
24-01-2022, 05:42 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (60)
من صــ 154 الى صــ 160
وذلك لأنهم ابتدعوا بدعا خلطوها بما جاءت به الرسل، وفرقوا دينهم وكانوا شيعا، فصار في كل فريق منهم حق وباطل، وهم يكذبون بالحق الذي مع الفريق الآخر، ويصدقون بالباطل الذي معهم.
وهذا حال أهل البدع كلهم ;
فإن معهم حقا وباطلا، فهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق ويصدق بما معه من الباطل، كالخوارج والشيعة ; فهؤلاء يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه. وهؤلاء يصدقون بما روي في فضائل علي بن أبي طالب، ويكذبون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر، ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان.
ودين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة. فالمسلمون وسط في التوحيد بين اليهود والنصارى، فاليهود تصف الرب بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، ويشبهون الخالق بالمخلوق.
كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق السماوات والأرض تعب. وهو سبحانه الجواد الذي لا يبخل والغني الذي لا يحتاج إلى غيره، والقادر الذي لا يمسه لغوب. والقدرة والإرادة والغنى عما سواه هي صفات الكمال التي تستلزم سائرها.
والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: المسيح ابن الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}.
فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، فهو موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص، وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
وكذلك في النبوات ; فاليهود تقتل بعض الأنبياء، وتستكبر عن اتباعهم، وتكذبهم وتتهمهم بالكبائر. والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيا ورسولا، كما يقولون في الحواريين: إنهم رسل، بل يطيعون أحبارهم ورهبانهم كما تطاع الأنبياء. فالنصارى تصدق بالباطل، واليهود تكذب بالحق.
ولهذا كان في مبتدعة أهل الكلام شبه من اليهود، وفي مبتدعة أهل التعبد شبه من النصارى ; فآخر أولئك الشك والريب، وآخر هؤلاء الشطح والدعاوى الكاذبة، لأن أولئك كذبوا بالحق فصاروا إلى الشك، وهؤلاء صدقوا بالباطل فصاروا إلى الشطح، فأولئك كظلمات في بحر لجي، يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، وهؤلاء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به، فانتهوا إلى الشك المنافي للعلم، بعد أن كان لهم علم بالمشروع، لكن زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، وكانوا مغضوبا عليهم.
ومبتدعة العباد طلبوا القرب من الله بما ابتدعوه في العبادة، فلم يحصل لهم إلا البعد منه ; فإنه ما ازداد مبتدع اجتهادا إلا ازداد من الله تعالى بعدا.
والبعد عن رحمته، هو اللعنة وهو غاية النصارى. وأما الشرائع فاليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولا بغير شريعة الرسول الأول، وقالوا: لا يجوز أن ينسخ ما شرعه. والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يغيروا من الشرائع ما أرسل الله بهم رسوله، فأولئك عجزوا الخالق، ومنعوه ما تقتضيه قدرته وحكمته في النبوات والشرائع. وهؤلاء جوزوا للمخلوق أن يغير ما شرعه الخالق، فضاهوا المخلوق بالخالق.
وكذلك في العبادات ; فالنصارى يعبدونه ببدع ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان. واليهود معرضون عن العبادات، حتى في يوم السبت الذي أمرهم الله أن يتفرغوا فيه لعبادته، إنما يشتغلون فيه بالشهوات. فالنصارى مشركون به واليهود مستكبرون عن عبادته.
والمسلمون عبدوا الله وحده بما شرع، ولم يعبدوه بالبدع. وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به جميع النبيين، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره، وهو الحنيفية دين إبراهيم. فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر.
وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: 48].
وقال: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [سورة غافر: 60].
والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة إلا بقول فاسد، لا ينفردون قط بقول صحيح. وكل من كان عن السنة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر. وليس في الطوائف المنتسبين إلى السنة أبعد عن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرافضة.
(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأما قرنه بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جدا. فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية إذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة: يدخل في الصلاة ذكر الله تعالى ودعاؤه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه. وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع: من نصر المظلوم وإغاثة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل معروف صدقة} فيدخل فيه كل إحسان.
ولو ببسط الوجه والكلمة الطيبة. ففي الصحيحين: عن عدي بن حاتم رضي الله عنه " قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه فينظر أمامه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل فإن لم يجد فبكلمة طيبة}.
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقى}. وفي السنن {عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن}. وروي {عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم سلمة: يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة}.
(فصل في الإسلام والإيمان والإحسان)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وجعل دينه ثلاث درجات: إسلام ثم إيمان ثم إحسان. وجعل الإسلام مبنيا على أركان خمسة: ومن آكدها الصلاة " وهي خمسة فروض وقرن معها الزكاة فمن آكد العبادات الصلاة وتليها الزكاة ففي الصلاة عبادته وفي الزكاة الإحسان إلى خلقه فكرر فرض الصلاة في القرآن في غير آية ولم يذكرها إلا قرن معها الزكاة.
من ذلك قوله تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقال: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} وقال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.
وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة ورواه مسلم من حديث عمر " {أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت} وعنه قال صلى الله عليه وسلم {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}.
{ولما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}.
فصل:
وجاء ذكر الصلاة والزكاة في القرآن مجملا فبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وإن بيانه أيضا من الوحي؛ لأنه سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة.
ثم قال رحمه الله تعالى -::
فقد سمى الله الزكاة صدقة وزكاة. ولفظ الزكاة في اللغة يدل على النمو والزرع يقال فيه: زكا إذا نما ولا ينمو إلا إذا خلص من الدغل. فلهذا كانت هذه اللفظة في الشريعة تدل على الطهارة: {قد أفلح من زكاها} {قد أفلح من تزكى} نفس المتصدق تزكو وماله يزكو يطهر ويزيد في المعنى. وقد أفهم الشرع أنها شرعت للمواساة ولا تكون المواساة إلا فيما له مال من الأموال فحد له أنصبة ووضعها في الأموال النامية فمن ذلك ما ينمو بنفسه؛ كالماشية والحرث.
وما ينمو بتغير عينه والتصرف فيه كالعين وجعل المال المأخوذ على حساب التعب فما وجد من أموال الجاهلية هو أقله تعبا ففيه الخمس ثم ما فيه التعب من طرف واحد فيه نصف الخمس وهو العشر فيما سقته السماء وما فيه التعب من طرفين فيه ربع الخمس وهو نصف العشر فيما سقي بالنضح وما فيه التعب في طول السنة كالعين ففيه ثمن ذلك وهو ربع العشر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|