تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ...)
قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو البصري، وكنيته أبو مسعود، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وقد ذكرت مراراً أن هذا من أنواع علوم الحديث، وأن فائدته ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بالكنية بدل النسبة، فإن الكل صواب، ولا تصحيف في ذلك؛ لأنه إسماعيل بن مسعود وإسماعيل أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا بشر وهو ابن المفضل].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (وهو ابن المفضل) هذه زادها النسائي، أو من دون النسائي، يعني: ما زادها إسماعيل بن مسعود ؛ لأن إسماعيل بن مسعود تلميذه، وهو يذكر شيخه كما يريد؛ ينسبه ويطول في نسبه، أو يقتصر في نسبه، وهو ذكره مختصراً؛ ذكر اسمه فقط، لكن من دونه النسائي أو من دون النسائي هو الذي أتى بهذه الزيادة، لكن لما أتى بها أتى بجملة تشعر بأنها ليست من التلميذ، بل هي ممن دون التلميذ، وهو ابن المفضل، فهذه قائلها من دون التلميذ، الذي قاله التلميذ بشر فقط، ومن دون التلميذ زاد هو ابن المفضل، وأتى بكلمة (وهو) حتى يعرف ذلك؛ لأنه لو أتى من دون التلميذ بقوله: بشر بن المفضل، فهم أن هذا الكلام من التلميذ، مع أن التلميذ ما قال إلا بشر فقط، فهم زادوها، ولم يأتوها بدون (هو)؛ حتى لا يضيفوا إلى التلميذ شيئاً ما قاله، واحتاجوا إلى أن يذكروها، فأتوا بشيء يميزها، وأن الكلام ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ، وهذا من دقة المحدثين في تلقيهم، وأدائهم، وتحريرهم، وتدوينهم، وأنهم يأتون بمثل هذه القيود التي تبين القائل، والتي يحصل بزيادتها الإيضاح، والبيان، مع السلامة من أن يقوَّل التلميذ ما لم يقله، أو يعبر عنه بعبارة ما عبر بها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
[حدثنا داود بن أبي هند].
ثقة أيضاً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الوليد بن عبد الرحمن].
هو الوليد بن عبد الرحمن الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن جبير بن نفير].
ثقة، مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو من المخضرمين، وقد مر سابقاً ذكر اثنين من المخضرمين؛ وهم: مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وسويد بن غفلة، والمعرور بن سويد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، والصنابحي هؤلاء مخضرمون، زاد عددهم على العشرين، وقد ذكرهم الإمام مسلم، ويقال لهم: المخضرمون؛ لأنهم أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلقوا النبي عليه الصلاة والسلام، وهم معدودون في كبار التابعين.
[عن أبي ذر].
هو أبو ذر الغفاري هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الرخصة للإمام في تخطي رقاب الناس
شرح حديث عقبة بن الحارث: (صليت مع النبي ثم انصرف يتخطى رقاب الناس سريعاً ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة للإمام في تخطي رقاب الناس.أخبرنا أحمد بن بكار الحراني حدثنا بشر بن السري عن عمرو بن سعيد بن أبي حسين النوفلي عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر بالمدينة، ثم انصرف يتخطى رقاب الناس سريعاً؛ حتى تعجب الناس لسرعته، فتبعه بعض أصحابه، فدخل على بعض أزواجه ثم خرج، فقال: إني ذكرت وأنا في العصر شيئاً من تبرٍ كان عندنا، فكرهت أن يبيت عندنا، فأمرت بقسمته)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تخطي الإمام رقاب الناس، يعني: عند الحاجة إلى ذلك، وذلك بأن يكون مثلاً سيذهب إلى مصلاه ولا يجد سبيلاً إليه إلا التخطي، أو اضطر إلى الخروج فإن له أن يتخطى رقاب الناس.
