عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-02-2022, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زكاة الأراضي وقضاياها المعاصرة

زكاة الأراضي وقضاياها المعاصرة

عبد الله بن عمر السحيباني

الضابط الأول: تحديد مدة البوار أو الكساد بعامين.



قال سحنون من فقهاء المالكية: إن بار عامين بطل فيه حكم الإدارة [149].

ووجه ذلك: أن العام الواحد مدة للتنمية والتحريك فإذا اتصل بذلك عام آخر ثبت بواره وحكم ببطلان حكم التجارة فيه [150].

الضابط الثاني: الرجوع إلى العادة أو العرف في تحديد مدة البوار والكساد.

وقد ذكر ذلك ابن الماجشون من علماء المالكية [151].

وهذا القول هو المتجه وهو الذي تدل عليه أدلة الشريعة فإن عرف الناس هو المرجع في كل ما لم يأت الشرع بتحديده وذلك في مسائل كثيرة في الشريعة.

لكن لا بد أن يكون تقدير ذلك راجع إلى أهل المعرفة والاختصاص فلكل سلعة ما يناسبها من الوقت لترويجها وبيعها والحكم بكسادها وبوارها لذا يتعين أن يكون المرجع في كساد الأراضي إلى عرف العقاريين.

أما التحديد بعامين فهو وإن كان مقبولاً في بعض السلع للعلة المذكورة إلا أنه قد لا يكون مقبولاً في سلع أخرى كالأراضي لذا كان تحديد ذلك بالعرف هو المتعين.

وعلى هذا فالأراضي الكاسدة: هي تلك التي بقيت مدة طويلة - في تقدير أهل الاختصاص - لا يرغب بشرائها إلا بقيم زهيدة لا تساوي قيمتها الحقيقية.

والناظر في كتب أكثر العلماء المتقدمين من الفقهاء وغيرهم لا يجد لهذه المسألة ذكراً؛ لأن الحكم للكساد في العروض التجارية عند أكثر الفقهاء لا يختلف عن غيره فالزكاة واجبة في عروض التجارة مطلقاً سواء ربحت أم خسرت.

وإنما تطرق لهذه المسألة فقهاء المالكية فقط وفي مذهبهم رأيان متقابلان وقد وقف المعاصرون من الفقهاء إزاء هذا الخلاف المالكي في كتاباتهم وفتاواهم موقفين هما قولان في هذه المسألة وهذا عرض لهما:

القول الأول:

أن الكساد في السلع ينقلها من حكم الإدارة إلى حكم الاحتكار التربص فلا تجب فيها الزكاة إلا مرة واحدة بعد بيعها وذهب إلى هذا القول من فقهاء المالكية ابن الماجشون وتبعه عليه سحنون وهو خلاف المشهور عن مالك [152].

وعلى هذا القول فالأراضي الكاسدة عند تجار العقار لا تجب فيها الزكاة إلا بعد بيعها، تزكى زكاة عام واحد وهذا القول اختاره ومال إليه جماعة من الفقهاء المعاصرين منهم الشيخ مصطفى الزرقاء [153] والشيخ يوسف القرضاوي [154] وغيرهم.

أدلة هذا القول:

أولاً:

أن العروض ليست من جنس ما تجب فيه الزكاة، وإنما تجب الزكاة في قيمته مع تعبيره بالتجارة فإذا بقي ولم ينتقل بالتجارة رجع إلى حكم الادخار الذي هو أصله [155].

ومعنى هذا الاستدلال:

قياس حالة الكساد في الأراضي وغيرها من السلع على تحويل النيّة من التجارة إلى الاقتناء والادخار وقد نصَّ الفقهاء على أن التاجر إذا أفرزَ بعض أموالِه ليأخذَه إلى بيته لاستعمال فيه فإن زكاته تتوقَّف منذ ذلك وحالة التربُّص - خلال مدّة التربُّص - تُشبهُ هذه ما دام المُتربِّص لا يُريد بيع المال المتربَّص فيه بل تركه بمعزِل عن التداول إلى أجل غير محدَّد [156].

