عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-01-2022, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 128 الى صـ 132
الحلقة (22)

المبحث الخامس
عموم اللفظ وخصوص السبب

هذا المبحث أساسه ومصدره من المباحث الأصولية الهامة والمؤثرة في التطبيقات العملية للأحكام الشرعية، ونظراً لصلته الوثيقة بالنصوص الشرعية بوجه عام، فسيكون لزاماً أن يرتبط بأسباب النزول على نحو خاص، ويكون من المباحث الرئيسة في هذا الموضوع.
وقبل الشروع في المقصود أود التعريف باللفظ العام والسبب الخاص فأقول:
اللفظ العام: هو لفظ وضع وضعاً واحداً لكثير فير محصور مستغرق جميع ما يصلح له.
مثال ذلك: لفظ المحسنين في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وقد احتُرز بقوله: (وضع وضعاً واحداً) عن المشترك، كالعين مثلاً تطلق على العين المعهودة، والجاسوس، والماء.
وبقوله: (لكثير) عما لم يوضع للكثير كزيد وعمرو.
وبقوله: (غير محصور): عن أسماء العدد فإن المائة مثلاً وضعت وضعاً واحدًا للكثير، لكن الكثير محصور.
وبقوله: (مستغرق جميع ما يصلح له) عن الجمع المنكر الذي تدل القرينة على أنه غير عام، فإن هذا يكون واسطةٌ بين العام والخاص، نحو رأيت رجالاً، فإن من المعلوم أن جميع الرجال غير مرئي.
أما السبب الخاص: فالمراد به السبب الداعي إلى الخطاب أي سبب الورود.
- وقد ذكر بعض أهل العلم أن القسمة العقلية لأحوال اللفظ مع السبب في العموم والخصوص لا تجاوز أربعة أحوال وهي:
1 - أن يكون السبب عاماً، واللفظ النازل عليه خاصاً.
2 - أن يكون كلٌّ من السبب واللفظ النازل عليه عاماً.
3 - أن يكون كل من السبب واللفظ النازل عليه خاصاً.
4 - أن يكون السبب خاصًا واللفظ النازل عليه عاماً.
وسأنظر فيما يمكن قبوله أو رده من هذه الأحوال وفقا لما بين يديّ من الأسباب وأقوال العلماء.
فأما الحال الأولى: وهي أن يكون السبب عامًا واللفظ النازل عليه خاصاً فهذا لا وجود له في أسباب النزول، وقد قال أبو شهبة:
(وهذا القسم وإن صح عقلاً لكنه لا يجوز بلاغةً لعدم وجود التطابق بين السبب الذي هو بمنزلة السؤال، واللفظ النازل عليه الذي هو بمنزلة الجواب له فيكون بمنزلة من يقول هل للمسلمين أن يفعلوا كذا؟ فيجاب بأن لفلان أن يفعل كذا، ويترك حال الباقين، ومن ثمَّ لم يقع هذا في الكلام البليغ كالقرآن والسنة). اهـ.
قلت: هذا يأتي في الكلام المعتاد وقد قال الطوفي:
(ولو سأله جميع نسائه الطلاق، فقال فلانة طالق، اختص الطلاق بها وإن عمَّ السبب). اهـ.
لكن العموم في السبب هنا ليس مطلقًا، بل هو نسبي لاختصاصه بنسائه فقط.
وأما الحال الثانية: وهي أن يكون كلٌّ من السبب واللفظ النازل عليه عاماً، فقد ذكر هذا بعض المؤلفين في علوم القرآن واستدلوا له بأدلة منها:

1 - الآيات النازلة في غزوة بدر، والآيات النازلة في غزوة أحد من سورة آل عمران.
2 - قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ).
3 - قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).
4 - قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ).
ففي آية المحيض سأل المسلمون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن معاملة الحائض.
وفي الثانية سألوه عن كيفية توزيع الأنفال، وفي الثالثة سألوه عن معاملة يتامى النساء المسلمات في النكاح.
فالسائلون جماعة من المسلمين وليس واحداً، فمن ثمَّ كان السؤال عاماً.
وعندي - والله أعلم - أن هذا ليس دقيقاً، وفي نفسي منه شىء، ويعكر عليه أمران:
الأول: أن الأُصوليين وهم أصحاب الشأن لم يذكروا أن السبب يكون عاماً - حسب اطلاعي - وهذا يوجب الشك فيما ذكره غيرهم.
الثاني: ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مرضت فجاءني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعودني، وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقد أُغمي عليَّ، فتوضأ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم صب وضوءه عليَّ، فأفقت، فقلت: يا رسول اللَّه، كيف أقضي في مالي، كيف أصنع في مالي؟ قال: فما أجابَنِي بشيء حتى نزلت آية الميراث.
وآية الميراث هي قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ... ).
وجه الدلالة من الحديث على المقصود أن يقال:
إن المستفتي عن ذلك واحد وهو جابر بن عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وحينئذٍ فالأمر لا يخلو من حالين:
الأولى: أن تقولوا إن السبب خاص وليس عامًا لأن السائل واحد وهو جابر فيقال لكم: ما الفرق إذن بين قوله: يسألونك، وقوله: يستفتونك، لأن طريقتكم تقتضي أن الأول سبب عام، والثاني سبب خاص؟
الثانية: أن تقولوا إن السبب عام إذ لا فرق بين يسألونك ويستفتونك، وحينئذٍ يقال لكم كيف جعلتم هذا سبباً عاماً مع أن السائل واحد وهو جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟
وهذا المثال بيِّن في التعكير على ما ذكروه من خصوص السبب وعمومه والله أعلم.
أما الحال الثالثة: وهي أن يكون كلٌ من السبب واللفظ النازل عليه خاصاً فهذا واقع، والأمثلة عليه من أسباب النزول كثيرة ومنها:
1 - أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أحد كسرت رباعية رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشُج في وجهه، قال: فجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله؟ قال: فأنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).
فالسبب واللفظ كلاهما خاص هنا.
2 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بلغ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أصحابه شيء فخطب فقال: (عرضت عليَّ الجنة والنار، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً؛ قال: فما أتى على أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أشدُّ منه، قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين، قال: فقام عمر فقال: رضينا باللَّه رباً، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبياً، قال: فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
فالسبب خاص فيمن سأل، واللفظ خاص بعهد النبوة لأنه زمن نزول القرآن.
3 - أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما مات عبد اللَّه بن أُبي بن سلول، دُعي له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي عليه، فلما قام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثبتُ إليه فقلت: يا رسول اللَّه أَتصلي على ابن أُبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ أُعدد عليه قوله، فتبسم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (أخِّر عني يا عمر) فلما أكثرت عليه قال: (إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها) قال: فصلى عليه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) - إلى قوله -: (وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).
فالسبب خاص بصلاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هذا المنافق، واللفظ خاص به أيضًا، لأن النفاق المانع من الصلاة على صاحبه لا يُعلم إلا من قِبَل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -.
4 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما تزوج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب بنت جحش، دعا الناس طعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة، وإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء ليدخل فماذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقوا، قال: فجئت فأخبرت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فأرخى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) - إلى قوله -: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا).
فالسبب خاص بالصحابة المتحدثين واللفظ خاص بالصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]