عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-02-2022, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,801
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة

فلما أتى الزوج زوجته ﴿ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ، ظهرت على الزوجة أعراض حمل خفيف سرعان ما تجاوزتها بيسر من غير إجهاض أو إخداج أو متاعب، ﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ، فلما كبر الجنين في بطنها وأثقلت به ودنت ولادتها، ﴿ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا، سألا الله ربهما ﴿ لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف: 189]، مقسمين له على مداومة شكره وحمده وعبادته، إن وهبهما ولدًا صالحًا، ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ﴾، فلما استجاب الله دعوتهما، ووهب لهما ولدًا صالحًا، ﴿ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ﴾، فُتنا بولدهما وجعلا لله في إعطائه أو في حفظ ما أعطى وسلامته وبقائه شركاء من الجن أو الإنس أو الأوثان، وصار حفظ الولد والمحافظة عليه وخدمته، وانتظار خيره لديهما أهم من حفظ عهدهما مع الله، والوفاء بما ألزما به نفسيهما من مواصلة شكره وحمده، ورجاء فضله، وهو ما كان يفعله كفار قريش قديمًا، ويفعله بعض الجهلة حديثًا؛ إذ يستدرجون إلى الشرك بالمبالغة في محبة أبنائهم، وذلك ما حذر منه الحق تعالى بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14].

وقد قرأ نافع وعاصم من رواية أبي بكر في هذه الآية: ﴿ شِرْكًا ﴾، بكسر الشين والتنوين؛ أي: اشتراكًا، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿ شُرَكَاءَ ﴾، بضم الشين، جمع شريك، والمعنى واحد.

ثم عقب عز وجل بتنزهه عن كل أصناف الشرك خفيًّا كان أو ظاهرًا، أفعالًا أو أقوالًا أو تصورًا؛ فقال: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ؛ أي: تعاظم شأنه وارتفع قدره وتنزه عما يسميه به، أو يصفه به، أو يتصوره المشركون.

ولأن الشرك بالأصنام وما في حكمها من الحجارة والأشجار والطواطم[2]، كان السمة الأبرز فيما يواجهه الرسول صلى الله عليه وسلم من كفار قريش وعامة العرب، فقد أفرد له الوحي في هذا السياق حيزًا يستفز به عقول معتنقيه، وينكر به عليهم ضلالاتهم؛ فقال تعالى: ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الأعراف: 191]، كيف يعقل أن يجعلوا من أصنامهم شركاء لله في الخلق، وهي نفسها مخلوقة؛ قال تعالى في سورة الحج: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: 73]، لا تملك القدرة على الفعل سلبًا أو إيجابًا، ﴿ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا، ولا تستطيع هذه المعبودات أن تحمي من يعبدها من أذًى، أو تنصره في موقف حرج أو ضيق أو عدوان، ﴿ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف: 192]، بل هي أقل درجة من أبسط الكائنات الحية، لعجزها عن دفع الأذى عن نفسها، وكان التعبير عن الأصنام بصيغة جمع الذكور العقلاء مسايرة لِما يعتقده المشركون فيها من أنها تنفع وتضر، وأنها عاقلة تسمع وترى وتستجيب، كما كانت عقيدة أبي سفيان يوم أحد إذ صاح بأعلى صوته متحديًا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعْلُ هبل"، فقال صلى الله عليه وسلم لصحابته: ((أجيبوه، فقالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان: ألا لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم))، وكما قالت للطفيل بن عمرو الدوسي زوجته حين أسلم وأمرها أن تسلم: ((ألا نخشى على الصبية من ذي الشرى شيئًا؟))، وكان ذو الشرى صنمًا يُعبد في الجاهلية.

وبعد أن واجه الوحي الكريم المشركين بحقيقة عجز أصنامهم عن الخلق، وحقيقة أنها مجرد مخلوقات عاجزة عن حماية نفسها أو نصرة أتباعها، بيَّن حقيقة أخرى متعلقة بالمشركين أنفسهم؛ وهي استعصاؤهم عن الفهم وقبول الهداية والنصح؛ وخاطب فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ، وإن تدعوا - أيها المسلمون - هؤلاء المصرين على الشرك من صناديد قريش ﴿ إِلَى الْهُدَى، إلى اتباع الهدى الذي هو الإيمان بالله ورسوله والكتاب المبين، ﴿ لَا يَتَّبِعُوكُمْ، لن يتبعوكم فيما أنتم عليه من التوحيد وعبادة الله والعمل الصالح؛ لأن قلوبهم مختوم عليها، ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ [الأعراف: 193]، لن يتركوا الشرك سواء دعوتموهم إلى الإيمان أم تركتم دعوتهم فلم تكلموهم، وإنما دعوتكم للناس جميعًا من استجاب منهم، ومن أعرض مجرد طاعة منكم لأمر ربكم؛ بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1، 2]، وقوله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125]، كما أنها أيضًا إقامة للحجة بين يدي ربكم يوم القيامة؛ كما قال تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165]، وقال: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15].

