عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 24-01-2022, 05:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (57)

من صــ 133 الى صـ
ـ 139



والجواب من وجوه:

أحدها: ما ذكره القاضي أن قوله: {إلا أن تكونا ملكين} ظن أن الملائكة خير منهما كما ظن أنه خير من آدم وكان مخطئا. وقوله: {أو تكونا من الخالدين} ظنا منه أنهما يؤثران الخلود؛ لما في ذلك من السلامة من الأمراض والأسقام والأوجاع والآفات والموت؛ لأن الخالد في الجنة هذه حاله ولم يخرج هذا مخرج التفضيل على الأنبياء ألا ترى أن الحور والولدان المخلوقين في الجنة خالدون فيها وليسوا بأفضل من الأنبياء؟ وثانيها أن الملك أفضل من بعض الوجوه وكذلك الخلود آثر عندهما فمالا إليه.
وثالثها: أن حالهما تلك كانت حال ابتداء لا حال انتهاء فإنهما في الانتهاء قد صارا إلى الخلود الذي لا حظر فيه ولا معه ولا يعقبه زوال وكذلك يصيران في الانتهاء إلى حال هي أفضل وأكمل من حال الملك الذي أراداها أولا وهذا بين.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} فبدأ بهم والابتداء إنما يكون بالأفضل والأشرف فالأفضل والأشرف كما بدأ بذلك في قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فبدأ بالأكمل والأفضل.
والجواب: أن الابتداء قد يكون كثيرا بغير الأفضل بل يبتدأ بالشيء لأسباب متعددة كما في قوله تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم} ولم يدل ذلك على أن نوحا أفضل من إبراهيم والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل؛ وكذلك قوله: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} لا يدل على أن المسلم أفضل من المؤمن؛ فلعله - والله أعلم - إنما بدأ بهم لأن الملائكة أسبق خلقا ورسالة؛ فإنهم أرسلوا إلى الجن والإنس؛ فذكر الأول فالأول: في الخلق والرسالة: على ترتيبهم في الوجود. وقد قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} والذكور أفضل من الإناث.
وقال: {والتين والزيتون} {والشمس وضحاها} الآيات. و {فيهما فاكهة ونخل ورمان} إلى غير ذلك ولم يدل التقديم في شيء من هذه المواضع على فضل المبدوء به فعلم أن التقديم ليس لازما للفضل.
(الحجة الخامسة: قوله تعالى {فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} فدل على أن الملك أفضل من البشر وهن إنما أردن أن يتبين لهن حال هي أعظم من حال البشر. وقد أجابوا عنه بجوابين.
أحدهما أنهن لم يعتقدن أن الملائكة أحسن من جميع النبيين وإن لم يروهم لمخبر أخبرهم فسكن إلى خبره فلما هالهن حسنه قلن: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} لأن هذا الحسن ليس بصفة بشر. وثانيهما: أنهن اعتقدن أن الملائكة خير من النبيين فكان هذا الاعتقاد خطأ منهن ولا يقال إنه لما لم يقرن بالإنكار دل على أنه حق فإن قولهن:
{ما هذا بشرا} خطأ. وقولهن: {إن هذا إلا ملك كريم} خطأ أيضا في غيبتهن (*) عنه أنه بشر وإثباتهن أنه ملك وإن لم يقرن بالإنكار: دل على أنه حق وأن قولهن: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} خطأ في نفيهن عنه البشرية وإثباتهن له الملائكية؛ وإن لم يقرن بالإنكار لغيبة عقولهن عند رؤيته فلم يلمن في تلك الحال على ذلك. وأقول أيضا: إن النسوة لم يكن يقصدن أنه نبي؛ بل ولا أنه من الصالحين إذ ذاك ولم يشهدن له فضلا على غيره من البشر في الصلاح والدين وإنما شهدن بالفضل في الجمال والحسن وسباهن جماله فشبهنه بحال الملائكة وليس هذا من التفضيل في شيء من الذي نريد.
ثم نقول: إذا كان التفضيل بالجمال حقا: فقد ثبت أن أهل الجنة تدخل الزمرة الأولى ووجوههم كالشمس والذين يلونهم كالقمر الحديث؛ فهذه حال السعداء عند المنتهى وإن كان في الجمال والملك تفضيل: فإنما هو في هذه الحياة الدنيا؛ لعلم علمه النساء وأكثر الناس.
وأما ما فضل الله عباده الصالحين وما أعده الله من الكرامة: فأكثر الناس عنه بمعزل ليس لهم نظر إليه وكذلك ما آتاهم الله من العلم الذي غبطتهم الملائكة به من أول ما خلقهم وهو مما به يفضلون. فهذا الجواب وما قبله.
