شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الكسوف)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (150)
صـــــ(1) إلى صــ(32)
[صفة صلاة الكسوف]
قال المصنف رحمه الله: [ركعتين].مذهب جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم أن صلاة الكسوف ركعتان،
ولكن الخلاف بينهم فيما يكون داخل الركعتين من الركوع: فمذهب الجمهور أنه يركع ركوعين في كل ركعة.وذهب طائفة من أصحاب الإمام الشافعي،
واختاره الإمام ابن حزم: إلى جواز أن يصلي في كل ركعة ثلاثة ركوعات.
وهناك قول ثالث: بأنه يصلي أربعة ركوعات.
وهناك قول رابع: بأنه يصلي خمسة ركوعات في الركعة الواحدة.
وهناك قول خامس: بأنه يصلي ركعتين، ولكن إذا طال وقت الكسوف زاد في عدد الركوعات، فيجعل الأصل أن يركع في كل ركعة ركوعين، وإذا رأى أن الكسوف مستمر وأنه لا زال يزيد ركوعا ثالثا.فهذه هي أوجه أهل العلم رحمة الله عليهم.
وأصحها وأقواها سندا ورواية الثابت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عن الجميع أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، فهذا هو الصحيح، والذي عليه جمهور العلماء والأئمة رحمة الله على الجميع.
والسنة أن ينادى لها بقول: (الصلاة جامعة)، وينادى لها عند ابتداء الكسوف، ولا يكون لها أذان، ولا يكون لها إقامة بإجماع العلماء،
أي: لا يؤذن لها أذان المكتوبة ولا يقام لها إقامة المكتوبة، وإنما ينادى لها بهذا النداء، فيجتمع الناس عند وجود هذا النداء، فإذا اجتمعوا قام الإمام وكبر، كما ذكر المصنف رحمه الله.
[صفة القراءة في الركوع الأول من الركعة الأولى]
قال المصنف رحمه الله: [يقرأ في الأولى جهرا بعد الفاتحة سورة طويلة].أي: يبتدئ ويكبر، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يستعيذ، ثم يقرأ الفاتحة، ويطيل في القراءة بعد الفاتحة، والثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه حزرت قراءته نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى، وهذا عند العلماء على وجهين: فمن أهل العلم من يقول: يقرأ بقدر سورة البقرة في الركعة الأولى.
ويرى ذلك من السنن المطردة، وأن من صلى ينبغي أن يراعي هذا القدر، وهذا يقوله بعض أصحاب الشافعي رحمة الله عليهم، وبعض أهل الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد الإطالة، حتى ولو كان الكسوف جزئيا، لأنك لو أطلت هذه الإطالة ربما انجلت الشمس قبل أن تتم، أو قبل أن تصلي بقية الصلاة، فعلى هذا الوجه تراعي التطويل على هذه الصورة، سواء أكان الكسوف مما يخشى أن يطول أم كان دون ذلك، وهذا القول أشبه بالمتابعة للسنة.
القول الثاني: أن هذا تقديري، فيقرأ نحوا من مائة آية من البقرة في الركعة الأولى.ومنهم من يقول: الأمر راجع إلى الإمام، فإن كان الكسوف مما يكون فيه القدر طويلا، ويغلب على الظن الإطالة أطال إلى البقرة، وإن كان دون ذلك قصر، وهذا يرجع إلى فقه الإمام وعلمه، وكذلك فطنته في الإطالة والتقصير على حسب من وراءه من المصلين.والقراءة في خسوف القمر جهرية وجها واحدا عند العلماء رحمة الله عليهم، والخلاف في كسوف الشمس هل يجهر فيه بالقراءة، أو يسر؟ فظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة، ونصت على ذلك رضي الله عنها وأرضاها.
وهذه المسألة من مشكلات المسائل عند العلماء رحمة الله عليهم، فأحاديث أثبتت أنه جهر، وأحاديث نفت الجهر وأثبتت أنها كانت سرا،
فـ ابن عباس يقول: (نحوا من سورة البقرة)، وهذا يدل على أنه ما سمع قراءته،
وأم المؤمنين عائشة تقول: جهر، ونصت على الجهرية،
وكذلك اختلف العلماء: فمن العلماء من يقول: هي سرية، إعمالا للأصل في أن تكون صلاة النهار سرية وصلاة الليل جهرية، إلا ما استثني.