ثم بالتفات إلى المشركين يواصل الوحي الكريم تقرير عقيدة توحيد العبادة وشرحها؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إن هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله أو معه ﴿ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ على صنعت به أو منه حجارة أو ترابًا أو معدنًا، تدين مثل جميع ما في الكون بالعبادة لله الذي خلقها وخلقكم، ﴿ فَادْعُوهُمْ، فاسألوهم حاجاتكم، ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأعراف: 194]، فليعطوكموها إن كنتم صادقين في دعواكم أنها قادرة على العطاء وصالحة للعبادة.

ثم واصل الوحي تبصير المشركين بسفاهة عقولهم إذ يعبدون مخلوقات أدنى منهم في سلم الكائنات؛ فقال عز وجل: ﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا، هل لهم مثلكم أرجل يمشون بها كما تمشون؟ ﴿ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا، أم لهم مثلكم أيدٍ يدفعون بها الشر عن أنفسهم أو عن غيرهم؟ ﴿ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا، أم لهم أعين ينظرون بها فيميزون بين المرئيات الضارة والنافعة؟ ﴿ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا، أم لهم آذان يميزون بها نداءات البشارة من نداءات النذارة، ودعوات الخير من دعوات الشر، وهي بذلك أضعف من عابديها، بل لا ترقى إلى أن تكون مثلهم أو أن تنصرهم أو تستجيب دعاءهم، لذلك أمر الحق تعالى رسوله الكريم بألَّا يحفل بهم ولا بمعبوداتهم وخاطبه بقوله: ﴿ قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين، وقد عرفوا حقيقة ضعفهم، وضعفمعبوداتهم، واستنصارهم بما لا ينصر: ﴿ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ، اطلبوا من أصنامكم أن تعينكم وتنصركم عليَّ، ﴿ ثُمَّ كِيدُونِ، ثم أجمعوا أمركم معها للتآمر عليَّ والمكر بدعوتي، ﴿ فَلَا تُنْظِرُونِ [الأعراف: 195]، لا تمهلوني أو تتركوا لي فرصة لمدافعتكم أو رد كيدكم.

إن الجهل قد أطبق على عقول المشركين؛ لأنهم لا يقدرون الله حق قدره، ولا يعرفون قوته وبطشه، كما لا يعرفون ضعفهم وضعف آلهتهم، وإذ تعجبوا من هذا التحدي الذي رُفع في وجوههم، وتساءلوا عن سر قوة محمد صلى الله عليه وسلم، ودواعي استعلائه بالإيمان، رفع في وجوههم بأمر ربه تحديًا آخر أشد مضاء، وقال مستعليًا بولائه لربه غير مكترث بما يمكرون: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف: 196]، وقد صيغ هذا التحدي على درجة عالية من التأكيد والقوة والصلابة واستعلاء الإيمان، في لغته وقوة معانيه؛ إذ ورد مؤكدًا بحرف "إن"، وفي جملة اسمية، والجملة الاسمية صيغة من صيغ التأكيد عند العرب، مبتدؤها لفظ الجلالة: "الله"، وخبرها "ولي" مضافًا إلى ياء المتكلم ﴿ وَلِيِّيَ، ويقرؤها الجمهور بتشديد الياء الأولى وفتح الياء الثانية، وهو الأصل، كما يقرؤها آخرون بحذف الياء الثانية في اللفظ لا في الكتابة، لسكونها وسكون ما بعدها، كما ورد الولاء مؤكدًا بصفتين من صفاته تعالى هي قوله عز جل: ﴿ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ؛ أي: الذي أنزل القرآن وهداني وأيدني به وجعله لي حجة ومنهاجًا، ﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف: 196]، وهو من شأنه دائمًا أن ينصر الصالحين من عباده، كما تصدر هذا التحدي في الآية الكريمة باسم من أسماء الله الحسنى هو" الولي"، ليجبه المشركين بحقيقة ولائه صلى الله عليه وسلم لربه وحقيقة عصمته به من شرهم، وحقيقة عجزهم عن النيل منه، وحقيقة نصر الله له وللمؤمنين دائمًا؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته)).