وهذا الاستدلال يمكن أن يجاب عنه بما ذكره بعض المالكية:

فقد ذكروا: أن العروض من الأراضي وغيرها مدة الكساد مال قد ثبت له حكم الإدارة بالنيّة والعمل فلا يخرج عنها إلا بالنيّة أو بالنيّة والعمل وليس بوار العرض من نيّة الادخار ولا من عمله ; لأنه كل يوم يعرضه للبيع ولا ينتظر به سوق نفاق [157].

ومعنى هذا:

أن التاجر مدة الانتظار لم يغيّر نيّته التجارية في هذه الأراضي بل هي مرصدة للبيع لكنه لا يريد البيع إلا بالسعر المناسب له فلو وجد سعراً مناسباً فإنه سيبيع في أقرب فرصة، وهذا يدل على أنه قد أرصده للبيع وأعده له.

على أن انتظار السوق والتربص بالسلع واحتكارها ليس مسقطاً للزكاة في العروض من الأراضي وغيرها إلا على قول عند المالكية، وسيأتي بيان ضعفه وأنه مخالف لدلالة النصوص العامة كما أنه مخالف لدلالة العقل والمصلحة [158].

بل ذكر بعض فقهاء المالكية فرقاً بين الاحتكار والبوار قال الخرشي: " والفرق بين الاحتكار والبوار، وإن كان في كل منهما انتظار السوق هو أن المنتظر في الاحتكار الربح الذي له بال، وفي البوار ربح ما أو بيع بلا خسارة" [159].

ثانياً: أن المال في هذه الفترة خرج من نطاق التِّجارة التي تُنَمِّيه والزكاة إنما هي في المال النامِي فعلاً أو تقديرًا كالنقود والمال في هذه الحالة أصبح غير نام أو متوقِّف النماء كالديون غير المرجوة الوفاء [160].

ويمكن أن يجاب عن هذا بأمور:

1- أنه وإن كانت الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية فعلاً أو تقديراً فإن هذا لا يعني أنها لابد أن تنمو فعلاً وتربح فالتجارة كما هو معلوم معرضة للربح والخسارة فمادام أن للعروض قيمة سوقية حقيقية، ويمكن أن تباع وتشترى، فالزكاة واجبة فيها لأن الزكاة تجب في المال النامي وماله حكم النماء، سواء نمى بالفعل أم لا، وسواء ربح أم خسر.

2 أن قياس السلعة التجارية من الأراضي وغيرها في حالة الكساد على الديون غير المرجوة قياس بعيد إذ أن الفرق ظاهر بين المقيس والمقيس عليه فصاحب الأرض وغيرها من العروض وقت الكساد يستطيع البيع ويمكنه تحصيل المقابل لهذه السلعة أما في حال الدين غير المرجو فإنه لا يمكنه الوصول إلى ما بيد المدين فهو في الحقيقة غير تام الملك على أن مسألة زكاة الدين مسألة خلافية قد لا يسلّم الخصم بسقوط الزكاة فيه، فلا يستقيم القياس حينئذ حيث أن القياس لا يصح إلا على أصل متفق عليه.

ثالثاً: أن في هذا الرأي وضعًا للضَّرر البالغ عن التاجر المتربِّص ولا سيما في العقارات، حيث يكثر فيها المشترون المتربِّصون في عهد التضخم النقدي العام اليوم ثم تبقى عدة سنوات وهي لم تأت بقيمتها المرجوة ففي هذا القول عدلكما أن فيه تيسيراً على المكلَّف ودفعاً للإرهاق عنه [161].

ويمكن أن يجاب عن هذا:

بأن العدل في تتبع نصوص الشريعة وقد أوجب الشارع على أرباب الأموال الزكاة في عروض التجارة سواء ربحت أو خسرت وربما كانت الزكاة سبباً في حصول البركة للتاجر، وسبباً في زيادة الأرباح بل ذلك مؤكد بنص الشارع فقد قال - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله –-صلى الله عليه وسلم- قال: (( ما نقصت صدقة من مال)) [162].

قال أهل العلم في معنى الحديث أي: ما نقصت الصدقة شيئاً من مال في الدنيا بالبركة فيه ودفع المفسدات عنه والإخلاف عليه بما هو أجدى وأنفع وأكثر وأطيب ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) سـبأ: من الآية39 أو في الآخرة بإجزال الأجر وتضعيفه أو فيهما وذلك جابر لأصناف ذلك النقص" [163].

