عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 08-02-2022, 08:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,953
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 158 الى صـ 162
الحلقة (28)

الفصل الثاني
ضوابط الترجيح في أسباب النزول

الضوابط الترجيحية بمنزلة النجوم التي يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر كما قال اللَّه تعالى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)، كما أن أثرها عميق في تحديد الراجح من المرجوح، وبيان الصواب من الخطأ، ولهذا أكبَّ بعض العلماء على تحديد الضوابط المؤثرة في الترجيح، وألَّفوا لأجل ذلك المؤلفات، وصنّفوا المصنفات إما استقلالاً، وإما تبعاً وإلحاقاً، إدراكاً منهم لأهمية ذلك في تحديد المسائل وتحريرها.
ولئن كانت الضوابط مفيدة في الترجيح بين الأقوال والأسباب، فإن هذا لا يعني اطرادها في كل مسألة، فقد يتخلف هذا أحياناً إذا اقتضى الأمر ذلك ودلت عليه الدلائل من هنا وهناك كما هو الشأن فى سائر القواعد والضوابط.
كما أن الحديث عن الترجيح بين الأسباب لا يعني بالضرورة أن يوجد سببان فأكثر، فتطبيق تلك الضوابط ممكن حتى مع وجود السبب الواحد فقط، فقد يتبين من إعمال الضوابط أن الآية لم تنزل على سبب أصلاً وإنما نزلت ابتداءً، وقد يتبين أيضاً أن للآية سببًا آخر غير الذي معنا.
ومهما يكن من أمر فإن الغرض هنا هو الوصول إلى النتيجة عبر وسائل شرعية ومسالك علمية بعيداً عن هوى النفس وحظوظها.
أما اختياري لهذه الضوابط دون غيرها فلاعتقادي أن لها تأثيراً في تعيين الأسباب.
وسأجتهد في ذكر بعض الأمثلة التي تناولتها بالدراسة، إذ لا يخفى أثر المثال في ترسيخ المقال.
وسأذكر - إن شاء الله - لكل ضابط خمسة أمثلة ليتبين للناظر وفرة الأمثلة في أسباب النزول، وأنها ليست نادرةً كما يفعله بعض المؤلفين في الدراسات القرآنية، حيث يقتصرون على مثال واحد، وأحياناً لا يخلو من مقال.
وأنا عازم - بإذن اللَّه - على بذل وسعي في اجتناب تكرار الأمثلة ما استطعت ومع هذا السعي فقد يوجد شيء تقتضيه مناسبة المثال.
المبحث الأول
الترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف

عناية العلماء بأسباب نزول القرآن خاصةً تبعٌ لعنايتهم بمباحث السنّة النبوية عامة، ذلك أن أسباب النزول أحاديث وقعت في العصر النبوي فنزل القرآن بسببها، وحينئذٍ يكون شأنها كشأن سائر الأحاديث سواء بسواء.
ومن صور ذلك: العناية بدراسة أسانيدها، وتمييز صحيحها من سقيمها، وقد بذل العلماء لأجل ذلك جهوداً مضنية عظيمة، وأوقاتاً ثمينةً من أعمارهم وألّفوا المؤلفات المختصرة والمطولة في التاريخ، والطبقات، والجرح والتعديل، وارتحلوا لأجل ذلك شرقاً وغرباً، طلباً للحديث، تحملاً وأداءً، سماعاً وإسماعاً، ووضعوا الأسانيد، وقعّدوا القواعد التي لم يجرِ لها نظير في التاريخ، كل ذلك وغيره طلباً لحفظ سنّة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصيانة لها من الضعيف والدخيل.
وكانت نتيجة ذلك إعمالَ تلك القواعد في النصوص الشرعية، وتطبيقها عليها، وصولاً إلى خلاصة ذلك وهي معرفة أحكام اللَّه على المكلفين.
ولئن كان هذا هو الأصل في الموضوع، فإن نظرةً في مناهج المحدثين تنبئك بأن هذا ليس مطرداً دوماً، إذ اعتمد العلماء أحاديث ضعيفة في الأحكام، ورتبوا عليها القول بالحلال والحرام.
ومثلهم المفسرون فاستدلالهم بالأحاديث والآثار الضعيفة في إثبات المعاني، وأسباب النزول لا يخفى على من نظر فيه.
ولعل سبب سلوكهم هذا المنهج مع الأحاديث والآثار الضعيفة نظراً منهم، ومراعاةً لما يحتف بها من قرائن الترجيح المتعددة.
وقد شجعني هذا على الاعتقاد بأن بعض الأحاديث التي تناولتها بالبحث والدراسة، وإن كانت ضعيفةً في أسانيدها إلا أنها صالحة لأن تكون أسباب نزول، للقرائن التي تؤيدها كمطابقتها لِلفظ الآية، وسياق القرآن وأقوال المفسرين، وتعدد مخارج الحديث وشواهده.
وسأذكر من أقوال العلماء ما يدل على أن صحة الإسناد ليست شرطاً ثابتًا لقبول الحديث والاحتجاج به، بل إذا احتف به ما يقويه كان ذلك كافيًا في قبوله، والاعتماد عليه.
وقال الزركشي: وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة الأصول أو آية من كتاب اللَّه تعالى فيحمله ذلك على قبول الحديث، والعمل به، واعتقاد صحته، وإذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس بإطلاق القول بصحته إذا وافق كتاب اللَّه تعالى وسائر أصول الشريعة.
قال ابن حجر: (وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب بأن هذا القسم - يعني الضعيف والمنقطع - لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه، أو عضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن، وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفاً يأباه واللَّه الموفق).
وقال بعده بيسير: (والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميل). اهـ بتصرف يسير.
وقال اللكنوي: (قال أبو الحسن بن الحضّار المالكي: قد يعلم الفقيه صحة الحديث - إذا لم يكن في سنده كذاب - بموافقة آية من كتاب اللَّه، أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به). اهـ.
ونقل عن السيوطي أنه اختار ذلك فقال: (المقبول ما تلقاه العلماء بالقبول، أو اشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم، أو وافق آية من القرآن،أو بعض أصول الشريعة، حيث لم يكن في سنده كذاب على ما ذكره ابن الحصار). اهـ باختصار.
وقد نقل اللكنوي نصوصًا كثيرة عن العلماء في هذا الباب تدل على ما تقدم، ولا ريب أن هذا يوجب للقلب طمأنينة وراحة في سلوك هذا المسلك والركون إليه.
ومع هذا فلا يعني الكلام المتقدم إهمال صحة الإسناد، وعدم اعتباره، بل إذا اجتمعت ضوابط الترجيح مع صحة الإسناد كان الحديث هو المقدم في سبب النزول.

وسأذكر من أقوال العلماء ما يبين رعايتهم لصحة الإسناد في إثبات الأسباب: -

أولاً: البغوي ففي نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ... ) الآية. ذكر حديث البراء عند مسلم في قضية اليهودي الذي زنى، ثم ذكر قضية القبيلتين من اليهود وحال الدية بينهما فقال: (والأول أصح لأن الآية في الرجم).
ثانياً: ابن العربي ففي نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ... ) الآية.
فقد ذكر ابن العربي ستة أسباب لنزول الآية ثم قال: (هذه الروايات ضعيفة إلا الأولى - يعني بها قصة زينب - والسادسة - يعني بها حديث أنس عن عمر في موافقته لله). اهـ.
ثالثاً: ابن كثير ففي قوله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ... ) الآية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]