وكما أن الولاء لغة هو تولي القيام بالشيء قدرة وتدبيرًا، وحفظًا ونصرة، ومنه يقال: ولي الشيء وولي عليه ولايةً وولايةً، فإنه عقيدة عروة وثقى بين العبد وربه غير قابلة للنقض أو البيع أو الشراء، أو الاشتراك أو الشرك؛ ومنه قال صلى الله عليه وسلم: ((الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يُباع ولا يوهب))، وقال تعالى على سبيل الحصر والتأكيد: ﴿ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ [الشورى: 9]، وقال: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257]، وقال صلى الله عليه وسلم للإمام علي كرم الله وجهه: ((من كنت مولاه، فعليٌّ مولاه))، لذلك فالولاء لله - وينبثق منه الولاء للمؤمنين - ليس كلمة يدعيها المرء من غير أن يظهر لها أثر في مشاعره وسلوكه وعلاقاته، بل هو حالة نفسية وشعورية تخامر القلب والعقل وتخصب الوجدان، به يكون المرء عضوًا حيًّا وفعالًا في المجتمع الإسلامي بكل أطيافه محبة ونصرة للحق ودحضًا للباطل، وتآمرًا بالمعروف وتناهيًا عن المنكر، ودفاعًا عن المظلوم والمستضعف، والفقير والمسكين وصاحب الحاجة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء: 75]، وبه يستغفر المرء لمن سبقه بالإيمان ويدعو له؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10]، وبه يبرأ المرء من الشيطان وأوليائه؛ كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ [الزخرف: 26]، وبه يتوكل المرء على الله حق توكله؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما ترزق الطير؛ تغدوا خماصًا، وتروح بطانًا))، وكما قال عمر بن عبدالعزيز في مرض موته وقد قيل له: من توصي بأهلك؟ فقال: إذا نسيت الله فذكرني، فأعيد عليه السؤال ثلاثًا؛ فقال: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف: 196].

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إلى ركن شديد، ويلتجئ إلى حصن منيع من ولائه لله تعالى، إيمانًا به ومحبة له، وصدقًا معه وإخلاصًا وتوكلًا عليه، وتعلقًا وثقة به، ورجاء له وخوفًا منه، وطمعًا في نصرته؛ وقد قال له عز وجل: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67]، وعن ابن عباس قال: ((كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))؛ لذلك لم يعبأ صلى الله عليه وسلم بتهديدات المشركين، وشرة عدوانهم، وكبار مكرهم، بل واصل تسفيه معتقداتهم بقوله لهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ، والذين تعبدونهم وترجون عونهم عاجزون عن نصركم، ﴿ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف: 197]،وهم عن حماية أنفسهم عاجزون، ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا، فإن دعوتم هذه الأوثان إلى خيرٍ، لم يسمعوا دعوتكم ولم يلبوا نداءكم، ﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [الأعراف: 198]، وترى أعينها المنحوتة على تماثيلها كأنها تنظر إليك، وهي فاقدة للحياة، لا تبدي حراكًا ولا تبصر مبصرًا.

لقد فسدت فطرة بعض مشركي قريش ممن ماتوا فيما بعد على الكفر[3]، بما نشؤوا عليه من الضلال وعبادة الأوثان، وما شاب معاملاتهم كلها من الإصرار على الشرك، ففقدوا القدرة على تمييز الحي من الميت، والحق من الباطل، والهدى من الضلال، وهي الحالة التي يعانيها كثير من مسلمي هذا العصر، إذ ظهر فساد العقيدة بالشرك الخفي والظاهر في مجتمعاتهم، وغزتهم ثقافات فاسدة غريبة عنهم، وفشت بينهم آفة المجادلة في الحق والدفاع عن الباطل، بما نشؤوا عليه في الشارع والبيت، وما لقنوه في المؤسسات التعليمية الرسمية بمناهجها التي وضعها لهم غيرهم، أو بعض أبنائهم الذين رباهم عدوهم، فما زادوهم إلا خبالًا وضلالًا.


لندن في يوم السبت 11 جمادى الثانية 1443هـ (15/01/2022)



[1] من حديث مسلم عن عمر بن الخطاب قال: ((بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)).

[2] الطوطم: كيان مادي أو تمثال تتخذه بعض القبائل الوثنية رمزًا لمعبودها أو حاميها أو أصولها.

[3] منهم: أبو جهل عمرو بن هشام، وأبو لهب عبدالعزى بن عبدالمطلب، وعتبة بن ربيعة وغيرهم.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]