أما التيسير ورفع الحرج والضرر فهذا باب واسع لا ينبغي التساهل فيه خاصة في واجبات الدين وأركانه الثابتة ما لم يوجد ما يدل على هذا التيسير من دلالات النصوص الخاصة أو المصالح المتيقنة.

ثم إن التاجر يمكنه أن يتفادى الضرر بتقليب تجارته وتحريكها وعدم احتكارها وفي هذا مصلحة له قد تفوق مصلحة انتظار السعر الذي يريده منها فقط كما أن فيه مصلحة للمستهلكين ووضعاً للضر عن عموم الناس الذين يتمكنون من شراء العقار بأسعار مناسبة دون غلاء فاحش.

وبهذا يعلم أن هذا الاستدلال قد راعى جانب الأغنياء المزكين فقط وترك جانب الفقراء الذين لهم حق في الزكاة كما أنه ترك جانب مصلحة العموم من أصحاب الحاجات إلى شراء العقار ومصلحة اقتصاد الناس في تحريك هذه الأراضي وعدم ركودها أو بقائها السنوات الطويلة بيضاء دون استفادة منها.

القول الثاني: أن الكساد أو البوار في السلع التجارية لا يغير من حكمها شيئاً ولا ينقلها عن حكم التجارة بل تجب فيها الزكاة كل حول سواء ربحت أو خسرت، وهذا القول هو المشهور عند فقهاء المالكية [164] وقالوا: " لا ينقلها بورانها إلى حكم القنيّة ولا إلى حكم الاحتكار، بل تبقى على إدارتها" [165].

وهذا القول هو مقتضى مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة [166].

وذهب إليه جماعة من المعاصرين منهم الشيخ ابن باز [167] وابن عثيمين [168] وغيرهما.

أدلة هذا القول:

أولاً: عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة ما دامت معدة للبيع ومن ذلك حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - المتقدم: " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع" [169] فهذا الحديث وشواهده الكثيرة الدالة على وجوب زكاة العروض قد أوجبت الزكاة على أرباب الأموال التجارية من غير تفريق بين من ربح أو خسر في تجارته ومن غير تفريق بين زمن الرخص والغلاء في السلع [170].

ثانياً: أن الحكم بوجوب الزكاة في الأموال التجارية قد ثبت عند أكثر الفقهاء - بشرطين هما النيّة والعمل فلا يمكن أن يسقط هذا الوجوب إلا بتخلف النيّة والعمل أو تخلف النيّة والتاجر الذي خسر في تجارته أو كسدت لم يغيّر نيّة الرغبة في البيع إلى شيء آخر كالاقتناء أو الاستغلال أو نحو ذلك. وفي عرض هذا الدليل قال الباجي: " ووجه قول مالك: أن هذا مال قد ثبت له حكم الإدارة بالنيّة والعمل، فلا يخرج عنها إلا بالنيّة، أو بالنيّة والعمل، وليس بوار العرض من نيّة الادخار ولا من عمله ; لأنه كل يوم يعرضه للبيع ولا ينتظر به سوق نفاق" [171].

ويقول الدسوقي: " الحكم للنيّة لأنه لو وجد مشترياً لباع" [172].

ثالثاً: قياس كساد العروض على كساد النقود فإن الزكاة واجبة في النقد سواء غلا أو رخص ما دام له قيمة وكذلك الحكم في العروض من الأراضي وغيرها فإنها تجب فيها الزكاة بحسب قيمتها كل حول غلاء ورخصاً.

رابعاً: أن في هذا القول مراعاة لمقاصد الشريعة والمصالح العامة ولعل من المناسب أن أذكر طرفاً من تلك المصالح على سبيل الإيجاز [173]:

1 مراعاة مصلحة الفقراء وحظهم في الزكاة وقد ذكر الفقهاء عند ترجيحهم في مسائل الخلاف التي تدور حول سقوط الزكاة أن من أسباب رجحان بعض الأقوال أن فيها مراعاة الأحظ للفقراء وكذلك ذكر بعض الفقهاء هنا أن في إيجاب الزكاة زمن الكساد احتياطاً للزكاة [174].

