
21-01-2022, 09:43 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة :
|
|
رد: الآثار السيئة للابتداع
والمقصود: بأنَّ القلب إذا افتُتِن بالبدع والمنكرات ومخالفة الكتاب والسنة؛ خرجت منه حُرمة المعاصي والمنكرات والبدع المُضِلَّة، وخرج منه نور الإيمان؛ كما يخرج الماء من الكوز إذا مال وانتكس، وصاحب هذا القلب الأسود والمائل عن الحق والمنتكس عن الفطرة الصحيحة تجده (لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) وهو ما يهواه قلبه الفاسد.
12- الذِّلة والصَّغار لأهل البدع في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة:
من سنن الله تعالى الماضية في خلقه أن جعل العِزَّةَ والنَّصر والتَّمكين لأوليائه في الدنيا، والنَّعيم المقيم في الآخرة، فالعزة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين المتبعين سنته وهديه صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]؛ فالمتَّبعون للسُّنة والشريعة هم الأعزاء، والمبتدعون في دين الله تعالى هم الأذلاء المُحتقَرون الصَّاغرون في الدنيا والآخرة.
ويؤيده قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ [فاطر: 10].
فمَنْ أرد العزة في الدنيا والآخرة فليطلبها بالإخلاص، وباتباع سنة وهدي سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فلا تُنال العزة إلاَّ باتباع الكتاب والسُّنة، ولا يُرفع العمل ويُقبل عند الله تعالى إلاَّ بالإخلاص ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في هديه وشريعته والبعد عن الابتداع في الدين، فبهذه الطريقة الصحيحة يعز صاحب السُّنة، ويرفع عملُه، ويقبله الله تعالى، بخلاف ارتكاب البدع؛ فإنه طريق إلى الذِّلة وإنْ أراد صاحبُ البدعة الرِّفعةَ بها، إلاَّ أنه يُمكر به، ويُكاد به؛ بسبب ارتكابه البدع والضلالات، ويعود عمله وبالاً عليه، ولا يزداد إلاَّ إهانةً ونزولاً وذلة.
وعلى قدر تمسُّك المؤمن بدينه واتِّباعه للنبي صلى الله عليه وسلم وهديه ينال هذه العزة المشار إليها في الآية الكريمة، ولذلك حُرِمَ المبتدعُ من هذه العزة بقدر ابتداعه في الدين، وبُعدِه عن هدي وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
ومن شؤم الابتداع ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته: الذِّلة والصَّغار في الدنيا، وغضب الله تعالى في الآخرة والعذاب الشديد؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. فكلُّ مَنْ يُخالف النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويُعانده فيما جاء به ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ﴾ بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية، ثم هو بعد ذلك كلِّه ﴿ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: يتَّبع غيرَ طريقِهم في العقائد والأعمال، فعند ذلك ﴿ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾ أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نُوفِّقُه للخير؛ لكونه رأى الحقَّ وعَلِمَه وترَكَه، فجزاؤه من الله – عدلاً – أنْ يبقيه في ضلاله حائراً ويزداد ضلالاً إلى ضلاله، ثم في الآخرة ﴿ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ ﴾ أي: نُعذِّبه فيها عذاباً عظيماً، ﴿ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ أي: مرجعاً له ومآلاً.
وهذا الوعيد المُرتَّب على الشِّقاق ومخالفة سبيل المؤمنين مراتب لا يُحصيها إلاَّ الله سبحانه، بحسب حالة الذنب والبدعة صِغَراً وكِبَراً، فمنه ما يُخلِّد في النار ويوجب جميع الخذلان، ومنه ما هو دون ذلك.
ويدل مفهومه الآية الكريمة: على أنَّ مَنْ لم يُشاقق الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتبع سبيل المؤمنين، بأنْ كان قصدُه وجهَ الله واتِّباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهمِّ بها ما هو من مقتضيات النفوس، وغَلَبَات الطِّباع، فإنَّ الله لا يولِّيه نفسَه وشيطانَه بل يتداركه بلطفه، ويمنُّ عليه بحِفْظِه ويَعصِمُه من السُّوء؛ كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، أي: بسبب إخلاصه صَرَفْنَا عنه السُّوء، وكذلك كلُّ مخلص، متَّبع هدي النبيِّ وسُنَّتَه، كما يدل عليه عموم التعليل[12].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي)[13]. فالذلة والصغار لجميع المبتدعة – بحسب نوع البدعة – التي ارتكبوها، بنص كلام الصادق المصدوق، وكم ذكر التاريخ لنا عن ذلة المبتدعة في الدنيا ولا سيما عند موتهم بسبب مخالفتهم لأمرِ رسول الله جزاء وفاقاً، أبى الله إلاَّ أنْ يُذِلَّ مَنْ عصاه.
