
23-01-2022, 08:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,180
الدولة :
|
|
رد: الأسماء الحسنى وبناء الفرد المسلم والدولة الشاهدة
والشق العملي: يوجه الحركة البشرية نحو الطريق الموصل إلى التأثر والتأسي بذلك الكمال المطلق؛ فيحصل للمؤمن ما يناسبه منه، ويصير عبدًا ربانيًّا ومن أولياء الله المقربين، ونحن عندما نؤمن بها ونحصيها ونحفظها، ونذكره بها، ونتأثر سلوكيًّا بنورها - إنما نثني عليه ونسبحه وننزهه عن كل صفة لا تليق به تعالى، وفي كلتا الحالتين نحن نرسخ معرفته في أنفسنا، ونرفع بهذه المعرفة ذواتنا نحو الأعلى بتزكية نفوسنا، وتطرية قلوبنا، وتقويم سلوكنا، وتطهير أعمالنا، وتثبيت مواقفنا على الحق ومعه، وفي كلتا الحالتين - الاعتقادية والعملية – يجمع المرء بإحصاء أسماء الله الحسنى تمام الإسلام والإيمان والإحسان، وينفسح له سبيل الجنة القاصد، ما تقيد بشرطي الأمر والنهي في قوله تعالى بعدها مباشرة: ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].
أما الأمر في هذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، فإن الدعاء في اللغة هو أن تمُيلَ الشيءَ إليك بصوت أو كلام يكون منك، كما ذكر ابن فارس في معجمه، وفي الدين هو دليل معرفة المرء قدر ربه سبحانه، وشعوره بالافتقار إليه، وإقباله على عبادته وذكره وسؤاله والتوسل إليه؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، وقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)).
وأما النهي في قوله تعالى: ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ [الأعراف: 180]، فإن فعل الأمر في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَذَرُوا ﴾، من "وذر"؛ أي: ترك، ولكن العرب أماتت منه الماضي والمصدر واستعملت منه المضارع والأمر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴾ [الإنسان: 27]، وقوله عز وجل: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾ [الإنسان: 11]، وأما قوله تعالى: ﴿ يُلْحِدُونَ ﴾، فمن فعل "لحد" قرأها حمزة: ﴿ يَلْحِدُونَ ﴾، بفتح الياء من "لَحَدَ" ثلاثيًّا، هنا في الأعراف، وفي النحل، وحم السجدة، وقرأها الباقون بضم الياء وكسر الحاء: ﴿ يُلْحِدُونَ ﴾، من "أَلْحَد"، ويدل على ميل وانحراف عن الاستقامة، ومنه يقال: لحدت الميت وألحدته؛ أي: جعلت له قبرًا مائلًا في جانبيه، ومن ذلك سمي القبر لحدًا، وقيل: "ألحد" للرجل؛ إذا مال عن طريق الحق، ولمنكري الدين ملحدين وملاحدة، كما قيل للظلم والعدوان مطلقًا إلحاد؛ لميلهما عن الحق وانصرافهما عنه، أما في سياق هذه الآية الكريمة، فيعني الإلحاد تسمية الله تعالى بما لم يرد في الكتاب والسنة الصحيحة، كما استعمل لفظ الإلحاد عبر تاريخ الانحراف العقدي، ومعاداة الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ للتعبير عن عقيدة الكفر بوجود الخالق، أو إنكار تنزيل الوحي أو حساب يوم الدين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]، وفي العصر الحديث أصبح للإلحاد ثقافة ومثقفون، وأموال وممولون ودول ومنظمات عالمية مارقة عن الدين، مما يوجب على المؤمن بجانب الاشتغال، بتحصيل العلم والدعوة إليه وتربية الخلق عليه، الحذرَ وعدم الانجراف إلى خصومة أربابه، أو إضاعة الجهد والوقت في مجادلتهم، وتركَهم لأمر ربهم يفعل بهم ما يشاء، كما يوجه إليه قوله تعالى عقب دعوته إلى توحيد الله وعبادته: ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ [الأعراف: 180]؛ أي: اتركوا الذين يتجرؤون على وصف الله سبحانه بما لا يليق، أو يلحدون في أسمائه وصفاته بتعطيلها أو إنكارها، أو الزيادة فيها أو النقص منها، أعرضوا عنهم، ولا تكثروا سوادهم أو تجادلوهم، أو تنشغلوا بهم عن دعوتكم، والصالح من أعمالكم: ﴿ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، سيجزيهم الله شر أعمالهم، وهو تهديد واضح وشديد لدعاة الإلحاد في كل زمان ومكان، ووعيد بأنه تعالى كفيل بمحاسبتهم والانتقام منهم، والآية بذلك محكمة وغير منسوخة بآيات القتال؛ كما ذهب إليه ابن جزي رحمه الله؛ لأن سياق أمرها بالترك ومساره غير سياق آيات القتال ومسارها.
