عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 08-02-2022, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,513
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 153 الى صـ 157
الحلقة (27)

والراجح - واللَّه أعلم - أن ما أخرجه الترمذي عن أبي سعيد هذا لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأن سياق الآيات يأبى ذلك ويرده وبيان ذلك أن يقال:

إن الحديث يدل على أن ظهور الروم على فارس إنما وقع يوم بدر، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يبشر اللَّه المؤمنين بأن الروم ستنتصر على فارس في بضع سنين، والنصر قد تم للروم في يوم بدر - حسبما يقتضيه الحديث -.

وإذا أضفت إلى هذه العلةِ إعراضَ المفسرين عنه واختيارهم لخلافه، وكون السورة مكية، وضعف إسناده واضطرابه تبين لك أنه لم يبق في الحديث رمق، وحينئذٍ تبقى آثار السلف وأقوال المفسرين الدالة على نزولها في مكة سالمةً من معارض صحيح، فينتفي القول بتكرر النزول لعدم الدليل عليه واللَّه أعلم.
سابعاً: قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).
أخرج أحمد والترمذي عن أُبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن المشركين قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد انسب لنا ربك فأنزل اللَّه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ... ) السورة.
فهذا الحديث يدل على نزولها في مكة لأن المشركين كانوا في مكة.
وذهب بعض أهل العلم إلى نزولها في المدينة لأن السائلين من اليهود.
قال الزركشي: (وكذلك ما ورد في (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أنها جواب للمشركين في مكة، وأنها جواب لأهل الكتاب بالمدينة). اهـ.
والراجح - واللَّه أعلم - أن سورة الصمد لم تنزل إلا مرةً واحدةً في مكة، هذا على افتراض أن الحديث في سؤال المشركين لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نسب ربه يصح الاحتجاج به وإلا فالحديث مرسل ضعيف لأن مداره على أبي جعفر الرازي وهو صدوق سيئ الحفظ، وروايته عن الربيع خصوصًا فيها اضطراب كثير.
فإذا كان هذا شأن النزول في مكة مع أنه قول جمهور العلماء، فكيف إذن شأن النزول في المدينة مع أن المرويات فيه ضعيفة جداً بسبب الشذوذ، والانقطاع، وغير ذلك؟
وبناءً على ما تقدم هل يصح القول بتكرر النزول مع عدم الدليل الصحيح على ذلك؟
الجواب: لا، فليس للقائلين بتكرر النزول مثال واحد صحيح يسلم عند البحث والمناظرة، مع أن الأمثلة هي أقوى ما يُحتج به لقولهم. واللَّه أعلم.
وأما القائلون بعدم تكرر النزول فاحتجوا بما يلي:
أ - أن تكرر النزول خلاف الأصل. قال ابن حجر: (والأصل عدم تكرر النزول). وهذا حق أن الأصل عدمه، ومن خالف الأصل طولب بالدليل.
ب - عدم الفائدة في تكرر النزول لأنه تحصيل حاصل، وهذا صحيح فلم أجد فيما ذكروا فائدة من تكرر النزول، بل هو تحصيل أمرٍ حاصل موجود.
جـ - عدم وجود الدليل الصحيح على التكرر. وهذا حق بعدما تبين من دراسة الأمثلة التي ذكروها، وإذا انتفى دليل القول انتفى القول ضرورةً.
وبما تقدم يتبين أنه ليس لتكرر نزول بعض السور والآيات وجود أصلاً في كتاب اللَّه تعالى أو سنّة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد ذكر ابن القيم معنًى خاصاً لقولهم: نزلت مرتين وهو التذكير بالآية إما من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإما من جبريل فأُطلق على ذلك النزول.
ولهذا لما ذكر قول بعض العلماء في نزول قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) وأنها نزلت في بني سلمة لما أرادوا النُّقلة إلى قرب المسجد قال: (وفي هذا القول نظر، فإن سورة يس مكية، وقصة بني سلمة بالمدينة إلا أن يُقال هذه الآية وحدها مدنية، وأحسن من هذا أن تكون ذُكرت عند هذه القصة ودلت عليها، وذُكروا بها عندها، إما من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإما من جبريل فأطلق على ذلك النزول ولعل هذا مراد من قال في نظائر ذلك: نزلت مرتين). اهـ.
وفي قول ابن القيم - رحمه الله - نظر من وجهين:
الأول: أن المعنى الذي ذكره لا يسعفه اللفظ؛ لأن التذكير لا يعبر عنه بالنزول، ولو أرادوا بتكرر النزول التذكير بالنازل لقالوا فذكرهم بها ولم يقولوا نزلت مرة بعد مرة.
الثانى: أن هذا التوجيه منه متوجه لو كان بأيدينا مثال صحيح، أما مع عدم الدليل فلا يصح واللَّه أعلم.
* * *
الفصل الثاني
ضوابط الترجيح في أسباب النزول
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: الترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف.
المبحث الثاني: الترجيح بتقديم السبب الموافق للفظ الآية على غيره.
المبحث الثالث: الترجيح بتقديم قول صاحب القصة على غيره.
المبحث الرابع: الترجيح بتقديم قول الشاهد للسبب على الغائب عنه.
المبحث الخامس: الترجيح بدلالة السياق القرآني.
المبحث السادس: الترجيح بدلالة الوقائع التاريخية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]