وقال بعض العلماء: بل هي جهرية.وهذا القول من ناحية النصوص أقوى، ومن ناحية أصولية أقوى، فإن المثبت مقدم على النافي، مع أن ابن عباس رضي الله عنهما يحتمل أن يكون بعيدا في آخر الصفوف؛ لأن أم المؤمنين عائشة كانت أقرب الناس، وهي التي حكت قيامه لصلاة الكسوف، ولذلك يكون قربها بمكان، وعلمها بالقراءة أولى، ويظهر لها شأنه عليه الصلاة والسلام أكثر من غيرها، ولذلك يقوى قول من قال بأنه يجهر.ولكن إن أسر إعمالا للأحاديث كحديث ابن عباس وحديث سمرة بن جندب رضي الله عن الجميع فإنه لا حرج عليه، لكن الأقوى من ناحية النصوص أنه يجهر.
وهناك جمع ثان للعلماء يقول: إن الكسوف تعدد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فتارة جهر وتارة أسر، فيكون من خلاف التنوع لا من خلاف التضاد.والذي عليه المحققون أن الكسوف وقع مرة واحدة في عهد النبي صلى عليه وسلم، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمة الله عليه، فالكسوف لم يتعدد.
وهناك وجه ثان للجمع يقول: إنه يحتمل أن عائشة رضي الله عنها قصدت بالجهر الإسماع، مثل ما فعل في صلاة الظهر، فإنه ربما كان يسمع بالآيات، فيظن أنه جهر، والواقع أنه لم يجهر عليه الصلاة والسلام.ولكن الذي يظهر والله أعلم أن الحديث نص صريح واضح في إثبات جهريته صلوات الله وسلامه عليه بالصلاة.
[صفة الركوع الأول من الركعة الأولى]
قال المصنف رحمه الله: [ثم يركع طويلا].أي: بعد انتهاء قراءته يركع طويلا، وهذا أصح الوجهين عند العلماء رحمة الله عليهم، ويقول بعض العلماء: إنه يقارب القراءة، للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ركوعه قريبا من قيامه، فيطيل في ركوعه حتى يقارب القيام، أو يكون دون ذلك.
قوله: [ثم يرفع].أي: ثم يرفع من الركوع، وهذا الركوع هو الذي تدرك به الركعة الأولى، فمن أدرك هذا الركوع فإن صلاته تامة، ولو جاء بعد رفع الإمام من هذا الركوع وأدرك الركوع الثاني فإنه يلزمه قضاء ركعة كاملة بركوعين، فهذا الركوع الأول هو الذي تدرك به الركعة الأولى؛ لأنها ركعتان، وبناء على ذلك فإن العبرة بالركعة الأولى وركوع الركعة الأولى، فإن أدرك الإمام قبل أن يرفع من ركوعه الأول من الركعة الأولى فإنه يعتبر مدركا للصلاة كاملة، أما لو رفع الإمام وأدركه في الرفع، أو أدركه في الركوع الثاني من الركعة الأولى، فإنه يلزمه قضاء ركعة كاملة، وتكون بركوعين على نفس الصفة التي فاتته.
[صفة القراءة والركوع في الركوع الثاني من الركعة الأولى]
قال المصنف رحمه الله: [ثم يرفع ويسمع ويحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى].أي: ثم يرفع بعد الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.ثم بعد ذلك يقرأ ثانية، واختلف العلماء: فقال بعضهم: يستفتح بالتعوذ، ثم بعد ذلك يشرع في القراءة.
وقال بعضهم: يشرع في القراءة مباشرة لأنه اتصال، والفصل في الركوع لا يضر، وهذا مفرع على مسألة الفصل بالركوع والسجود هل هو فصل فتشرع الاستعاذة، أو ليس بفصل فلا تشرع الاستعاذة؟ والصحيح أنه تشرع الاستعاذة، فيستعيذ لظاهر قوله سبحانه وتعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [النحل:98]، فيشرع له أن يستعيذ عند ابتداء قراءته بعد رفعه من الركوع الأول من الركعة الأولى.
قوله: (ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون السورة الأولى)، هذا هو هديه عليه الصلاة والسلام، فقد كان يخفف ما يلي عما قبله، ولذلك تجد النفوس أقوى في الأولى، وتقوى على الركوع الأول وعلى القيام الأول أكثر من قدرتها على ما بعده، وهذا من كمال هديه عليه الصلاة والسلام، وكذلك حسن فقهه وإمامته بالناس صلوات الله وسلامه عليه، فإن النفوس تضعف وتدركها سآمة العبادة، ولذلك جعل صدرها وأولها أشق وأطول، حتى يكون ما بعدها أخف، فترتاح النفوس، وتقوى على هذه الإطالة ولا تملها.