2 مصلحة عامة الناس وذلك أن التاجر عندما يعلم بوجوب الزكاة عليه في هذه الأرض فإنه سيفكر بالبيع ولو بالرخص ولو تأملنا واقع الغلاء في الأراضي لوجدنا أن من أبرز أسبابه احتكار التاجر للأراضي الخام، وتربصه غلاء الأسعار لمدة سنوات غالباً، وإدراك التاجر أن الزكاة واجبة في هذه الأراضي الكاسدة، يحفزه نحو البيع، وبهذا ينتفع الناس برخص الأراضي.

3 - مراعاة مصلحة التاجر، وذلك بتشغيله المال في استثمارات أخرى أكثر نفعاً من هذه العروض الكاسدة وفي ذلك تحفيز له على تحسين وضع تجارته، وتنشيط لها ومن هنا ندرك السر في إيجاب الشارع الحكيم الزكاة في مال اليتيم؛ لما له من أثر في تحريك ماله، وتنشيط تجارته.

4 - مراعاة الجوانب الاقتصادية في البلاد وتنشيط التجارة فيها بتحريك سوق الأراضي بتداولها وبيعها ووضع الاستثمارات والعمران فيها بدلاً من بقائها بيضاء السنوات الطويلة.

الراجح في المسألة:

بعد عرض هذين القولين يتبين بجلاء رجحان القول بعدم اعتبار الكساد أو البوار مسقطاً لوجوب الزكاة في العروض التجارية ومنها الأراضي وذلك لأن القول باعتبار الكساد مسقطاً للزكاة قول لم يستند إلى أدلة معتبرة لا شرعية ولا عقلية بل غاية ما فيه مراعاة حال التاجر أو الغني المزكي ومن بعض الجهات الظاهرة فقط وهذا معارض بمصالح كثيرة للمزكي والفقير وعموم الناس وقد سبق ذكر طرف منها في الاستدلال.

المطلب الثاني: سقوط الزكاة في حال تعثر المساهمات العقارية.

أصبحت المساهمات العقارية المتعثرة مجالاً للحديث والجدل الواسع بين كثير من المستثمرين والمساهمين، جدلاً في واقع ومسببات هذا التعثر، وجدلاً في طرق الحل والعلاج الممكنة، وجدلاً أحياناً حول الواجب في زكاة تلك المساهمات العقارية.

ولعلي هنا أن أعالج ما يخص هذا البحث وهو قضية الزكاة في تلك المساهمات العقارية المتعثرة وأضرب صفحاً عن المسببات وعلاجها مكتفياً بإحالة القارئ إلى بعض الكتابات المفيدة في هذا الخصوص [175].

وقبل الدخول في صلب المسألة لابد من تعريف المساهمات العقارية المتعثرة وذلك بوضع ضابط فقهي يضبط به مفهوم التعثر في تلك المساهمات العقارية، والمدة التي يحكم فيها بالتعثر لهذا العقار.

أما الضابط الفقهي لمفهوم التعثر ففي نظري أن الأولى أن يرجع فيه إلى أهل الاختصاص من العقاريين الاقتصاديين وقد ذكر بعضهم أن التعثر: " هو كل توقف في مساهمة عقارية بسبب لا يعرف متى يزول" [176].

أما ما هي فترة التعثر؟ وهل يقال بوضع مدة محددة يضبط من خلالها الحكم بالتعثر أو التوقف؟

فالحقيقة أنه لا يمكن ضبط المساهمات العقارية المتعثرة بفترة زمنيّة محددة؛ إلا إذا وجد في نظام الدولة ما ينص على مثل هذا فيلزم الرجوع إليه أما إذا لم يوجد في النظام ما يبين هذا، فإن الذي يتعين هو المصير إلى العرف - خاصة عرف العقاريين - في تحديد مدة التعثر في تلك الشركات التي لم يحدد نظام الدولة مدة للحكم بتعثرها؛ وإنما يلجئ إلى العرف في ذلك؛ لاعتبار الشارع العرف حداً في كل ما لم ينص الشرع على حده.