(الحجة السادسة: قوله تعالى {إنه لقول رسول كريم} {ذي قوة عند ذي العرش مكين} {مطاع ثم أمين} فهذه صفة جبرائيل. ثم قال: {وما صاحبكم بمجنون} فوصف جبرائيل بالكرم والرسالة والقوة والتمكين عنده وأنه مطاع وأنه أمين فوصفه بهذه الصفات الفاضلة ثم عطف عليه بقوله: {وما صاحبكم بمجنون} فأضاف الرسول البشري إلينا وسلب عنه الجنون وأثبت له رؤية جبرائيل ونفى عنه البخل والتهمة وفي هذا تفاوت عظيم بين البشر والملائكة وبين الصفات والنعم وهذا قاله بعض المعتزلة زل به عن سواء السبيل. والجواب: أولا: أين هو من قوله: {ألم نشرح لك صدرك} إلى آخرها وقوله: {والضحى} {والليل إذا سجى}؟ وقوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} الآيات: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}؟.
وأين هو عن قصة المعراج التي تأخر فيها جبرائيل عن مقامه؟ ثم أين هو عن الخلة؟ وهو التقريب؛ فهذا نزاع من لم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم قدره.
ثم نقول ثانيا: لما كان جبرائيل هو الذي جاء بالرسالة وهو صاحب الوحي وهو غيب عن الناس؛ لم يروه بأبصارهم ولم يسمعوا كلامه بآذانهم وزعم زاعمون أن الذي يأتيه شيطان يعلمه ما يقول أو أنه إنما يعلمه إياه بعض الإنس. أخبر الله العباد أن الرسول الذي جاء به ونعته أحسن النعت.
وبين حاله أحسن البيان وذلك كله إنما هو تشريف لمحمد صلى الله عليه وسلم ونفى عنه ما زعموه وتقرير للرسالة؛ إذ كان هو صاحبه الذي يأتي بالوحي فقال: {إنه لقول رسول كريم} أي أن الرسول البشري لم ينطق به من عند نفسه وإنما هو مبلغ يقول ما قيل له؛ فكان في اسم الرسول إشارة إلى محض التوسط والسعاية.
ثم وصفه بالصفات التي تنفي كل عيب؛ من القوة والمكنة والأمانة والقرب من الله سبحانه فلما استقر حال الرسول الملكي بين أنه من جهته وأنه لا يجيء إلا بالخير. وكان الرسول البشري معلوم ظاهره عندهم وهو الذي يبلغهم الرسالة ولولا هؤلاء لما أطاقوا الأخذ عن الرسول الملكي؛ وإنما قال: {صاحبكم} إشارة إلى أنه قد صحبكم سنين قبل ذلك ولا سابقة له بما تقولون فيه وترمونه؛ من الجنون والسحر وغير ذلك؛ وأنه لولا سابقته وصحبته إياكم لما استطعتم الأخذ عنه؛ ألا تسمعه يقول:{ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} - تمييزا - من المرسلين؛ ثم حقق رسالته بأنه رأى جبرائيل وأنه مؤتمن على ما يأخذه عنه فقام أمر الرسالة بهاتين الصفتين وجاء على الوجه الأبلغ والأكمل والأصلح. وقد احتجوا بآيات تقدم التنبيه على مقاصدها؛ من وصف الملائكة بالتسبيح والطاعة والعبادة وغير ذلك.
(الحجة السابعة: الحديث المشهور الصحيح عن الله عز وجل أنه قال: {من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه} ".
والملأ الذي يذكر الله الذاكر فيه هم: (الملائكة وقد نطق الحديث بأنهم أفضل من الملأ الذين يذكر العبد فيهم ربه وخير منهم وقد قال بعضهم: وكم من ملإ ذكر الله فيه والرسول حاضر فيهم؛ بل وقع ذلك في مجالس الرسول كلهم فأين العدول عن هذا الحديث الصحيح الجواب:
أن هذا الحديث صحيح وهو أجود وأقوى ما احتجوا به وقد أجابوا عنه بوجهين:
أحدهما أضعف من الآخر وهو أن الخير يجوز أن يرجع إلى الذكر لا إلى المذكور فيهم تقديره ذكرته ذكرا خيرا من ذكره لأن ذكر الله كلامه وهذا ليس بشيء فإن الخير مجرور صفة للملإ وقد وصل بقوله منهم ولم يقل منه ولولا ذلك المعنى لقيل ذكرته في ملإ خيرا منه بالنصب وصلة الضمير الذكر. وهذا من أوضح الكلام لمن له فقه بالعربية ونعوذ بالله من التنطع.
(وثانيهما أنه محمول على ملأ خير منه ليس فيهم نبي فإن الحديث عام عموما مقصودا شاملا كيف لا؛ والأنبياء والأولياء هم أهل الذكر ومجالسهم مجالس الرحمة؟ فكيف يجيء استثناؤهم؟ لكن هنا أوجه متوجهة: - (أحدها: " أن الملأ الأعلى " الذين يذكر الله من ذكره فيهم: هم صفوة الملائكة وأفضلهم والذاكر فيهم للعبد هو الله يقال ينبغي أن يفرض على موازنة أفضل بني آدم يجتمعون في مجلس نبيه صلى الله عليه وسلم وإن كان أفضل البشر لكن الذين حوله ليس أفضل من بقي من البشر الفضلاء فإن الرسل والأنبياء أفضل منهم.
(وثانيها: أن مجلس أهل الأرض إن كان فيه جماعة من الأنبياء يذكر العبد فيهم ربه: فالله تعالى يذكر العبد في جماعات من الملائكة أكثر من أولئك فيقع الخير للكثرة التي لا يقوم لها شيء فإن الجماعة كلما كثروا كانوا خيرا من القليل. (وثالثها: أنه لعله في الملإ الأعلى جماعة من الأنبياء يذكر الله العبد فيهم؛ فإن أرواحهم هناك.
__________

Q (*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42 - هامش):
كذا، وهو تصحيف صوابه: نفيهن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]