
09-02-2022, 12:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 107 الى صـ 111
الحلقة (20)
[ ص: 107 ] لطيفة :
جاء في آية الأعراف "فكلا" وهنا بالواو ، لأن كل فعل عطف عليه شيء ، وكان ذلك الفعل كالشرط ، وذكر الشيء كالجزاء ، عطف بالفاء دون الواو ، كقوله تعالى : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا لما كان وجود الأكل منها متعلقا بدخولها ذكر بالفاء ، كأنه قال : إن دخلتموها أكلتم منها ، فالأكل يتعلق وجوده بوجود الدخول . وقوله في الأعراف : اسكنوا هذه القرية وكلوا منها بالواو دون الفاء ، لأنه من السكنى ، وهو في المقام مع اللبث الطويل ، والأكل لا يختص وجوده بوجوده ، لأن من دخل بستانا قد يأكل منه ، وإن كان مجتازا ، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط ، عطف بالواو . وإذا ثبت هذا فنقول : قد يراد بـ "اسكن" الزم مكانا دخلته ، ولا تنتقل عنه ، وقد يراد ادخله واسكن فيه . ففي البقرة ، ورد الأمر ، بعد أن كان آدم في الجنة ، فكان المراد المكث ، والأكل لا يتعلق به ، فجيء بالواو . وفي الأعراف ورد قبل أن دخل الجنة ، والمراد الدخول والأكل متعلق به ، فورد بالفاء .
[ ص: 108 ] تنبيه :
لم يرد في القرآن المجيد ، ولا في السنة الصحيحة تعيين هذه الشجرة ; إذ لا حاجة إليه ، لأنه ليس المقصود تعرف عين تلك الشجرة ، وما لا يكون مقصودا ، لا يجب بيانه. وقوله "من الظالمين" أي : من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله تعالى .
قال ابن مفلح الحنبلي في كتاب الاستعاذة: قال ابن حزم : حمل الأمر على الندب ، والنهي على الكراهة ، يقع فيه الفقهاء والأفاضل كثيرا ، وهو الذي يقع من الأنبياء عليهم السلام ، ولا يؤاخذون به ، وعلى السبيل أكل آدم من الشجرة . ومعنى قوله "فتكونا من الظالمين" أي : ظالمين لأنفسكما ، والظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه، فمن وضع الأمر والنهي في موضع الندب والكراهة، فقد وضع الشيء في غير موضعه. انتهى.
ثم قال : وقال أبو محمد بن حزم في "الملل والنحل" : لا براءة من المعصية أعظم من حال من ظن أن أحدا لا يحلف حانثا ، وهكذا فعل آدم عليه السلام ، فإنه أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ناسيا لنص القرآن ، ومتأولا وقاصدا إلى الخير ، لأنه قدر أنه يزداد حظوة عند الله فيكون ملكا مقربا ، أو خالدا فيما هو فيه أبدا ، فأداه ذلك إلى خلاف ما أمره الله به ، وكان الواجب أن يحمل أمر ربه على ظاهره ، لكن تأول وأراد الخير فلم يصبه ، ولو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجورا ، ولكن آدم لما فعل وأخرج عن الجنة إلى الدنيا ، كان بذلك ظالما لنفسه . وقد سمى الله تعالى قاتل الخطأ قاتلا ، كما سمى العامد ، والمخطئ لم يعمد معصية ، وجعل في مثل الخطأ عتق رقبة ، وهو لم يعمد ذنبا . انتهى.
وقال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية ، وجماعة من المتأخرين : الصواب أن آدم عليه السلام ، لما قاسمه عدو الله أنه ناصح ، وأكد كلامه بأنواع من التأكيدات : أحدها القسم .
والثاني الإتيان بجملة اسمية لا فعلية .
والثالث تصديرها بأداة التأكيد .
الرابع الإتيان بلام التأكيد في الخبر .
الخامس الإتيان به اسم فاعل لا فعلا دالا على الحدث .