والناظر في أحوال التعثر في الشركات العقارية يجدها تختلف باختلاف سبب التعثر، فقد يكون سبب التعثر راجعاً إلى إدارة الشركة وقد يكون السبب طرفاً خارجياً كالدوائر الحكومية ذات العلاقة كما يختلف الحال في الشركات العقارية المتعثرة بحسب وقت التعثر أحياناً فالتعثر قد يكون قبل شراء العقار، وقد يكون بعد شرائه ولكل حالة من هذه الحالة مشكلاتها وملابساتها المؤثرة في أحكامها.

وإذا كان الحال كذلك فإن حكم زكاة تلك المساهمات العقارية يختلف تبعاً لاختلاف الحالة التي نتج عنها التعثر وحال المال في تلك المساهمة ويمكن تفصيل حالات التعثر كما يلي:

الحالة الأولى: تعثر المساهمة العقارية بسبب النصب والاحتيال من إدارة الشركة:

يحدث في بعض المجتمعات بين وقت وآخر أن توجد شركات عقارية تسعى لأكل أموال الناس عن طريق الاحتيال عليهم بطرق كثيرة تلك المساهمات العقارية التي اكتوى بنارها بعض أبناء المجتمع حيث أودعوا فيها أموالاً طائلة بل قد يكون بعضهم اقترض لأجل الدخول في تلك المساهمات المغرية ولا يستفيق كثير من الناس إلا بعد فترة، عندها يدرك أن ماله قد ذهب أدراج الرياح وأنه صار في حكم المفقود.

والمهم هنا هل تجب الزكاة في أموال المساهمين في مثل هذه الشركات العقارية؟

الحقيقة أن هذه المسألة تشبه كثيراً مسألة زكاة المال المغصوب أو المسروق أو ما يسميه الفقهاء بالمال الضمار [177] خاصة بعد التيقن من وجود النصب والاحتيال ممن أخذ المال وفتح باب المساهمة ولذا فهي تخرج عليها وتأخذ حكمها.

وقد اختلف العلماء في وجوب الزكاة في المال المغصوب أو المسروق [178] لكن الصحيح الراجح - إن شاء الله أن الزكاة لا تجب في مثل هذا المال حتى يقبضه صاحبه ويستقبل به حولاً جديداً.

قال ابن حزم: " من تلف ماله، أو غُصبه أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه فيه، أي نوع كان من أنواع المال، فإن رجع إليه يوماً ما استأنف به حولاً من حينئذ، ولا زكاة عليه لما خلا"...إلى أن قال: " فكان تكليف أداء الزكاة عنه من الحرج الذي قد أسقطه الله - تعالى- إذ يقول: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج: من الآية78 [179].

وعلى هذا فمن كان داخلاً في مساهمة عقارية قد اتضح أنه قد غُش فيها وأنه وقع ضحية النصب والاحتيال ولا يدري هل يرجع إليه شيء من ماله أو لا فلا زكاة عليه في هذه الحالة بل إذا قبض ماله ورجع إليه كله أو بعضه استقبل به حولاً جديداً كما سبق.

الحالة الثانيّة: تعثر المساهمة العقارية بسبب الأنظمة الحكومية:

قد يكون السبب في تعثر بعض المساهمات العقارية وتأخرها عوائق في أنظمة الدولة وهذه الأنظمة إما أن تكون قديمة معروفة لكن إدارة الشركة المساهمة لم تدرك كل تلك الأنظمة أو تجاوزتها وإما أن تكون أنظمة جديدة استحدثت أو طرأت على تلك المساهمة في وقت تنفيذها وقد يحصل ذلك أحياناً بسبب وجود خصومات أو استحقاقات على ذلك العقار وأياً كان الحال فإن المساهمة العقارية تتوقف وتتعثر لهذا السبب سنوات قد تزيد على الخمس في بعض الحالات فهل تجب زكاة على تلك العقارات في مثل هذه الحالة أو أن حول الزكاة ينقطع بسبب ذلك التعثر؟

الظاهر - والله أعلم- أن حول الزكاة ينقطع بهذا التعثر؛ وذلك لأن هذه العروض لم تعد تجارية بل هي أشبه حينئذ بعروض القنيّة والادخار ومن المقرر عند أكثر الفقهاء سقوط الزكاة عن من نوى التجارة في العروض ثم تغيرت نيته إلى الاقتناء وأنه لا يجب عليه في هذا المال شيء [180].

