
24-01-2022, 04:27 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (58)
من صــ 140 الى صــ 146
ورابعها: أن من الناس من فرق بين الخير والأفضل فيقال الخير للأنفع
وخامسها: أنه لا يدل على أن الملأ الأعلى أفضل من هؤلاء الذاكرين إلا في هذه الدنيا وفي هذه الحال لأنهم لم يكملوا بعد ولم يصلحوا أن يصيروا أفضل من الملأ الأعلى فالملأ الأعلى خير منهم في هذه الحالة كما يكون الشيخ العاقل خيرا من عامة الصبيان لأنه إذ ذاك فيه من الفضل ما ليس في الصبيان ولعل في الصبيان في عاقبته أفضل منه بكثير ونحن إنما نتكلم على عاقبة الأمر ومستقره. فليتدبر هذا فإنه جواب معتمد إن شاء الله؛ والله سبحانه أعلم بحقائق خلقه وأفاضلهم وأحكم في تدبيرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا ما تيسر تعليقه وأنا عجلان في حين من الزمان والله المستعان وهو المسئول أن يهدي قلوبنا ويسدد ألسنتنا وأيدينا والحمد لله رب العالمين.
(وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35)
(فصل في الرد على ابن إسرائيل وشيخه)
قال ابن إسرائيل الأمر أمران: أمر بواسطة وأمر بغير واسطة فالأمر الذي بالوسائط رده من شاء الله وقبله من شاء الله والأمر الذي بغير واسطة لا يمكن رده وهو قوله تعالى {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}. فقال له فقير: إن الله قال لآدم بلا واسطة: لا تقرب الشجرة - فقرب وأكل.
فقال: صدقت وذلك أن آدم إنسان كامل؛ ولذلك قال شيخنا علي الحريري: آدم صفي الله تعالى كان توحيده ظاهرا وباطنا فكان قوله لآدم " لا تقرب الشجرة " ظاهرا وكان أمره " كل " باطنا فأكل فكذلك قوله تعالى. وإبليس كان توحيده ظاهرا فأمر بالسجود لآدم فرآه غيرا فلم يسجد. فغير الله عليه وقال: {اخرج منها}.
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وأما ما ذكره عن شيخه من أن آدم كان توحيده ظاهرا وباطنا فكان قوله " لا تقرب " ظاهرا وكان أمره " بكل " باطنا. فيقال: إن أريد بكونه قال " كل " باطنا أنه أمره بذلك في الباطن أمر تشريع ودين: فهذا كذب وكفر وإن كان أراد أنه خلق ذلك وقدره وكونه: فهذا قدر مشترك بين آدم وبين سائر المخلوقات فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
وإن قيل: إن آدم شهد الأمر الكوني القدري وكان مطيعا لله بامتثاله له. كما يقول هؤلاء: إن العارف الشاهد للقدر يسقط عنه الملام. فهذا مع أنه معلوم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام فهو كفر باتفاق المسلمين.
فيقال: الأمر الكوني يكون موجودا قبل وجود المكون لا يسمعه العبد وليس امتثاله مقدورا له بل الرب هو الذي يخلق ما كونه بمشيئته وقدرته والله تعالى ليس له شريك في الخلق والتكوين. والعبد وإن كان فاعلا بمشيئته وقدرته والله خالق كل ذلك فتكوين الله للعبد ليس هو أمرا لعبد موجود في الخارج يمكنه الامتثال وكذلك ما خلقه من أحواله وأعماله: خلقه بمشيئته وقدرته و: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} فكل ما كان من المكونات فهو داخل في هذا الأمر.
وأكل آدم من الشجرة وغير ذلك من الحوادث: داخل تحت هذا كدخول آدم؛ فنفس أكل آدم هو الداخل تحت هذا الأمر كما دخل آدم. فقول القائل: إنه قال لآدم في الباطن: " كل " مثل قوله إنه قال للكافر اكفر وللفاسق افسق والله لا يأمر بالفحشاء ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يوجد منه خطاب باطن ولا ظاهر للكفار والفساق والعصاة: بفعل الكفر والفسوق والعصيان وإن كان ذلك واقعا بمشيئته وقدرته وخلقه وأمره الكوني فالأمر الكوني ليس هو أمرا للعبد أن يفعل ذلك الأمر بل هو أمر تكوين لذلك الفعل في العبد أو أمر تكوين لكون العبد على ذلك الحال.
فهو سبحانه الذي خلق الإنسان هلوعا {إذا مسه الشر جزوعا} {وإذا مسه الخير منوعا} وهو الذي جعل المسلمين مسلمين كما قال الخليل: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} فهو سبحانه جعل العباد على الأحوال التي خلقهم عليها وأمره لهم بذلك أمر تكوين بمعنى أنه قال لهم كونوا كذلك فيكونون كذلك كما قال للجماد: كن فيكون.
