
04-02-2022, 02:47 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة :
|
|
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (228)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع
سُورَةِ يُوسُفَ
الاية16 إلى الاية 21
( وجاءوا أباهم عشاء يبكون ( 16 ) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( 17 ) وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( 18 ) .
( وجاءوا أباهم عشاء يبكون ) قال أهل المعاني : جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب . وروي أن يعقوب عليه السلام سمع صياحهم وعويلهم فخرج وقال : ما لكم يا بني هل أصابكم في غنمكم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فما أصابكم وأين يوسف ؟ ! .
( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ) أي : نترامى وننتضل ، وقال السدي : نشتد على أقدامنا . ( وتركنا يوسف عند متاعنا ) أي : عند ثيابنا وأقمشتنا . ( فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ) بمصدق لنا ( ولو كنا ) وإن كنا ( صادقين ) .
فإن قيل : كيف قالوا ليعقوب أنت لا تصدق الصادق ؟ .
قيل : معناه إنك تتهمنا في هذا الأمر لأنك خفتنا في الابتداء واتهمتنا في حقه .
وقيل : معناه لا تصدقنا لأنه لا دليل لنا على صدقنا وإن كنا صادقين عند الله .
( وجاءوا على قميصه بدم كذب ) أي : بدم هو كذب ، لأنه لم يكن دم يوسف . وقيل : بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم .
وفي القصة : أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه ، فقال يعقوب عليه السلام : كيف أكله الذئب ولم يشق قميصه ؟ فاتهمهم .
( قال بل سولت ) زينت ( لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) معناه : فأمري صبر جميل أو فعلي صبر جميل . [ ص: 223 ]
وقيل : فصبر جميل أختاره .
والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع .
( والله المستعان على ما تصفون ) أي : أستعين بالله على الصبر ، على ما تكذبون .
وفي القصة : أنهم جاءوا بذئب ، وقالوا : هذا الذي أكله فقال له يعقوب : يا ذئب ، أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي ؟ فأنطقه الله عز وجل ، فقال : تالله ما رأيت وجه ابنك قط .
قال : كيف وقعت بأرض كنعان ؟ .
قال : جئت لصلة قرابة [ فصادني هؤلاء ] فمكث يوسف في البئر ثلاثة أيام .
( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون ( 19) ) .
( وجاءت سيارة ) وهم القوم المسافرون ، سموا سيارة لأنهم يسيرون في الأرض ، كانت رفقة من مدين تريد مصر فأخطئوا الطريق فنزلوا قريبا من الجب ، وكان الجب في [ قفر بعيد ] من العمران للرعاة والمارة ، وكان ماؤه مالحا فعذب حين ألقي يوسف عليه السلام فيه ، فلما نزلوا أرسلوا رجلا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر ، [ لطلب الماء ] فذلك قوله عز وجل : ( فأرسلوا واردهم ) والوارد الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيهيئ الأرشية والدلاء .
( فأدلى دلوه ) أي : أرسلها في البئر ، يقال : أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ، ودلوتها إذا أخرجتها ، فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعطي يوسف شطر الحسن" . [ ص: 224 ]
ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة وكانت قد أعطيت سدس الحسن .
قال ابن إسحاق ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن .
فلما رآه مالك بن ذعر ( قال يا بشرى ) قرأ الأكثرون هكذا بالألف وفتح الياء ، بشر المستقي أصحابه يقول : أبشروا . وقرأ أهل الكوفة : يا بشرى ، بغير إضافة ، يريد نادى المستقي رجلا من أصحابه اسمه بشرى . ( هذا غلام ) وروى ابن مجاهد عن أبيه : أن جدران البئر كانت تبكي على يوسف حين أخرج منها . ( وأسروه ) أخفوه ( بضاعة ) قال مجاهد : أسره مالك بن ذعر وأصحابه من التجار الذين معهم وقالوا : هو بضاعة استبضعها بعض أهل الماء إلى مصر خيفة أن يطلبوا منهم فيه المشاركة .
وقيل : أراد أن إخوة يوسف أسروا شأن يوسف وقالوا هذا عبد لنا [ أبق ] .
