عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-01-2022, 11:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,832
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لطائف من غزوة الطائف

لطائف من غزوة الطائف (2)
محمد السيد حسن محمد




هذا هو اللقاء الثاني من ذكر بعض مشاهد من يوم غزوة الطائف، وكما هي بين أيدينا، نستلهم منها هَدْيَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنما نحن معه صلى الله عليه وسلم، وعلى مادته، تاريخًا مجيدًا، وصفحات خالدة، تنير درب السالكين، وتضيء مسالك الدارجين.

وهذه سبعة مشاهد، نعالج بعضًا مما رأيناه نورًا، وننهل مما ألفيناه هدًى:
المشهد الأول: كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور.

المشهد الثاني: فابتنى بها مسجدًا فصلى فيه.

المشهد الثالث: بل هي اليسرى!

المشهد الرابع: إما أن تخرج إلينا، وإما أن نخرب عليك حائطك.

المشهد الخامس: من خرج إلينا من العبيد فهو حر.

المشهد السادس: ((من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه، فالجنة عليه حرام)).

المشهد السابع: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187].
♦♦ ♦♦ ♦♦



المشهد الأول: كانا بجُرْشٍ يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور.
هذا بيان الإمام ابن إسحاق رحمه الله تعالى، عن صحابيين كريمين؛ هما: عروة بن مسعود، وغيلان بن سلمة، ولأنهما لم يحضرا غزوة الطائف مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولأنهما كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور.

وهذا بيان آخر أن أمتنا مستهدفة، ولهذا السبب فقمِنٌ بها أن تعد عدتها، ولتقوى شوكتها، وحين تحارب، أو هكذا اضطرت إلى مجابهة عدو الله تعالى وعدوها أيضًا، ولعل إعداد العدة، وكسلاح للردع كان أمرًا واجبًا أيضًا، ولكلا الأمرين كان اطلاعها بهما معًا، واطلاع بعض من أفرادها بهذه مهمة جديرة، وبتلك مئنة قديرة، ولذلكم الذي أعددنا له العدة.

إن القوات المسلحة الإسلامية بحاجة إلى تأهيل قسم منها عظيم؛ ليقوم بمهمات تصنيع الأسلحة، وعلى اختلاف أنواعها، وعدم الاعتماد على استيراد أسلحتها من هنا أو من هناك، إلا في نطاق يكون ضيقًا، ولأن الله تعالى جعل الناس بعضهم لبعض سخريًّا، وهذا حق، ولا مرية فيه، ولا جدال، لكن الحق، ومن وجه آخر أيضًا، أنه يجب على أمتنا أن تحقق اكتفاءها ذاتيًّا، واقتصاديًّا، وصناعيًّا، وزراعيًّا، ومن كل شيء، ولا شك أيضًا، وكيما تفرض هي شروطها على العالمين، لا أن يخضع قرارها لابتزاز هذا، أو ما سواه، أو على الأقل، وإن شئت فقل: تستغني.

وقد رأينا كيف خصص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فريقًا كانت مهمته هي صنع السلاح، لإمداد القوات المسلحة الإسلامية، وكلما عنت لها حاجة.

ولكن الأمر ليس بمثل السهولة، ويكأنه من مثلها أيضًا!

وذلك لأن التقدم هو السهولة، وذلك لأن التأخر في هذا الجانب أو ما سواه هو غيرها أيضًا!

وأقول: إن الأمة بحاجة إلى التصنيع العسكري، وغير العسكري، وهذا سبب موجب من أسباب عقيدة التوكل، التي هي عماد أمرنا، وأُسُّ منهجنا، وسبيل دعوتنا.

وقول بغير ذلكم هو إهمال لتوكلنا، واستدبار له، واستظهار لغيره، من تواكل غير حسن، وما كان ليؤتي أُكُلَه يومًا لا على صعيد الأفراد، وفضلًا عن سبيل الأمم والجماعات.

