
24-01-2022, 05:05 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (55)
من صــ 119 الى صــ 125
ثم نقول: هي بمجموعها وانضمام بعضها إلى بعض ومجيئها من طرق متباينة قد توجب اليقين لأولي الخبرة بعلم الإسناد وذوي البصيرة بمعرفة الحديث ورجاله فإن هذا علم اختصوا به كما اختص كل قوم بعلم؛ وليس من لوازم حصول العلم لهم حصوله لغيرهم إلا أن يعلموا ما علموا مما به يميزون بين صحيح الحديث وضعيفه.
والعلوم على اختلاف أصنافها وتباين صفاتها لا توجب اشتراك العقلاء فيها لا سيما السمعيات الخبريات وإن زعم فرقة من أولي الجدل أن الضروريات يجب الاشتراك فيها فإن هذا حق في بعض الضروريات؛ لا في جميعها مع تجويزنا عدم الاشتراك في شيء من الضروريات لكن جرت سنة الاشتراك بوقوع الاشتراك في بعضها فغلط أقوام فجعلوا وجوب الاشتراك في جميعها فجحدوا كثيرا من العلم الذي اختص به غيرهم.
ثم نقول: لو فرضنا أنها لا تفيد العلم وإنما تفيد ظنا غالبا؛ أو أن المطلوب هو الاستيقان؛ فنقول: المطلوب حاصل بغير هذه الأحاديث وإنما هي مؤكدة مؤيدة لتجتمع أجناس الأدلة على هذه المقالة.
الدليل الثاني عشر (1): قد كان السلف يحدثون الأحاديث المتضمنة فضل صالحي البشر على الملائكة وتروى على رءوس الناس ولو كان هذا منكرا لأنكروه فدل على اعتقادهم ذلك. وهذا إن لم يفد اليقين القاطع فإن بعض الظن لم يقصر عن القوي الغالب وربما اختلف ذلك باختلاف الناس واختلاف أحوالهم.
الدليل الثالث عشر (2): وهو البحث الكاشف عن حقيقة المسألة - وهو أن نقول: التفضيل إذا وقع بين شيئين فلا بد من معرفة الفضيلة ما هي؟ ثم ينظر أيهما أولى بها؟.
وأيضا فإنا إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهايتهم وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ونالوا الزلفى وسكنوا الدرجات العلى وحياهم الرحمن وخصهم بمزيد قربه وتجلى لهم؛ يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم. فلينظر الباحث في هذا الأمر فإن أكثر الغالطين لما نظروا في الصنفين رأوا الملائكة بعين التمام والكمال ونظروا الآدمي وهو في هذه الحياة الخسيسة الكدرة التي لا تزن عند الله جناح بعوضة وليس هذا بالإنصاف. فأقول: فضل أحد الذاتين على الأخرى إنما هو بقربها من الله تعالى ومن مزيد اصطفائه وفضل اجتبائه لنا وإن كنا نحن لا ندرك حقيقة ذلك. هذا على سبيل الإجمال وعلى حسب الأمور التي هي في نفسها خبر محض وكمال صرف مثل الحياة والعلم والقدرة والزكاة والطهارة والطيب والبراءة من النقائص والعيوب فنتكلم على الفضلين: (أما الأول: فإن جنة عدن خلقها الله تعالى وغرسها بيده ولم يطلع على ما فيها ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وقال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون.
جاء ذلك في أحاديث عديدة وأنه ينظر إليها في كل سحر وهي داره فهذه كرامة الله تعالى لعباده المؤمنين التي لم يطلع عليها أحد من الملائكة ومعلوم أن الأعلين مطلعون على الأسفلين من غير عكس ولا يقال: هذا في حق المرسلين فإنها إنما بنيت لهم لكن لم يبلغوا بعد إبان سكناها وإنما هي معدة لهم؛ فإنهم ذاهبون إلى كمال ومنتقلون إلى علو وارتفاع وهو جزاؤهم وثوابهم. وأما الملائكة فإن حالهم اليوم شبيهة بحالهم بعد ذلك فإن ثوابهم متصل وليست الجنة مخلوقة (3)
وتصديق هذا قوله تعالى {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}. فحقيقة ما أعده الله لأوليائه غيب عن الملائكة وقد غيب عنهم أولا حال آدم في النشأة الأولى وغيرها. وفضل عباد الله الصالحين يبين فضل الواحد من نوعهم؛ فالواحد من نوعهم إذا ثبت فضلهم على جميع الأعيان والأشخاص ثبت فضل نوعهم على جميع الأنواع إذ من الممتنع ارتفاع شخص من أشخاص النوع المفضول إلى أن يفوق جميع الأشخاص والأنواع الفاضلة فإن هذا تبديل الحقائق وقلب الأعيان عن صفاتها النفسية؛ لكن ربما فاق بعض أشخاص النوع الفاضل مع امتياز ذلك عليه بفضل نوعه وحقيقته كما أن في بعض الخيل ما هو خير من بعض الخيل ولا يكون خيرا من جميع الخيل. إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه. روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد؛ في تفسير:
{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه لا يقول إن إجلاسه على العرش منكرا (4) - وإنما أنكره بعض الجهمية ولا ذكره في تفسير الآية منكر -. وإذا ثبت فضل فاضلنا على فاضلهم ثبت فضل النوع على النوع أعني صالحنا عليهم.