قال الله تعالى : ( والله عليم بما يعملون ) فأتى يهوذا يوسف بالطعام فلم يجده في البئر ، فأخبر بذلك إخوته ، فطلبوه فإذا هم بمالك وأصحابه نزولا فأتوهم فإذا هم بيوسف فقالوا هذا عبد آبق منا . ويقال : إنهم هددوا يوسف حتى لم يعرف حاله . وقال مثل قولهم ، ثم باعوه ، فذلك قوله عز وجل :
( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ( 20 ) ) .
( وشروه ) أي : باعوه ( بثمن بخس ) قال الضحاك ، ومقاتل ، والسدي : حرام لأن ثمن الحر حرام ، وسمي الحرام بخسا لأنه مبخوس البركة .
وعن ابن عباس ، وابن مسعود : بخس أي زيوف .
وقال عكرمة والشعبي : بثمن قليل .
( دراهم ) بدل من الثمن ( معدودة ) ذكر العدد عبارة عن قلتها .
وقيل : إنما قال معدودة لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان أقل من أربعين درهما ، إنما كانوا يعدونها عدا ، فإذا بلغت أوقية وزنوها .
واختلفوا في عدد تلك الدراهم : قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وقتادة : عشرون درهما ، فاقتسموها درهمين درهمين .
وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما .
وقال عكرمة : أربعون درهما . [ ص: 225 ]
( وكانوا ) يعني : إخوة يوسف ( فيه ) أي : في يوسف ( من الزاهدين ) لأنهم لم يعلموا منزلته عند الله .
وقيل : كانوا في الثمن من الزاهدين ، لأنهم لم يكن قصدهم تحصيل الثمن ، إنما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه .
ثم انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف فتبعهم إخوته يقولون : استوثقوا منه لا يأبق ، قال : فذهبوا به حتى قدموا مصر وعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس .
وقيل : إظفير صاحب أمر الملك ، وكان على خزائن مصر يسمى العزيز وكان الملك يومئذ بمصر ونواحيها الريان بن الوليد بن شروان من العمالقة .
وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات ويوسف حي .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما دخلوا مصر تلقى قطفير مالك بن ذعر فابتاع منه يوسف بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين .
وقال وهب بن منبه : قدمت السيارة بيوسف مصر فدخلوا به السوق يعرضونه للبيع ، فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا وحريرا ، وكان وزنه أربعمائة رطل ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة فابتاعه قطفير من مالك بن ذعر بهذا الثمن ، فذلك قوله تعالى :
( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 21 ) .
( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته ) واسمها : راعيل وقيل : زليخا ( أكرمي مثواه ) أي : منزله ومقامه ، والمثوى : موضع الإقامة .
وقيل : أكرميه في المطعم والملبس والمقام .
وقال قتادة ، وابن جريج : منزلته .
( عسى أن ينفعنا ) أي : نبيعه بالربح إن أردنا البيع ، أو يكفينا إذا بلغ بعض أمورنا .
( أو نتخذه ولدا ) أي : نتبناه . [ ص: 226 ]
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاثة : العزيز في يوسف حيث قال لامرأته : أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا ، وابنة شعيب عليه السلام حيث قالت لأبيها في موسى عليه السلام : يا أبت استأجره ، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حيث استخلفه .
( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ) [ أي : في أرض مصر ] أي : كما أنقذنا يوسف من القتل وأخرجناه من الجب ، كذلك [ مكنا له ] في الأرض فجعلناه على خزائنها .
( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) أي : [ مكنا له ] في الأرض لكي نعلمه من تأويل الأحاديث ، وهي عبارة عن الرؤيا .
( والله غالب على أمره ) قيل : الهاء في أمره كناية عن الله تعالى ، يقول : إن الله غالب على أمره يفعل ما يشاء ، لا يغلبه شيء ولا يرد حكمه راد .
وقيل : هي راجعة إلى يوسف عليه السلام معناه : إن الله مستول على أمر يوسف بالتدبير [ والحياطة ] لا يكله إلى أحد حتى يبلغ منتهى علمه فيه .
( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ما الله به صانع .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|