فبناء على هذا يشرع للإمام أن يحزر السور، وأن يحزر الآيات التي يريد قراءتها، فليست العبرة بعدد الآيات وقصر الفصل، ولكن العبرة بسلاسة القراءة؛ فإنه ربما تكون الآيات طويلة ولكنها سهلة سلسلة في قراءته، بحيث يمكنه أن يقرأها في أقصر وقت أكثر من غيرها؛ لأن هذا يرجع إلى الحروف وإلى الكلمات ومخارجها وصعوبة قراءتها، فلذلك يختار من المقاطع ويرتبها حتى يكون ذلك أدعى لإصابته للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون قيامه الثاني دون قيامه الأول.
قال المصنف رحمه الله: [ثم يركع فيطيل وهو دون الأول].هذا هو الركوع الثاني من الركعة الأولى، ولكنه دون الركوع الأول، والصحيح أن هذين الركوعين يشرع فيهما الإطالة،
خلافا لمن قال من أصحاب الإمام الشافعي رحمة الله على الجميع: إنه لا يشرع أن يطيل.والسنة تدل على الإطالة فيه، ففي الحديث: (فأطال)،
وفي رواية: (ركع فلم يكد يرفع) من طول ركوعه عليه الصلاة والسلام، وهذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.فعلى العموم فإن السنة أن يطيل في ركوعه الثاني، ولكن يكون دون الركوع الأول.
قال رحمه الله تعالى: [ثم يرفع].يرفع من ركوعه الثاني في الركعة الأولى، ثم إذا رفع لا يطول، فإذا رفع من الركوع الثاني من الركعة الأولى يكون قيامه كالمعتاد، فيقول مثلا: (ربنا ولك الحمد)، وإن شاء أن يصيب السنة قال: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ... ) إلى آخر هذا الدعاء،
أو يقول: (حمدا كثيرا طيبا، مباركا فيه)، ثم يسجد.
[صفة السجود في الركعة الأولى]
قال المصنف رحمه الله: [ثم يسجد سجدتين طويلتين].
هاتان السجدتان تابعتان للركعة الأولى، وهاتان السجدتان يشرع فيهما الإطالة كالركوع، وذهب بعض العلماء رحمة الله عليهم إلى أنه يخفف السجدتين.والصحيح أنه يطول السجدتين، وتكون على الصفة التي تقدمت، فيطيل السجود الأول ويخفف السجود الثاني للهدي الذي ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقصيره فيما يكون مرتبا على الولاء؛ حتى يكون ذلك أدعى لدفع السآمة عن الناس والملل من طول العبادة.
وأما مشروعية التطويل بين السجدتين ففيه وجهان للعلماء: فمن أهل العلم من قال: لا يطول، بل يقتصر على المعتاد، فيقول الأذكار: (اللهم اهدني وارحمني وعافني وارفعني وانفعني واجبرني ... ) إلى آخر الدعاء المعروف.ومنهم من يقول: بل يطول ويكثر من ذكر الله عز وجل، وقد جاء حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وأرضاهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال بين السجدتين)، ولكن هذه الرواية في السنن فيها عطاء بن السائب، وفيه كلام،
ولذلك يقول بعض العلماء: إنه لا يطيل فيهما.وإن كان الذي صححه غير واحد من الأئمة أنه يشرع له أن يطول ويثني على الله عز وجل بما هو أهله.
[صفة الركعة الثانية مع التشهد والتسليم من صلاة الكسوف]
قال المصنف رحمه الله: [ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعل ثم يتشهد ويسلم].
قوله: (ثم يصلي الثانية كالأولى) أي: كصفة الأولى، وقوله: (ولكن دونها في كل) في الطول، فيكون قيامه الأول من الركعة الثانية دون قيامه الأول من الركعة الأولى، ويكون قيامه الثاني من الركعة الثانية دون قيامه الثاني من الركعة الأولى، فهذا هو الهدي الوارد عنه عليه الصلاة والسلام في صفة صلاته في الكسوف، وهو ثابت في حديث أم المؤمنين عائشة، وحديث عبد الله بن عباس وغيرهما رضي الله عن الجميع.
قوله: [ثم يتشهد ويسلم].في صفة التشهد عند زوال الكسوف خلاف بين العلماء: فقال بعض العلماء: إن كانت الشمس قد تجلت وانكشفت فإنه يخفف التشهد؛ لأنه زال السبب والموجب فيخففه.وقال بعض العلماء: يتشهد على ما هو معتاد له ولا يتجوز.
[تأثر طول الصلاة وقصرها بانجلاء الكسوف]
قال المصنف رحمه الله: [فإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة].إذا تجلت أثناء الركعة الثانية، أو بعد قيامه من الركوع الأول من الركعة الثانية فللعلماء في تتمة صلاته حينئذ وجهان: فمنهم من يقول: إن العبرة بالابتداء، ويتم الصلاة على الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفف.