والمُبتدع يعيش في ذِلة وصَغار أبداً ما دام حيًّا، والمُتابع لحركة التاريخ الإسلامي يلحظ هذا الأمرَ جيداً، فكم من فترة من فترات التاريخ الإسلامي خبا فيها صوت أهل السنة وهُزِمت دولتهم، لكنها باقية أبداً لم تنتهي ولن تنتهي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، في الوقت نفسه زالت دول وإمارات كانت رأساً للبدعة ولم تقم لها قائمة؛ فأمست أثراً بعد عين، وذكرى بعد ذِكر.
13- سوء عاقبة وخاتمة المبتدع:
حال الموت هو حال انكشاف للحقائق وبيان واضح لما يُضمره الإنسان من سريرة، فالإنسان أصدق ما يكون عند موته وانقطاع الأسباب عنه؛ لذا يُخاف على المبتدع من سوء الختام؛ لأن الشيطان أشد ما تكون وطأته على الإنسان في آخر لحظات عمره عند انقطاع أنفاسه بغية أن يوقعه في المصائب العظام؛ فيخيِّل له الشيطان عند الاحتضار أن دينه كلَّه ضلال، ولربما اعتراه شك أو جحود أو إصرار على البدع فيختم له بما سبق عليه الكتاب، وقد كان رؤوس أهل البدع والأهواء يُصرِّحون عند الموت بضلال ما كانوا فيه، ولربما تقطعت بهم السُّبل وامتلأت قلوبهم أسى وحسرة على ضياع أعمارهم فيما ظهر لهم من الضلال والفساد والحرمان والخسران[14].
وإن من أعظم أسباب سوء الخاتمة إصرار العبد على البدع والضلالات، وإنْ أظهر للناس غير ذلك، وممَّا يدل عليه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)[15].
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ؛ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ؛ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً سَيِّئًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ؛ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً صَالِحًا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: (يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ)[16].
قال أبو محمد عبد الحق الإشبيلي رحمه الله: (واعلم أن سوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - لا يكون لِمَن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنما يكون ذلك لِمَن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة، ويثب عليه قبل الإنابة، ويأخذه قبل إصلاح الطوية فيصطلمه[17] الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أو يكون ممن كان مستقيماً ثم يتغيَّر عن حاله ويخرج عن سننه، ويأخذ في غير طريقه، فيكون ذلك سبباً لسوء الخاتمة، وشؤم العاقبة، والعياذ بالله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11] )[18].
إذاً؛ من الآثار السيئة للبدعة وللابتداع الوقوع في سوء العاقبة وسوء الخاتمة؛ بسبب التلبس بالشرك أو النفاق أو التعلُّق بغير الله تعالى وما شابه ذلك من الصفات المذمومة، ولا سيما التعلُّق بأنواعٍ من البدع والضلالات، لذا قَلَّ أنْ يُخْتَم لمبتدع بخاتمة حسنة إلاَّ أن يتداركه الله تعالى برحمته وفضله.
وقد سبق الحديث عن حَيرة واضطراب حذَّاق أهل الكلام والفلسفة وعامة المبتدعة والكفار بما أغنى عن إعادته هنا، وليس للعبد من نجاةٍ أو ثباتٍ على الدين إلاَّ باتباعه السنة النبوية، وابتعاده عن البدع والأهواء المُضِلَّة، ولا نجاة له ابتداءً بدون توفيق الله وتثبيته حتى الممات، واللهَ تعالى وحده نسأل أن يُثبِّتنا على دينه حتى نلقاه.
يُتبع.
[1] رواه البخاري، (3/ 1478)، (ح 7405).
[2] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 366).
[3] رواه البخاري، (3/ 1478)، (ح 7406)؛ ومسلم، (2/ 1128)، (ح 6952).
[4] شرح النووي على صحيح مسلم، (16/ 220).
[5] اقتضاء الصراط المستقيم، (ص 44).
[6] المصدر نفسه، (ص 93).
[7] المصدر نفسه، (ص 550).
[8] تفسير ابن كثير، (6/ 90).
[9] رواه مسلم، (1/ 63)، (ح 328).
[10] شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (1/ 105).
[11] رواه مسلم، (1/ 73)، (ح 386).
[12] انظر: تفسير السعدي، (1/ 202).
[13] رواه البخاري في (صحيحه) مُعلَّقاً، (2/ 565)؛ وأحمد في (المسند)، (9/ 123)، (ح (5114). وحسنه الحافظ في (الفتح)، (10/ 23)، والألباني في (الإرواء)، (5/ 109)، (ح 269).
[14] انظر: شرح العقيدة الطحاوية، (ص 227-230).
[15] رواه البخاري، (2/ 562)، (ح 2935)؛ ومسلم، (1/ 60)، (ح 320).
[16] رواه أحمد في (المسند)، (19/ 246)، (ح 12214)؛ وأبو يعلى في (مسنده)، (6/ 401)، (ح 3756). وقال الألباني في (السلسلة الصحيحة)، (3/ 408)، (ح 1334): (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
[17] الاصطلام: هو الانتزاع والاستئصال والاختطاف. انظر: معجم مقاييس اللغة، (3/ 299).
[18] العاقبة في ذكر الموت والآخرة، (ص 180، 181).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|