عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 23-01-2022, 04:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 143 الى صـ 147
الحلقة (25)

والحكمة في هذا كله: أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فتؤدَّى تلك الآية بعينها إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تذكيراً لهم بها، وبأنها تتضمن هذه.

والعالِم قد يحدث له حوادث فيتذكر أحاديث وآيات تتضمن الحكم في تلك الواقعة وإن لم تكن خطرت له تلك الحادثة قبل، مع حفظه لذلك النص). اهـ.
وقال السيوطي: (تنبيه: قد يجعل من ذلك الأحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث أُبي: (إن ربي أرسل إليَّ أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أُمتي، فأرسل إليَّ أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إليَّ أن اقرأه على سبعة أحرف) فهذا الحديث يدل على أن القرآن لم ينزل من أول وهلة بل مرةً بعد أخرى). اهـ.
وخلاصة حجتهم ما يلي:
1 - أن النزول يتكرر لغرض إنزال بقية الأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها.
2 - تذكير المخاطبين وموعظتهم بها.
3 - تعظيم شأن المنزل.
4 - تذكير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها خوف النسيان.
5 - وجود أمثلة من القرآن تدل على هذا.
القول الثاني: أنه ليس في القرآن شيء تكرر نزوله واحتجوا بما يلي:
1 - أن هذا خلاف الأصل، قال ابن حجر: (والأصل عدم تكرر النزول).
2 - عدم الفائدة في تكرر النزول لأنه تحصيل حاصل.
3 - عدم الدليل الصحيح على وقوع التكرر.
والبداية بالجواب عما ذكره القائلون بتكرر النزول.
فقولهم: إن النزول يتكرر لغرض إنزال بقية الأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها. فالجواب عنه من وجوه:
أ - أن من لازم القول بهذا ارتباطَ الأحرف السبعة بأسباب النزول؛ لأن النزول لن يتكرر إلا بوجود أسبابه.
والواقع أن الأحرف السبعة تخالف أسباب النزول في الموضوع والغاية، فالغرض من تكرر النزول على فرض وقوعه معالجة ما يستدعي ذلك من القضايا الخاصة، بينما الغرض من إنزال القرآن على سبعة أحرف التيسير والتسهيل على الأمة عامة في قراءة القرآن وفرق بيِّن بين الأمرين.
ب - أن مقتضى استدلالكم بنزول الأحرف السبعة على تكرر النزول أن يكون لما ذكرتم من الأمثلة صلة بالأحرف وهذا ما لا يوجد، حتى أنتم لما ذكرتم التكرار لم تقولوا إنها في النزول الأول كانت بحرف كذا، وبالنزول الثاني كانت بحرف كذا، بل غاية الأمر عندكم أنكم لجأتم للقول بتكرر النزول لما اشتبه عليكم المكي بالمدني.
جـ - أن الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها لو كان لها صلة بتكرر النزول لكانت الأدلة على تكرر النزول تربو عن المذكور بكثير، وهذا ليس بغريبٍ، إذا علمنا أن الأحرف سبعة وأن عدد سور القرآن يبلغ مائة وأربع عشرة سورة، فلماذا اقتصرتم على بضعة أمثلة يرددها اللاحق عن السابق، وتركتم الجم الغفير منها، ولم تصدروا بها قولكم مع أن الأدلة والأمثلة هي مادة حياة القول وسبب بقائه.
وأما قولهم: إن في تكرر النزول لبعض الآيات تذكيراً وموعظةً بها.
فالجواب أن يقال: إن التذكير والموعظة يحصل بالتفكر والتدبر في آيات اللَّه الشرعية والكونية.
قال اللَّه تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29).
وقال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45).
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185).
فالذكرى تنال بالتدبر والتفكر لا بتكرار النزول، ولو كان التذكير والموعظة يستلزم التكرار لترتب على هذا أمران:
الأول: تعطيل التفكر والتدبر في كتاب اللَّه مع أنه الغاية من الإنزال كما دلت على هذا الآية السابقة.
الثاني: استمرار النزول ودوامه إلى قيام الساعة لأن حاجة الناس للتذكير والموعظة لا تنقطع، فهل كلما دعت حاجة إلى التذكير اقتضى الأمر النزول؟ هذا لا يقوله أحد، حتى وإن قال بتكرر النزول، ولعل المرء يقول القول لكن يغيب عن ذهنه لازمُه وما يترتب عليه واللَّه أعلم.