وقد أورد النسائي حديث عقبة بن الحارث النوفلي رضي الله تعالى عنه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، ولما انصرف من الصلاة قام مسرعاً يتخطى رقاب الناس حتى دخل منزله، ففزع الناس، يعني: هذا شيء غريب، خلاف العادة، فخشوا أن يكون حصل أمر مخيف، أو يخشى منه، أو أنه نزل شيء فيهم، ففزعوا، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام خرج وأخبرهم بالشيء الذي دفعه إلى ذلك، وقال: [إني تذكرت، وأنا في الصلاة تبراً كان عندنا -والتبر هو الذهب الذي لم يسبك- قال: فأمرت بقسمته]، يعني: بادر إلى الأمر بقسمته، أي: التوكيل بقسمته؛ حتى لا يبقى عنده، وهذا الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه إذا حصل شيء من ذلك في الصلاة، يعني: وجود بعض الهواجس، كونه جاء في باله هذا الأمر، ولا علاقة له بالصلاة، وليس مما يتعلق بالصلاة، فذلك لا يؤثر على الصلاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام حصل له هذا التفكير في الصلاة، وجاء على باله هذا الذهب الذي في البيت، ويريد ألا يتأخر، ويبقى دون أن يقسم، فبادر فيما ذكره وحتى لا ينساه، فبادر إلى منزله، وأمر بقسمته صلى الله عليه وسلم.
فالحديث دال على ما ترجم له المصنف من التخطي عند الحاجة، ودال أيضاً على أن مثل ذلك التفكير في الصلاة لا يؤثر، ودال على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من المبادرة إلى صرف ما يكون عنده في طرقه المشروعة، وفي سبيل الله عز وجل، فإن هذا الذي كان عنده أراد ألا يبقى وأن يبيت دون أن يقسم، وما دام على باله وعلى ذكره، أراد أن يأمر بقسمته، وأن يوكل بقسمته صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن الحارث: (صليت مع النبي ثم انصرف يتخطى رقاب الناس سريعاً ...)
قوله: [أخبرنا أحمد بن بكار الحراني].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر بن السري].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن سعيد بن أبي حسين النوفلي].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن أبي مليكة].
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن الحارث].
هو عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف.
يقال له: النوفلي نسبة إلى جده نوفل بن عبد مناف، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مسلمة الفتح، وحديثه أخرجه مسلم، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
إذا قيل لرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟
شرح حديث جابر بن عبد الله في قول الرجل: لا، إذا سئل: هل صليت؟
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا قيل للرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟أخبرنا إسماعيل بن مسعود ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا خالد وهو ابن الحارث عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله: (أن عمر بن الخطاب يوم الخندق بعدما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله! ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله ما صليتها، فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب إذا قيل للرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟ ومقصود النسائي من هذه الترجمة أن ذلك سائغ، وجاء عن بعض العلماء كراهيته، والبخاري نفسه أيضاً بوب بمثل هذا الباب، والمقصود من ذلك هو الإشارة إلى أن قول من قال: بأنه مكروه أنه ليس بصحيح، وأنه ليس على إطلاقه، والذي جاء عنه هو إبراهيم النخعي، وقيل: إن الذي كان كرهه إذا كان في انتظار الصلاة يقول: ما صلينا، معناه: تباطؤ أو استبطاء للصلاة؛ لأنه إذا كان ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فـالنسائي أراد أن يبين أن الكراهية مطلقاً ليست على بابها، وأنه يمكن للإنسان إذا سئل: هل صليت؟ أن يقول: لا، ما صليت، وأن مثل ذلك سائغ وجائز.
وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعدما غربت الشمس، وكان ذلك يوم الخندق، ويسب كفار قريش، ويقول: ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، قال: وأنا ما صليتها، ثم نزلوا إلى بطحان وتوضئوا، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم العصر، ثم صلى بهم المغرب بعد الغروب، وقد جاء في بعض الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، يعني في الخندق، وهذا يدل على أن الوسطى هي العصر، وقد اختلف فيها العلماء، لكن جاء فيها النص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديث قصة الخندق، وهو الحديث الذي شغل فيه عن صلاة العصر، ولم يصلها حتى غربت الشمس، أو بعد الغروب.