فأمر التكوين لا فرق فيه بين الجماد والحيوان وهو لا يفتقر إلى علم المأمور ولا إرادته ولا قدرته لكن العبد قد يعلم ما جرى به القدر في أحواله كما يعلم ما جرى به القدر في أحوال غيره وليس في ذلك علم منه بأن الله أمره في الباطن؛ بخلاف ما أمره في الظاهر بل أمره بالطاعة باطنا وظاهرا ونهاه عن المعصية باطنا وظاهرا وقدر ما يكون فيه من طاعة ومعصية باطنا وظاهرا وخلق العبد وجميع أعماله باطنا وظاهرا وكون ذلك بقوله " كن " باطنا وظاهرا.
[قاعدة: وليس في القدر حجة لابن آدم ولا عذر بل القدر يؤمن به ولا يحتج به والمحتج بالقدر فاسد العقل والدين متناقض]
فإن القدر إن كان حجة وعذرا: لزم أن لا يلام أحد؛ ولا يعاقب ولا يقتص منه وحينئذ فهذا المحتج بالقدر يلزمه - إذا ظلم في نفسه وماله وعرضه وحرمته - أن لا ينتصر من الظالم ولا يغضب عليه ولا يذمه؛ وهذا أمر ممتنع في الطبيعة لا يمكن أحد أن يفعله فهو ممتنع طبعا محرم شرعا.
ولو كان القدر حجة وعذرا: لم يكن إبليس ملوما ولا معاقبا ولا فرعون وقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الكفار ولا كان جهاد الكفار جائزا ولا إقامة الحدود جائزا ولا قطع السارق ولا جلد الزاني ولا رجمه ولا قتل القاتل ولا عقوبة معتد بوجه من الوجوه.
ولما كان الاحتجاج بالقدر باطلا في فطر الخلق وعقولهم: لم تذهب إليه أمة من الأمم ولا هو مذهب أحد من العقلاء الذين يطردون قولهم فإنه لا يستقيم عليه مصلحة أحد لا في دنياه ولا آخرته ولا يمكن اثنان أن يتعاشرا ساعة واحدة؛ إن لم يكن أحدهما ملتزما مع الآخر نوعا من الشرع فالشرع نور الله في أرضه وعدله بين عباده.
لكن الشرائع تتنوع: فتارة تكون منزلة من عند الله كما جاءت به الرسل وتارة لا تكون كذلك ثم المنزلة: تارة تبدل وتغير - كما غير أهل الكتاب شرائعهم - وتارة لا تغير ولا تبدل وتارة يدخل النسخ في بعضها وتارة لا يدخل.
وأما القدر: فإنه لا يحتج به أحد إلا عند اتباع هواه فإذا فعل فعلا محرما بمجرد هواه وذوقه ووجده؛ من غير أن يكون له علم بحسن الفعل ومصلحته استند إلى القدر كما قال المشركون: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} قال الله تعالى: {كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} فبين أنهم ليس عندهم علم بها كانوا عليه من الدين وإنما يتبعون الظن.
والقوم لم يكونوا ممن يسوغ لكل أحد الاحتجاج بالقدر فإنه لو خرب أحد الكعبة؛ أو شتم إبراهيم الخليل أو طعن في دينهم لعادوه وآذوه كيف وقد عادوا النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الدين وما فعله هو أيضا من المقدور.
فلو كان الاحتجاج بالقدر حجة لكان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فإن كان كل ما يحدث في الوجود فهو مقدر فالمحق والمبطل يشتركان في الاحتجاج بالقدر إن كان الاحتجاج به صحيحا ولكن كانوا يتعمدون على ما يعتقدونه من جنس دينهم وهم في ذلك يتبعون الظن ليس لهم به علم بل هم يخرصون. {وموسى لما قال لآدم: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم عليه السلام - فيما قال لموسى - لم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاما؟ فحج آدم موسى} لم يكن آدم عليه السلام محتجا على فعل ما نهي عنه بالقدر ولا كان موسى ممن يحتج عليه بذلك فيقبله بل آحاد المؤمنين لا يفعلون مثل هذا فكيف آدم وموسى؟.
وآدم قد تاب مما فعل واجتباه ربه وهدى وموسى أعلم بالله من أن يلوم من هو دون نبي على فعل تاب منه فكيف بنبي من الأنبياء؟ وآدم يعلم أنه لو كان القدر حجة لم يحتج إلى التوبة ولم يجر ما جرى من خروجه من الجنة وغير ذلك ولو كان القدر حجة لكان لإبليس وغيره وكذلك موسى يعلم أنه لو كان القدر حجة لم يعاقب فرعون بالغرق ولا بنو إسرائيل بالصعقة وغيرها كيف وقد قال موسى {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي}
وقال: {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} وهذا باب واسع. وإنما كان لوم موسى لآدم من أجل المصيبة التي لحقتهم بآدم من أكل الشجرة؛ ولهذا قال: {لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة}؟ واللوم لأجل المصيبة التي لحقت الإنسان نوع واللوم لأجل الذنب الذي هو حق الله نوع آخر
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|