وأما قولهم: إن في تكرر النزول تعظيماً لشأن المنزّل.
فالجواب أن يقال: المنزّل لا يفتقر للتكرار حتى يكون عظيمًا بل يكفيه تعظيماً وتشريفًا أنه كلام اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فهذا أعظم شرف للقرآن.
ولو أننا ضربنا مثلاً - وللَّه المثل الأعلى - بملِكين من ملوك الدنيا، أحدهما يُصدر الأمر بالشيء فتتم الاستجابة لأمره بشكل كامل، ومن غير إبطاء.
والآخر يفعل الشيء نفسه لكن أمره أحيانًا يواجه بالرفض، وأحيانًا بالتنفيذ الجزئي، وأحياناً بالإبطاء، فهو يضطر لفعل الشيء الواحد أن يصدر عددًا من الأوامر.
فأيُّ المَلِكين أعظم شأناً في أمره وسلطانه؟
فالجواب: بلا ريب أن الأول أعظم شأناً في نفسه وأمره مع أنه لم يكرر أمره، بخلاف الثاني فالضعف يلتف حوله ويحيط بأمره مع كونه يكرر الأوامر التي لم تغن عنه شيئاً.
فإذا كان هذا شأن المخلوق على ما فيه من ضعف، فكيف الشأن بالخالق الذي له القوة جميعاً.
وبهذا يتبين أن التكرر في النزول لا يدل على تعظيم المنزّل، بل التعظيم حاصل بنزوله فقط مرة واحدة. والله أعلم.
وأما قولهم: إن في تكرر النزول تذكيراً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها خوف نسيانه.
فالجواب عن هذا أن يقال: إن الله تعالى قال: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) وقال تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ).
ولن يصطفي الله لرسالته أحداً إلا إن كان مهيأ للرسالة، صالحاً لها، مع إمداده، بما يكون به صلاح الدعوة، وقوة الحجة من الأسباب المادية الحسية والمعنوية، ولرسولنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأسباب أسماها وأعلاها، كيف لا وهو سيد ولد آدم، وخاتم النبيين، ورسالته أوعبت الجنس والمكان والزمان.
أفيمكن بعد هذا أن يقال إنه نسي الآية التي بين يديه، أو خفيت عليه دلالتها على تلك الحادثة حتى ينزل الوحي مرة ثانية.
إن أحداً من العلماء الراسخين لو وقع هذا منه لكان مستغرباً باعثاً على الشك في حسن فهمه لنصوص الوحي، فكيف يقال هذا في رسول الله -- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ --؟
فقول الزركشي: (قد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه وتذكيراً به عند حدوث سببه خوف نسيانه) لا يخلو من أمرين:
الأول: إن أراد أن النسيان واقع من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرهم يذكرهم بكتاب الله، وحينئذٍ تنتفي الحاجة للتكرار.
الثاني: إن أراد أن النسيان واقع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهذا عين الخطأ والخطل والخطر، والله المستعان.
أما استدلالهم ببعض الروايات على تكرر النزول لتعارضها في الظاهر فإليك مناقشتها:
أولاً: الفاتحة فقد ذهب بعض أهل العلم إلى نزولها مرتين ظنا منهم أنها نزلت مرة في مكة، ومرة في المدينة.
وقد استُدل على نزولها بمكة بأن الله ذكرها في سورة الحجر بقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ومما يدل على أن المراد بالآية هنا سورة الفاتحة ما روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أُصلي في المسجد، فدعاني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أُصلي فقال: (ألم يقل اللَّه: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ثم قال لي: (لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد)، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: (الحمد للَّه رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه).
وجه الدلالة من الحديث على أنها مكية أن اللَّه تعالى ذكر إيتاءها رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سورة الحجر، وهذه السورة مكية كلها.
قال ابن عاشور: (حكي الاتفاق عليها).
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تكون الفاتحة قد نزلت قبل سورة الحجر، وبناءً عليه لا بد أيضًا أن يكون نزولها في مكة.
أما من استدل على نزولها بالمدينة فاحتج بما روى مسلم عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: بينما جبريل قاعد عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع نقيضًا من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم. فنزل منه ملك. فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أُوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرا بحرف منهما إلا أُعطيته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]