ومنهم من يقول: بل يخفف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)، فلما قال: (حتى ينكشف ما بكم) دل على أن الصلاة ينبغي أن تتأقت بالانكشاف، وعلى هذا فالوجه الثاني هو الأقوى، فيخفف إذا تجلت الشمس وتبين أن الكسوف أو الخسوف قد زال، فإنه حينئذ يخفف ما بقي من الركعات والسجدات ويصلي كصلاته المعتادة، وهذا هو اختيار جمع من العلماء -كما ذكرنا- لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم).
[اشتراك الشمس والقمر في صفة الصلاة]
ذكرنا صفة صلاة الكسوف، وهذه الصفة هي مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث رحمة الله على الجميع، فصلاة الكسوف تصلى على هذه الصفة الواردة في الأحاديث الصحيحة، وهي أحاديث من سمينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وذهب الإمام أبو حنيفة وبعض المالكية إلى أنه يصلي ركعتين كالصلاة المعتادة، ولا تكون لها جماعة، بمعنى أنه يصلي ركعتين دون أن يجمع، وهذا في صلاة خسوف القمر، فكل إنسان يصلي على حدة، ولا يلزم أن يجتمع الناس، فهذا هو مذهبهم.والصحيح مذهب من ذكرنا، فيشرع أن يصليها مع الجماعة، وتصلى بهذه الصفة الواردة، ويشمل ذلك صلاة الكسوف وصلاة الخسوف لثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
أما صلاة الخسوف فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم هذا فصلوا وادعوا)، فشرك بين الكسوف والخسوف، فجعل كسوف الشمس وكسوف القمر كلاهما يشتركان في قوله: (فصلوا)، فدل على أن حكمهما واحد، وأنه كما يصلى الكسوف بالصفة التي ذكرناها جماعة يشرع له أن يصلي الخسوف بالصفة التي ذكرناها جماعة، ولذلك يعتبر مذهب الحنفية وبعض المالكية رحمة الله عليهم مرجوحا من هذا الوجه.
[الأحوال التي لا تشرع فيها صلاة الكسوف]
قال رحمه الله تعالى: [وإن غابت الشمس كاسفة، أو طلعت والقمر خاسف، أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل].
في مثل هذه الحالات قال الإمام النووي وغيره من الأئمة رحمة الله عليهم: لا يصلي؛ لأنها إذا غابت يكون قد ذهب سلطانها.
والسنة تقوي هذا القول؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)، وإذا غابت فقد ذهب سلطانها، وكذلك أيضا إذا طلعت الشمس والقمر قد خسف فلا تصلى صلاة الخسوف، والعبرة بالشمس لا بالقمر.
قال رحمه الله تعالى: [أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل].
قوله: (أو كانت) أي: وقعت وحصلت، وقوله: (آية غير الزلزلة) الآيات مثل الصواعق والرياح الشديدة والزلازل، فإنها تنتاب الناس فجأة، فتارة تهب عليهم الرياح وهم لا يشعرون، أو تأتيهم الصواعق في أثناء نزول المطر فيباغتون بها، فإذا وقعت بشكل يزعج منه ويخاف منه يفر إلى الصلاة،
وللعلماء رحمة الله عليهم في الصلاة عند الآيات غير الكسوف وجهان: فمن أهل العلم من يقول: يشرع أن يصلي صلاة الكسوف في كل آية فيها خوف؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا)، فجعل الصلاة مرتبة على الخوف،
قالوا: فكل شيء فيه خوف يشرع أن يصلى له صلاة الكسوف، كما لو كثرت الصواعق، أو أصبحت الرعود قوية جدا بحيث تزعج وتحدث الرهبة والخوف عند الناس، أو كانت في منتصف الليل والناس على ضجعة فجاءتهم على شكل مفزع، فحينئذ يشرع أن يصلوا صلاة الكسوف.ويختار هذا القول بعض الأئمة، ويميل إليه الإمام ابن حزم الظاهري رحمة الله على الجميع.
ومن أهل العلم من قال: لا يشرع أن تصلى صلاة الكسوف إلا فيما ورد فيه النص من كسوف الشمس وخسوف القمر، أما كسوف الشمس فلفعله عليه الصلاة والسلام،
وأما خسوف القمر فلقوله: (فإذا رأيتم هذا فصلوا وادعوا)، فشرك بينهما.والصحيح أن هذه الصلاة لا تشرع إلا في الكسوف والخسوف، والزلزلة لا يصلى فيها؛ لأن الأثر عن علي رضي الله عنه ضعيف، فالقول بجواز الصلاة للزلزلة ضعيف، إلا أنه يجوز أن يصلي الناس صلاة عامة؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة أنه: (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، فلو أن الرعود أو الصواعق أصابت الناس أو حدثت الزلزلة فكل إنسان يصلي ويفزع إلى الله عز وجل بالصلاة.