٌ وشهيدان؟». قالوا: اللهم نعم. قال: الله أكبر، شَهِدُوا لي وربّ الكعبةِ أنّي شهيدٌ -ثلاثا».

المشهورُ المجزومُ

والمشهورُ المجزومُ به أنّ عثمان - رضي الله عنه - اشتراها ووَقَفَها، فقد كانت قبل ذلك بئرًا قائمةً، وتعبيرُ بعضِ الرواةِ بأنّ عثمان قد حفرَهَا، محمولٌ على أنّ ذلك كان توسعةً وتحسينًا وتجويداً لها، قال الحافظ: «روى البغوي في «الصحابة» من طريق بِشْر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها «رُوْمَةُ»، وكان يبيع منها القِرْبَةَ بِمُدٍّ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تبيعُنِيها بعَيْنٍ في الجنّةِ؟». فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرُها. فبلغ ذلك عثمان - رضي الله عنه- ، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثمّ أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتجعل لي فيها ما جعلتَ له؟ قال: «نعم». قال: قد جعلتُها للمسلمين. وإنْ كانت أوّلًا عَيْنًا، فلا مانع أنْ يحفر فيها عثمان بئرًا، ولعلّ العَيْنَ كانت تجري إلى بئرٍ، فوسّعها وطَوَاها فنُسِبَ حفرها إليه».


وقد وردت عند الترمذي وغيره روايةٌ صحيحةٌ تُفيدُ الوجه الذي وَقَفَ عليه عثمانُ - رضي الله عنه -، ففيها قولُه عن بئر رُوْمَة: «فجعلتُهَا للغنيِّ والفقيرِ وابنِ السّبيل»، فهذا الحديثُ بمختلف رواياته، يتّضح لنا منه ثلاثُ مناسباتٍ عظيمةٍ بذلَ فيها عثمانُ - رضي الله عنه - مالَه في سبيلِ الله، منها اثنتان في باب الوقف، وهما بئر رُوْمَة، والبقعة التي زادها في المسجد، والثالثة كانت إنفاقاً مباشراً على الجهادِ في سبيل الله تعالى، بتجهيزِه جيشَ العُسْرَةِ، وأمّا عن قيمةِ ما بذلَه ثمنًا لبِئْرِ رُوْمَةَ، فاختلفت الروايات، فرُوي: ثلاثون ألف درهم، وعشرون ألف درهم، واثنا عشر ألف درهم، بل قيل: مائة ألف درهم!











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]