وأقول أيضًا: إن فريق البحث والدراسة في مجالات العلم المختلفة، كان حقًّا على الأمة تنشئته، ورعايته، وحراسته، ولأن هذا الصنف من الناس يكون دائمًا مستهدفًا، وواقع الحال شاهد، وطبيعة المرحلة حاكمة أيضًا، وهذا مما يُشكَل على البعض، ولكنه ليس يشكل، وحين نعلم أن الحروب لا جبهة لها! فكل جانب من جوانب الحياة، لَيعد مسرحًا للعمليات، ولا فرق في ذلك بين حرب عسكرية، وأخرى اقتصادية، وثالثة زراعية، أو صناعية، وهلم جرًّا!

وهذا الذي يجعلنا وقافين بحق عند قوله تعالى: ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، وإذ كان من سابقه قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، ولأن القوة لفظ عام، فيندرج تحتها كل ما يمكن أن يطلق عليه قوة، حقيقة أو مجازًا، ولا يشذ عن ذلك فرع واحد من فروع المجالات الحياتية، والتي تتحدد، وتتحدث، وتتغير، وتتبدل، وتتعدل، وتتطور، ومن حين لآخر أيضًا، وفي مواكبة حقيقية لكل ما جدَّ، وفي بابه.

وقال الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].

وإن سلاحًا تعده الأمة، وإن قوة تمد بها نفسها، فإن هذا يحقق لها غاية عظمى، وذلك يكون وبامتلاكها زمام المبادرة، فتكون والحال كذلك قد تهيأت لما يمكن أن نسميه أنها تملكت سلاح الردع، وهذا بذاته ربما كان كافيًا، ولأنه ندٌ بند القاعدة الهجومية، فراعى بين صنوف الردع والمواجهة، وواكب بين أنواع الأسلحة المختلفة والمتباينة.

ونشير إلى استلهام عمل قواتنا المسلحة الإسلامية، وعلى مدار التاريخ فقد كان لها فضل السبق في ذلك، ولقد بلغ ذلكم وجهه وأوجه إبان عصورها المختلفة، وأزمانها المتعددة أيضًا.

ودوننا نبينا محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويوم الأحزاب، وحين أرسل نعيم بن مسعود رضي الله تعالى عنه، يوم الأحزاب، وحين قال له: ((الحرب خدعة))[1]، وفي تأسيس كريم لأصول الحرب: الخدعة، والإغارة، في آن، وحين أعيت الخدعة، فثمت الحرب والإغارة، وهذا بالطبع عمل جهاز الاستخبارات الفائق القدرة، والعظيم الكريم السطوة، وحين يفرض عزة أمة، ومن عمل الليل، ومن عمل النهار، عيونا ساهرة، وقادة باهرة ماهرة، وبين أيدينا الآن يوم حصار الطائف، وها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يخصص فريقًا بحثيًّا صناعيًّا؛ للقيام بعمل هيئة التصنيع العسكري الإسلامي، وبإحكام دقيق وشامل في آن أيضًا، ولتكون حلقة الاتصال بلا انقطاع، بين تاريخ مجيد لهذه الأمة، الممتازة، الرائدة، القائدة، الفتية، وبدينها، واعتصامها، وقوتها، وصلابتها، وحين استمسكت بحبل باريها، أمة واحدة موحدة، لا تشرك بربها شيئًا، وحين أطاعت أوامر ربها، ومن قرآنه استقت، وحين أحبت نبيها، وبشرعه عبدت!

وها هو أمير المؤمنين، عمر الفاروق، رضي الله تعالى عنه، وحين اتخذ من تعليم الناس الرماية، والفروسية، والسباحة، وبرهانًا على تنشئة جيل مسلم، قوي، فتي، عتي، يستطيع مجابهة أخطار الحروب، وبصدر مفتوح، لا يخاف عدوًّا، ولا يرهب مارقًا، سلاحه تقواه، وحسبه الإماتة – الشهادة - وله الجنة، وعماده توكله على مولاه، وحين اتخذ السبب الموجب، وإذ ها هو يمسك بعنان فرسه، طالبًا الشهادة، راجيًا الجنان، والفردوس الأعلى من الجنة أيضًا، وإذ هما زادا المسلم الصحيح، وهما ترياقه، وحين عزت الأمصال!