" وأما الذوات " فإن ذات آدم خلقها الله بيده وخلقها الله على صورته ونفخ فيه من روحه ولم يثبت هذا لشيء من الذوات وهذا بحر يغرق فيه السابح لا يخوضه إلا كل مؤيد بنور الهداية وإلا وقع إما في تمثيل أو في تعطيل. فليكن ذو اللب على بصيرة أن وراء علمه مرماة بعيدة وفوق كل ذي علم عليم. وليوقن كل الإيقان بأن ما جاءت به الآثار النبوية حق ظاهرا وباطنا وإن قصر عنه عقله ولم يبلغه علمه
{فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} فلا تلجن باب إنكار ورود إمساك وإغماض - ردا لظاهره وتعجبا من باطنه - حفظا لقواعدك التي كتبتها بقواك وضبطتها بأصولك التي عقلتك عن جناب مولاك. إياك مما يخالف المتقدمين من التنزيه وتوق التمثيل والتشبيه ولعمري إن هذا هو الصراط المستقيم؛ الذي هو أحد من السيف؛ وأدق من الشعر ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
وأما الصفات التي تتفاضل فمن ذلك الحياة السرمدية والبقاء الأبدي في الدار الآخرة وليس للملك أكثر من هذا؛ وإن كانت حياتنا هذه منغوصة بالموت فقد أسلفت أن التفضيل إنما يقع بعد كمال الحقيقتين حتى لا يبقى إلا البقاء وغير ذلك من العلم الذي امتازت به الملائكة.
فنقول: غير منكر اختصاص كل قبيل من العلم بما ليس للآخر فإن الوحي للرسل على أنحاء كما قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} فبين أن الكلام للبشر على ثلاثة أوجه: منها واحد يكون بتوسط الملك. ووجهان آخران ليس للملك فيهما وحي وأين الملك من ليلة المعراج ويوم الطور وتعليم الأسماء وأضعاف ذلك؟.
ولو ثبت أن علم البشر في الدنيا لا يكون إلا على أيدي الملائكة - وهو والله باطل - فكيف يصنعون بيوم القيامة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " {فيفتح الله علي من محامده والثناء عليه بأشياء يلهمنيها لم يفتحها على أحد قبلي} ". وإذا تبين هذا: أن العلم مقسوم من الله؛ وليس كما زعم هذا الغبي بأنه لا يكون إلا بأيدي الملائكة على الإطلاق وهو قول بلا علم بل الذي يدل عليه القرآن أن الله تعالى اختص آدم بعلم لم يكن عند الملائكة وهو علم الأسماء الذي هو أشرف العلوم وحكم بفضله عليهم لمزيد العلم فأين العدول عن هذا الموضع إلى بنيات الطريق؟ ومنها القدرة. وزعم بعضهم أن الملك أقوى وأقدر وذكر قصة جبرائيل بأنه شديد القوى وأنه حمل قرية قوم لوط على ريشة من جناحه فقد آتى الله بعض عباده أعظم من ذلك فأغرق جميع أهل الأرض بدعوة نوح وقال النبي صلى الله عليه وسلم " {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} " {ورب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره} وهذا عام في كل الأشياء وجاء تفسير ذلك في آثار: إن من عباد الله من لو أقسم على الله أن يزيل جبلا أو الجبال عن أماكنها لأزالها وأن لا يقيم القيامة لما أقامها وهذا مبالغة. ولا يقال:
إن ذلك يفضل بقوة خلقت فيه وهذا بدعوة يدعوها لأنهما في الحقيقة يؤولان إلى واحد هو مقصود القدرة ومطلوب القوة وما من أجله يفضل القوي على الضعيف. ثم هب أن هذا في الدنيا فكيف تصنعون في الآخرة؟ وقد جاء في الأثر: " {يا عبدي أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون يا عبدي أنا الحي الذي لا يموت أطعني أجعلك حيا لا تموت} " وفي أثر: " {إن المؤمن تأتيه التحف من الله: من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت} " فهذه غاية ليس وراءها مرمى كيف لا وهو بالله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي؟ فلا يقوم لقوته قوة. وأما الطهارة والنزاهة والتقديس والبراءة عن النقائص والمعائب والطاعة التامة الخاصة لله التي ليس معها معصية ولا سهو ولا غفلة وإنما أفعالهم وأقوالهم على وفق الأمر فقد قال قائل من أين للبشر هذه الصفات؟ وهذه الصفات على الحقيقة هي أسباب الفضل كما قيل: لا أعدل بالسلامة شيئا. فالجواب من وجوه:
أحدها: إنا إذا نظرنا إلى هذه الأحوال في الآخرة كانت في الآخرة للمؤمنين على أكمل حال وأتم وجه وقد قدمنا أن الكلام ليس في تفضيلهم في هذه الحياة فقط بل عند الكمال والتمام والاستقرار في دار الحيوان وفيه وجه قاطع لكل ما كان من جنس هذا الكلام فأين هم من أقوام تكون وجوههم مثل القمر ومثل الشمس لا يبولون ولا يتمخطون ولا يبصقون ما فيهم ذرة من العيب ولا من النقص
__________
Q (1) هكذا بالأصل
Q (2) هكذا بالأصل
Q (3) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42):
يظهر أن العبارة: (وليست الجنة مخلوقة لهم).
Q (4) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42):
الصواب: منكر

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|