والواقع أن هذه الأراضي المجمدة من قبل الجهات الحكومية وإن لم تتغير فيها نيّة المالك إلا أنه لا يستطيع المتاجرة بها فالنيّة قد فقدت فيها رغماً عنه والنيّة غير الممكنة لا تفيد شيئاً.

وكما يمكن قياس هذه الحالات على انقطاع حول الزكاة بتحول النيّة وتغيرها فيمكن - أيضاً وهو أقوى في نظري - قياسها على انقطاع الحول بسبب عدم القدرة على المتاجرة بالمال بسبب أن يحول أحد بينه وبين ماله كغصب مال التجارة أو سرقته - كما سبق في الحالة الأولى -.

ولا شك أن هذه المساهمات المتعثرة من قبل الدولة قد حيل بينها وبين أصحابها بحيث لا يستطيع المالك ولا وكيله من التصرف في هذا المال ببيع ولا غيره.

الحالة الثالثة: تعثر المساهمة العقارية بسبب مماطلة إدارة الشركة.

قد يكون تعثر بعض المساهمات العقارية ناتجاً عن سوء إدارة الشركة أو خسارتها بحيث لا يستطيع المساهم الحصول على شيء من ماله من إدارة الشركة وإن كان يستطيع بيع نصيبه منها أحياناً وفي نظري أن هذه الحالة يختلف فيها حكم الزكاة بحسب إمكانيّة القدرة على تحصيل قيمة هذه المساهمة ببيع أسهمه منها أولا.

فإن كان يستطيع المساهم البيع يعني بيع حصته من المساهمة ولو بخسارة فيجب عليه في مثل هذه الحالة الزكاة كل حول بعد معرفة القيمة السوقية لأسهمه في هذه الشركة ذلك أن هذا التعثر أشبه ما يكون بالكساد أو الخسارة فيخرج على حالة الكساد في السلعة وقد سبق بيان أن الراجح وجوب الزكاة فيها كل سنة [181].

أما إن كان لا يستطيع البيع لأسهمه ولا يستطيع الحصول على النقد من إدارة الشركة بسبب المماطلة فالظاهر في مثل هذه الحالة تخريجها على مماطلة المدين لدائنه.

ووجه ذلك: أن كلاً من الشركة العقارية الماطلة والمدين المماطل قد حبس المال عنده بحيث أن ربه لا يستطيع التصرف فيه ولا تنميته.

وفي حكم الزكاة للدين عند المدين المماطل خلاف بين أهل العلم [182] والراجح فيه أن الدين عند المماطل لا تجب فيه الزكاة إلا إذا قبضه صاحبه زكاه لعام واحد فقط.

وعليه فمن كانت عنده مساهمة من هذا النوع ولم يستطع بيعها ولا الحصول على قيمتها من الشركة عليه أن يزكي قيمة ذلك المال إذا قبضه لعام واحد فقط.

وبذلك يعلم أنه لا نستطيع أن نحكم بانقطاع حول الزكاة للمساهمة المتعثرة إذا كان سبب تعثرها من إدارة الشركة - بسوء التصرف أو المماطلة - إلا بعد التأكد من عدم القدرة على الحصول على قيمة لهذه الأسهم من غير إدارة الشركة أي عدم القدرة على بيعها في السوق.

الخاتمة

الحمد الله الذي يسر وأنعم أحمده - سبحانه - فهو أهل الحمد ومستحقه وما بكم من نعمة فمن الله منّ - سبحانه - بتمام هذا الجهد الذي أرجوه جل في علاه أن يجعله مباركاً نافعاً لعباده مقرباً إليه في جنته وصلى الله وسلم وبارك على معلم البشرية الخير، وأنفع الناس للناس صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد:

فهذه خاتمة البحث وهي كالخلاصة له أقف مع القارئ فيها على أهم النتائج وأبرزها على وجه الإجمال:

أولاً: أن وجوب الزكاة في الأراضي مرتبط ارتباطاً كاملاً بنيّة المالك لها ولذا فإن حكم الزكاة يختلف في الأراضي المملوكة بحسب النيّة في ملكيتها فقد تكون النية تجارية فحينئذ تجب الزكاة وقد تكون النية للانتفاع بالسكن ونحوه فلا تجب وكذلك لو كانت النية للاستغلال بالإجارة أو الزراعة ونحوها.