وإذ آن لنا أن نقول: إن إعداد الجندي المسلم المقاتل، والمحب لبذل المهج، بل وطالبها، هو ذاك الأمر الأهم، وحين أعددنا جنديًّا شهمًا مقاتلًا، يذود عن دينه وبيضته، وعن كل شبر امتد إليه سلطان أمته، وبكل عزم دفاعًا عن حصون الإذعان لله تعالى ربنا الرحمن وحوزته، وإذ هو ذاك الذي سوف يمسك بيديه سلاحًا، أعدته له هيئة التصنيع العسكري الإسلامي!

وأمامنا عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وحين رده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يوم أحد؛ ولصغر سنه، ولك أن تصَّوَّر عبدًا لم يبلغ أشده، ولم يواتِ رشده، وإذ ها هو تقوده نفسه؛ محبة للشهادة، ورغبة في الحسنيين، إحداهما، أو كلاهما!

ولهذا فنحن ننشد تنشئة جيل كهذا!
فعن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَرَضَهُ يَومَ أُحُدٍ وهو ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَومَ الخَنْدَقِ وأَنَا ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فأجَازَنِي، قالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ علَى عُمَرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ وهو خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هذا الحَدِيثَ، فَقالَ: إنَّ هذا لَحَدٌّ بيْنَ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، وكَتَبَ إلى عُمَّالِهِ أنْ يَفْرِضُوا لِمَن بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ))[2].

وقد أنف الحديث عن هذا الحدث الكريم، وإبان تناولنا لغزوة أحد، ومن هذه السيرة النبوية المباركة، وقد أسبرنا فقهه، ولما أوفيناه حقه، ما استطعنا.

وكفى أن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أسس قاعدة التصنيع العسكري البحري، وفي سابقة كانت عظيمة فريدة، وإذ نحن بحاجة إلى استلهامها، وفي كافة مناحي حياتنا أيضًا.

سبق إسلامي فريد:
وهذا هو علم الفلك جنبًا إلى جنب، ومع علوم التصنيع العسكري المتعددة، وحين كان استخدام الإسطرلاب ابتكارًا إسلاميًّا صرفًا، لتحديد مسارات السفن، ومنه تقدمت - ومن عقدنا أيضًا - صناعات التقريب والتوجيه عن بُعْدٍ، وإذ كان هذا أساسها الإسلامي المجيد.

وأمامنا، وكيف كان الفتح المبين لمدينة القسطنطينية، وعَلَمًا على نبوءة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين استخدم فيها المنجنيق مفاجأة، ولما استخدم فيها مبادأة، ومفاجأة أيضًا!

ويلزم قول هذا؛ لنعلم من نحن، وعلى خريطة هذا العالم الممتد.

نحن أمة أستاذة!
وإذ نحن أمة مبتكرة مبدعة خلاقة، ولتفرض نفسها قوة ذات عزة، وأمة ذات أنفة، وحين كانت يدها طولى، وتعطي ولا تأخذ، وتمنح ولا تمنن، وتهب ولا تستأثر، وتؤثر ولا أثرة، فضلها عام للعالمين، وخيرها ضافٍ للآخرين، وكما منه مجدها في الأولين والآخرين.

وإذ نؤكد مرة أخرى، ومرات بلا حصر أيضًا، أننا أمة أستاذة، رائدة، قائدة، مبدعة، خلاقة، وكما أننا أمة مستهدفة أيضًا، ومن شرق ومن غرب! ولما سبق من مقومات، يعلمها غيرنا، ولربما كان أكثر من علمنا عن أنفسنا، من قوة وشكيمة، وعزة، ونبل، واستقامة، وإرادة الخير للناس أجمعين، مادِّينَ يدًا فيها قرآننا، ومتطلعين بيد أخرى أننا ذوو الهيجا، وفي الميدان، وإن لزم! ومن هنا وجب اتخاذ الأسباب اللازمة لردع عدونا، وبسلاحنا، ووجب أيضًا اتخاذ الوسائل المانعة من غزو الغير لنا، وفي عقر ديارنا، دارًا دارًا، ولا فرق ها هنا بين دار من شرق، ودار أخرى من غرب أيضًا، فإن ديار الإسلام وكأنما هي دار واحدة؛ ولأنهم أمة واحدة، ولأن دينهم هو ذلكم الدين الأبي الواحد، الذي هو الإسلام الحنيف الخالد، وبيضة الدين جامعة، وحوزة الدار مانعة، لا تفرق، وعموم الروابط لا تنفصم، ولا تنفصل، ولا تتأزم، ولا تتقطع، ولا تتجزأ، وإن حدث بينها حادث، فإنما له حدوده، ومن ثم يرجع كل إلى الحظيرة الشاملة؛ ومن ثم يعود كل إلى حيث قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [المؤمنون: 52]، وكذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].
♦♦ ♦♦ ♦♦



