عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 10-02-2022, 06:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (69)

من صــ 225 الى صـ
ـ 232


وفيه من ذكر قصة هود وصالح وشعيب وغيرهم من الأنبياء، ما لم يذكر في التوراة، وفيه من ذكر أسماء الله الحسنى وصفاته ووصف ملائكته وأصنافهم وخلق الإنس والجن ما لم يفصل مثله في التوراة، وفيه من تقرير التوحيد بأنواع الأدلة ما لم يذكر مثله في التوراة، وفيه من ذكر أديان أهل الأرض ما لم يذكر مثله في التوراة، وفيه من مناظرة المخالفين وإقامة البراهين على أصول الدين ما لم يذكر مثله في التوراة، مع أنه لم ينزل كتاب من السماء أهدى من القرآن والتوراة.
وفي شريعة القرآن تحليل الطيبات وتحريم الخبائث، وشريعة التوراة فيها تحريم كثير من الطيبات عليهم، حرمت عليهم عقوبة لهم، وفي شريعة القرآن من قبول الدية في الدماء ما لم يشرع في التوراة، وفيها من وضع الآصار والأغلال التي في التوراة ما يظهر به أن نعمة الله على أهل القرآن أكمل.

وأما الإنجيل؛ فليس فيه شريعة مستقلة، ولا فيه الكلام على التوحيد وخلق العالم وقصص الأنبياء وأممهم، بل أحالهم على التوراة في أكثر الأمر. ولكن أحل المسيح بعض ما حرم عليهم، وأمرهم
بالإحسان والعفو عن الظالم واحتمال الأذى، والزهد في الدنيا، وضرب الأمثال لذلك.
فعامة ما امتاز به الإنجيل عن التوراة بمكارم الأخلاق المستحسنة، والزهد المستحب، وتحليل بعض المحرمات وهذا كله في القرآن، وهو في القرآن أكمل، فليس في التوراة والإنجيل والنبوات ما هو من العلوم النافعة والأعمال الصالحة إلا وهو في القرآن أو ما هو أفضل منه. وفي القرآن من العلوم النافعة والأعمال الصالحة من الهدى ودين الحق ما ليس في الكتابين. لكن النصارى لم يتبعوا لا التوراة ولا الإنجيل، بل أحدثوا شريعة لم يبعث بها نبي من الأنبياء، كما وضعوا لقسطنطين (الأمانة) ووضعوا له أربعين كتابا فيها القوانين، فيها بعض ما جاءت به الأنبياء، وفيها شيء كثير مخالف لشرع الأنبياء وصاروا إلى كثير من دين المشركين الذين عبدوا مع الله آلهة أخرى، وكذبوا رسله فصار في دينهم من الشرك وتغيير دين الرسل ما غيروا به شريعة الإنجيل؛ ولهذا التبست عند عامتهم شريعة الإنجيل بغيرها، فلا يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره ولا ما شرعه مما أحدث بعده.
فالمسيح لم يأمرهم بتصوير الصور وتعظيمها، ولا دعاء من صورت تلك التماثيل على صورته، ولا أمر بهذا أحد من الأنبياء.
لا يوجد قط عن نبي أنه أمر بدعاء الملائكة والاستشفاع بهم، ولا بدعاء الموتى من الأنبياء والصالحين والاستشفاع بهم، فضلا عن دعاء تماثيلهم والاستشفاع بها، فإن هذا من أصول الشرك الذي نبهت عليه الرسل، وهذا كان أصل الشرك في بني آدم من عهد نوح - عليه السلام -.
قال الله - تعالى - عن قوم نوح:
{لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا} [نوح: 23].

قال كثير من العلماء، منهم ابن عباس وغيره: وهؤلاء كانوا قوما
صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم عبدوهم وقد ذكر ذلك المسيح وعلماء النصارى.
والمسيح - عليه السلام - لم يأمرهم بعبادته ولا قال: إنه الله، ولا بما ابتدعوه من التثليث والاتحاد. والمسيح لم يأمرهم باستحلال كل ما حرمه الله في التوراة من الخبائث؛ كالخنزير وغيره، فاستحلوا الخبائث المحرمة وغيروا شريعة التوراة والإنجيل. والمسيح لم يأمرهم بأن يصلوا إلى المشرق ولم يأمرهم أن يعظموا الصليب، ولم
يأمرهم بترك الختان ولا بالرهبانية ولا بسائر ما ابتدعوه بعده.
ولهذا لما ظهر فساد دين النصارى، صار بعض الناس، كأبي عبد الله الرازي يقول: " لم يظهر الانتفاع بدين المسيح، إلا في طائفة قليلة كانوا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن الدين الذي كان عليه جمهور النصارى، ليس هو دين المسيح.
وتبين هذا:
بالوجه الثالث: وهو أن يقال: هب إن شريعة الكتاب كانت كافية، فإنما ذاك إذا كانت محفوظة معمولا بها، ولم يكن الأمر كذلك، بل كانت قد درس كثير من معالمها.
وقد اختلف أهل الكتاب في المسيح وغيره اختلافا عظيما كما قال تعالى:

{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} [المائدة: 14].
وقد قال - تعالى -: {كان الناس أمة واحدة} [البقرة: 213].
أي فاختلفوا.

{فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه} [البقرة: 213].
والوقت الذي بعث الله فيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قد بقي أحد مظهرا لما بعث الله به الرسل قبله.
فبعثه على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، أحوج ما كان الناس إلى رسول، كما في صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب" ".
وكان الناس حين مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - إما أميين، لا كتاب لهم، يشركون بالرحمن، ويعبدون الأوثان، وإما أهل كتاب قد بدلوا معانيه وأحكامه وحرفوا حلاله وحرامه ولبسوا حقه بباطله، كما هو الموجود. فلو أراد الرجل أن يميز له أهل الكتاب ما جاءت به الأنبياء مما هم عليه مما أحدثوه بعدهم، لم يعرف جمهورهم ذلك، بل قد صار الجميع عندهم دينا واحدا.
فبعث الله - تبارك وتعالى - محمدا بالكتاب الذي أنزله عليه مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا، فميز به الحق من الباطل والهدى من الضلال والغي من الرشاد. قال - تعالى -:{ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين - يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم - لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} [المائدة: 15 - 17].
إلى قوله.
{ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير} [المائدة: 19].
الوجه الرابع: إن شريعة التوراة تغلب عليها الشدة، وشريعة الإنجيل يغلب عليها اللين، وشريعة القرآن معتدلة جامعة بين هذا وهذا، كما قال - تعالى -: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143].
وقال في وصف أمته:
{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].
وقال - أيضا -:
{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54].
فوصفهم بالرحمة للمؤمنين، والذلة لهم، والشدة على الكفار والعزة عليهم.
وكذلك كان صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيهم، أكمل النبيين وأفضل الرسل؛ بحيث قال: " "أنا محمد وأنا أحمد، وأنا نبي الرحمة، وأنا نبي الملحمة، وأنا نبي التوبة، وأنا الضحوك القتال" ".

فوصف نفسه بأنه نبي الرحمة والتوبة، وأنه نبي الملحمة، وأنه الضحوك القتال، وهذا أكمل ممن نعت بالشدة والبأس غالبا، أو باللين غالبا، وقد قيل بسبب ذلك: أن بني إسرائيل كانت نفوسهم قد ذلت لقهر فرعون لهم واستعباد فرعون لهم، فشرعت لهم الشدة لتقوى أنفسهم ويزول عنهم ذلك الذل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]