ثانياً: أن من أكثر مسائل زكاة الأراضي إشكالاً مسألة النيّة ومعناها وقد تبين أن معنى النية التجارية في الأرض هو تحري البيع لقصد الربح لا مجرد قصد البيع للتخلص من الأرض لعدم الرغبة فيها وأن التردد أو عدم الجزم بالنية أو جمع نية غير التجارة معها كل ذلك يسقط حكم النية ومن ثم يسقط الزكاة في الأرض كما تبين أنه لا تأثير لتأجيل نية البيع ما دامت الأرض مرصدة للتجارة والمقصود منها نماء المال كما تبين أنه لا يشترط في نية التجارة للبيع الإعلان عنها بأي وسيلة إعلانية.

ثالثاً: أن تغيير النية المقصودة من شراء الأرض بجعلها للتجارة بعد أن كانت للانتفاع أو العكس يغير حكم الزكاة فيها تبعاً للنية المتأخرة لكن ذلك لا يجوز إذا كان المقصود منه الفرار من الزكاة والتحايل لإسقاطها كما أنه لا يسقطها على الصحيح.

رابعاً: أن اشتراط الشراء للأرض مع مصاحبة نية التجارة قد ذكره أكثر أصحاب المذاهب إلا أنه شرط لا دليل عليه والأصل عدم الشرط فتجب الزكاة في الأرض بمجرد جعلها للتجارة من غير نظر إلى طريقة التملك أو كون النية مصاحبة له في أول الأمر.

خامساً: أن الكساد أو الخسارة الكبيرة في الأراضي لا يخرجها عن حكم الزكاة وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم من السلف والخلف.

سادساً: أن حكم الزكاة في الشركات العقارية المتعثرة يختلف بحسب واقع الشركة المتعثرة فتجب الزكاة في بعض حالات التعثر وهي الحالات المشبهة لحالات الكساد ولا تجب في بعض الحالات التي يكون المال فيها أشبه بالمفقود.

سابعاً: أن القدر الواجب في زكاة الأرض هو ربع عشر قيمتها وقت إخراج الزكاة نهاية الحول فيخرج الزكاة نقوداً ويجوز أن يخرجها أراضي إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أو ضرر بأهل الزكاة والزكاة في الأراضي واجبة كل حول سواء كانت معروضة للتجارة كل وقت أو محتكرة ينتظر فيها المالك ربحاً في المستقبل وهذا قول أكثر أهل العلم لكن من لم يتمكن من إخراج الزكاة لعدم توفر النقد وعدم إمكانية البيع - كما يحصل لبعض الشركات العقارية - فإنه يجوز تأخير الزكاة إلى وقت الإمكان وتقدر قيمتها كل سنة على حدة.

وفي الختام فإني أرى أن موضوع زكاة الأراضي من الموضوعات المشكلة التي يحتاج في طرحها إلى رؤية فاحصة وتقدير صحيح للواقع مما يوجب على المجامع الفقهية والهيئات الشرعية ولجان الفتوى دراسة مشكلاتها وبيان أصول الحكم فيها حتى تخرج فيها قرارات شبه إجماعية يعتمد عليها الناس في تجارتهم العقارية.

هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ

[1] عندما شرعت في الكتابة حول هذا الموضوع لم أطلع على أي بحث أو رسالة تحمل هذا العنوان سوى رسالة بعنوان فتوى جامعة في زكاة العقار، للشيخ د / بكر أبو زيد، وهي كما سميت فتوى وليست بحثاً علمياً، وفي نهاية البحث علمت بالندوة التي تنظمها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل بعنوان" زكاة الأراضي والمساهمات العقارية المتعثرة" وقد اطلعت فيها على بحثين قيمين الأول بعنوان: " زكاة الأرض" للدكتور فهد المشعل، والثاني بعنوان: " زكاة المساهمات العقارية المتعثرة" للدكتور يوسف القاسم، وقد قرأت هذين البحثين وأفدت منهما، وأحسب أن هذا البحث قد أضاف بعض المباحث والقضايا المستجدة التي لم أجدها في غيره.