المشهد الثاني: فابتنى بها مسجدًا فصلَّى فيه.
وهذا فعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم كان في طريقه إلى غزوة الطائف، وهو دال بطبيعة الحال على أهمية المسجد في هذا الدين، وإذ كان يمكنه صلى الله عليه وسلم أن يصلي، ومن حيث جعلت له الأرض مسجدًا، وتربتها طهورًا، ولا سيما أنه يعد مسافرًا، والحال كذلك، وإلا أن هذا الفعل، ومن زاوية أخرى، يعد إثخانًا في المشركين، وإذ يعد من قبيل الحرب النفسية الفائقة، وإذ كان معناها أنَّا جئنا، وها نحن عسكرنا، وها نحن أقمنا، واستوطنا، وأنت خبير بمدى فعل ذلك في صفوف الخصوم، وحين يفرقها، وما هو فعله في قلوبهم، وإذ هو يشتتها، وما هو فعله في أبدانهم، وإذ يرعدها، ويقلقلها، ويرجها رجًّا، وكأنما مرجل، ومن تحته نار، ومن فوقه نار أيضًا!

وليس يصرفنا ذلكم عن قيمة الصلاة، في هذا الدين، وحين إقامتها، وعلى وقتها، وعلى أي حال، وتحت أي ظرف مواتٍ، وإذ لا عذر لتركها، أو إهمالها أبدًا.

وإنه ومن حيث نُودِيَ بها المسلمون، ومن حيث قد نُعِتَ بإقامتها المؤمنون، وإنه والحال كذلك، فليس ثمة عذر مبيح لتركها، وإن كان ما عذر به الناس لإقامتها صورة، وإن قائمًا، أو قاعدًا، أو على جنبه، أو نائمًا، أو يومئ، وعلى القدرة؛ ولأن تقواه تعالى وعلى قدر ذلكم رحمة، ويسرًا، ورفعًا لحرج.

وإنه وإن وجد الماء، فثم وجوب الوضوء، وكشرط لصحة الصلاة، وإنه وإن عدم الماء، أو خيف استعماله، فثم عذر التيمم، صعيدًا طيبًا، وما أكثره! وما أوفره! وإذ كان يمثل الطبقة السطحية الأولى لأرضنا الممهدة لنا.

ولئن عرفنا قبلتنا، فثمة توجيه طاقتنا، ومن ثم لا نبرح إلا مصلين، وحيثما ولينا وجوهنا؛ ولأنه ولله تعالى المشرق والمغرب؛ ولأن الله تعالى سبحانه قال: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 115]، وقال تعالى: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 9].

وبل إنه الله تعالى رب المشرقين ورب المغربين؛ وكما قال تعالى: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴾ [الرحمن: 17]، وبل إنه تعالى رب المشارق والمغارب سبحانه؛ وكما قال تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ [الصافات: 5]، وقال سبحانه: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ [المعارج: 40، 41].

وثناء على رب كريم، أهل الثناء والمجد، وكلنا له عبد، وقد أمدنا بطاقات الصلاة، وحين جعل معاشر المؤمنين به يقفون بين يديه تعالى خمس مرات في اليوم، شرفًا منه، وتشريفًا، ولهذه الأمة القانتة، والمحبة لربها، حبًّا يعلمه.

وكذلك الصلوات الخمس يمحو الله تعالى بهن الخطايا، وما أكثرها!

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ؟ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا))[3].

ودلك على صحة مذهبنا هذا، ما حكاه الإمام الواقدي رحمه الله تعالى في مغازيه أنه: ((سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوطاس، فسلك على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية، فابتنى بها مسجدا فصلَّى فيه))[4].
♦♦ ♦♦ ♦♦




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]