والحديث دال على ما ترجم له المصنف، وذلك من قوله: [ما صليتها]، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ما صليتها]، هذا هو محل الشاهد.
والحديث دال على الترتيب بين الصلوات، وأن الصلاة الفائتة تقدم على الصلاة الحاضرة، اللهم إلا أن يخشى خروج وقت الحاضرة، فإنه يؤتى بالصلاة الحاضرة إذا خشي وقتها، ولم يتسع بقية الوقت إلا للحاضرة، فإنه عند ذلك يؤتى بها؛ لأنه لو لم يأت بها خرج وقتها وصارت مقضية، وأما ما دام أن الأمر فيه سعة لأن يؤتى بالفائتة، ثم يؤتى بالحاضرة، فلابد من الترتيب، لكن إذا خشي فوات وقت الحاضرة، فإنه يترك الترتيب، ويؤتى بالصلاة الحاضرة؛ حتى لا تكون مقضية، فتكون مؤداة غير مقضية، وبعد ذلك يأتي بالفوائت التي فاتت، وإذا كان الوقت واسعاً فإنه يأتي بالصلوات المقضية الفائتة قبل الصلاة التي حضر وقتها، ما دام أن الوقت فيه سعة، وأنه يمكن أن يأتي بالأشياء الفائتة قبلها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس، وتوضئوا صلى بهم العصر، وهي التي قد فاتت وخرج وقتها، ثم صلى بهم المغرب التي وقتها حاضر.
تراجم رجال إسناد حديث جابر بن عبد الله في قول الرجل: لا، إذا سئل: هل صليت؟ قوله: [إسماعيل بن مسعود].قد مر ذكره قريباً.
و[محمد بن عبد الأعلى] هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد وهو ابن الحارث].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن الحارث) مثل ما مضى في ذكر ابن المفضل والذي زادها هو من دون التلميذ.
[عن هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ويحيى بن أبي كثير هذا هو صاحب الكلمة المأثورة المشهورة التي تدل على شأن طلب العلم، والعناية به، وحفظ الوقت، وعدم الإخلاد إلى الراحة، والتي أوردها الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إليه، وذلك في أثناء الكلام على أوقات الصلوات، عندما ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طرق كثيرة أتى بهذا الإسناد، ثم إلى يحيى بن أبي كثير قال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، معناه: أن من أراد أن يحصل شيئاً من العلم، فإنه لا يحصله بالراحة، والإخلاد إلى الراحة، وإنما يحصله بالتعب، والنصب، والمشقة، فلابد من النصب لمن يريد أن يحصل شيئاً، وهي كلمة عظيمة: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)؛ ما يحصل العلم براحة الجسم، من أراد أن يريح جسمه فلن يحصل علماً، ومن أراد أن يحصل العلم فهو الذي يتعب جسمه، وهو الذي يشغل نفسه، وهو الذي يشغل ليله، ونهاره، وتفكيره، وبصره، وقدميه في المشي إلى مجالس العلم، وإلى أهل العلم، وإلى دور العلم؛ ليحصل العلم، فـ(لا يستطاع العلم براحة الجسم) كلمة عظيمة لها شأنها، ولا شك أن الأمر كما قال رحمة الله عليه، فمن أراد أن يحصل علماً، فليبذل ما به يحصل العلم؛ يشغل وقته، يبذل ماله في سبيل تحصيل الكتب النافعة في الوصول إلى الجهات التي يحصل فيها العلم إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو من الثقات، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال في السابع، كما سبق أن مر في دروس مضت أن المدينة فيها سبعة أشخاص في عصر التابعين اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة، ستة منهم متفق على عدهم في السبعة، والسابع مختلف فيه، وأحد الأقوال في السابع أنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله الأنصاري].
هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وأبوه استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
فـجابر رضي الله عنه أحد هؤلاء السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.