وبعد أن عرَّف الوحي الكريم المؤمنين بأسماء الله الحسنى، وعلَّمهم بها التصور الإيماني الحق للربوبية والألوهية، وكان من قبل قد أمر بني إسرائيل باتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذا ما أدركوا بعثته؛ وقال عن بقية الصالحين منهم: ﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 159]، نزل الوحي بما يبشر المسلمين أيضًا، ويطمئنهم ببقاء دينهم وأمتهم وصلاح أمرهم؛ فقال تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا ﴾ [الأعراف: 181]؛ أي: وممن خلقنا للجنة، ﴿ أُمَّةٌ ﴾ [الأعراف: 181]، جماعة أو طائفة أو شعب: ﴿ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 181]، في إشارة منه تعالى إلى خواص ما ينبغي أن تتميز به أمة الإسلام تمسكًا بالحق في كل أمرها، والعدل في رعايتها للعامة والخاصة، فصلَ قضاء، وتوزيعَ ثروة، وتنظيمَ دولة.
ولئن كان ظاهر الآية يعني أن الأرض لا تخلو من قائم لله إلى قيام الساعة، ولم تعين لأمة الحق والعدل فيها عصرًا من العصور، فقد ورد في سبب نزولها ما يخصصها بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ روي أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ((يا رسول الله، قد ذكر الله تعالى هؤلاء الرهط بالخير الجسيم من بني إسرائيل، إن آمنوا بك وجعل لهم أجرين[2]، وجعل لنا أجرًا واحدًا، وقد صدقناك والرسل والكتب؛ فنزلت هذه الآية: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ ﴾ [الأعراف: 181]؛ يعني: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 181]، قال قتادة: "بلغنا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قرأ هذه الآية قال: هذه لكم وقد أُعْطِي القوم بين أيديكم مثلها: ﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 159]، ودلت بذلك الآية الكريمة على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أمة الحق والعدل إلى يوم القيامة، وأيد هذا المعنى فيها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس))، وقوله عليه السلام: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)).
ثم توعد تعالى من لم يؤمن من كفار قريش وغيرهم ممن تبلغهم الدعوة، فلا يؤمنون بقوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ [الأعراف: 182]؛ أي: كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وآيات القرآن الكريم، ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182]، والاستدراج من فعل "درج"؛ أي: مضى، ومنه درج الشيء؛ أي: ذهب أو مات، أو انتهى أمره، أو درج فيه إذا استمر فيه، ودرج إليه؛ أي: سعى إليه، ومنه مدارج الجبل، وهي الرتب الحجرية والترابية المعترضة يصعد بها المرء إليه، أو ينزل منها واحدة بعد أخرى، ومنه الاستدراج صعودًا أو نزولًا؛ أي: الاستصعاد، أو الاستنزال درجة بعد درجة، ومعناه في هذه الآية الكريمة: سنسوقهم إلى الهلاك بالتدريج شيئًا فشيئًا، من غير أن يشعروا أو يعلموا أنه استدراج لهم، وذلك كالذي ينسى أحكام دينه أو تغرُّه الشهوات، فيقبل على المعاصي، أو الذي تتواتر عليه النعم مالًا وبنين وهناءة، ولا يبالي من أين أتته، ولا كيف يتصرف فيها، وينسى الآخرة حتى ينتقل إليها: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾ [الأعراف: 183]؛ أي: أمهلهم، وأمد لهم في ذلك، فلا يُعجَّل لهم بما يردعهم، أو ينبههم، أو يوقظهم من غفلتهم، فيزدادون فرحًا وبطرًا بما أوتوا حتى يدركهم الموت بغتة، فتحق عليهم كلمة العذاب: ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 183]؛ أي: إن أخذي لمن كذب بآياتي، واغتر بالحياة الدنيا - شديد، وسمي ما فُعِل بهم كيدًا؛ لأن ظاهره كان إحسانًا، وباطنه كان خذلانًا؛ كما قال بعض الصالحين: "تأتيهم الدنيا بمحنة في طيِّ منحة، فتضحكهم وتضاحكهم وتضحك عليهم، وتريهم بريق الذهب في أعينهم، وبريقُ الخنجر لمَاَّعٌ ومغروز في ظهورهم"، وقال غيره من أولياء الله: "أخوف ما أخاف على نفسي، عندما تستجاب دعواتي، أو تتوالى عليَّ النعم".