[2] المبسوط 2/199، بدائع الصنائع 2/12.

[3] الفواكه الدواني 1/331، كفاية الطالب 1/614، الثمر الداني شرح رسالة القيرواني 1/338.

[4] الأم 2/51، المهذب 1/141، المجموع 5/303، 311، 321.

[5] الفروع 2/514، كشاف القناع 2/169.

[6] أخرجه البخاري بهذا اللفظ في الزكاة باب ليس على المسلم في فرسه صدقة 2/532 رقم 1394، ومسلم في الزكاة باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه 2/675رقم 982.

[7] التمهيد لابن عبد البر 17/126.

[8] شرح النووي 7/55.

[9] أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة؟ 2/95 رقم 1562، والطبراني في الكبير 7/253 رقم 7029، والدارقطني في كتاب الزكاة باب زكاة مال التجارة وسقوطها عن الخيل والرقيق 2/127، 128، رقم 2027 والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الزكاة باب زكاة التجارة 4/146رقم 7388، وابن حزم في المحلى 5/234، وابن عبد البر في التمهيد 17/130، كلهم من طريق جعفر بن سعد عن خبيب بن سليمان عن أبيه، وفيه زيادة عند الدار قطني في أوله، ومدار الحديث على جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، وهذا إسناد ضعيف لما يلي:

1 ـ فيه جعفر بن سعد، ذكره بن حبان في الثقات، وقال ابن حزم: مجهول، وقال عبد الحق ـ في الأحكام ـ: ليس ممن يعتمد عليه، وقال ابن عبد البر: ليس بالقوي، وقال ابن القطان: ما من هؤلاء من يعرف حاله ـ يعني: جعفر، وشيخه، وشيخ شيخه ـ. قال الذهبي: وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، وهو إسناد يروى به جملة أحاديث قد ذكر البزار منها نحو المائة، ولذا قال ابن حجر في التقريب: ليس بالقوي.

ينظر: الأحكام الوسطى 2/171، بيان الوهم لابن القطان 5/139، ميزان الاعتدال 1/407، تهذيب التهذيب 2/80، التقريب: 941.

2 ـ خبيب بن سليمان، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حزم: مجهول، وقال عبد الحق: ليس بقوي، قال ابن حجر: وقرأت بخط الذهبي: لا يعرف، ولذا قال ابن حجر في التقريب: مجهول.

ينظر: تهذيب التهذيب 3/116، تقريب التهذيب: 1700.

3 ـ سليمان بن سمرة بن جندب: قال عنه ابن القطان: مجهول، ولذا قال ابن حجر في التقريب: مقبول.

ينظر: تهذيب التهذيب 4/173، تقريب التهذيب: 2569.

فهذا كلام أهل العلم بالرجال في رواة هذا الإسناد تفصيلاً، وبخصوص هذا الإسناد بعينه، فقد قال الحافظ الذهبي ـ كما في الميزان 1/408 ـ لما ساق جملة من الأحاديث التي رويت بهذا الإسناد: وبكل حال، هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم. ولذا قال الحافظ ابن حجر في"التلخيص" 2/179: في إسناده جهالة، وقال في البلوغ ص:: بإسناد لين، وقال الهيتمي في مجمع الزوائد: " وفي إسناده ضعف" 3/69. وقال الألباني في الإرواء 3/310: " ضعيف".

وبهذا يتبيّن أن أكثر أهل العلم بالحديث لا يثبت هذا الحديث، أما قول النووي: " وفي إسناده جماعة لا أعرف حالهم، ولكن لم يضعفه أبو داود، وقد قدمنا أن ما لم يضعفه فهو حسن عنده" المجموع 6/40، وكذا قول الشنقيطي: " وهذا الحديث سكت عليه أبو داود - رحمه الله - ومعلوم من عادته أنه لا يسكت إلا عن حديث صالح للاحتجاج عنده" أضواء البيان 2/137. فإنه اعتماد على إخراج أبي داوود للحديث وسكوته عنه، والاعتماد على سكوت أبي داوود غير مقبول عند جماعة من أهل العلم، لأنه ثبت أن أبا داوود يسكت أحياناً عما في الصحيحين وعن ما هو شديد الضعف.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]