السادس [ ص: 109 ] تقديم المعمول على العامل فيه . ولم يظن آدم أن أحدا يحلف بالله كاذبا يمين غموس ، فظن صدقه ، وأنه إن أكل منها لم يخرج من الجنة ، ورأى أن الأكل ، وإن كان فيه مفسدة ، فمصلحة الخلود أرجح ، ولعله يتأتى له استدراك مفسدة اليمين في أثناء ذلك باعتذار أو توبة ، كما تجد هذا التأويل في نفس كل مؤمن أقدم على معصية. اهـ.
قال ابن مفلح: فآدم عليه السلام لم يخرج من الجنة إلا بالتأويل ، فالتأويل لنص الله أخرجه ، وإلا فهو لم يقصد المعصية ، والمخالفة ، وأن يكون ظالما مستحقا للشقاء. انتهى .
القول في تأويل قوله تعالى :
[36 ] فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين
"فأزلهما الشيطان عنها" أي : أذهبهما عن الجنة ، وأبعدهما . يقال : زل عن مرتبته ، وزل عني ذاك ، إذا ذهب عنك؛ وزل من الشهر كذا . وقال ابن جرير: فأزلهما ، بتشديد اللام ، بمعنى استزلهما ، من قولك زل الرجل في دينه ، إذا هفا فيه وأخطأ ، فأتى ما ليس له إتيان فيه ، وأزله غيره إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه أو دنياه . وقرئ "فأزالهما" بالألف ، من التنحية : فأخرجهما مما كانا فيه من الرغد والنعيم والكرامة "وقلنا اهبطوا" أي : انزلوا إلى الأرض ، خطاب لآدم وحواء والشيطان ، أو خطاب لآدم وحواء خاصة، لقوله في الآية الأخرى : قال اهبطا منها جميعا وجمع الضمير لأنهما أصلا الإنس ، فكأنهما الإنس كلهم "بعضكم لبعض عدو" متعادين يبغي بعضكم على بعض: "ولكم في الأرض مستقر" منزل وموضع استقرار "ومتاع" تمتع بالعيش "إلى حين" أي : إلى الموت .
[ ص: 110 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[37 ] فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم
"فتلقى آدم من ربه كلمات" استقبلها بالأخذ والقبول ، والعمل بها حين علمها . قال ابن جرير : وهي الكلمات التي أخبر عنه أنه قالها متنصلا بقيلها إلى ربه ، معترفا بذنبه ، وهو قوله : ربنا ظلمنا أنفسنا الآية ، فدعا بها لكي تكون عنوانا له ولأولاده على التوبة "فتاب عليه" فرجع عليه بالرحمة والقبول ، وتجاوز عنه ، وقوله تعالى : "إنه هو التواب الرحيم" في الجمع بين الاسمين ، وعد للتائب بالإحسان مع العفو .
القول في تأويل قوله تعالى:
[38 ] قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
"قلنا" لآدم وحواء "اهبطوا منها" من الجنة "جميعا" ثم ذكر ذرية آدم فقال "فإما" بإدغام نون "إن" الشرطية في "ما" الزائدة "يأتينكم مني هدى" كتاب أنزله عليكم ، ورسول أبعثه إليكم "فمن تبع هداي" أقبل على الهدى وقبل : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الآخرة بأن يدخلوا الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى :
[39 ] والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا بالكتاب والرسول : أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لا يموتون ولا يخرجون .
[ ص: 111 ] تنبيه :
إنما كرر الأمر بالهبوط للتأكيد والإيذان بتحتم مقتضاه . وتحققه لا محالة . أو لاختلاف المقصود . فإن الأول دل على أن هبوطهم إلى دار بلية يتعادون فيها ولا يخلدون . والثاني أشعر بأنهم أهبطوا للتكليف . فمن اتبع الهدى نجا ، ومن ضله هلك .
فوائد :
الأولى :
ذهب كثيرون إلى أن الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام ، كانت في الأرض . قال بعضهم : هي على رأس جبل بالمشرق تحت خط الاستواء . وحملوا الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما في قوله تعالى : اهبطوا مصرا واحتجوا عليه بوجوه :
أحدها : أن هذه الجنة : لو كانت هي دار الثواب ، لكانت جنة الخلد ، ولو كان آدم في جنة الخلد ، لما لحقه الغرور من الشيطان بقوله : هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ولما صح قوله : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
وثانيها : أن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله تعالى : وما هم منها بمخرجين

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|