ثم بالتفات إلى كفار قريش ومشركيها توبيخًا لهم وتعجبًا من غبائهم، وعجز عقولهم عن التدبر والفهم، وكلُّ ما حولهم دليلٌ إلى الحق، وإلى صراط مستقيم؛ قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ﴾ [الأعراف: 184]، في حال الرسول صلى الله عليه منذ كان بين أظهرهم صبيًّا ناشئًا، ثم غلامًا يافعًا ورجلًا كامل العقل راجحه، وفيما جاءهم به، ودعاهم إليه من الحق والتوبة، والحياة الطيبة والعمل الصالح، وأنهم كانوا يدعونه الأمين؛ لصدقه وأمانته وحكمته وعلو همته، فحكموه لذلك في أمر إعادة بناء الكعبة، ثم هم يحاولون التشكيك في نبوته، ويتهمونه بالجنون في محافلهم الخاصة والعامة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [القلم: 51 – 52]، وقال: ﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ [الصافات: 36]، وقال: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6]، هلا فكروا قليلًا؛ كي يتبين لهم أنه ﴿ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ [الأعراف: 184]، ليس بصاحبهم المبعوث إليهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنون ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 184]، بل هو راجح العقل، ثابت الجنان، اصطفاه الله لتبليغ رسالته وأَمَرَه أن يدعوكم إلى الحق، ويبينه لكم، وينذركم عاقبة الكفر والعصيان؛ قال قتادة: "ذُكِرَ لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلًا، فجعل يدعو قريشا فخذًا فخذًا: يا بني فلان، يا بني فلان، يحذرهم بأس الله ووقائعه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت إلى الصباح؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ... ﴾ [الأعراف: 184]".
ثم حثهم الحق تعالى على مواصلة النظر المؤدي إلى الإيمان؛ فقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 185]، ألم يتدبروا بعقولهم وقلوبهم ما يرونه في الكون أرضًا وسماء، ونجومًا وأفلاكًا، وخلائق حية تسعى، فيهتدوا إلى ضرورة توحيد الخالق الحق سبحانه وإلى صراطه المستقيم، ﴿ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ﴾ [الأعراف: 185]، أولم ينظروا إلى الموت تأخذ من حولهم كل حين، فيتذكروا أن لهم أيضًا أجلًا يموتون فيه قد يكون قريبًا، فيحاسبون على معتقداتهم وأقوالهم وأعمالهم: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185]، إذا لم يؤمنوا بالقرآن الكريم على كمال بيانه، وقوة حجته، ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم على صدقه ومكانة نبوته، وتمام رسالته، ولم يهتدوا بما يرونه من آيات خلق الله أمامهم، ومن فوقهم، ولم يتعظوا بالموت، وهو يتخطف من حولهم، فبأي بيانٍ يهتدون ويؤمنون؟ ﴿ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأعراف: 186]، من كان حاله حيرة وغلوًّا وطغيانًا، فأمره إلى الله إن شاء أنقذه وهداه، وإن شاء تركه فيما هو فيه تائهًا حائرًا، حتى يأتيه الموت، والآية قرأ عاصم وأهل البصرة فيها قوله تعالى: ﴿ وَيَذَرُهُمْ ﴾ [الأعراف: 186]، بالياء ورفع الراء، وقرأ حمزة والكسائي بالياء وجزم الراء ﴿ وَيَذَرْهُمْ ﴾، وقرأ الآخرون بالنون ورفع الراء، ﴿ وَنَذَرُهُمْ ﴾، على أن الكلام مستأنف؛ أي: نتركهم، ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأعراف: 186]، في الكفر يتيهون.
لقد بينت آيات هذه الحلقة من تفسير سورة الأعراف طبيعة بناء الأنفس الرائدة والدول الشاهدة، أما الأنفس الرائدة، فلا تبنى إلا بتوحيد الخالق سبحانه، ومعرفة أسمائه الحسنى، والتأثر بها في الاعتقاد والعمل، ونبذ الإلحاد والملحدين، والإعراض عن مهاتراتهم، والتفرغ لنصرة الإسلام وإعداد رجاله، وأما الدول الشاهدة، فلا بد لمن يروم إقامتها أو نيل شرف المساهمة في بنائها، واصطفاه الله لها، من منهاج سعيٍ، وتصميم عمل، وتحديد قبلة وهدف، وقد جمعت له هذه الآيات الكريمة ذلك كله في أركانها الثلاثة: ركن التوحيد الحق في جوهرته الربانية السامية؛ بقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وركن إقامتها على الحق والعدل في قوله تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 181]، وركن ضرورة الاستغراق في البناء والتشييد، والإعراض عن الملحدين والجاهلين، فلا ننشغل بهم، أو نستهلك أعمارنا وطاقاتنا في مجادلتهم؛ بقوله تعالى: ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ [الأعراف: 180].
لندن في يوم الأربعاء 17 جمادى الأولى 1443 للهـجرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، الموافق: (22/ 12/ 2021).
[1] مثل الدكتور حسن الترابي في شطحاته العقدية الشاذة وبعض ما دونه في كتابه: "نظرات في الفقه السياسي"، من أنه لا حرج على المرء وهو يتكلم من موقع (عـزة ثقافيـة)، وفي سياق يحترز به من الخلط، أن يستعمل كلمة "god" معرفَةً بالحرف الكبير، إشارة إلى الله.
[2] إشارة إلى قوله تعالى في الذين أسلموا من أهل الكتاب: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [القصص: 52 - 54]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 159].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|